المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ولاؤنا لمن؟


امانى يسرى محمد
14-01-2021, 08:29 AM
ولاؤُنا لمن نمنحَهُ، وعن من نصرفُه؟

أما القرآنُ فقد أجابَ وأبان: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).

هكذا إنما وليكُم الله، هكذا على وجهِ الحصرِ والقصر الذي لا يدعُ مجالا للتأويلِ، ولا يتركُ فرصةً للتمييع.

إن المسألةَ في صميمِها مسألةُ عقيدةٍ وإسلام، حتى لا يكون الإسلامُ مجردَ عنوانٍ أو مجردَ رايةٍ أو شعار، أو مجردَ داعيةٍ أو إعلان، أو كلمةً تقال باللسان، أو نسبا ينتقلُ بالوراثة، أو صفا يلحقُ المواطنينَ في مكانٍ من لأرض. كلا.. وإنما ليكونَ دينا يستلزمُ الولاءَ الكاملَ للهِ - عز وجل -.

لا ولاء إلا لرايةٍ واحدة، ولا تناصرَ إلا بين العصبةِ المؤمنة، لأنَه تناصرُ يستمدُ من العقيدة.

إن الأمرَ مفاصلةٌ بين الصفِ المسلمِ وسائرِ الصفوف، فكلُ صفٍ لا يتخذُ الإسلامَ دينا فالشأنُ بينَه وبين المسلمينَ المفاصلة، وكلُ صفٍ يتخذُ الإسلامَ دينا ومنهجا، ويبتغي فيه حكما وحاكما فالشأن بينَه وبين المسلمين الولاءُ والمناصرة.



ما الذي يصنعُ ولاءَنا؟

هل هو الإعلامُ! أم المصلحةُ!

أم الجنسُ! أم القوميةُ!

أم الجغرافيا! أم الخرائطُ السياسيةُ!

كلا.. ليسَ شيءُ من ذلك، فليستِ الحواجزُ الجغرافيةُ، ولا الخرائطُ السياسيةُ تصنعُ ولاءَنا، ولا تقف حاجزا بيننا وبين أحكامِ دينِنا، كلا.. إن الإعلامَ والجغرافيا والسياسةَ لا تصنعُ ولاءَنا، ولكن تُحاكمُ هي إلى الولاءِ الحق.

إن الفجيعة َ أن يتخلخلَ هذا المبدأ على مستوى الأفرادِ فتسمعُ في المجالسِ حديثا عجبا يصطدمُ مع هذا المبدأ بل ويناقضُه، فما هو السبب؟

لقد نجحَ الإعلامُ في تغييبِ هذه المسّلمةِ العظمى من مسلماتِ الدين، تغيـيبِها عن حياةِ المسلمين، فإذا موالاةِ المسلمين من حيثُ هم مسلمون تغيبُ في حياةِ كثيرٍ من المسلمين.

لقد تم ذلك نتيجةَ غزوٍ ثقافيٍ ماكرٍ، غزوٍ خبيثٍ تلاعبَ بالمصطلحات، غيّر الأسماء، عبثَ باللافتات، فاختلطتِ الرؤيا عند من ليس لهم عمقُ عقدي.


هذه الولاَيةُ ليست لحزبٍ، ليست لجماعةٍ، ليست لجبهةٍ، ليست لدعوةٍ، ولكن لكلِ مسلمٍ في أي أرضٍ فوق الأرض، وتحتَ أي سماءٍ في السماء، هي للإسلامِ ما بقي الإسلام، وللمسلمينَ ما بقي مسلمون، في أدغالِ إندونيسيا أو مجاهلِ أفريقيا.

ولاَيةُ ميزتُها أنها للهِ - عز وجل - وأن إمامَها محمدُ - صلى الله عليه وسلم - ، وأنها تبقى ولا تفنى، وأن منتهاها الجنة: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).



إن الولاَيةَ تستلزمُ أمورا منها:

أولا الهمُ العاطفي:

فكم تعيشُ قضايا المسلمينَ في وجدانِك؟

كم تساوي قضايا المسلمين من خارِطةِ مشاعِرك واهتماماتِك؟

هل تستمِعُ إلى ما يحدثُ اليومَ في المسلمين فى بورما وغيرها فيؤلمُك، ويكربُك، ويعتصرُ فؤادَك، حتى كأن كلَ قطرةِ دمٍ تنزفُ إنما هي من دمِك.

كيف يستقبلُ قلبُك هذه الأنباء؟ هل تحسُ أن بينَك وبين هؤلاءِ رباطا وثيقا من الأخوةِ فتحزن، وتغتم، وتبتئس لبؤسِهم، أم أنك تتعاملُ مع ذلك وكأنها أخبارُ في التاريخِ مضت وانقضت.

ثانيا الدعاء:

كم لإخوانِك المسلمينَ من نصيبٍ في دعائِك؟

هل تضعُ جبينَك ساجدا للهِ فتتذكرُ فلسطين ومحنتَها، وبورما ونكبتَها، وأفغانستانَ ولواها فتذكروهم وأنت تدعو ربَك فتدعو لهم كما تدعو لنفسِك. هل تعيشُ قضايا المسلمينَ في دعائِك؟

ثالثا الحب:

هل يؤمرُ الحبُ قلبَك لكل مسلمٍ تنظرُ إليه فتنظرُ إليه من خلالِ هذه الميزةَ التي تميّز بها وهي إسلامُه، فتحبُه لا لشيءٍ إلا لأنَه مسلم، فإذا ميزانُه في قلبِك أعلا وأغلى من كلِ إنسانٍ لا يؤمنُ بهذا الدين، فهل فتشتَ في قلبِك عن الحبِ للمسلمين الذي هو من مقتضياتِ موالاتِهم.

رابعا النصحُ لهم:

النصحُ لهم وإرادةُ الخيرِ للمسلمين، فلا تستبطنُ في نفسِك إلا حبَ الخيرِ لكل مسلمٍ في أي أرضٍ كان، نعم النصحُ للمسلمين هذه القضيةُ التي كان النبيُ - صلى الله عليه وسلم - يضعُها في كفِ كلِ مسلمٍ يمدُ يدَه مبايعا على الإسلام. يقول جريرُ ابن عبدِ الله البجلي بايعتُ رسولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - على الإسلام فأشترط علي النصحُ لكلِ مسلم.

خامسا نصرتُهم:

نصرتُهم بكلِ ما تستطيعُ نُصرتُهم به، يكلِ ما يمكنُ أن يناصروا به، ومن نصرتِهم الذبُ عن أعراضِهم.

يقولُ رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم -: ما من أمريءٍ يخذلُ امرأً مسلما في موضعٍ ينتَهكُ فيه عرضُه وتنتَقصُ فيه حرمتُه إلا خذلَه اللهُ في موضعٍ يحبُ فيه نُصرتَه، وما من أمريءٍ ينصرُ امرأً مسلما في موضعٍ تنتَهكُ فيه حرمتُه وينتقصُ فيه من عرضِه إلا نصرَه اللهُ في موطنٍ يحبُ فيه نُصرتَه.

هل استجبنا لنداءِ رسولِ الله - صلى اللهُ عليه وسلم - يومَ قال: المسلمُ أخُ المسلمِ لا يظلمُه ولا يسلمُه ولا يخذلُه.

هكذا تبرزُ هذه القضيةُ وتظهرُ وتتجلى، ويومَ تأسسُ هذا التأسيس فإن كلَ الصِلاتِ المزيفةِ التي طفحت وعلت ستتراجعُ إلى محلِها الطبيعي، وسوفَ ندفنُ إلى غيرِ رجعةٍ أواصرَ الولاءِ والنصرةِ التي طفت وأسسها وأكدَها الإعلامُ يوم جعلتَ الصحافةُ أتفهَ الصلاتِ موجبا للولاءِ والنُصرة.


فهل يستشعرُ كلُ منا مسئوليتَه في تجديدِ هذا المعنى وهو الولاءُ وموالاةُ المؤمنينَ، مسئوليتُنا عن تجليتِه وتبنِيه وحملِ قضيتِه.

أقول ما تسمعونَ وأستغفرُ الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه.





موقع المختار الاسلامى