المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجًا


المراقب العام
07-01-2021, 12:59 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



القيمة التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجاته :

ليس هناك مثيل آخر للقيمة التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة لا من قبل ولا من بعد. فلو زار في إحدى الليالي إحدى زوجاته للسؤال عنها فإنه كان يطوف على زوجاته الأخريات أيضا للسؤال عنهن. إذ لم يكن يظهر أي فرق من ناحية معاملته لهن. وكانت كل واحدة منهن ترى أنها أقرب إلى قلب الرسول صلى الله عليه وسلم. وكان هذا ينبع من مروءته التي لا مثيل لها. غير أنه لما كان الإنسان عاجزا عن التحكم في قلبه، فإن تكليفه بما لا يطاق لم يكن واردا. لذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول مستغفرا الله : “اللهم هذه قسمتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك”(1).

ما أروع هذا اللطف وهذه الرقة وهذا الظرف، وأنا أسألكم هل راعيتم مثل هذه الدقة في المعاملة بين بنتين من بناتكم أو بين ولدين من أولادكم…؟ اسمحوا لي أن أقول “لا” نيابة عنكم.. أجل، “ألف مرة لا” ليس هذا فقط، بل إننا إن استطعنا ضبط عواطفنا وعدم إظهارها عددنا هذا من مفاخرنا وعلامة على قوة إرادتنا، بل ربما تحدثنا فخورين بذلك بينما يستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه لاحتمال خطور ميل أكثر بباله نحو إحداهن.

لقد نفذت رقته هذه وأدبه الجم إلى قلوب نسائه، فأحدث فراقه عنهن جرحا لا يندمل في أرواحهن ووجدانهن. ولو لا أن الإسلام يحرم الانتحار لربما أقدمن عليه. ولكن الدنيا أصبحت لديهن بعد فراقه دار حزن وهجران وغربة.

والحقيقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقورا ورقيقا مع جميع النساء، وكان يوصي الجميع باتباع هذا السلوك، وكان يطبق عمليا مع نسائه ما يوصيه للناس. وكمثال على هذا يورد البخاري الحادثة التالية عن محمد بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال : استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن عمر تبادرن الحجاب فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك فقال : أضكك الله سنك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ فقال : “عجبتُ من هؤلاء اللاتي كن عندي لما سمعن صوتك تبادرن الحجاب.” فقال: أنت أحق أن يهبن يا رسول الله. ثم أقبل عليهن فقال : يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولم تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن : إنك أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم(2).

والحقيقة أن عمر رضي الله عنه لم يكن يتصرف بخشونة أو بفظاظة، إذ كان هين الطبع مع النساء، إلا أنه كما أن أجمل الناس إن قيس بيوسف عليه السلام يبدو قبيحا فكذلك كان لين عمر رضي الله عنه عندما يقارن مع لين وحلم الرسول صلى الله عليه وسلم يبدو خشونة وفظاظة… أي أن هذا الحكم كان نسبيا، إذ لا يمكن مقارنة أحد برسول الله صلى الله عليه وسلم. أجل، لقد تعودن على ظرف الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى رقته وحلمه، ومن ثم كانت تبدو لهن تصرفات عمر رضي الله عنه خشنة، هذا علما بأن عمر رضي الله عنه كان من المؤهلين لحمل عبء خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المستقبل، وعندما أصبح فعلا خليفة أعطى أفضل النماذج بعد نماذج الأنبياء عليهم السلام، إذ كان من خلقه وطبعه البحث عن الحق والعدالة، وأن يكون سيفا قاطعا يفرق بين الحق والباطل. كانت لعمر رضي الله عنه طبيعة خاصة أهلته لتسلم منصب الخلافة، وهذه الطبيعة قد تبدو للبعض قاسية بعض الشيء. ولكن هذا الخلق أو هذا الطبع هو الذي ساعده على حمل أعباء الخلافة بكل نجاح.

- استشارته لنسائه :

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجلس ويتحدث مع نسائه، وأحيانا يتذاكر معهن بعض المسائل. ولم يكن في الحقيقة في حاجة إلى آرائهن لأنه كان مؤيدا بالوحي، ولكنه كان يريد أن يعلم أمته أمرا، وهو رفع مكانة المرأة، وذلك خلافا لما كانت عليه سابقا، وبدأ هذا عمليا في بيته.

بدا صلح الحديبية قاسيا جدا للمسلمين إلى درجة أنه لم يبق هناك عند أحد منهم قدرة على النهوض من مكانه. في هذه الأثناء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوى العمرة القيام بذبح ذبيحته والخروج من الإحرام. غير أن الصحابة تباطؤوا في هذا على أمل أن يكون هناك تغيير لهذا القرار.. كرر النبي صلى الله عليه وسلم الأمر ثانية، غير أن الصحابة بقوا على الأمل نفسه.. لم يكن هذا معارضة للرسول صلى الله عليه وسلم. ولكنهم كانوا ينتظرون ويأملون في أمر آخر. إذ أنهم خرجوا من المدينة على أمل الطواف حول الكعبة. وما قيل في الحديبية كان من الممكن -حسب اعتقادهم -أن يتعرض لبعض التبديل والتغيير قبل وضع الاتفاقية موضع التنفيذ.

عندما شاهد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر لدى الصحابة دخل خيمته واستشار زوجته أم سلمة التي كانت امرأة ذات فطنة واسعة. وأبدت أم سلمة رأيها لإعطاء المشورة حقها وهي تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحاجة إلى ما تقول، وإنما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يعلم أمته درسا اجتماعيا بمشورته هذه مع إحدى نسائه. قالت أم سلمة : “يا نبي الله! أتحب ذلك. أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَكَ وتدعو حالقك فيحلقك.” كان هذا هو ما يفكر به الرسول صلى الله عليه وسلم، لذا أخذ سكينه وخرج فنحر بُدْنَهَ وحلق شعره. فلما رأى الصحابة ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما(2). فقد علموا أخيرا أن القرار نهائي ولا رجعة فيه.

وأنا أريد أن أسألكم : أيكم يلتفت مثل هذه الالتفاتة الكريمة لزوجته؟ كم رئيس دولة استشار زوجته في الأمور الخطيرة لبلده؟ كم رب عائلة يضع في منهجه في إدارة البيت التشاور مع زوجته؟ ونستطيع أن نكثر من هذه الأسئلة ونوجهها إلى كل وحدة من وحدات المجتمع.. فليسمع هذا كل أصحاب الأصوات المنكرة التي تدعي بإن الإسلام يقوم بأسر المرأة، وأنا أتساءل : أي نصير من أنصار المرأة استطاع الارتفاع إلى هذا المستوى؟

ومثل أي أمر خير آخر فإن الشورى والمشورة طبقت في بادئ الأمر في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كان يستشير زوجاته، ولم نصل نحن بعد إلى مستوى هذا الأمر ولا نعرف كيف نفتح مغاليق هذا الباب السري، بل لم نصل بعد إلى الطرق على هذا الباب. أجل، فلا تزال المرأة -حتى لدى الذين يدعون الدفاع عن حقوقها -إنسانا من الدرجة الثانية، بينما نحن ننظر إليها باعتبارها نصف الوحدة الواحدة. فهي النصف الذي لا ينفع النصف الآخر بدونه، ومن اجتماع النصفين يتم تشكل الوحدة الإنسانية الواحدة. وعند غياب هذه الوحدة الواحدة لا يمكن الحديث عن وجود أي شيء.. لا الإنسانية ولا الأنبياء ولا الأصفياء ولا الإسلام ولا الأمة.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتصرف بلطف مع النساء فإنه بأحاديثه كان يشجع مثل هذا التصرف. يقول في أحد أحاديثه : “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم لنسائهم خياركم خلقا”(4). وهكذا يظهر أن قضية المرأة إن حققت ما تصبو إليه في تاريخ الإنسانية فقد حققته في العهد النبوي.

د. محمد فتح الله كولن

——-
1- النسائي، أبو داود، الترمذي، “الطبقات الكبرى” لابن سعد 231/2.
2- البخاري ومسلم.
3- البخاري.
4- الترمذي، أبو داود، الدارمي.