المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اتق المحارم تكن أعبد الناس


المراقب العام
10-08-2020, 05:30 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : (من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلمهن من يعمل بهن؟)، فقال أبوهريرة : فقلت أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمسا، وقال: (اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب) رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني.

شرح الحديث:

لازم أبوهريرة النبي ملازمة تامة، وصاحبه في حله وترحاله؛ ولذا نقل كثيرا من الأحاديث النبوية الجليلة الهامة، التي تحتوي على توجيهات ووصايا عظيمة.

وفي الحديث الذي نحن بصدد شرحه: كان النبي في مجلس مع أصحابه رضوان الله عليهم فقال: (من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعملبهن أو يعلِّمهن من يعمل بهن؟)، فقال أبوهريرة: فقلت أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي – إشعاراً بالاهتمام وعظم الوصية – فعدّ خمسا، أي ذكر خمس خصال، سنقف مع كل خصلة منها وقفة.

الخصلة الأولى : اتقاء المحارم

(اتق المحارم تكن أعبد الناس): المحارم تشمل جميع المحرمات من فعل المنهيات وترك المأمورات التي جاء ذكرها في كتاب الله تعالى و في سنة نبيه المصطفى، كالشرك وقتل النفس والسرقة والزنا والنميمة والكذب والخيانة وقول الزور وأكل الربا وعقوق الوالدين وقطع الرحم وشرب الخمر والسحر وغيرها، ولعل التعبير بالاتقاء اعتناء لجانب الاحتماء على قاعدة الحكماء في معالجة الداء بالدواء.

فإذا اجتنب المرء جميع مانهى الله تعالى عنه ارتقى إلى أعلى مراتب العبودية، لكونه جاهد نفسه على ترك الحرام، قالت عائشة رضي الله عنها موضحة ذلك المعنى: ” من سره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف عن الذنوب “، وقال الحسن البصري: “ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه”، و لكن ينبغي أن يُعلم أن المقصود من تفضيل ترك المحرمات على فعل الطاعات، إنما أريد به نوافل الطاعات، وإلا فجنس الأعمال الواجبات أفضل من جنس ترك المحرمات، لأن الأعمال مقصودة لذاتها، والمحارم المطلوب عدمها، ولذلك لاتحتاج إلى نية بخلاف الأعمال، كما ذكر ذلك الإمام ابن رجب رحمه الله.

الخصلةالثانية: الرضا بما قسم الله

(وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس): السعيد الحق هو من رضي بما قسم الله له, و صبر لمواقع القضاء خيره وشره, والرضا هو السياج الذي يحمي المسلم من تقلبات الزمن, و هو البستان الوارف الظلال الذي يأوي إليه المؤمن من هجير الحياة، وهو الغنى الحقيقي؛لأن كثيرا من الناس لديهم حظ من الدنيا، لكنهم فقراء النفس ومساكين القلب, فقد أعمى الطمع قلوبهم عن مصدر السعادة والغنى الحقيقي, الذي هو غنى القلب والرضا و سكينة النفس، قال تعالى: يوم لايَنْفَعُ مَالٌ وَ لَابَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم (الشعراء: 88-89)، فالقلب السليم هو القلب المطمئن الذي رضي بما قسم الله له واطمأن بذكر الله, قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد: 28)، وما أحسن قول الشاعر:

وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت *** فجميع ما في الأرض لا يكفيها

والحاصل أن من قنع بما قُسم له ولم يطمع فيما في أيدي الناس اسْتغنى عنهم، فالقناعة غنى وعز بالله، وضدها فقر وذل للغير، ومن لم يقنع لم يشبع أبدا، ففي القناعة العز والغنى والحرية، وفي فقدها الذل والتعبد للغير.

الخصلة الثالثة : الإحسان إلى الجار

(وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا): جعل النبي الإحسان إلى الجار من علامات الايمان، ويكون الإحسان إلى الجار بأموركثيرة،منها: رد السلام عليه وإجابة دعوته، وكف الأذى عنه وتحمل أذاه، وتفقده وقضاء حوائجه، وستره وصيانة عرضه، والنصح له.

والجيران ثلاثة: جار قريب مسلم؛ فله حق الجوار والقرابة والإسلام، وجار مسلم غريب؛ فله حق الجوار والإسلام، وجار كافر؛فله حق الجوار، وإن كان قريباً فله حق القرابة أيضاً.

وقد ظل جبريل يوصي النبي بالجار حتى ظنَّ النبي أن الشرع سيأتي بتوريث الجار, فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: (مَازَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِى بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ) متفق عليه.

الخصلة الرابعة : أحب للناس ماتحب لنفسك

(وأحب للناس ماتحب لنفسك تكن مسلما ): من كمال الإسلام أن تحب للناس حصول ماتحبه لنفسك، وحب الخير للناس خلق إسلامي أصيل ينبغي أن يتحلى به كل مسلم، ولم ينص على أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه؛ لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه.

الخصلة الخامسة : لا تكثر الضحك

(و لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب): الضحك من خصائص الإنسان فالحيوانات لا تضحك؛لأن الضحك يأتي بعد نوع من الفهم والمعرفة لقول يسمعه، أوموقف يراه فيضحك منه، وكثرة الضحك تورث ظلمة في القلب وموتا له.

و الإسلام – بوصفه دين الفطرة – لا يتصور منه أن يصادر نزوع الإنسان الفطري إلي الضحك و الانبساط، بل هو على العكس يرحب بكل ما يجعل الحياة باسمة طيبة، ويحب للمسلم أن تكون شخصيته متفائلة باشة، ويكره الشخصية المكتئبة المتطيرة، التي لا تنظر إلي الحياة والناس إلا من خلال منظار قاتم أسود.

و أسوة المسلمين في ذلك رسول الله فقد كان – برغم همومه الكثيرة والمتنوعة – يمزح ولا يقول إلا حقًا، ويحيا مع أصحابه حياة فطرية عادية، يشاركهم في ضحكهم ولعبهم ومزاحهم، كما يشاركهم آلامهم وأحزانهم ومصائبهم.

ولذا فإن المنهي عنه في هذا الحديث ليس مجرد الضحك، بل كثرته، فليس الضحك منهي عنه لذاته ولكن لما يمكن أن يؤدي إلى نتائج وأخلاق لا يرضاها الإسلام، وكل شيء خرج عن حده انقلب إلي ضده.

————–

موقع إسلام ويب