المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معاهدة كوتاهية (1833م)


المراقب العام
12-04-2021, 08:40 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



https://islamstory.com/images/upload/content/1966315041%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%87%D8%AF%D8%A911.p ng

رضخ السلطان محمود -مضطرًّا- لهذا العرض، وفي 6 مايو 1833 أصدر فرمانًا[1] في كوتاهية، عُرِف باتفاق سلام كوتاهية Peace Agreement of Kütahya، أعطى فيه محمد علي باشا ولاية مصر، وكريت، والشام كلها، والحجاز، وكذلك ولاية أضنة[2][3]، وبهذا انتهت الحرب، وانسحب إبراهيم باشا من كوتاهية إلى أضنة في 24 مايو[4].

واقع الأمر أن هذا الاتفاق لم يكن معاهدةً بالمعنى القانوني والدولي؛ لأنه لم يكن اتِّفاقًا بين طرفين، إنما كان فرمانًا من جهةٍ واحدة، هي جهة السلطان، أعطى فيه «لواليه» محمد علي باشا إدارة هذه الولايات المذكورة[5]، وهي المرَّة الأولى في تاريخ الدولة العثمانية التي يُعطي فيها السلطان ولاية سبع ولاياتٍ دفعةً واحدةً لوالٍ واحد[6]! كان الجميع يعلم -أيضًا- أن هذه هدنةٌ وليست اتِّفاقيَّة سلامٍ دائم؛ فمن المعلوم أن محمد علي باشا -مع أنه أخذ ما يريد، وزيادة (أضنة)- إلا أنَّه ما زال تابعًا للدولة العثمانية.

نعم يتَّضح من بداية المعارك أنه لا ينوي الانفصال التام عن الدولة، ولكن الانتصارات السهلة التي حقَّقها على الجيش العثماني ستدفعه على الأغلب إلى التفكير في الاستقلال، ولقد كانت رغبة الاستقلال التام عن الدولة العثمانية بارزة عند ابنه إبراهيم باشا، ولو كان الأمر بيده لأسقط -فيما أعتقد- الدولة العثمانية كلَّها، ولضمَّها بكاملها إلى دولة أبيه، تمامًا كما فعل سليم الأول بالمماليك قبل ذلك، حين لم يكتفِ بالشام، بل اقتحم مصر، وأسقط القاهرة، ومحا دولة المماليك من الوجود، وشخصيَّة إبراهيم باشا عسكريَّة كسليم الأول، وهو يريد حسم الأمور بسرعةٍ دون تضييع فُرَص، وقد تئول الأمور إليه كحاكمٍ لمصر إذا مات أبوه، الذي بلغ حتى هذه اللحظة أربعًا وستِّين سنةً من العمر، وعندها سيتجدَّد القتال حتمًا، بل قد تُغيِّر الأيَّام القادمة سلوك محمد علي المتحفِّظ نسبيًّا ويتحوَّل إلى الهجوم مجدَّدًا، ولقد كان المانع الأكبر لاستمراره في القتال هو وجود القوَّات الروسيَّة، وكذلك ضغط بريطانيا وفرنسا، فلو تغيَّرت ظروف هذه القوى العظمى -وهذا كثير الحدوث في هذا الزمن، وما أحداث الحروب النابليونيَّة ببعيدة- فقد ينسف محمد علي باشا المعاهدة، ويُسْقِط العثمانيِّين.

هذا من ناحية الدولة المصريَّة، أمَّا من ناحية الدولة العثمانية فإن السلطان محمودًا الثاني دُفِعَ مُكرَهًا إلى هذا الكمِّ المهول من التنازلات المهينة! لقد فقد في أقلَّ من سنتين الشام كلَّه، والحجاز، وإقليم أضنة الأناضولي، وتعرَّضت جيوشه لأربع هزائم مذلَّة في حروبٍ ميدانيَّةٍ مفتوحة، هذا غير الحاميات التي استسلمت في عشرات المدن، وأُسِر صدره الأعظم رشيد باشا، واستجدى المساعدة من ألدِّ أعدائه الروس، وهُدِّدت عاصمته بشكلٍ مباشرٍ وواقعي.

كلُّ هذه الجروح لن تندمل أبدًا مع الوقت، ولسوف يكون الشغل الشاغل له هو الخروج من هذا المأزق، واستعادة الأملاك السليبة. لا شَكَّ أنه سيبحث عن فرصةٍ لنقض المعاهدة وإعادة الحرب، إذا وجد في نفسه قوَّة. هذه الاحتمالات جعلت روسيا متردِّدةً في الخروج من الأناضول، وفي الوقت نفسه فإن بريطانيا وفرنسا لن يقبلا بوجودها، وقد يتطوَّر الأمر إلى صدامٍ لا ترغب فيه القوى العظمى. هذا دفع روسيا إلى إرغام السلطان على عقد معاهدةٍ تؤَمِّن بها المستقبل الروسي، فكانت معاهدة هونكار إسكيله سي[7]![8].


[1] يانج، جورج: تاريخ مصر من عهد المماليك إلى نهاية حكم إسماعيل، ترجمة: علي أحمد شكري، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1416هـ=1996م.صفحة 130.
[2] سرهنك، إسماعيل: حقائق الأخبار عن دول البحار، المطابع الأميرية، بولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1312هـ=1895م.صفحة 2/246.
[3] بكديللي، كمال: الدولة العثمانية من معاهدة قينارجه الصغرى حتى الانهيار، ضمن كتاب: إحسان أوغلي، أكمل الدين: الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، ترجمة: صالح سعداوي، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، إستانبول، 1999م.صفحة 1/96.
[4] دولينا، نينل الكسندروفنا: الإمبراطورية العثمانية وعلاقاتها الدولية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر، ترجمة: أنور محمد إبراهيم، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1999م. صفحة 33.
[5] لوتسكي: تاريخ الأقطار العربية الحديث، ترجمة: عفيفة البستاني، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الثامنة، 1985م. صفحة 129.
[6] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، 1990 صفحة 2/17.
[7] بروكلمان، كارل: تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: نبيه أمين فارس، منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة، 1968م. صفحة 548.
[8] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442ه= 2021م، 2/ 1047- 1049.