المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هلا فكرت بما طلب منك؟


امانى يسرى محمد
27-11-2020, 11:16 PM
نَحْنُ نَعِيشُ أَيَّامًا كَثُرَتْ فِيهَا الغَفْلَةُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَثُرَ فِيهَا الاشْتِغَالُ بِالآخَرِينَ، وَنَسِينَا أَنْفُسَنَا إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى.
نَعِيشُ أَيَّامًا أَصْبَحَ فِيهَا شُغْلُنَا الشَّاغِلُ لُقْمَةَ العَيْشِ وَطَلَبَ الرِّزْقِ، وَنِسِينَا أَو تَنَاسَيْنَا أَنَّ لُقْمَةَ العَيْشِ مَضْمُونَةٌ عِنْدَ اللهِ تعالى، لَقَدْ شُغِلْنَا بِمَا ضُمِنَ لَنَا، وَتَشَاغَلْنَا عَمَّا طُلِبَ مِنَّا

وَرَحِمَ اللهُ تعالى ابْنَ عَطَاءٍ إِذْ يَقُولُ:
اجْتِهَادُكَ فِيمَا ضَمِنَ لَكَ وَتَقْصِيرُكَ فِيمَا طَلَبَ مِنْكَ دَلِيلٌ عَلَى انْطِمَاسِ البَصِيرَةِ مِنْكَ.
يَا مَنْ شُغِلَ بِمَا ضُمِنَ لَهُ، وَفَرَّطَ فِيمَا طُلِبَ مِنْهُ: كُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ رِزْقَكَ يَطْلُبُكَ كَمَا يَطْلُبُكَ أَجَلُكَ

روى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجَلُهُ».
وروى البيهقي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَهَرَبِهِ مِنَ الْمَوْتِ، لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ.

فَيَا مَنْ شُغِلَ بِمَا ضُمِنَ لَهُ، وَفَرَّطَ فِيمَا طُلِبَ مِنْهُ: كُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ رِزْقَكَ وَاصِلٌ إِلَيْكَ، فَمَا كَانَ لَكَ سَيَأْتِيكَ عَلَى ضَعْفِكَ، وَمَا كَانَ لِغَيْرِكَ فَلَنْ تَنَالَهُ بِقُوَّتِكَ «رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ».
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ، فَلَا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ، وَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حُرِّمَ» رواه الحاكم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَلَّا فَكَّرْتَ بِمَا طُلِبَ مِنْكَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلَّا فَكَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِمَا طُلِبَ مِنْهُ مِنْ قِبَلِ خَالِقِهِ جَلَّ جَلَالُهُ؟
هَلَّا فَكَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾؟
هَلَّا فَكَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾؟
هَلَّا فَكَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾؟
هَلَّا فَكَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ أَيْقَنَ أَنَّ الرِّزْقَ بِيَدِ اللهِ تعالى، وَأَنَّهُ آتِيهِ لَا مَحَالَةَ تَفَرَّغَ لِأَدَاءِ المُهِمَّةِ التي خَلَقَهُ اللهُ تعالى مِنْ أَجْلِهَا ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.
وَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ اللهَ تعالى قَسَّمَ الأَرْزَاقَ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَجَعَلَ بَيْنَهَا تَفَاوُتًا لِحِكْمَةٍ ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾. وَلَو أَعْطَى اللهُ تعالى الخَلْقَ فَوْقَ حَاجَتِهِمْ مِنَ الرِّزْقِ لَحَمَلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى البَغْيِ وَالعُدْوَانِ وَالطُّغْيَانِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾.

وَفي الخِتَامِ أَقُولُ لِنَفْسِي وَلِكُلِّ مَنْ شَغَلَهُ هَمُّ الرِّزْقِ وَلُقْمَةِ العَيْشِ عَمَّا كُلِّفَ بِهِ: اعْلَمْ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ خَيْرٌ لَنَا وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ نَاصَبَنِي بِالْمُحَارَبَةِ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي عَنْ مَوْتِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، وَرُبَّمَا سَأَلَنِي وَلِيِّي الْمُؤْمِنُ الْغِنَى فَأَصْرِفُهُ مِنَ الْغِنَى إِلَى الْفَقْرِ، وَلَوْ صَرَفْتُهُ إِلَى الْغِنَى لَكَانَ شَرًّا لَهُ، وَرُبَّمَا سَأَلَنِي وَلِيِّي الْمُؤْمِنُ الْفَقْرَ فَأَصْرِفُهُ إِلَى الْغِنَى، وَلَوْ صَرَفْتُهُ إِلَى الْفَقْرِ لَكَانَ شَرًّا لَهُ؛ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَعُلُوِّي وَبَهَائِي وَجَمَالِي وَارْتِفَاعِ مَكَانِي لَا يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَوَايَ عَلَى هَوَى نَفْسِهِ إِلَّا أَثْبَتُّ أَجَلَهُ عِنْدَ بَصَرِهِ، وَضَمِنَتِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ رِزْقَهُ، وَكُنْتُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَةِ كُلِّ تَاجِرٍ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَحْمِي أَحَدُكُمْ مَرِيضَهُ الْمَاءَ» رواه الحاكم عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لِنَلْزَمِ الاسْتِغْفَارَ لَعَلَّ اللهَ تعالى يُفَرِّجُ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» رواه أبو داود وابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِأَنْ نَسْأَلَكَ مَا أَنْتَ طَالِبُهُ مِنَّا، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
** ** **

تاريخ الخطبة:
الجمعة: 12/ ربيع الثاني /1442

موقع الشيخ أحمد شريف النعسان