المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في حديث (المنبر)/د.عثمان قدري مكانسي


امانى يسرى محمد
06-08-2020, 12:59 PM
قراءة في حديث (المنبر)
بقلم الدكتور عثمان قدري مكانسي



الخطابة فنّ

عن عائشة رضي الله عنها:
أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قرَأ هذه الآياتِ يومًا على المِنبَرِ : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ...(67)}(الزمر) ورسولُ اللهِ يقولُ هكذا بإِصبَعِه يُحرِّكُها يُمجِّدُ الرَّبُّ جلَّ وعلا نفسَه : ( أنا الجبَّارُ أنا المُتكبِّرُ أنا الملِكُ أنا العزيزُ أنا الكريمُ ) فرجَف برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المِنبَرُ حتَّى قُلْنا : لَيَخِرَّنَّ به
أخرجه ابن حِبّانَ في صحيحه

سباحة في الحديث

1- الإشارة بكلمة ( هذه الآيات )قبل أن تُقرأ تنبيهٌ واستحضار للذاكرة كي لا يضيع شيء من الكلام ، وهذا اسلوبٌ تربوي نجده كثيراً في أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم.

2- وقراءتها على المنبر ليسمعها الكثير من الصحابة بيانٌ لأهميتها، والحاضرون في خطبة الجمعة – عادة – أكثر في غيرها من الصلوات.

3- وتشير (قراءة الآيات) أنها غير الكلام الذي تجيء الآيات في طياته ، وتُقرأُ مجوّدة مرتّلةً وتجويد القراءة في القرآن مطلوب لتتميّز عن كلام البشر، ومن يفعل غير ذلك جانب الصواب.

4- اكتشف علماء الفلك مجرّة في السماء الدنيا قطرها خمسون مليار سنة ضوئية وبينها وبين أقرب مجرة إليها أضعاف مسافة القطر ، فكم قطر السماء الدنيا؟! .

5- والسماء الدنيا للسماء الثانية كحلْقة في فلاة ، والسماء الثانية للسماء الثالثة كحلْقة في فلاة ، - وهكذا – فكم عِظَمُ الإله الذي يقبض هذه المخلوقات العظام بيمينه ، سبحانه وتعالى ؟.

6- لن يُقدّر البشر عظمة ربهم إلا أن يكون حبُّه وخشيته في قلوبهم، إنه سبحانه صاحب الاسماء الحسنى ، من جمعها وفهمها حق فهمها وعمل بمقتضاها كان من الناجين ،
اللهم ارزقنا هذا الفهمَ وحُسنَ العمل ، وارضَ عنا يا رب.

7- الحركة في الكلام دليل على أمور كثيرة ، منها :

أ- الانفعال الإيجابي الذي تنتقل عدواه إلى المستمع الرائي.

ب- أسلوبٌ من أساليب التأكيد للفكرة المطروحة.

ت- الإيحاءُ بصدق الحديث والإيمانِ به ودعوةٌ إلى التصديق والاهتمام.

ث- الدعوة إلى تعظيم الإله وتمجيده

8- حين يطرق سمعك كلام الله تعالى يمجّد نفسه تأخذك القشعريرة وترى نفسك تقترب من الله حباً وخشية وعبادة وسمعاً وطاعة. ونقلُ حديث من لا تسمعه أذناك ولا تراه عيناك ، ويُحس به قلبك وتحنّ له أضلاعُك أمرٌ في غاية التأثير الإيجابيّ، وهذا أسلوب تعليمي رائع آخر يستعمله المعلّم الناجح لإيصال الأثر إلى المتعلّم.

9- تكرار الضمير ( أنا ) في ثنايا الأسماء الحسنى أربع مرات يعزز المعنى ويقرب الصورة ، ويحيطها بشعاع رائع من القداسة والعظَمة ، فتفعل في النفس فعلها.

10- اختيار الأسماء الحسنى الثلاثة ( الجبار ،المتكبّر ، العزيز )التي توحي بالقوة والسيطرة والهيمنة والعظمة والقوة أسلوب تربوي نسميه " التعظيم" ينشر ظلال الخشية والرهبة والتذلل لهذا الإله العظيم الذي يستحق العبادة والطاعة. وهذا نسميه أسلوب ( الترهيب )

11- اختيار الاسم الرابع ( الكريم) وفيه ما فيه من العطاء والكرم والمدد والإحسان يوحي بأن مع العبادة والطاعة أجرٌ كريم يناله المؤمن ، وهذا نسميه أسلوب ( الترغيب) وكثيراً ما يجتمع الأسلوبان ( الترهيب والترغيب ) – ومن الناس من يستجيب للاسلوب الاول " وهم الأكثرية" وبعضهم – اصحاب النفوس الشفافة – يستجيبون للأسلوب الثاني (الترغيب )، "وهم الأقلية" .

12- للجماد إحساس وشعور ، رجَفَ برسول الله وكاد يخِرُّ خوفاً وخشية وإجلالاً وتعظيماً ، وهو الجمادُ . ولعلنا نتذكر جذع الشجرة الذي أنّ لفراق الحبيب حين تركه ، وقد كان يتكئ عليه في خطبه السابقة، وصعِد المنبر ، فسمع الصحابة أنينه . أفلا يليق بالإنسان أن يخشى الله تعالى ويحبه ويطيعه؟!

13- (حتى قُلْنا : لَيَخِرَّنَّ به) تصوير للحالة النفسية للصحابة ، يقصد منه :

أ- التفاعل مع الحدث.

ب- تصوير الأثر الإيجابي للخطيب الصادق في دعوته المتمكن من إيصال المعلومة حية نابضة ، وما خرج من القلب دخل القلبَ ، وما خرج من اللسان لم يتَعَدَّ الآذان.

14- استعمال الكلمات المناسبة والموحية ذات الاثر البيّن في إيصال الفكرة

أ- وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ.

ب- وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ.

ت- يمجّد الربُّ نفسَه.

ث- أسماء الله الحسنة الدالة على القوة والعظمة .

ج- رجف وخرّ ، فيهما الحركة ذات الإيقاع السريع المفاجئ


اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا.


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,


مقالة لناصر العمر
وما قدروا الله حق قدره



ذم الله سبحانه وتعالى طائفة من عباده عدم توقيرهم له عز وجل كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، فقال: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)، وهذه الآية تكرر ورودها في القرآن في ثلاثة مواضع؛ في سورة الأنعام قال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام: من الآية91)، وفي سورة الحج قال الله تعالى: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:74)، وفي سورة الزمر قال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الزمر:67).


وتكرر ورود هذه الآية يدل على عظم معناها وأهميته، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلوها على أصحابه في خطبه كما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الزمر:67)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده ويحركها يقبل بها ويدبر يمجد الرب نفسه أنا الجبار أنا المتكبر أنا الملك أنا العزيز أنا الكريم فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا ليخرن به"(1).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر بها وبمعناها كلما ذُكر مظهر من مظاهر عظمة الله تعالى وجبروته، فقد جاء رجل من أهل الكتاب فقال: "يا أبا القاسم أبلغك أن الله تبارك وتعالى يحمل الخلائق على أصبع والسموات على أصبع والأرضين على أصبع والشجر على أصبع والثرى على أصبع قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقرأ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)"(2).
فلو علم العباد ما لله من عظمة ما عصوه، ولو علم المحبون أسماءه وصفاته وكماله وجلاله ما أحبوا غيره، ولو علم العباد فضله وكرمه ما رجوا سواه، فالله تعالى رجاء الطائعين وملاذ الهاربين وملجأ الخائفين.

إن العبد يوم يتأمل الضعف الذي يكتنفه ويكتنف غيره من خلق الله تعالى يعظم في نفسه القوي العزيز جل وعلا، ولذا نجد في الآيات السابقة لقوله تعالى: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً) (نوح:13)، أن نبي الله نوح عليه السلام عمد إلى أمرين الأول تذكير قومه بالضعف الذي هو صفة المخلوقين فقال لهم كما أخبر الله تعالى عنه: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً) (نوح:14)، أي طورا بعد طور وهي مراحل تكوين الجنين في بطن أمه من نطفة فعلقة فمضغة فعظام فبشر، فمن كانت هذه بدايته فلا يحق له إلا أن يشهد لله تعالى بالعظمة ويوقره ويعظمه.

الأمر الثاني، أنه عمد إلى إظهار قوة الخالق تعالى فقال: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً) (نوح:15-20).
فمقابل ذلك الضعف الشديد عند المخلوقين قوة الخالق تعالى التي لا تقهر، فمن تأمل في هذين الأمرين حصلت له النتيجة التي يرجوها ذلك النبي الكريم عليه السلام من قومه وهي أن يرجو لله وقارا.

_______________
(1) رواه أحمد وصححه الألباني في ظلال الجنة، 1/290، (546).
(2) البخاري (6978) وغير موضع، ومسلم (19-21).


موقع المسلم