المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نفحات إيمانية في العشر الأول من ذي الحجة


المراقب العام
16-07-2020, 05:10 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



الخطبة الأولى
عباد الله….. نحن في أيام عطرة مليئة بالنور والأمل وبسمة الإشراق. تأتي السنة تلو السنة ويأتي الشهر تلو الشهر؛ ولكن الفرص الغالية لا تأتي إلا كل فترات متباعدة، يبعثها الله لعباده ليعوضوا ما فاتهم من الطاعة. لابد وأن يعي المسلم قيمة هذه الأيام “العشر الأوائل من ذي الحجة”، ويعقد خلالها صفقة رابحة مع الله؛ خاصة وأن القرآن والسنة قد أشارا في أكثر من موضع لجلال أثرها على إصلاح المسلم. كما يقع “يوم عرفة” في هذه الأيام ، ومن فضله أن الله يكفر به السنة الماضية والسنة الباقية، وختم الله تلك الأيام العشرة بيوم الأضحية؛ فيسعد الجميع في هذا العيد وفي وفضل هذه الأيام قال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} (الحج:28). فيقال إن هذه الأيام هي الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة. وتحمل هذه الأيام الأمل للمسلمين، ولابد أن يحرصوا خلالها على التقرب إلى الله، والتودد إليه بالأعمال الصالحة. وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على فضل هذه الأيام، فقال: ((أفضل أيام الدنيا أيام العشر)). فهذه الأيام الغالية لابد من اغتنامها، وعدم ضياع هذه الفرصة من أيدينا. أما عن السلف؛ فقد روي عن أنس بن مالك في فضل تلك الأيام، أنه قال: ((بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفه بعشرة آلاف يوم)). وفي هذه الأيام يقوم الحجاج بتأدية مناسك الحج؛ لاجئين إلى الله سبحانه وتعالى من كل فج وصوب، يريدون عفو الله ومغفرته. ولا فضل في هذا المكان الجميل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. وفي هذا التوقيت خطب الرسول صلى الله عليه وسلم خطبته في حجة الوداع؛ لأن مكة -مكان الحج- كانت تضم أكبر حشد من المسلمين. فجمع في خطبته الكثير من أمور ديننا لكي يناقشها معهم. العشر الأوائل والأواخر وهناك مقارنة بين عظم العشر الأوائل من ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان، لوجود يوم عرفة في الأولى، وليلة القدر في الثانية. ففي الدهر نفحات كثيرة لابد وأن نستغلها. لذا قال رسولنا الكريم: ((إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا)). وفي العشر الأوائل من ذي الحجة، نجد حجاج بيت الله الحرام يذهبون إلى البيت العتيق مرددين شعائر الحج “لبيك اللهم لبيك ليبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”. يرددون ملبين نداء الله سبحانه وتعالى ذاكرين الله، شاكرين نعمته عليهم؛ ليغفر لهم ويعودوا كيوم ولدتهم أمهاتهم. أما من لم يستطع الحج وكثير منا كذلك؛ فهل توجد فرصة لمغفرة ذنوبه؟ وهل من بديل للقيام بالطاعات الواجبة علينا؛ لكي نجني ثمرة ناضجة من هذه الأيام العظيمة؟ فهيا بنا للقيام ببعض الأعمال الواجبة في تلك الأيام. – لنجدد النية حتى تكون عبادتنا صالحة وتامة. – لنحافظ على صلاة الجماعة في وقتها، والدأب في قيام الليل. فقد ذكر أحد الأئمة: إن قائم الليل من الثلاثة الذين يضحك الله إليهم، وإذا ضحك الله لعبد فلا حساب عليه – لنحرص على الصيام كما أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم، وصيام يوم عرفه خاصة لفضائله. يقول صلى الله عليه وسلم: ((صوم يوم عرفة كفارة السنة الماضية والسنة المستقبلة)). – لنحاول ختم القرآن الكريم مرة في هذه الأيام. – لنتصدق، وحبذا لو تصدقنا كل يوم في هذه الأيام العشر؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم ((إن الله كريم يحب الكرماء)). وقد قال تعالى :{ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(آل عمران:92). – لنحافظ على الأذكار اليومية. – لنكثر من التسبيح والتحميد والتهليل والاستغفار فقد قال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ معْلُومَاتٍ}(الحج:28). وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب أن تسره صحيفته يوم القيامة فليكثر من الاستغفار)). فمن منا لا يحب أن تسره صحيفته يوم القيامة، فلنداوم على الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال: ((من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا)). – الدعاء للمسلمين المحتلين والأسرى؛ بأن يفك الله كربهم ويثبت أقدامهم. فهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن فضل الدعاء والاستغفار لإخواننا بظهر الغيب فقال: ((من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة)). – كثرة الدعاء في هذه الأيام الجليلة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له)). عباد الله : ليكن همنا وديدننا في هذه الأيام الابتعاد عن المعاصي والذنوب ولو صغرت وسد منافذ الشيطان؛ ذكر أحد السلف عن المعنى الحقيقي لحب الله فقال: “من المحال أن تحبه ثم لا تذكره، ومن المحال أن تذكره ثم لا يجدك طعم ذكره، ومن المحال أن تجد طعم ذكره ثم يشغلك بغيره. وفي نهاية هذه الأيام تأتي الهدية والمنحة “العيد”. فيجب علينا أن نضحي – لمن استطاع- لأنها سنة مؤكدة، ويشترك الحاج والمضحي في بعض المناسك؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي؛ فليمسك عن شعره وأظفاره)) اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه………….

الخطبة الثانية
عباد الله :….. هاهي الفرصة تعود من جديد لكل من تدنست صحيفته بعد رمضان هاهي الفرصة تعود من جديد لكل من كبا فسوّد صحيفته بعد أن كانت بيضاء، إنها فرصة للتطهير والغفران، إنها فرصة للتخلص من الذنوب والأوزار، فرصة لعودة الصحف نقية كما كانت، فالله عز وجل يلاحق الناس بمغفرته ورضوانه؛ فيشرع لهم موجبات الرحمة، وعزائم المغفرة؛ فما إن ينصرم رمضان إلا وتأتي أيام الخير والبركة التي يفضُل العمل فيها العمل في شهر رمضان نفسه. وما إن ينصرم النهار ويقبل الليل البهيم حتى يلاحق الله الناس بمغفرته قائلا ومتوددا لعباده: “هل من مستغفر فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه. ومن أسرف على نفسه ليلا ففاته طلب الرضوان والمغفرة في ساعات السحر فالله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وهكذا يتقلب الإنسان بين الرحمة والمغفرة والرضوان، فخاب وخسر من أعرض عن ذلك كله حتى لقي الله وهو عليه غضبان. وأعظم هذه المواسم الأيام العشر؛ فقد روى البخاري وغيره من حديث عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام -يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه وماله لم يرجع من ذلك بشيء)). وقد روى هذا الحديث عن ابن عباس سعيد بن جبير، وكان من خبره حين سمعه أنه كان إذا دخل العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه، وروي عنه أنه قال: “لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر..” تعجبه العبادة.. إنها دعوة لتدارك العمر كله؛ فالركعة بركعات…… والتسبيحة بتسبيحات….. والصدقة بصدقات……. والقربة بقربات……… إن المسلم إذا كان في المسجد الحرام فإنه يقوم يصلي، فإذا فتر وتعب، وأراد أن يستريح تذكر أن الركعة بمائة ألف ركعة فيقوم متحفزا للصلاة، فيتجافى جنبه عن المضجع، وكلما تعب سلى نفسه بقوله: إن من وراء الموت نوما طويلا فاصبري، كيف تنامين عن ركعة بمائة ألف ركعة؟ لئن زهدت في هذا فوالله لا أراك تنشطين بعدها أبدا، وهكذا يستحث نفسه على السير إلى الله لما فيه خيره وفلاحه. فإذا كانت الركعة في المسجد الحرام بمائة ألف، وكانت العبادة في هذه الأيام أفضل من العبادة في المسجد الحرام في غير هذه الأيام فبكم عساها تكون الركعة؟.. إنها ركعة بمئات الألوف، والتسبيحة بمئات الألوف.. إنه استدراك العمر. جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، انطلق زوجي غازيا، وكنت أقتدي بصلاته إذا صلى، وبفعله كله، فأخبرني بعمل يبلغني عمله حتى يرجع. قال لها: أتستطيعين أن تقومي ولا تقعدي، وتصومي ولا تفطري، وتذكري الله تعالى ولا تفتري حتى يرجع؟ قالت: ما أطيق هذا يا رسول الله. فقال: “والذي نفسي بيده لو أطقته ما بلغت العشر من عمله” رواه أحمد، وصححه الألباني. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال قيل: يا رسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: لا تستطيعونه، فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: ((لا تستطيعونه”، ثم قال: “مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله))(رواه البخاري ومسلم واللفظ له). فالذي يريد أن يدرك فضل المجاهد فعليه أن يصوم فلا يفطر، وأن يقوم مصليا فلا يفتر حتى يعود المجاهد، فإن أفطر من صيام، وإن استراح من الذكر فقد خسر السباق، ومن يستطيع ذلك؟ لكنك اليوم تستطيع أن تفوز في السباق؛ فالعبادات من صلاة وصيام، وذكر واستغفار، وتسبيح وتهليل، وإعانة المحتاجين، وإغاثة الملهوفين… هذه العبادات في هذه الأيام -وفي هذه الأيام فقط- أثقل في الميزان من الجهاد في سبيل الله إلى كل ثقيل لا يتحرك.. إلى كل بطيء لا ينشط.. إلى كل مقتصد لا يجتهد.. إلى كل من كان يريد فيعجز.. إلى كل من أضاع عمره فبنى في الدنيا، وخسر الآخرة أو كاد.. هاهي الفرصة لاستدراك العمر ها هي الفرصة تعود من جديد لكل من تدنست صحيفته بعد رمضان ها هي الفرصة تعود من جديد لكل من كبا فاسودت صحيفته بعد أن كانت بيضاء إنها فرصة للتطهير والغفران، إنها فرصة للتخلص من الذنوب والأوزار… فرصة لعودة الصحف نقية كما كانت عباد الله…. هذا فضل هذه الأيام، ولذلك جاء في الحديث “فأكثروا فيهن من التسبيح والتهليل والتكبير” أكثروا من ذكر الله تعالى ومن تلاوة القرآن ومن فعل الخيرات، ومن الصدقات، فالثواب في هذه الأيام مضاعف وآكد هذه الأيام هو يوم عرفة، هو أفضل أيام العام على الإطلاق، كما أن ليلة القدر أفضل ليالي العام على الإطلاق، أفضل الأيام يوم عرفة والمطلوب فيه أن نصوم، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: ((صيام عرفة حق على الله تعالى أن يكفِّر فيه ذنوب سنتين سنة قبله وسنة بعده)) والصيام مشروع في هذه الأيام التسع كلها ولكن آكدها وأقواها وأعظمها مثوبة هو يوم عرفة، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل يومنا خيراً من أمسنا وغدنا خيراً من يومنا، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة..
من إعداد عبد الحميد الرازي