المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح وأسرار الأسماء الحسنى (الشيخ هاني حلمي )


امانى يسرى محمد
21-01-2021, 10:49 AM
(1) أهمية الأسماء والصفات

من أعظم آثارها: أن من قام في قلبه حقائق هذه الأسماء، وتراءت معانيها لناظريه كان أعظم الناس تحقيقًا للتوحيد، وأكملهم عبودية لربِّ العالمين.. معرفة أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته عليها مدار الإيمان، فهي ركن من أركان التوحيد وذروة سنام العبودية... والإيمان بأسماء الله وصفاته يقتضي: معرفة الله سبحانه وتعالى بصفاته الواردة في القرآن والسُّنَّة الصحيحة، وإثبات لله ما أثبته لنفسه من غير تمثيل، ولا تكييف ولا تعطيل، ولا تحريف. والعلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته هو أشرف العلوم وأوجبها...

يقول الإمام ابن القيم: "إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم، فإن المعلومات سواه إما أن تكون خلقًا له تعالى أو أمرًا... إما علم بما كونه أو علم بما شرعه ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسنى" (بدائع الفوائد: [273-2]). فمن يُمعِن النظر في أسرار هذا العلم يقف على رياض من العلم بديعة، وحقائق من الحِكَم جسيمة... ويحصل له من الآثار الحميدة ما لا يُحاط بالوصف ولا يُدرك إلا لمن يُرزق فهمها ومعرفتها... ومنها أنه: إذا علم العبد ربَّه وامتلأ قلبه بمعرفته، أثمرت له ثمرات جليلة في سلوكه وسيره إلى الله عزَّ وجلَّ... وتأدب معه ولزم أمره واتبع شرعه، وتعلَّق قلبه به وفاضت محبته على جوارحه، فلهج لسانه بذكره، ويده بالعطاء له، وسارع في مرضاته غاية جهده، ولا يكاد يمل القرب منه سبحانه وتعالى... فصار قلبه كله لله ولم يبق في قلبه سواه...


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,





(2) القابض الباسط

القابض الباسط جلّ جلاله وتقدّست أسماؤه: اقتران الاسمين: يلزم حين نعرّف بهما أن نجمع بينهما فذكرهما معاً يؤدي إلى معنى تمام القدرة.. معنى القبض لغة: (من الأخذ والمنع)، البسط: (العطاء والسّعة). أدلة ثبوت الاسمين لله تعالى: ورد في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "غلا السِّعر على عهد رسول الله صلّ الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله، لو سعَّرت، فقال: «إنَّ الله هو الخالقُ القابضُ الباسطُ، الرّازق المُسعِّر، وإنِّي لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال» (صحيح الجامع:1846)، ووردا فعلاً في القرآن الكريم في قوله تعالى: {..وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:245]، وفي أحاديث كثيرة منها، كقوله صلّ الله عليه وسلّم: «إنّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل» (رواه مسلم). وقوله صلّ الله عليه وسلّم: «يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه»" (صجيح البخاري:7382) معنى الاسمين في حقّ الله تعالى: في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، قالوا في تأويلها: "يقبض على من قبض وأمسك عن الإنفاق، ويبسط على من بسط يده عطاءً وإنفاقاً"، قالوا هنا قاعدة في مسألة حب الدنيا والخوف من الفاقة: "أنت مع الدنيا ما لم تشهد ربّها، فإذا شهدت ربّها كانت الدنيا معك تأتيك وهي راغمة"، وأن الله عز وجل إنّما يقبض ويبسط على حسب ما يراه سبحانه من المصلحة للعباد، فالقاعدة: قالوا: "يقبض بالعدل ويبسط بالفضل، ويقبض بالحِكمة ويبسط بالرّحمة"، فإذا أعطاك أعطاك ستُعجب وتهلك، فيقبض بالحكمة، ويمنع عنك حتّى إذا أوشكت على اليأس والقنوط أغاثك بالرحمة. يُولج ليل البسط في نهار القبض ويولج نهار البسط في ليل القبض، ويرزق من يشاء بغير حساب.. وقالوا في المعنى: "فهو سبحانه القابض الباسط، يقبض الأرواح من الأشباح عند الممات ويبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة، ويقبض الصّدقات من الأغنياء ويبسط الأرزاق للفقراء، ويبسط الرزق لمن يشاء حتى لا تبقى فاقة، ويقبضه حتى لا تبقى طاقة".

قاعدة: إذا قَبض قبض حتى لا طاقة وهذا معنى {..وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ..} [التوبة:118]، فيمنع عن العبد حتى يجمع قلبه عليه، ثم ينزل الغيث من بعد ما قنطوا، وإذا بَسَطَ بَسَطَ حتى لا فاقة يُعطيك أكثر مما تحتاج ومما تتصوّر، والكلّ منه وإليه. وقالوا: القابض الباسط:

"إذا زاده لم يزده سرفاً، وإذا نقصه لم ينقصه عدماً أو بخلاً".
1- حظّ المؤمن من هذين الاسمين من أسماء الله الحسنى: (أن يفهم فقه القبض والبسط): القاعدة تقول: "بسطك كي لا تكون مع القبض، وقبضك كي لا تكون مع البسط، وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيء دونه"، المعنى: أعطاك كي لا تيأس ولا تحزن، وحتى لا تستحوذ عليك ظلال المنع فتشعر أن الأبواب مغلقة، هذا يحمل كل معاني الرجاء وحُسن الظّنّون مع العسر يسرًا، وهكذا تتعاقب الأمور. وهنا نفهم المعنى الذي يخفى علينا كثيراً في أوقات نشتكي فيه أننا لا نجد قلوبنا، حين يسير الواحد منا في الطريق إلى الله وقد لا يجد الأثر في وقت ما، ونجد الغالب أن هناك قسوة وقبض فهنا يجب على العبد أن يفقه معالم الطريق إلى الله عزّ وجلّ، وأن يفهم كيف يعامله ربّه.. فإذا أعطاك ستُعجب، وإذا منع عنك تماماً ستأيس فلا بد من الاثنين، سبحانه الحكيم الخبيرعز وجل.. ونحن لا نتعبّد الله بالأحوال بل نعبّده بالمقام، أي الصلاة التي تُرضي الله هي التي تخرج بعده وأنت غاضّاً لبصرك، الصلاة التي تنهاك عن الفحشاء والمنكر، وليست الصلاة التي تبكي فيه قليلاً مثل الناس وهذا الحال وبعد ذلك لا أثر لها، وأحياناً تقول: لا أجد نفسي لا في القبض ولا في البسط، وهذا هو: وأخرجك عنهما حتى لا تكون لشيء دونه، فهذا مقام أعلى أن تكون راضي وترضيه، سواء أعطاك أو منع عنك، مُتعلّق بالذّات، المهم يا رب إن لم يكن بك عليّ سخطٌ فلا أبالي هذا المقام، لتكون له يُحرّكك كيف يشاء وأنت مُفوّض الأمر تماماً..
2- فإذا آمنّا بأن الله هو القابض الباسط.. يحثّنا على النفقة في سبيل الله ليس بالمال فقط بل تنفق علم، جهد تكون حقاً خادم لله تبارك وتعالى.
3- الاعتدال: تتعلم متى تُعطي ومتى تمنع، وهكذا مع أهل بيتك مثلاً فهناك أوقات تبسط وتوسع عليهم، وأوقات تقبض قليلاً، والمطلوب الاعتدال بينهما، ويُعطي كل ذي حق حقه..
4- فقه التعامل مع النفس بالقبض والبسط في العبادات: كيف تعاملها بالخوف والرجاء، بالترغيب والترهيب، فبعض الناس قد يتعبد الله بالحرمان ويظن أنه كلما حرم نفسه كان لله أطوع، وخير الهدي هدي النّبيّ صلّ الله عليه وسلّم، كان يصوم حتى لا يكاد يُفطر ويُفطر حتى لا يكاد يصوم، وهذا أعظم في العبودية لأنه فقه القبض والبسط، فقه التعامل مع النفس، وليس عبودية الهوى.

- ومن كلام الإمام ابن القيّم رحمه الله عن منزلة البسط والتخلّي عن القبض (في كتاب المدارج): "والانبساط مع الحقّ سبحانه: أن لا يحبسك خوف ولا يحجبك رجاء، ولا يحول بينك وبينه آدم ولا حوّاء، فالمعنى أنك تراه أقرب إليك من أمّك وأبيك وأرحم عليك منهما، فالمُحب الصادق لا بد أن يقارنه أحياناً فرح بمحبوبه -هذه هو الانبساط، السرور بالله- ويشتد فرحه به ويرى مواقع لُطفه به وبرّه به وإحسانه إليه وحُسن دفاعه عنه، والتّلطّف في إيصال المنافع له، والمسّار بكل طريق ودفع المضار والمكاره عنه بكل طريق، وكلما فتّش عن ذلك اطّلع منه على أمور عجيبة".

نختم بما كان عليه النبي صلّ الله عليه وسلّم، لم يكن مُنبسط ولا متدلل، ولا قابضاً طوال الوقت، بل كان أشد الناس لله خشية وتعظيمًا وإجلالاً في كمال عبوديته، وفي نفس الوقت كان أعظم الناس حبّاً ورجاء فيه سبحانه وتعالى، فبينهما ندندن بين السرور والفرح والرجاء، وفي نفس الوقت يكون منه على وجل لأن الله يقبض ويبسط.





,,,,,,,,,,,,,,,,,,,



(3) الرؤوف

مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الرَّؤُوف، وَهُوَ الرحيمُ لِعِبَادِهِ العَطُوفُ عَلَيْهِمْ بأَلطافه..
فالله عزَّ وجلَّ هو الرؤوف المتناهي في الرحمة بعبـاده، لا راحم أرحم منه سبحانه ولا غاية وراء رحمته..

الدليل على ثبوت الاسم من القرآن الكريم، سمى الله تعالى نفسه الرؤوف في عشر آيات من كتابه تعالى، منها: قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النور:20]، وقوله عزَّ وجلَّ: {..رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] المعنى اللغوي للاسم: الرأفَةُ: أشدُّ الرحمة.. والرأفة في حق البشر، هي امتلاء القلب بالرقة، وهي أشد ما يكون من الرحمة، وقيل: "بل شدة الرحمة ومنتهاها".. قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ..} [النور:2]، يعني: لا تنظروا بأي اعتبار يمكن أن يمنحهم شيئًا من الرحمة والرقة، فلا ترحموه ما فَتُسْقِطُوا عنهما ما أَمَرَ الله به من الحد، ويمكن القول أن الرحمة تسبق الرأفة، فالرأفة هي المنزلة التي تعقبها.. فإذا رقَّ القلب دعاه ذلك إلى الرحمة، وإذا رَحِم واشتدت رحمته وامتلأ القلب بها كانت الرأفة.. كما يُقال: "فلان رحيم فإذا اشتدت رحمته فهو رؤوف، فالرأفة آخر ما يكون من الرحمة". ولذلك قُدِمَت الرأفة على الرحمة في وصف نبينا، كما قال تعالى {..بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، وذلك على اعتبار أن الرأفة مبالغة في الرحمة، والمبالغة في الرحمة تتعلق بخاصة المؤمنين، أما الرحمة في اسمه الرحمن فإنها تتعلق بالخلائق أجمعين، فالأمر في الرأفة والرحمة على قدر الولاية والإيمان، وعلى حسب علو الهمة في عمل الإنسان، وقد كانت رأفة النبي بأصحابه ما بعدها رأفة.

الفرق بين الرأفة والرحمة: "والرَّأْفَةُ أَخصُّ وأَرَقُّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَلَا تَكاد تَقَعُ فِي الْكَرَاهَةِ، والرحمةُ قَدْ تَقَعُ فِي الْكَرَاهَةِ للمَصْلحةِ" (لسان العرب:9:112) معنى الاسم في حق الله تعالى: يقول ابن جرير "إنَّ الله بجميع عباده ذو رأفة، والرأفة أعلى معاني الرحمة، وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا ولبعضهم في الآخرة" (جامع البيان:2:12)، قال الخطابي "الرَّؤوف: هو الرحيم العَاطِف برأفته على عباده"، والرَّؤوف سبحانه هو الذي يتعطف على عباده المؤمنين بحفظ سمعهم وأبصارهم وحركاتهم وسكناتهم في توحيده وطاعته، وهذا من كمال الرأفة بالصادقين..

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» (صحيح مسلم)، وعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» (صحيح مسلم). والرَّؤوف أيضًا هو الذي يخفف عن عباده، فلا يكلفهم ما يشق عليهم أو يخرج عن وسعهم وطاقتهم.. قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:28]، وقال {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ..}[البقرة:286]، قال الحُليمي: "الرَّؤوف معناه المتساهل على عباده؛ لأنَّه لم يُحملهم ما لا يُطيقون، بل حَمَّلَهم أقل مما يُطيقون بدرجاتٍ كثيرة، ومع ذلك غلَّظ فرائضه في حال شدة القوة، وخَفَّفها في حال الضعف ونقصان القوة، وأخذَ المُقيم بما لم يأخذ به المسافر، والصحيح بما لم يأخذ به المريض، وهذا كله رأفة ورحمة".
وقد ذكر الله تعالى أنه جعل الرأفة في قلوب بعض عباده.. فقال تعالى: {{..وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ..} [الحديد:27].

حظ المؤمن من اسم الله تعالى الرؤوف:

أولاً: طهِّر قلبــــك حتى يمتليء بالرحمة.. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النور:19-20]، لأن العبد إذا لم يُطهِّر قلبه، لن تدخله الرحمة بل سيكون قلبًا قاسيًا، فلا يعرف معروفًا ولا يُنكِر مُنكرًا، وحينها ستستحكم الأمراض من هذا القلب، فيمتلىء بالحقد والضغينة، ويكون ممن يحبون أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين والعياذ بالله. ومن رأفة الله عزَّ وجلَّ بعباده أن أنزل عليهم القرآن؛ ليفك تلك الأغلال التي تُقيد القلب.. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد:9]، فتدبُّر القرآن يُخرِج القلب من ظلمات الشهوة والقسوة إلى نور الهداية والإيمان..، ومن ظلمات الشك إلى نور اليقين.. فإذا امتلأ القلب بهذا النور، تنزلت عليه الرحمة وصار قلبًا نقيًا طاهرًا سليمًا.

ثانيًا: بِع نفسك لله.. قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:207]، فلكي تكون أهلاً لنيل رأفة الله سبحانه وتعالى، لا بد أن تُضحي بشيءٍ عظيم تقربًا لله عزَّ وجلَّ، فإذا ما ضحيت بصدق وإخلاص، نلت رأفة الله جلَّ وعلا وحينها ستتخلَّص من قسوة قلبك ويصير طاهرًا.

ثالثًا:كن رؤوفـــًا بالنــاس.. على العبد أن يمتلأ قلبه بالرحمة والرأفة التي تشمل عامة المسلمين وخاصتهم.. عن عبد الله بن عمرو: أن رسول اللهِ قال: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللهُ» (رواه الترمذي وصححه الألباني:1924)، وعليك أن تسعي في جميع الأسباب الموجبة للرحمة؛ لكي تنال رأفة الله عزَّ وجلَّ..

الاعتدال في الرأفـــة..

ولا بد أن تكون الرأفة في موضعها.. فكما أنها من الأخلاق الحميدة والخصال العظيمة، إلا أن الشدة أنفع في بعض المواضع؛ كإقامة الحدود والأخذ على أيدي المفسدين الظالمين حين لا ينفع معهم نصح ولا لين، قال تعالى في حد الزنا {..وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ..} [النور:2]، وهذا يشبه حال المريض إذا اشتهى ما يضره أو جَزَع من تناول الدواء الكرية، فأخذتنا رأفة عليه حتى نمنعه شربه؛ فقد أعناه على ما يضره أو يهلكه، وعلى ترك ما ينفعه فيزداد سقمه فيهلك.. وهكذا المذنب هو مريض.. فليس من الرأفة به والرحمة أن يمكن مما يهواه من المحرمات ولا يعان على ذلك، ولا أن يمكن من ترك ما ينفعه من الطاعات التي تزيل مرضه، ومن المعلوم أن ألم العلاج النافع أيسر وأخف من ألم المرض الباقي، وبهذا يتبين أن العقوبات الشرعية كلها أدوية نافعة يصلح الله بها مرض القلوب، وهى من رحمة الله بعباده ورأفته بهم الداخلة في قوله تعالى لنبيه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، فمن ترك هذه الرحمة النافعة لرأفة يجدها بالمريض، فهو الذي أعان على عذابه وهلاكه وإن كان لا يريد إلا الخير..

إذ هو في ذلك جاهل أحمق كما يفعله بعض النساء والرجال الجهال بمرضاهم، وبمن يربونه من أولادهم وغلمانهم وغيرهم في ترك تأديبهم وعقوبتهم على ما يأتونه من الشر، ويتركونه من الخير رأفة بهم، فيكون ذلك سبب فسادهم وعداوتهم وهلاكهم.. ومن الناس من تأخذه الرأفة بهم لمشاركته لهم في ذلك المرض، وذوقه ما ذاقوه من قوة الشهوة وبرودة القلب والدياثة، فيترك ما أمر الله به من العقوبة، كمن ينادي بتعطيل الحدود الشرعية من قطع يد السارق ورفع عقوبة الزنا، وإباحة الشذوذ والسحاق واللواط وغير ذلك من الأمور الانحلالية تحت دعوى الحرية، فهؤلاء من أظلم الناس وأديثهم في حق نفسه ونظرائه، وهو بمنزلة جماعة من المرضى قد وصف لهم الطبيب ما ينفعهم فوجد كبيرهم مرارته، فترك شربه ونهى عن سقيه للباقين. ومن لم يكن مبغضًا للفواحش كارهًا لها ولأهلها، ولا يغضب عند رؤيتها وسماعها لم يكن مريدًا للعقوبة عليها، فيبقى العذاب عليها يوجب ألم قلبه.. قال تعالى {..وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ..} [النور:2]، فإن دين الله طاعته وطاعة رسوله المبني على محبته ومحبة رسوله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.. فإن الرأفة والرحمة يحبهما الله ما لم تكن مضيعة لدين الله
نسأل الله تعالى أن يرزقنا قلوبًا نقيةً طاهرةً؛ حتى ننال رأفة الله تعالى.


,,,,,,,,,,,,,,,



(4) الرحمن الرحيم

الرحمن: هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، أي: إن رحمته عامة تشمل المؤمن والكافر في الدنيا، وخاصة بالمؤمنين فقط في الآخرة..
الرحيـــــم: هو ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة..

اسمي الله تعالى: (الرحمن الرحيـــــم).
من أسماء الله عزَّ وجلَّ الحسنى الرحمن الرحيــــم، فهو ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع خلقه سبحـــانه وتعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:163]، والرحمن من الأسماء الخاصة به سبحانه ولا يجوز أن تُنسب لغيره، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى..} [الإسراء:110]. ورود الاسمين في القرآن الكريم: وقد ذُكر اسمه تعالى: (الرحمن) في القرآن 57 مرة، أما اسمه (الرحيـــم) فذُكر 114 مرة. معنى الاسمين في حق الله تعالى: الرحمن والرحيـــم اسمان مشتقان من الرحمة، والرحمة في اللغة: هي الرقة والتعطُّف، و(رحمن) أشد مبالغة من (رحيـــم)

ولكن ما الفرق بينهما؟
الرحمن: هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، أي: إن رحمته عامة تشمل المؤمن والكافر في الدنيا، وخاصة بالمؤمنين فقط في الآخرة، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، فذكر الاستواء باسمه (الرحمن) ليعم جميع خلقه برحمته. الرحيـــــم: هو ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة، كما في قوله تعالى: {..وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:43]، فخص برحمته عباده المؤمنين. يقول ابن القيم: "الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف والثاني للفعل، فالأول دال أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله: {..وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:43]، {..إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:117]، ولم يجيء قط رحمن بهم فعُلِم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته" (بدائع الفوائد:2:34)، فالرحمنُ الذي الرَّحْمَةُ وَصْفُهُ، والرحيمُ الراحمُ لِعِبَادِهِ.

آثـــــار الإيمان بهذين الاسمين:
1- إثبــــات صفة الرحمة لله ربِّ العالمين، فصفة الرحمة من صفات الله تعالى الثابتة بالكتاب والسُّنَّة، وهي صفة كمال لائقة بذاته كسائر صفاته العلى، لا يجوز لنا أن ننفيها أو نعطلها لأن ذلك من الإلحــــاد في أسمائه سبحـــانه وتعالى، وقد يُلحد البعض بهذه الصفة دون أن يشعر، حينما يعترض على الابتلاءات التي تعتريه هو أو غيره، ولا يدري أن تلك الابتلاءات من رحمة الله عزَّ وجلَّ بعبـــــاده، عن جابر قال: قال رسول الله: «يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب، لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض» (رواه الترمذي وحسنه الألباني)، فأهل البلاء أكثر إحساسًا برحمة الله تعالى؛ لأنها سابغة عليهم.. 2- جلاء آثار رحمة الله على الخلق، انظر إلى ما في الوجود من آثار رحمته الخاصة والعامة، فبرحمته سبحانه وتعالى أرسل إلينا رسوله، وأنزل علينا كتابه وعصمنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة، وبرحمته عرفنا من أسمائه وصفاته وأفعاله ما عرفنا به أنه ربنا ومولانا، وبرحمته علمنا ما لم نكن نعلم، وأرشدنا لمصالح ديننا ودنيانا، وبرحمته أطلع الشمس والقمر، وجعل الليل والنهار، وبسط الأرض، وجعلها مهادًا وفراشًا، وقرارا، وكفاتًا للأحياء والأموات، وبرحمته أنشأ السحاب وأمطر المطر، وأطلع الفواكه والأقوات والمرعى، وبرحمته وضع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها، وكذلك بين سائر أنواع الحيوان. وكان من تمام رحمته بهم أن جعل فيهم الغني والفقير، والعزيز والذليل، والعاجز والقادر، والراعي والمرعي، ثم أفقر الجميع إليه، ثم عمَّ الجميع برحمته، (مختصر الصواعق بتصرف:2:121،124)، ومن رحمته: "أن نغصَّ عليهم الدنيا وكدرها؛ لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها، ويرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليعطيهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم" [1].
3- رحمة الله واسعة، يقول الله جلَّ وعلا" {..وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ..} [الأعراف:156]، فرحمة الله عزَّ وجلَّ عــــامة واسعة، هي للمؤمنين في الدارين، يقول الله تبارك وتعالى: {..فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:156]، وفتح الله تعالى: أبـواب رحمته للتائبيــن، فقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. وقال رسول الله: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طَمِع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد» (متفق عليه)، وسمى الله تعالى: وحيـــه إلى أنبيــائه رحمة، كما في قوله تعالى مُخبرًا عن نبيه نوح عليه السلام: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود:28]، فجعل الوحي والعلم والحكمة، رحمة، ويقول تعالى عن نبينا: {..وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89]
4- رحمة الله تغلب غضبه، عن أبي هريرة عن رسول الله قال: «إن الله حين خلق الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي» (رواه الترمذي، وقال الألباني: حسن صحيح)، وهذا الحديث موافق لمعنى قوله تعالى: {..كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ..} [الأنعام:54]، فالله تعالى أوجب على نفسه ولا يوجب أحدٌ على الله.
5- لله جلَّ ثناؤه مائة رحمة، كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض، فأنزل منها إلى الأرض رحمة واحدة نشرها بين الخليقة ليتراحموا بها، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والطير والوحش والبهائم، وبهذه الرحمة قوام العالم ونظامه. (مختصر الصواعق:2:124)، قال رسول الله: «إن الله تعالى: خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، وأخر تسعا وتسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة» (رواه أحمد، وصححه الألباني، صحيح الجامع:1767)، فيا لعظم رحمة الله تعالى في هول هذا الموقف العصيب، ولكن هذا ليس دعوة للعصاة ليزدادوا عصيانًا، بل هو دعوة للمؤمنين ليزدادوا قربًا ومحبة من ربِّهم الرحيـــم.
6- الله سبحانه وتعالى: أرحم بعبـــاده من الأم بولدهـــا.. عن عمر بن الخطاب قال: "قدم على النبي سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها، تسعى إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي: «أترون هذه طارحة ولدها في النار؟»، فقلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» (متفق عليه).
7- نِعَم الله سبحانه وتعالى رحمة.. وقد سمى الله سبحانه بعض نعمه بالرحمة، كالمطر في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ..} [الأعراف:57] وسمى رزقه بالرحمة في قوله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء:28]، أي:إذا سألك أقاربك وليس عندك شيء وأعرضت عنهم لعدم وجود ما تنفقه عليهم، فعليك أن تعدهم باللين إنه إذا جاء رزق الله -الرحمة- فسنصلكم إن شاء الله، وسمى الله كتابه العزيز بالرحمة، فقال تعالى: {..وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89]، وسمى الله عزَّ وجلَّ الجنة بالرحمة، وهي أعظم رحمة خلقها الله لعباده الصالحين، قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:107] حظ المؤمن من اسمي الله الرحمن الرحيــــم، موجبــــات الرحمة: فالرحمة بمثابة الوقود الذي سيدفعك للعمل والحركة، فلا بد أن تأخذ بتلك الأسبــاب التي توجب الرحمة، وتعتمد على الله وحده ليوفقك للعمل الصالح،

ومن موجبـــات الرحمة:
1- رحمة النــــاس، الرحمة من الأخلاق العظيمة التي حضَّ الله سبحـانه عباده على التخلُّق بها، ومدح بها أشرف رسله، فقال جلَّ وعلا: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، ومن أسمائه: (نبي الرحمة) (حسنه الألباني، مختصر الشمائل:316). ومدح النبي أفضل أصحابه من بعده بهذه الصفة، فقال: «أرحم أمتي بأمتي: أبو بكر..» (رواه الترمذي وصححه الألباني)، فكأن من يتصف بالرحمة ينال درجة الصديقين، وهي أعلى الدرجـــات عند الله تعالى، وبيَّن أن الرحمة تنــال عبــاده الرحمــاء، كما قال: «فإنما يرحم الله من عباده الرحماء» (متفق عليه)، والشقي هو الذي نزعت من قلبه الرحمة، قال: «من لا يرحم الناس، لا يرحمه الله» (متفق عليه)، وعن عائشة قالت: "جاء أعرابي إلى النبي فقال: أتقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم! فقال النبي: «أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة» (متفق عليه)
2- القرآن، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء:82]، فقراءة القرآن رحمة، وتدبُّر القرآن رحمة، وكل تعلَّقٌ للمؤمن بكتاب الله جلَّ وعلا مستوجبٌ لنزول الرحمة.
3- صلاة أربع ركعــات قبل العصر، قال رسول الله: «رَحِم الله امرءًا صلى قبل العصر أربعًا» (رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني)، وهي ليست من السُنن المؤكدة، لكن تُستنزل بها الرحمــات.
4- المكوث في المسجد، قال رسول الله: «لا يزال أحدكم في صلاة ما دام ينتظرها، ولا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في المسجد: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، ما لم يُحدِث» (رواه الترمذي وصححه الألباني).
5- عيـــادة المرضى، عن جابر قال: قال رسول الله: «من عاد مريضًا لم يزل يخوض الرحمة حتى يجلس، فإذا جلس اغتمس فيها» (رواه مالك وأحمد وصححه الألباني).
6- طاعة الله ورسوله، فهي من أعظم أسبــاب الرحمة، وكلما كان العبد أطوَّع لله، كان أكثر استحقاقًا لاستنزال الرحمة به، قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:132].
7- الإحســـان: فالإحســـان يبدأ من الإتقان وتجويد العمل، ويصل إلى المنزلة العظمى من منازل الإيمان وهي: أن تعبد الله كإنك تراه، كما جاء في حديث جبريل حينما سأل النبي عن الإحسان، فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (رواه مسلم)، وهذه المنزلة العظمى تقتضي مراقبة الله جلَّ وعلا في السر والعلن، فإن كنت تريد أن تتنزل عليك الرحمة: راقب قلبـــك وحالك في الخلوات،فإن كنت مستقيم الحال في خلوتك، فاعلم أن هذا من أعظم أسبـــاب استنزال الرحمة عليك، يقول تعالى: {..إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56]

كيف ندعو الله باسميه الرحمن الرحيم؟
1- اثن على الله عزَّ وجلَّ في كل حالك وأكثِر منه بين الخلائـــق، فتتحدث بنعمته ورحمته عليــك، وتقول: يا لرحمة الله، وافرح برحمة الله تعالى: إذا تنزلت عليك، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
2- أن يُكثر العبد من سؤال ربِّه الرحمة، فيقول:اللهم ارحمني، اللهم ارحمني. فإذا دعوت الله، فاعزم في الدعــاء ولا تتردد، قال رسول الله: «إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسألته إنه يفعل ما يشاء ولا مكره له» (رواه البخاري)،
اللهم رحمتك نرجو، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.


,,,,,,,,,,,,,,

(5) اللطيف جل جلاله

سبحــــان اللطيف الخبيــــر، يرفق بعبـــاده ويلطف بهم، يرزق من يشــاء بغير حســـاب، ومنعه هو خيـــر العطــــاء، يعلم مصالح جميع الخلائق؛ الجن والإنس، والطير والحيوان، والجماد والنبـــات، ثم يسلك سبيلَ الرفق في إيصال هذه المصالح إلى مستحقِّها دون العُنْف.. ولو نظر الإنسان إلى الكون من حوله، لوجد آثـــار لطف الله تعالى بخلقه واضحةً جليَّة، ولوجد المرءَ نفسه في نهاية العجز، واللهُ تعالى في نهاية اللطف، ولطفُه به هو الذي جعله على هذا الحال الحسن، فليس لك إلا أن تدعوه سبحــــانه قائلاً: يـــــا لَطِيــــــف.. الْطُفْ بِنـــــا..

المعنى اللغوي: اللطيف في اللغة: صفة مشبهة للموصوف باللطف، فعله: لطف يلطف لطفًا، ولطف الشيء رقته واستحسانه وخفته على النفس، ويطلق على الشيء الخفي المحجوب، ويقال اللطف: "الرقة والحنان والرفق"، فاللطيف من أسماء الجمال لله سبحانه وتعالى. ورود الاسم في القرآن الكريم: ورد اسم الله تعالى اللطيـــف سبع مرات في القرآن الكريم، منها قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103]، وقوله جلَّ وعلا: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، وقوله تعالى: {..إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف:100].. وقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [الحج:63].

معنى الاسم ودلالته في حق الله تعالى:
المعنى الأول: اللطيف سبحانه هو الذي اجْتَمع له العلمُ بدَقائق المصَالح وإيصَالها إلى مَن قدرها له مِن خَلقهِ مع الرفق في الفِعْل والتنفيذ، قال تعالى: {اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ..} [الشورى:19]، فالله لطيفٌ بعباده رفيقٌ بهم قريبٌ منهم، يعامل المؤمنين بعطف ورأفة وإحسان، ويدعو المخالفين إلى التوبة والغفران مهما بلغ بهم العصيان، فهو لطيف بعباده يعلم دقائق أحوالهم.. ولا يخفى عليه شيء مما في صدورهم، قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، وقال لقمان لابنه وهو يعظه: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16]، ولم يقترن اسم الله اللطيف إلا باسمه الخبير، فالله تعالى يطلِّع على بواطن الأمور ويلطف بعباده، فلا يُقدِر لهم إلا ما فيه الخير، وقد يخفى على العبد هذا الخير، فيُقابل قضاء الله بالاعتراض، والله تعالى يقول: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}. يقول ابن القيم "ما يَبْتَلِي الله بهِ عبادَهُ من المصائبِ، وَيَأْمُرُهُم بهِ من المكارهِ، وَيَنْهَاهُم عنهُ من الشَّهَوَاتِ، هيَ طُرُقٌ يُوصِلُهُم بها إلى سعادتِهِم في العاجلِ والآجلِ، وقدْ حُفَّت الجنَّةُ بالمكارهِ، وَحُفَّت النارُ بالشهواتِ. وقدْ قَالَ : "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" (صحيح مسلم)، فالقضاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ لِمَنْ أُعْطِيَ الشكرَ والصبرَ جَالِبًا ما جَلَبَ، وكذلكَ ما فَعَلَهُ بآدَمَ وإبراهيمَ وموسَى وعيسَى ومحمَّدٍ من الأمورِ التي هيَ في الظاهرِ مِحَنٌ وابتلاءٌ، وهيَ في الباطنِ طُرُقٌ خَفِيَّةٌ أَدْخَلَهُم بها إلى غايَةِ كَمَالِهِم وَسَعَادَتِهِم" (شفاء العليل:1:104) المعنى الثاني: اللطيف هو الذي ييسر للعباد أمورهم ويستجيب منهم دعائهم، فهو المحسن إليهم في خفـــاء وستر من حيث لا يعلمون، فنعم الله تعالى عليهم سابغة ظاهرة لا يحصيها العادُّون ولا ينكرها إلا الجاحدون، وهو الذي يرزقهم بفضله من حيث لا يحتسبون: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [الحج:63]، وقال سبحانه: {اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [الشورى:19]، كما أنه يحاسب المؤمنين حسابًا يسيرًا بفضله ورحمته، ويحاسب غيرهم من المخالفين وفق عدله وحكمته. المعنى الثالث: اللطيف الذي لطف عن أن يُدرك، وهو لطف الحجاب لكمال الله وجلاله.. فإن الله لا يُرى في الدنيا لطفًا وحكمة، ويُرى في الآخرة إكرامًا ومحبة.. ولذلك قال عن رؤية الناس له في الدنيا: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ..} [الشورى:51]، وقال سبحانه: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103]، يقول الإمام ابن القيم في (القصيدة النونية:244) وهوَ اللَّطِيفُ بِعَبْدِهِ وَلِعَبْدِهِ ***
واللطفُ في أوصافِهِ نَوْعَانِ إدراكُ أسرارِ الأمورِ بِخِبْرَةٍ *** واللطفُ عندَ مَوَاقِعِ الإحسانِ فَيُرِيكَ عِزَّتَهُ وَيُبْدِي لُطْفَهُ *** والعبدُ في الغَفَلاتِ عنْ ذا الشَّانِ


حظ المؤمن من اسم الله تعالى اللطيــــف:
1- أن يتلطف بالمسلمين ويحنو على اليتامى والمساكين والضعفاء.. ويسعى للوفاق بين المتخاصمين، وينتقي لطائف القول في حديثه مع الآخرين، ويَبَش في وجوههم، ويحمل قولهم على ما يتمناه من المستمعين؛ فإن الظن أكذب الحديث، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» (صحيح مسلم)، فلا بد على العبد أن يكون هينًا لينًا، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار ومن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هين سهل» (رواه الترمذي وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب:1744)، وعن عبد الله بن الحارث بن حزم قال: "ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله" (رواه الترمذي وصححه الألباني) 2- السعي في طلب العلم والفهم عن الله تعالى.. فإذا عَلِمَ العبد أن الله سبحانه وتعالى لا يفوته من العلم شيء وإن دق وصَغُر، أو خفي وكان في مكانٍ سحيـــق.. فعليه أن يؤمن بكمال علم الله وإحاطته، وأنه لن يُحيط بشيءٍ من علمه إلا بما شاء سبحانه وتعالى، فينبغي عليه أن يسعى في طلب العلم؛ لمحاولة فهم أسرار الحيــاة حتى يزداد إيمانًا ويقينًا.. وحين يشعر المؤمن بالعجز عن معرفة بعض الأمور أو الحكمة منها، يزداد تعبدًا وذلاً لله تعالى، وحين يطلعه الله تعالى على بعض المعرفة، يزداد يقينًا وشكرًا لله سبحانه وتعالى
3- المحــــــاسبة والمراقبة.. وإذا عَلِمَ العبد أن ربَّه متصفٌ بدقة العلم، وإحاطته بكل صغيرة وكبيرة، حــــاسب نفسه على أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته؛ لإنه يعلم في كل وقتٍ وحين أنه بين يدي اللطيـــف الخبيــر: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، والله سبحانه يجازي الناس على أفعالهم يوم الدين، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر.. قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47]. وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8]، فحـــــاسبوا أنفسكم قبل أن تُحــــــاسبوا.
4- حب الله عزَّ وجلَّ، إذ لطف بك وســــاق لك الرزق وأعطاك ما تحتاجه في معاشك.. فحينما يتأمل لطف الله سبحانه وتعالى بعباده وأنه يريد بهم الخير واليسر، ويُقيض لهم أسباب الصلاح والبر، يزداد تعلقًا به سبحانه وتعالى، ويزداد حبهُ له.
5- الذل والانكســار.. فإذا أردت أن يعاملك الله سبحانه وتعالى بلطفه، عليك أن تذل وتنكسر بين يديه.. تضــــاعف ما استطعت، فإنَّ اللطف مع الضعف أكثر. الدعـــاء باسم الله اللطيف: لم يرد دعاءً مأثورًا بهذا الاسم أو الوصف، إلا ما ورد عند الطبراني وضعفه الألباني من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «اللهم الطف بي في تيسير كل عسير؛ فإن تيسير كل عسير عليك يسير، وأسألك اليسر والمعافاة في الدنيا والآخرة» (ضعيف الجامع:1181). ويمكن الدعاء بمقتضى ما ورد في قوله تعالى عن يوسف عليه السلام {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف:100]، كأن يقول: اللهم إنك لطيف لما تشاء وأنت العليم الحكيم، ارفع عني البلاء والشقاء وأعذني من الشيطان الرجيم.



,,,,,,,,,,,,,,


(6) اسم الله (الكريم)

بسم الله الرحمن الرحيم الكريم:
اسم الله تعالى الكريم من الأسماء المُحببة إلى النفوس المؤمنة، فهم متقلبون في نعيمه ليل نهار، فلا كرم يسمو على كرمه، ولا إنعام يرقى إلى إنعامه، ولا عطاء يوازي عطاؤه، له علو الشأن في كرمه، يعطي ما يشاء لمن يشاء، كيف يشاء بسؤال وغير سؤال، يعفو عن الذنوب ويستر العيوب، ويجازي المؤمنين بفضله، ويمهل المعرضين ويحاسبهم بعدله.. فما أكرمه، وما أرحمه، وما أعظمه..

المعنى اللغوي:
الكريم: صفة مشبهة للموصوف بالكرم، والكرَم نقيض اللؤم. وكَرُمَ السحــابُ: إذا جــــاء بالغيث، والكريم: الصفوح كثير الصفح، وقيل لشجرة العنب: كَرمَةٌ بمعنى كريمة، وقد يُسمى الشيء الذي له قدرٌ وخطرٌ: كريمًا، ومنه قوله سبحانه وتعالى في قصة سليمان عليه السلام: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل:29]، جاء في تفسيره: كتابٌ جليلٌ خطيرٌ، وقيل: "وصفته بذلك لأنه كان مختومًا"، وقيل: "كان حسن الخط"، وقيل: "لأنها وجدت فيه كلامًا حسنًا"، قال الزجاج: "الكرم سرعة إجابة النفس، كريم الخُلُق وكريم الأصل".

يقول أحمد بن مسكويه في كتابه (تهذيب الأخلاق) "أما الكرم فهو إنفاق المال الكثير بسهولة من النفس في الأمور الجليلة القدر الكثيرة النفع كما ينبغي" (تهذيب الأخلاق:1:7)، ويقول الإمام الغزالي: "وأما الكرم فالتبرع بالمعروف قبل السؤال، والإطعام في المحل، والرأفة بالسائل مع بذل النائل" (إحياء علوم الدين:3:246)، والكرم السعة والعظمة والشرف، والعزة والسخاء عند العطاء.

وروده في القرآن:
ورد اسم الله تعالى الكريم ثلاث مرات، في قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:116]، وقول الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الإنفطار: 6]، وقوله تعالى {..وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]. وورد اسمه تعالى الأكرم في قوله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق:3]، وهي من أوائل السور التي نزلت في مفتتح البعثة، فكان ميثاق التعرُّف بين الله سبحانه وتعالى ونبيه من خلال اسمه الأكرم، لأن الكرم كان من أبلغ المناقب عند العرب، والله سبحانه وتعالى أكرم من كل ما تتصور. معنى الاسم في حق الله تعالى: يقول الغزالي "الكريم: هو الذي إذا قدر عفا وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، وإن رُفِعَت حاجةٌ إلى غيره لا يرضى، وإذا جُفِيَ عاتب وما استقصى، ولا يضيع من لاذ به والتجأ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكلُّف، فهو الكريم المطلق وذلك لله سبحانه وتعالى فقط" (المقصد الأسنى:1:117)، فالكريم هو كثير الخير، الجواد المعطي الذي لا ينفذ عطاؤه، الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل، فالكريم اسم جامعٌ لكل ما يُحمد.

وقد أورد ابن العربي ستة عشر قولاً في معنى اسمه تعالى الكريم، وهي:
1- الذي يعطي لا لعوض. 2- الذي يعطي بغير سبب. 3- الذي لا يحتاج إلى الوسيلة. 4- الذي لا يبالي من أعطى ولا من يُحسَن إليه، كان مؤمنًا أو كافرًا، مُقرًا أو جاحدًا، لولا كرمهُ ما سقى كافر شربة ماء. 5- الذي يُستبشر بقبول عطائه ويُسرُّ به. 6- الذي يعطي ويثني، كما فعل بأوليائه حبَّبَ إليهم الإيمان وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ثم قال: {..أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ . فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات:7-8]، يُحكى أنَّ الجُنيد سَمِعَ رجلاً يقرأ: {..إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44]، فقال: سبحـــان الله! أعطى وأثنى، فالله تعالى هو الذي وهب عبده أيوب عليه السلام الصبر، ثمَّ مدحه به وأثنى. 7- الذي يَعُمُّ عطاؤه المحتاجين وغيرهم. 8- الذي يُعطي من يلومه، فيعطي العبد برغم إساءته للأدب مع ربِّه سبحانه وتعالى. 9- يُعطي قبل السؤال، قال تعالى: {وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34]. 10- يُعطي بالتعرُّض. 11- الذي إذا قَدَرَ عفى. 12- الذي إذا وَعَدَ وفَّى. 13- الذي تُرفَع إليه كل حاجة صغيرة كانت أو كبيرة. 14- الذي لا يُضيع من توسَّل إليه ولا يترك من التجأ إليه، عن سلمان قال: قال رسول الله: «إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين» (رواه أبو داود وصححه الألباني) 15- الذي لا يُعاتب. 16- الذي لا يُعاقب.

الفرق بين الكرم والجود:
الجود: هو صفة ذاتية للجواد، ولا يستحق بالاستحقاق ولا بالسؤال. والكرم: مسبوق باستحقاق السائل والسؤال منه (كتاب الكليات:1:545)

أما معنى اسم الله تعالى الأكرم: الأكرم:
اسم دل على المفاضلة في الكرم، فعله: كرم يكرم كرما، والأكرم هو الأحسن والأنفس والأوسع، والأعظم والأشرف، والأعلى من غيره في كل وصف كمال، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]

الفرق بين الكريم والأكرم:
والأكرم سبحانه هو الذي لا يوازيه كرم ولا يعادله في كرمه نظير، وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم، لكن الفرق بين الكريم والأكرم: أن الكريم، دل على الصفة الذاتية والفعلية معًا، كدلالته على معاني الحسب والعظمة والسعة، والعزة والعلو والرفعة وغير ذلك من صفات الذات، وأيضًا دل على صفات الفعل فهو الذي يصفح عن الذنوب، ولا يمُنُ إذا أعطى فيكدر العطية بالمن، وهو الذي تعددت نعمه على عباده بحيث لا تحصى وهذا كمال وجمال في الكرم. أما الأكرم، فهو المنفرد بكل ما سبق في أنواع الكرم الذاتي والفعلي، فهو سبحانه أكرم الأكرمين له العلو المطلق على خلقه في عظمة الوصف وحسنه، ومن ثم له جلال الشأن في كرمه وهو جمال الكمال وكمال الجمال.

حظ المؤمن من اسم الله تعالى الكريـــم الأكرم:
1- أن يظهر على العبد أثر النعمة: عن أبي الأحوص عن أبيه قال: "أتيت رسول الله وعليَّ ثوب دون، فقال لي «ألك مال؟»، قلت: نعم، قال: «من أي المال؟»، قلت: من كل المال قد أعطاني الله من الإبل والبقر والخيل والرقيق. قال: «فإذا آتاك الله مالاً فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته» (رواه أحمد، والنسائي، وصححه الألباني)
2- إكرام النـــاس: قال: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» (حسنه الألباني، صحيح الجامع:269)، إذا كنت تُحب أن يعاملك الله الكريم، بكرمه وجوده وفضله وإنعامه، فعليك أن تُكرم النــاس في معاملاتك وأخلاقك، والاهتمام بإكرام الضيف والجــار على الأخص، لأن النبي قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، جائزته يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه» (متفق عليه)، وقال: «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» (رواه أحمد وصححه الألباني)، فبإكرامك لضيفك وجارك، يزدد إيمانك وترتفع درجتك عند الله سبحانه وتعالى.
3- أن يعلم أن الإكرام بالنعمة إبتلاء، يستوجب الشكر والطاعة: لا كما يظن البعض أنها دليل حبٍ ورضــا، يقول الله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ . كَلَّا...} [الفجر:15-17]، فالله سبحانه وتعالى يبتلينا بالخير والشر، وحق الخير شكره وحق الشر الصبر عليه. وعن أبي هريرة أن الرسول قال: «فيلقى العبد فيقول: أي فُل -فلان- ألم أكرمك وأسودك وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، قال: أفظننت أنك ملاقيَّ؟ فيقول لا، فيقول فإني قد أنساك كما نسيتني» (رواه مسلم)، والإكرام الحقيقي هو إكرام الله للعبد بالتوفيق للطاعة واليقين والإيمان، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].
4- كثرة فعل الخيـــرات: لأن من معاني اسمه تعالى الكريم أنه كثيـــر الخير، فعلى العبد أن يبذل الخيـــر للناس، بأن يُكثر من الصدقات عن طيب نفس، من نفقة على مسكين وفقير، وسعي على أرملة، سقي الظمآن، وإغاثة اللهفان، وحتى ذكر الله سبحانه وتعالى صدقة.
5- كرم الأخلاق: إذا أردت أن يكرمك الله، كن كريم الأخلاق، قال رسول الله: «إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها» (صحيح الجامع:1801)، عن أبي هريرة: عن النبي قال: «من كان هينا لينًا قريبًا حرمه الله على النار» (رواه الحاكم، وصححه الألباني).
6- التعزز عن سفاسف الأمور وعدم التذلل لأحد: فالكريم هو الذي له خطر وقدر، فتعالى عن سفاسف الأمور ولا تذل لمال أو جــاه أو شهوة، فكن على طاعة الله وابتعد عن مخالفته، تكن كريمًا في الأرض ويَعظُم شأنك، أما المعصية فهي سبب ذُلَك وشؤمك، قال رسول الله: «..وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم» (صحيح الجامع:2831)
7- التخليـــة والتصفيــة: لأن الكريم معناه: المُنزه عن النقائص والآفــات، فعليك أن تسعى في تربية وتهذيب نفسك؛ لإنك لن تكون كريمًا عند الله وأنت مليء بالنقائص والعيــوب.
8- لا تجعل الله أهون الناظرين إليـــك: قال تعالى: {..وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]
9- اللوذ واللُجأ بالكريــم عن الكُربــــات،: عن ابن عباس: أن رسول الله كان يقول عند الكرب "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم" (متفق عليه)، فلُذ بربِّك الكريـــم، يُفرج كربك.
10- إكرام القرآن: قال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة:77]، فأكرم كتاب الله الكريم قراءةً وتدبرًا وعملاً؛ لكي تكون كريمًا عند ربِّ العالمين.

الدعاء باسمي الله تعالى الكريم الأكرم:
منه: دعـــاء ليلة القدر، عن عائشة قالت: قلت: "يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني" (رواه الترمذي وصححه الألباني)، وورد الدعاء باسمه الأكرم، عن ابن مسعود: "أنه كان يدعو في السعي: "اللهمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ"، وفي رواية: "اللهمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ وَأَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ، اللهمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"، وقال الألباني: "وإن دعا في السعي بقوله: رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم فلا بأس لثبوته عن جمع من السلف" (مناسك الحج والعمرة:26).

ومما ورد في الدعاء بالوصف، ما رواه مسلم من حديث عوف بن مالك أنه قال: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يُصَلِّي عَلَى مَيِّتٍ فَسَمِعْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللهُمَّ اغفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكرِمْ نُزُلَهُ، وَأَوْسِعْ مُدْخَلهُ، وَاغسِلهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَس»(صحيح مسلم).



المصدر: موقع الكلم الطيب