المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا بد من المحاسبة (خطبة)


امانى يسرى محمد
12-11-2020, 11:25 AM
﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النور: 24]
﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]
سيقف كلٌّ منا أمام ربه عاريًا حافيًا، يُختم على فيه، وتتكلم جوارحه، فخذوا لهذا الموقف زادًا كافيًا، وأعدُّوا للسؤال جوابًا شافيًا، ورحم الله عبدًا خلا بنفسه فحاسبها، ونظر في صحائف أيامه وسجلات أعماله: ماذا ادخر فيها؟

اجلس مع نفسك وحاسبها؛ فالمحاسبة مهمة وضرورية: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56]، وقال جل وعلا عن الخاسرين: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا ﴾ [النبأ: 27] ولمن يسأل: وعلى ماذا أحاسب نفسي؟ نقول: حاسبها على فروضك وصلواتك: هل أديتها كما ينبغي، أو قصَّرت فيها؟ فأول ما يُحاسَب عليه المرء صلاته.

حاسبها على وِرْدِك من القرآن: هل تعاهدته أو هجرته؟ فالقرآن حجة لك أو عليك.

حاسبها على أرحامك وأقاربك: هل واصلتهم وجددت العهد بهم، أو قطعتهم وهجرتهم؟ فـ((ما من ذنب أجدرُ أن يُعجِّلَ الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدَّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)).

حاسبها على أموالك ونفقاتك: هل اكتسبتها من حلال؟ وهل أنفقتها فيما يُرضي الله تعالى؟ فكل جسم نبت من سُحْتٍ، فالنار أَولَى به، ولا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربعٍ، ومنها: ((عن ماله: من أين أكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟)).

حاسبها على لسانك وكلماتك: هل راقبته وتنبَّهتَ لِما تقول؟ فلا يكُبُّ الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم،.

حاسبها على أبنائك وبناتك ومن هم تحت يدك: هل تابعتهم وصدقت النصيحة لهم؟ فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته.

حاسبها على جوَّالك وأجهزة حواسيبك: هل كل ما فيها سليم من المحاذير الشرعية؟ فالعين تزني وزناها النظر؛ وفي محكم التنزيل: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].

حاسبها على أوقاتك وساعاتك: فيمَ تمضي؟ وكيف تمر؟ فالفراغ نعمة كبيرة، وأكثر الناس لا يُحسن استثماره.

حاسبها على غفلاتك وبُعْدِك عن مولاك، فما ضرب القلوبَ شرٌّ من الغفلة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

حاسبها على الغِيبة والنميمة؛ فهذا عبدالله بن وهب رحمه الله يقول: "نذرتُ أني كلما اغتبتُ إنسانًا أن أصوم يومًا فأجهدني - أي: طال الأمر عليَّ - فنويت أني كلما اغتبت إنسانًا أن أتصدق بدرهمٍ، فمن حُبِّ الدراهم تركت الغِيبة".

هكذا يحاسب المسلم نفسه؛ يسألها عن حقوق الناس: هل أدَّاها أم ضيَّعها؟
عن الولائم التي أقامها، والأماكن التي زارها، والمناسبات التي حضرها، والأحاديث التي خاض فيها ونوعها، والرسائل التي كتبها وأرسلها، ونحو ذلك من الأسئلة، وإذا علم الله تعالى من عبده حسن النية، وصدق الرغبة في التوبة والتحسن، ومحبة القيام بما أوجب الله عليه - أعانه الله وسدَّده، وهيأ له الأسباب، وفتح له من خزائن جُودِهِ ما لا يخطر له على بال؛ ففي الحديث القدسي الصحيح: ((قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ، ذكرته في ملإ خير منه، وإن تقرَّب إليَّ شبرًا، تقربت منه ذراعًا، وإن تقرب مني ذراعًا، تقربت منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُهُ هرولة))، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فـ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].

ويا ابن آدم، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، وكما تدين تُدان.

اللهم صلِّ على البشير النذير.
الشيخ عبدالله محمد الطوالة
من خطبة لا بد من المحاسبة