المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قانون الفوز العظيم في القرآن الكريم


المراقب العام
05-01-2021, 07:07 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



قانون الفوز العظيم

البطولة أن تطابق مقاييس الفوز الإنساني مقاييس الفوز الرباني

… القانون اليوم قانون الفوز، الإنسان كما نعلم جميعاً جُبل على حبّ وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده، فما منا واحد من سكان الأرض الذين يزيدون عن ستة آلاف مليون، إلا ويتمنى أن يكون الأول، يتمنى التفوق، يتمنى الفوز، ولكن البطولة أن تأتي مقاييس الفوز عندك أيها الإنسان مطابقة لمقاييس الفوز عند خالق الإنسان، هذا التطابق بين مقاييس الفوز عندك وعند الله سبب سلامتك وسعادتك، لذلك قال تعالى : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِاالاخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }(الكهف : 103- 104) قال بعضهم : “من الناس من يدري ويدري أنه يدري فهذا عالم فاتبعوه، ومنهم من يدري ولا يدري أنه يدري فهذا غافل فنبهوه، ومنهم من لا يدري ويدري أنه لا يدري فهذا جاهل فعلموه، -لكن الخطر- ومنهم من لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فهذا شيطان فاحذروه ” هذا نصف العالم لا هو عالم فيفيد في علمه، ولا هو جاهل فيتعلم.

الإمام علي رضي الله عنه قال “قوام الدين والدنيا أربعة رجال عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا ضيّع العالم علمه، استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله، باع الفقير آخرته بدنيا غيره” لأن الإنسان عبد لله عز وجل، هو خالقه، هو مربيه، هو الذي يسيّر شؤونه، هو الخبير بما يصلحه، وما لا يصلحه، هو الخبير بأسباب سلامته، هو الخبير بأسباب سعادته، لذلك البطولة أن تأتي مقاييس الفوز عندك أيها الإنسان مطابقة لمقاييس الواحد الديان.

العـلم النـافع والعمل الـرافع أكـبر مقـاييس الفـوز

القرآن الكريم اعتمد العلم كأحد أكبر مقاييس الفوز، فقال {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(الزمر : 9) {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}(المجادلة : 11) واعتمد القرآن الكريم مقياساً آخر مرجحاً بين بني البشر ؛ إنه مقياس العمل الصالح، قال تعالى : {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}(الأنعام : 132) ولكن… أسوق هذا المثل للتوضيح : حينما يقول طفل صغير معي مبلغ عظيم، طبعاً والده معلم، ودخله محدود، والطفل عقب أيام العيد يكون جمع مبلغاً بسيطاً، فنحن إذا قال هذا الطفل معي مبلغ عظيم نقدره بمائتي ليرة، أما إذا قال مسؤول كبير بالبنتاغون : أعددنا لحرب هذا البلد مبلغاً عظيماً نقدره بمائتي مليار دولار، الكلمة نفسها قالها طفل صغير، فقدرناها بمائتي ليرة وقالها مسؤول كبير فقدرناها بمائتي مليار. الآن دققوا فإذا قال ملك الملوك، إذا قال خالق السماوات والأرض، إذا قال من بيده كل شيء، إذا قال : {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(النساء : 113).

الله عز وجل أعطى الملك لمن يحب ولمن لا يحب، أعطاه لفرعون وهو لا يحبه، وأعطاه لسيدنا سليمان وهو يحبه. أعطى المال لمن يحب ولمن لا يحب، أعطاه لقارون وهو لا يحبه، أعطاه لسيدنا عثمان بن عفان وهو يحبه، إذن الملك والمال ليسا مقياسين، ولكن الذي يحبه ماذا أعطاه؟ قال {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} لذلك الحكمة والعلم أعظم عطاء إلهي، لذلك العلم كما قال الله عز وجل {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(النساء : 11) هو مقياس كبير جداً للفوز.

هناك آيات كثيرة تتحدث عن الفوز، اخترت لكم بعضها، الله عز وجل يقول : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الانْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا “دققوا” وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(النساء : 13) فوز عظيم أن تطيع خالق السماوات والأرض، طاعة خالق السماوات والأرض يعني أنك على منهجه، وأنك في طريق سلامتك وسعادتك في الدنيا والآخرة.آية ثانية، يقول الله عز وجل {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}(آل عمران: 185) البطولة الأولى أن تنجو من عذاب أبدي، البطولة أن تصل إلى جنة ربك {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}(آل عمران : 185) لذلك لسيدنا علي رضي الله عنه كلمات رائعة يخاطب ابنه، يقول “يا بني : ما خير بعده النار بخير، وما شر بعده الجنة بشر، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية” إذن طاعة رسول الله، وطاعة الله أحد أكبر أسباب الفوز، وأن يزحزح الإنسان عن النار أحد أكبر أسباب الفوز.

علامات الفوز العظيم

> 1- صبر المطيع عند الابتلاء

…الآن لو أن الإنسان لحكمة بالغة كان قدره أن يُقتل شهيداً، هذا فوز عظيم، لأن الله عز وجل يقول{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُومِنِينَ وَالمومِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ }(البروج : 9) هؤلاء أصحاب الأخدود، الذي أُحرقوا، من أجل أنهم آمنوا بالله، ولم يتزعزعوا، قال هؤلاء {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُومِنِينَ وَالمومِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا} أي هؤلاء المؤمنين {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الانْهَارُ} (البروج : 9- 10) تروي كتب الصحاح أن ماشطة ابنة فرعون، في أثناء تمشيط شعر ابنة فرعون، وقع المشط من يدها، فقالت : “بسم الله” قالت لها ابنة فرعون : ألك رب غير أبي؟ قالت : الله ربك ورب أبيك وربي، قالت : سأخبر أبي، قالت : أخبريه، فلما أخبرته استدعاها مع أولادها الخمسة، وجاء بقدر فيه زيت مغلي، وأمسك ولدها الأول، وقال لها : ألك رب غيري؟ قالت : الله ربي وربك، فألقى ولدها في الزيت المغلي، والقصة مؤثرة جداً، فبقيت ثابتة على مبدئها، ألقى الثاني، بقيت ثابتة على مبدئها، ألقى الثالث بقيت ثابتة على مبدئها، ألقى الرابع بقيت ثابتة، فلما جاء دور الخامس، كان طفلاً رضيعاً وهي أم، وقلب الأم من آيات الله الدالة على رحمته، سكتت، وتضعضعت، لكن الله سبحانه وتعالى فيما ترويه هذه الرواية الصحيحة أنطق ابنها الصغير، وقال : اثبتي يا أمي أنت على حق، فقالت : الله ربي وربك، وألقاه في القدر ثم ألقاها في القدر.

الشاهد ليس هنا، الشاهد أن النبي عليه الصلاة والسلام في الإسراء والمعراج شمّ رائحة ما شمّ مثلها قط، فقال : يا جبريل! ما هذه الرائحة؟ قال : هذه رائحة ماشطة بنت فرعون. العبرة أن تصل إلى الدار الآخرة مؤمناً، مطيعاً، سالماً، هذا هو الفوز العظيم.

> 2- أن يكون السرور بالنقمة كالسرور بالنعمة :

رضا الله عز وجل عن الإنسان أكبر فوز له :

… يقول الله عز وجل : {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}(البينة : 8) أن يرضى الله عنك هذا أكبر فوز، لذلك مرةً كان أحدهم يطوف حول الكعبة، ويقول : يا رب هل أنت راضٍ عني؟ كان وراءه الإمام الشافعي، قال : يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك؟ قال : يا سبحان الله! كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ فقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : {إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله} الرضا عن الله عز وجل أن ترضى عن قضائه وقدره، والإيمان بالقضاء والقدر نظام التوحيد، والإيمان بالقضاء والقدر يذهب الهم والحزن، والإيمان بالقضاء والقدر يعني أن كل شيء وقع لحكمة بالغةٍ بالغة بالغةَ، ولخير مطلق، لأن الشر المطلق لا وجود له في الكون، بل الشر المطلق، يعني الشر من أجل الشر، يتناقض مع وجود الله {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ}(آل عمران : 26) لم يقل والشر، قال{ بِيَدِكَ الخَيْرُ} لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((والشَّرُّ لَيسَ إليكَ)) {بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}… ما منا واحد إلا ويتمنى أن يكون فائزاً، لكن بطولة الإنسان أن يبحث عن قوانين الفوز في القرآن الكريم وما أكثرها، مئات الآيات تتحدث عن الفوز، ذكرت بعضها، فالبطولة أن تأتي حركته في الحياة وفق القوانين التي جاءت في القرآن الكريم عن الفوز {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}(الأحزاب : 71).

الدكتور محمد راتب النابلسي