المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يشركون وهم لايعلمون


البهتيمى
07-09-2010, 03:14 AM
يشركون وهم لايعلمون
أيشرك المسلم وهو لا يعلم ؟؟!

1- قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ } يوسف 106 .

2- وقال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } الأنعام 82، والظلم فسره صلى الله عليه وسلم بالشرك.

3- ولما قال بعض الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: « اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط» قال صلى الله عليه وسلم الله أكبر! إنها السنن! قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة لتركبن سنن من كان قبلكم » أخرجه الترمذي وأحمد وابن حبان وغيرهم.

4- وقال صلى الله عليه وسلم: « أيها الناس! اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل! فقيل له: وكيف نتقيه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: قولوا اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه » أخرجه أحمد


هل سيعود أحد من المسلمين إلى الشرك؟؟


1- قال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان» أخرجه أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجة.

2- وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة» وهو في الصحيحين.
وكانت صنماً تعبدها دوس في الجاهلية بتبالة (تبالة أي مكان)

3- وقال صلى الله عليه وسلم: «لايذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى» رواه مسلم.
ولتعلم أن أوجب الواجبات وأعظم ما فرض الله عليك هو: تعلم التوحيد والعمل به ومعرفة الشرك والتخلص منه.


ماهــــو التوحيـــد؟؟


التوحيد: هو إفراد الله بما يختص به من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات وهو قسمان:

1- توحيد الألوهية: وهو إفراد العبد أفعاله التعبدية لله وحده فلا يصرف شيئا منها لغير الله.
2- توحيد الربوبية والأسماء والصفات: وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بأفعاله وصفاته وأسمائه فلا يشاركه أحد فيها.


ما هــــو الشــــرك؟


وأما الشرك فهو: صرف شيء مما يختص به الله لمخلوق، وهو قسمان:
(الأول) الشرك الأكبر: وهو صرف شيء مما يختص به الله لمخلوق كما يصرف لله وهو مخرج من الإسلام،

وهو قسمان:

(أ) شرك في الألوهية: وهو صرف العبد شيئاً من أفعاله التعبدية لغير الله، ومن أنواعه : الشرك في الدعاء والمحبة والطاعة والنية والقصد والخوف والرجاء والتوكل .

(ب) شرك في الربوبية والأسماء والصفات: وهو صرف العبد شيئاً من أفعال الله أو صفاته أو أسمائه لغير الله كالخلق والرزق والإحياء.

2- (الثاني) الشرك الأصغر: وهو صرف شيء مما يختص به الله لمخلوق ولكن ليس كما يصرف لله. وهو لا يخرج من الإسلام، ولا يحبط العمل كله، بل يحبط ما وقع فيه الشرك، وهو كبيرة من كبائر الذنوب ووسيلة إلى الشرك الأكبر ولا يخلد فاعله في النار.



ألفاظ شركية محرمة منتشرة

1- خير يا طير ( لكونه يستعمل للتطير) قال صلى الله عليه وسلم: «الطيرة شرك الطيرة شرك ثلاثاً...» رواه أبوداود
2- الحلف بغير الله مثل:
(1) والنبي
(2) والكعبة
(3) وحياتك
(4) وحياتي
(5) والله وحياتك
(6) بالأمانة
(7) بالذمة
(8) وشرفي
(9) بصلاتك
(10) وجاه النبي
(11) بحق فلان
(12) بروح والديه
(13) برأس الأم أو الأب أو الأولاد
(14) الحلف بالأموات مثل: الجيلاني والبدوي
(15) التسمية الشركية: مثل: عبدالرسول لقوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» رواه الترمذي، وكفارته أن يقول: «لا إله إلا الله» متفق عليه.

وهذه كلها من الشرك الأصغر إذا لم يقصد تعظيم المحلوف به كتعظيم الله ، أما مع القصد فهو شرك أكبر.

3- تسوية مخلوق بالله في الألفاظ لا في التعظيم: مثل
(1) ما شاء الله وشئت
(2) لولا الله وأنت
(3) داخل على الله وعليك
(4) الله لي في السماء وأنت لي في الأرض
(5) مالي إلا الله وأنت
(6) هذا من بركات الله وبركاتك
(7) متوكل على الله وعليك
(8) أعوذ بالله وبك
(9) لولا فلان لكان كذا
(10) وهذا من الله وفلان
(11) متوكل على فلان. قال تعالى:{ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } البقرة 22 .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: « قل: ما شاء الله وحده » رواه أحمد ، والصحيح أن تقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان» رواه أحمد وأبو داود

4- وجه الله عليك أن تأكل أو تفضل عندنا لأنه لا يستشفع بالله على المخلوق.
5- مطرنا بنوء (النجم) كذا: ففي الحديث القدسي : «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر: فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب » رواه أبو داود



صور من الشرك الأكبر والشرك الأصغر

لتعلم بأن الجهل بحقيقة الشرك جعلت بعض المسلمين يعملون أنواع الشركيات بل الشرك الأكبر، وهم يعتقدون بأنها من أفضل وأعظم العبادات والقربات إلى الله!! فصاروا كالمشركين القائلين: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } الزمر3 ، بل إن منهم من يظن أن الشرك هو فقط عبادة الأصنام أو الأحجار ونحوها فللشرك صور كثيرة منها:

1- الاعتقاد بالسيد أو الولي أو الإمام أو الشيخ وغيرهم: بأنهم يضرون أو ينفعون أو يتصرفون في الكون وفي حياة الناس أو أنهم يعلمون الغيب أو يطلعون على اللوح المحفوظ، أو أنهم حاضرون وناظرون في كل مكان أو أنهم وسائط بينهم وبين الله أو يطلبون منهم المدد والغوث أو يخافونهم ويرجونهم ويتوكلون عليهم أو يشرعون لهم مالم يأذن به الله من الحلال والحرام أو يقدمون أوامرهم على أمر الله كما قال تعالى: { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ } التوبة 31 .
2- الدعاء أو السجود أو النذر أو الاستغاثة أو الذبح لغير الله كائن من كان بقصد التقرب إليه أو رجاء نفعه أو دفع ضره.


3- ومن صور الشرك الأصغر:

(1) الرياء والسمعة: وهو عدم إخلاص عمل ما لله تعالى كمن يتصدق لغير الله.
(2) تسوية مخلوق بالله في الألفاظ من دون تسويته بالتعظيم كالحلف.
(3) التعلق بالأسباب من دون الله.
(4) قصد الدنيا بعمل صالح.


الشركيات المخرجة من الإسلام

الشركيات المخرجة من الاسلام التي تفعل للأموات أو عند قبور الأنبياء والصالحين وغيرهم

1- دعاء الميت أو الاستغاثة به ومناداته وسؤاله وطلب المدد منه كأن يقول: ياسيدي فلان انصرني أو أغثني أو اشفني أو المدد.
2- الذبح للميت بأن يذبح له كبشأ أو دجاجة تقربا له وتعظيماً.
3- النذر للميت:بأن يقول: ياسيدي فلان إن شفيتني من المرض أو قضيت حاجتي فلك علي أن أفعل كذا وكذا كما يفعل عند قبر البدوي والجيلاني وابن عربي وغيرهم.
4- اعتقاد أن الميت يتصرف في الكون والحياة وأنه ينفع أو يضر.
5- التقرب إلى الميت بوضع الطعام والأموال والحيوانات والهدايا عند قبره أو إكرام السدنة الذين يقومون على ضريحه بها.
6- دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وسؤاله الحاجات من دون الله تعالى كمن يقول: المدد يا رسول الله أو المغفرة.
7- السجود أو الركوع أو الطواف أو الحج للقبر أو للميت تقرباً إليه.
8- الخوف من الموتى أن يضروه، أو يؤذوه، أو يصيبوه بالمرض.
9- أن يطلب من الموتى الدعاء أو الشفاعة له عند الله.
عقوبة المشرك بالله


من لم يتب من الشرك بعد قيام الحجة عليه فهو من أهل الجحيم كما جاء في الأدلة التالية :


1- قال تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } النساء 48 .
2- وقال تعالى: { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } المائدة 72 .
3- وفي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من لقي الله يشرك به شيئا دخل النار»
ولتعلم بأن الشرك قد غلب على كثير من النفوس حتى صار الإسلام غريباً، فأكثرهم لا يفهمون معنى (لا إله إلا الله) ولذا ينقضونها في كل وقت !!
ولتعلم أيضا بأنه لا يجوز لك السكوت عن أي مظهر من مظاهر الشرك بل إن من الواجبات العظيمة عليك محاربة الشرك وأن تكون داعياً إلى التوحيد.
فكثيرون يعتقدون أنهم بعيدون كل البعد عن الشرك وما هو عنهم ببعيد!!
فالمرء قد يشرك بسبب كلمة سريعة أو عمل لا يستغرق فعله ثوان أو عمل قلبي من خوف أو رجاء أو حب يصرف لغير الله!!فما أكثر الذين يشركون وهم لا يعلمون!!


المحرمات التي تفعل عند قبور الأنبياء والصالحين

وهي بدع وخرافات ووسائل إلى الشرك الأكبر

1- الاعتقاد بأن دعاء الله عند القبر مجاب وكذا استقبال القبر عند الدعاء كما تستقبل القبلة وكذا قراءة القرآن عندها.
2- شد الرحال والسفر إلى القبور والمشاهد والأضرحة والاعتكاف عندها باسم الزيارة والتبرك فلا يجوز السفر إلى أي بقعة تعظيما لها أو تقربا إلى الله إلا للمساجد الثلاثة (المسجد الحرام، والنبوي، والأقصى) لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» رواه الترمذي.
3- تجصيص القبور والبناء عليها وتعليتها ووضع الستائر عليها وبناء المشاهد والقبب عليها والكتابة عليها وإنارتها وإسراجها واتخاذها مزارات وأعياد وغرس الشجر عندها وتزيينها بأي زينة.
4- بناء المساجد على القبور أو الصلاة عندها أو استقبالها عند الصلاة فيحرم الصلاة في هذه المساجد والصلاة فيها باطلة ويجب هدمها لقوله صلى الله عليه وسلم: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» رواه مسلم وأحمد
5- التمسح بالقبر وتعفير الوجه بترابه تبركا.



من فوائد الشيخين الفاضلين ابن الباز والالباني رحمهما الله وسائر المسلمين

أبو علي المصري
29-09-2010, 09:25 PM
شكر الله لكم

anas1235
13-11-2010, 02:10 PM
جزاك الله خيرا على تبين الشرك لكن التوحيد لم يقسمه العلماء قسمان بل ثلاثة وهي هنا مبينة وموضحة :
من له سؤال عن العقيدة يجده هنا إن شاء الله

فتاوى العقيدة للشيخ بن عثيمين رحمه الله

س1: ما تعريف التوحيد وأنواعه؟
الجواب: التوحيد لغة: ((مصدر وحد يوحد، أي جعل الشيء واحداً)) وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى الموحد، وإثباته له، فمثلاً نقول: إنه لا يتم للإنسان التوحيد حتى يشهد أن لا إله إلا الله، فينفي الألوهية عما سوى الله عز وجل ويثبتها لله وحده، وذلك أن النفي المحض تعطيل محض، والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم، فلو قلت مثلاً((فلان قائم)) فهنا أثبت له القيام لكنك لم توحده به، لأنه من الجائز أن يشاركه غيره في هذا القيام، ولو قلت ((لا قائم)) فقد نفيت نفياً محضاً ولم تثبت القيام لأحد، فإذا قلت: ((لا قائم إلا زيد)) فحينئذٍ تكون وحدت زيداً بالقيام حيث نفيت القيام عمن سواه، وهذا هو تحقيق التوحيد في الواقع، أي أن التوحيد لا يكون توحيداً حتى يتضمن نفياً وإثباتاً .
وأنواع التوحيد بالنسبة لله-عز وجل- تدخل كلها في تعريف عام وهو ((إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به)) .
وهي حسب ما ذكره أهل العلم ثلاثة:
الأول: توحيد الربوبية .
الثاني: توحيد الألوهية .
الثالث: توحيد الأسماء والصفات .
وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء، والنظر في الآيات والأحاديث، فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة فنوعوا التوحيد إلى ثلاثة أنواع:
الأول: توحيد الربوبية: وهو ((إفراد الله -سبحانه وتعالى- بالخلق، والملك، والتدبير)) وتفصيل ذلك
أولاً: بالنسبة لإفراد الله -تعالى- بالخلق: فالله تعالى وحده هو الخالق لا خالق سواه، قال الله تعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)(فاطر:3) وقال تعالى مبيناً بطلان آلهة الكفار: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) .(النحل:17). فالله تعالى وحده هو الخالق خلق كل شيء فقدره تقديراً، وخلقه يشمل ما يقع من مفعولاته، وما يقع من مفعولات خلقه أيضاً، ولهذا كان من تمام الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله تعالى خالقاً لأفعال العباد كما قال الله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) .(الصافات الآية:96ا). ووجه ذلك أن فعل العبد من صفاته، والعبد مخلوق لله، وخالق الشيء خالق لصفاته، ووجه آخر أن فعل العبد حاصل بإرادة جازمة وقدرة تامة، والإرادة والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله -عز وجل- وخالق السبب التام خالق للمسبب .
فإن قيل: كيف نجمع بين إفراد الله -عز وجل- بالخلق مع أن الخلق قد يثبت لغير الله كما يدل عليه قول الله تعالى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(المؤمنون: الآية14) وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين: ((يقال لهم: أحيوا ما خلقتم))1 ؟
فالجواب على ذلك: أن غير الله تعالى لا يخلق كخلق الله فلا يمكنه إيجاد معدوم، ولا إحياء ميت، وإنما خلق غير الله تعالى يكون بالتغيير وتحويل الشيء من صفة إلى صفة أخرى وهو مخلوق لله -عز وجل- فالمصور مثلاً، إذا صور صورة فإنه لم يحدث شيئاً، غاية ما هنالك أنه حول شيئاً إلى شيء، كما يحول الطين إلى صورة طير، أو صورة جمل، وكما يحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى صورة ملونة فالمداد من خلق الله -عز وجل- والورقة البيضاء من خلق الله -عز وجل- هذا هو الفرق بين إثبات الخلق بالنسبة إلى الله-عز وجل- وإثبات الخلق بالنسبة إلى المخلوق . وعلى هذا يكون الله -سبحانه وتعالى- منفرداً بالخلق الذي يختص به .
ثانياً: إفراد الله -تعالى- بالملك فالله تعالى وحده هو المالك كما قال الله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (سورة الملك،الآية:1) وقال تعالى: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَار عَليهِ)(سورة المؤمنون الآية:88) فالمالك الملك المطلق العام الشامل هو الله -سبحانه وتعالى- وحده، ونسبة الملك إلى غيره نسبة إضافية فقد أثبت الله -عز وجل- لغيره الملك كما في قوله تعالى: (أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ)(النور: من الآية61) وقوله:(إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم)(المؤمنون: من الآية6) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن لغير الله تعالى ملكاً، لكن هذا الملك ليس كملك الله -عز وجل- فهو ملك قاصر، وملك مقيد، ملك قاصر لا يشمل، فالبيت الذي لزيد لا يملكه عمرو، والبيت الذي لعمرو لا يملكه زيد، ثم هذا الملك مقيد بحيث لا يتصرف الإنسان فيما بملك إلا على الوجه الذي أذن الله فيه، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، وقال الله -تبارك وتعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً)(سورة النساء، الآية:5) وهذا دليل على أن ملك الإنسان قاصر وملك مقيد، بخلاف ملك الله -سبحانه وتعالى- فهو ملك عام شامل وملك مطلق يفعل الله -سبحانه وتعالى- ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
ثالثاً: التدبير، فالله -عز وجل- منفرد بالتدبير فهو الذي يدبر الخلق ويدبر السماوات والأرض كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(سورة الأعراف، الآية:54) وهذا التدبير شامل لا يحول دونه شيء ولا يعارضه شيء . والتدبير الذي يكون لبعض المخلوقات كتدبير الإنسان أمواله وغلمانه وخدمه وما أشبه ذلك هو تدبير ضيق محدود، ومقيد غير مطلق، فظهر بذلك صدق صحة قولنا إن توحيد الربوبية هو ((إفراد الله بالخلق، والملك، والتدبير)) .
النوع الثاني: توحيد الألوهية، وهو ((إفراد الله -سبحانه وتعالى- بالعبادة)) بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحداً يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله -تعالى- ويتقرب إليه، وهذا النوع من التوحيد هو الذي ضل فيه المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم، واستباح دماءهم، وأموالهم، وأرضهم، وديارهم، وسبى نساءهم وذريتهم، وهو الذي بعثت به الرسل، وأنزلت به الكتب مع أخويه توحيدي الربوبية، والأسماء والصفات، لكن أكثر ما يعالج الرسل أقوامهم على هذا النوع من التوحيد -وهو توحيد الألوهية- بحيث لا يصرف الإنسان شيئاً من العبادة لغير الله -سبحانه وتعالى- لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، ولا لولي صالح، ولا لأي أحد من المخلوقين، لأن العبادة لا تصح إلا لله -عز وجل- ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر، وإن أقر بتوحيد الربوبية، وبتوحيد الأسماء والصفات . فلو أن رجلاً من الناس يؤمن بأن الله -سبحانه وتعالى- هو الخالق، المالك، المدبر لجميع الأمور، وأنه -سبحانه وتعالى- المستحق لما يستحقه من الأسماء والصفات لكن يعبد مع الله غيره لم ينفعه إقراره بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات . فلو فرض أن رجلاً يقر إقراراً كاملاً بتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات لكن يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه، أو ينذر له قرباناً يتقرب به هل إليه فإن هذا مشرك كافر خالد في النار، قال الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة: الآية72) ومن المعلوم لكل من قرأ كتاب الله -عز وجل- أن المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم، واستحل دماءهم، وأموالهم، وسبى نساءهم وذريتهم، وغنم أرضهم كانوا مقرين بأن الله تعالى وحده هو الرب الخالق لا يشكون في ذلك، ولكن لما كانوا يعبدون معه غيره صاروا بذلك مشركين مباحي الدم والمال .
النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهو ((إفراد الله -سبحانه وتعالى- بما سمى الله به نفسه ، ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل)) . فلا بد من الإيمان بما سمى الله به نفسه ووصف به نفسه على وجه الحقيقة لا المجاز، ولكن من غير تكييف، ولا تمثيل، وهذا النوع من أنواع التوحيد ضل فيه طوائف من هذه الأمة من أهل القبلة الذين ينتسبون للإسلام على أوجه شتى:
منهم من غلا في النفي والتنزيه غلواً يخرج به من الإسلام، ومنهم متوسط، ومنهم قريب من أهل السنة . ولكن طريقة السلف في هذا النوع من التوحيد هو أن يسمى الله ويوصف بما سمى ووصف به نفسه على وجه الحقيقة، لا تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل .
مثال ذلك: أن الله -سبحانه وتعالى- سمى نفسه بالحي القيوم فيجب علينا أن نؤمن بأن الحي اسم من أسماء الله تعالى ويجب علينا أن نؤمن بما تضمنه هذا الاسم من وصف وهي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء . وسمى الله نفسه بالسميع فعلينا أن نؤمن بالسميع اسماً من أسماء الله -سبحانه وتعالى- وبالسمع صفة من صفاته، وبأنه يسمع وهو الحكم الذي اقتضاه ذلك الاسم وتلك الصفة، فإن سميعاً بلا سمع، أو سمعاً بلا إدراك مسموع هذا شيء محال وعلى هذا فقس .
مثال آخر: قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)(المائدة: الآية64) . فهنا قال الله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)(المائدة: الآية64) فأثبت لنفسه يدين موصوفتين بالبسط، وهو العطاء الواسع، فيجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين مبسوطتين بالعطاء والنعم، ولكن يجب علينا أن لا نحاول بقلوبنا تصوراً، ولا بألسنتنا نطقاً أن نكيف تلك اليدين، ولا أن نمثلهما بأيدي المخلوقين، لأن الله -سبحانه وتعالى- يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: الآية11) ويقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف:33). ويقول عز وجل: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء:36). فمن مثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين فقد كذب قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌُ).(الشورى: الآية11) وقد عصى الله تعالى في قوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ)(النحل: الآية74) ومن كيفهما وقال هما على كيفية معينة أياً كانت هذه الكيفية، فقد قال على الله ما لا يعلم، وقفى ما ليس له به علم .
ونضرب مثالاً ثانياً في الصفات: وهو استواء الله على عرشه فإن الله تعالى أثبت لنفسه أنه استوى على العرش في سبعة مواضع من كتابه كلها بلفظ (استوى) وبلفظ (على العرش) وإذا رجعنا إلى الاستواء في اللغة العربية وجدناه إذا عدي بعلى لا يقتضي إلا الارتفاع والعلو، فيكون معنى قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) .(طـه:5) .وأمثالها من الآيات . أنه علا على عرشه علواً خاصاً، غير العلو العام على جميع الأكوان، وهذا العلو ثابت لله تعالى على وجه الحقيقة، فهو عالٍ على عرشه علواً يليق به -عز وجل- لا يشبه علو الإنسان على السرير، ولا علوه على الأنعام ،ولا علوه على الفلك الذي ذكره الله في قوله: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ)(الزخرف: من الآية12) .(لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (الزخرف:13). (وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) .(الزخرف:14) . فاستواء المخلوق على شيء لا يمكن أن يماثله استواء الله على عرشه؛ لأن الله ليس كمثله شيء .
وقد أخطأ خطأ عظيماً من قال إن معنى استوى على العرش استولى على العرش، لأن هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ومخالف لما أجمع عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- والتابعون لهم بإحسان، ومستلزم للوازم باطلة لا يمكن لمؤمن أن يتفوه بها بالنسبة لله -عز وجل- والقرآن الكريم نزل باللغة العربية بلا شك كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف:3) ومقتضى صيغة ((استوى على كذا)) في اللغة العربية العلو والاستقرار، بل هو معناها المطابق للفظ . فمعنى استوى على العرش أي: علا عليه علواً خاصاً يليق بجلاله وعظمته، فإذا فسر الاستواء بالاستيلاء فقد حرف الكلم عن مواضعه، حيث نفى المعنى الذي تدل عليه لغة القرآن وهو العلو وأثبت معنى آخر باطلاً .
ثم إن السلف والتابعين لهم بإحسان مجمعون على هذا المعنى إذ لم يأت عنهم حرف واحد في تفسيره بخلاف ذلك، وإذا جاء اللفظ في القرآن والسنة ولم يرد عن السلف تفسيره بما يخالف ظاهره فالأصل أنهم أبقوه على ظاهره واعتقدوا ما يدل عليه .
فإن قال قائل: هل ورد لفظ صريح عن السلف بأنهم فسروا استوى بـ (علا)؟
قلنا: نعم ورد ذلك عن السلف، وعلى فرض أن لا يكون ورد عنهم صريحاً فإن الأصل فيما دل عليه اللفظ في القرآن الكريم والسنة النبوية أنه باقٍ على ما تقتضيه اللغة العربية من المعنى، فيكون إثبات السلف له على هذا المعنى .
أما اللوازم الباطلة التي تلزم من فسر الاستواء بالاستيلاء فهي:
أولاً: أن العرش قبل خلق السماوات والأرض ليس ملكاً لله -تعالى- لأن الله -تعالى- قال: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش)(لأعراف: الآية54). وعلى هذا فلا يكون الله مستولياً على العرش قبل خلق السماوات ولا حين خلق السماوات والأرض .
ثانياً: أنه يصح التعبير بقولنا إن الله استوى على الأرض، واستوى على أي شيء من مخلوقاته، وهذا بلا شك ولا ريب معنى باطل لا يليق بالله -عز وجل- .
ثالثاً: أنه تحريف للكلم عن مواضعه .
رابعاً: أنه مخالف لإجماع السلف الصالح -رضوان الله عليهم- .
وخلاصة الكلام في هذا النوع -توحيد الأسماء والصفات- أنه يجب علينا أن نثبت لله ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات على وجه الحقيقة من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل .
س2: ما شرك المشركين الذين بعث فيهم النبي، صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: بالنسبة لشرك المشركين الذين بعث فيهم النبي، صلى الله عليه وسلم، فإنه ليس شركاً في الربوبية، لأن القرآن الكريم يدل على أنهم إنما كانوا يشركون في العبادة فقط .
أما في الربوبية فيؤمنون بأن الله وحده هو الرب، وأنه مجيب دعوة المضطرين، وأنه هو الذي يكشف السوء إلى غير ذلك مما ذكر الله عنهم من إقرارهم بربوبية الله -عز وجل- وحده .
ولكنهم كانوا مشركين بالعبادة يعبدون غير الله معه، وهذا شرك مخرج عن الملة، لأن التوحيد هو عبارة -حسب دلالة اللفظ- عن جعل الشيء واحداً، والله -تبارك وتعالى- له حقوق يجب أن يفرد بها وهذه الحقوق تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- حقوق ملك .
2- حقوق عبادة .
3- حقوق أسماء وصفات .
ولهذا قسم العلماء التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العبادة .
فالمشركون إنما أشركوا في هذا القسم، قسم العبادة حيث كانوا يعبدون مع الله غيره، وقد قال الله -تبارك وتعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً )(النساء:الآية36) .أي في عبادته .
وقال -تعالى-)إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة: الآية72) .
وقال _تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)(النساء: الآية48) .
وقال -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر:60) .
وقال تعالى في سورة الإخلاص: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (1) (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) (2) (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) (:3) (وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) (4) (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) (3) (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (6)(سورة الكافرون : 1،6).
وقولي في سورة الإخلاص يعني إخلاص العمل فهي سورة إخلاص العمل، وإن كانت تسمى سورة الكافرون، لكنها في الحقيقة سورة إخلاص عملي كما أن سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الاخلاص:1) سورة إخلاص علمي وعقيدة . والله الموفق .
***
س3: ما أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة وغيرها من أمور الدين؟
الجواب: قاعدة أهل السنة والجماعة في العقائد وغيرها من أمور الدين، هو التمسك التام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عليه الخلفاء الراشدون من هدي وسنة، ولقول الله -تعالى-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)(آل عمران: الآية31). لقوله -تعالى-: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (النساء:80) ولقول الله -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(الحشر: الآية7) وهذا وإن كان في قسمة الغنائم فهو في الأمور الشرعية من باب أولى، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يخطب الناس يوم الجمعة، فيقول: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)1 .
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)2 .
والنصوص في هذا كثيرة، فطريق أهل السنة والجماعة ومنهاجهم هو التمسك بالتام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، ومن ذلك أنهم يقيمون الدين ولا يتفرقون فيه امتثالاً لقول الله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ).(الشورى: الآية13) . وهم وإن حصل بينهم من الخلاف ما يحصل مما للاجتهاد فيه مساغ، فإن هذا الخلاف لا يؤدي إلى اختلاف قلوبهم بل تجدهم متآلفين متحابين، وإن حصل منهم هذا الاختلاف الذي طريقه الاجتهاد .
***
س4: من هم أهل السنة والجماعة؟
الجواب: أهل السنة والجماعة هم الذين تمسكوا بالسنة، واجتمعوا عليها، ولم يلتفتوا إلى سواها، لا في الأمور العلمية العقدية، ولا في الأمور العملية الحكمية، ولهذا سموا أهل السنة، لأنهم متمسكون بها، وسموا أهل الجماعة، لأنهم مجتمعون عليها .
وإذا تأملت أحوال أهل البدعة وجدتهم مختلفين فيما هم عليه من المنهاج العقدي أو العملي، مما يدل على أنهم بعيدون عن السنة بقدر ما أحدثوا من البدعة .
***
س5: أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، عن افتراق أمته بعد وفاته، نأمل من فضيلتكم بيان ذلك؟
الجواب:أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، فيما صح عنه3 أن اليهود افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وهذه الفرق كلها في النار إلا واحدة، وهي ما كان على مثل ما كان عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وهذه الفرقة هي الفرقة الناجية التي نجت في الدنيا من البدع، وتنجو في الآخرة من النار، وهي الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة التي لا تزال ظاهرة قائمة بأمر الله -عز وجل .
وهذه الفرق الثلاث والسبعون التي واحدة منها على الحق والباقي على الباطل، قد حاول بعض الناس أن يعددها، وشعب أهل البدع إلى خمس شعب، وجعل من كل شعبة فروعاً ليصلوا إلى هذا العدد الذي عينه النبي، صلى الله عليه وسلم، ورأى بعض الناس أن الأولى الكف عن التعداد، لأن هذه الفرق ليست وحدها هي التي ضلت بل قد ضل أناس ضلالاً أكثر مما كانت عليه من قبل، وحدثت بعد أن حصرت هذه الفرق باثنتين وسبعين فرقة، وقالوا إن هذا العدد لا ينتهي ولا يمكن العلم بانتهائه إلا في آخر الزمان عند قيام الساعة، فالأولى أن نجمل ما أجمله النبي، صلى الله عليه وسلم، ونقول إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ثم نقول: كل من خالف ما كان عليه النبي، صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو داخل في هذه الفرق، وقد يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى أصول لم نعلم منها الآن إلا ما يبلغ العشرة، وقد يكون أشار إلى أصول تتضمن فروعاً كما ذهب إليه بعض الناس فالعلم عند الله -عز وجل .
***
س6: ما أبرز خصائص الفرقة الناجية: وهل النقص من هذه الخصائص يخرج الإنسان من الفرقة الناجية؟
الجواب: أبرز الخصائص للفرقة الناجية هي التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، في العقيدة،والعبادة، والأخلاق، والمعاملة، هذه الأمور الأربعة تجد الفرقة الناجية بارزة فيها:
ففي العقيدة تجدها متمسكة بما دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من التوحيد الخالص في ألوهية الله، وربوبيته، وأسمائه وصفاته .
وفي العبادات تجد هذه الفرقة متميزة في تمسكها التام وتطبيقها لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، في العبادات في أجناسها، وصفاتها، وأقدارها، وأزمنتها، وأمكنتها، وأسبابها، فلا تجد عندهم ابتداعاً في دين الله، بل هم متأدبون غاية الأدب مع الله ورسوله، لا يتقدمون بين يدي الله ورسوله في إدخال شيء من العبادات لم يأذن به الله.
وفي الأخلاق تجدهم كذلك متميزين عن غيرهم بحسن الأخلاق كمحبة الخير للمسلمين، وانشراح الصدر، وطلاقة الوجه، وحسن المنطق والكرم، والشجاعة إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسنها .
وفي المعاملات تجدهم يعاملون الناس بالصدق، والبيان اللذين أشار إليهما النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما))(1).
والنقص من هذه الخصائص لا يخرج الإنسان عن كونه من الفرقة الناجية، لكن لكل درجات مما عملوا، والنقص في جانب التوحيد ربما يخرجه عن الفرقة الناجية مثل الإخلال بالإخلاص، وكذلك في البدع ربما يأتي ببدع تخرجه عن كونه من الفرقة الناجية .
أما في مسألة الأخلاق والمعاملات فلا يخرج الإخلال بهما من هذه الفرقة وإن كان ذلك ينقص مرتبته .
وقد نحتاج إلى تفصيل في مسألة الأخلاق فإن من أهم ما يكون من الأخلاق اجتماع الكلمة، والاتفاق على الحق الذي أوصانا به الله -تعالى- في قوله: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)(الشورى: الآية13) وأخبر أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً أن محمداً صلى الله عليه وسلم برئ منهم، فقال الله -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)(الأنعام: الآية159) .فاتفاق الكلمة وائتلاف القلوب من أبرز خصائص الفرقة الناجية -أهل السنة والجماعة- فهم إذا حصل بينهم خلاف ناشئ عن الاجتهاد في الأمور الاجتهادية لا يحمل بعضهم على بعض حقداً، ولا عداوة، ولا بغضاء، بل يعتقدون أنهم إخوة حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف، حتى أن الواحد منهم ليصلي خلف من يرى أنه ليس على وضوء، ويرى الإمام أنه على وضوء، مثل أن الواحد منهم يصلي خلف شخص أكل لحم إبل، وهذا الإمام يرى أنه لا ينقض الوضوء، والمأموم يرى أنه ينقض الوضوء فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة، وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة، كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف، لأن كل واحد من المختلفين قد تبع ما يجب عليه اتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه، فهم يرون أن أخاهم إذا خالفهم في عمل ما اتباعاً للدليل هو في الحقيقة قد وافقهم؛ لأنهم هم يدعون إلى اتباع الدليل أينما كان، فإذا خالفهم موافقة لدليل عنده، فهو في الحقيقة قد وافقهم، لأنه تمشى على ما يدعون إليه ويهدون إليه من تحكيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى على كثير من أهل العلم ما حصل من الخلاف بين الصحابة في مثل هذه الأمور، حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعنف أحداً منهم، فإنه عليه الصلاة والسلام لما رجع من غزوة الأحزاب وجاءه جبريل وأشار إليه أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال: ((لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة)) (1). فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة وأرهقتهم صلاة العصر فمنهم من أخر صلاة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج الوقت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة)) . ومهم من صلى الصلاة في وقتها، وقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منا المبادرة إلى الخروج ولم يرد منا أن نؤخر الصلاة عن وقتها -وهؤلاء هم المصيبون- ولكن مع ذلك لم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من الطائفتين، ولم يحمل كل واحد على الآخر عداوة، أو بغضاء بسبب اختلافهم في فهم هذا النص، لذلك أرى أن الواجب على المسلمين الذين ينتسبون إلى السنة أن يكونوا أمة واحدة، وأن لا يحصل بينهم تحزب، هذا ينتمي إلى طائفة، والآخر إلى طائفة أخرى، والثالث إلى طائفة ثالثة، وهكذا، بحيث يتناحرون فيما بينهم بأسنة الألسن، ويتعادون ويتباغضون من أجل اختلاف يسوغ فيه الاجتهاد، ولا حاجة إلى أن أخص كل طائفة بعينها، ولكن العاقل يفهم ويتبين له الأمر .
فأرى أنه يجب على أهل السنة والجماعة أن يتحدوا حتى وإن اختلفوا فيما يختلفون فيه فيما تقتضيه النصوص حسب أفهامهم فإن هذا أمر فيه سعة ولله الحمد، والمهم ائتلاف القلوب واتحاد الكلمة ولا ريب أن أعداء المسلمين يحبون من المسلمين أن يتفرقوا سواء كانوا أعداء يصرحون بالعداوة، أو أعداء يتظاهرون بالولاية للمسلمين، أو للإسلام وهم ليسوا كذلك، فالواجب أن نتميز بهذه الميزة التي هي ميزة للطائفة الناجية وهي الاتفاق على كلمة واحدة .
***
س7: ما المراد بالوسط في الدين؟
الجواب: الوسط في الدين أن لا يغلو الإنسان فيه فيتجاوز ما حد الله -عز وجل- ولا يقصر فيه فينقص عما حد الله -سبحانه وتعالى- .
الوسط في الدين أن يتمسك بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والغلو في الدين أن يتجاوزها، والتقصير أن لا يبلغها
مثال ذلك: رجل قال أنا أريد أن أقوم الليل ولا أنام كل الدهر، لأن الصلاة من أفضل العبادات فأحب أن أحيي الليل كله صلاة فنقول: هذا غالٍ في دين الله وليس على حق، وقد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا، اجتمع نفر فقال بعضهم: أنا أقوم ولا أنام، وقال الآخر: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ أنا أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني))(7). فهؤلاء غلوا في الدين وتبرأ منهم الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنهم رغبوا عن سنته صلى الله عليه وسلم، التي فيها صوم وإفطار وقيام ونوم، وتزوج نساء .
أما المقصر: فهو الذي يقول لا حاجة لي بالتطوع فأنا لا أتطوع وآتي بالفريضة فقط، وربما أيضاً يقصر في الفرائض فهذا مقصر .
والمعتدل: هو الذي يتمشى على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون .
مثال آخر: ثلاثة رجال أمامهم رجل فاسق، أحدهم قال: أنا لا أسلم على هذا الفاسق وأهجره وأبتعد عنه ولا أكلمه .
والثاني يقول: أنا أمشي مع هذا الفاسق وأسلم عليه وأبش في وجهه وأدعوه عندي وأجيب دعوته وليس عندي إلا كرجل صالح .
والثالث يقول: هذا الفاسق أكرهه لفسقه وأحبه لإيمانه، ولا أهجره إلا حيث يكون الهجر سبباً لإصلاحه، فإن لم يكن الهجر سبباً لإصلاحه بل كان سبباً لازدياده في فسقه فأنا لا أهجره .
فنقول الأول مفرط غالٍ -من الغلو- والثاني مفرط مقصر، والثالث متوسط .
وهكذا نقول في سائر العبادات ومعاملات الخلق، الناس فيها بين مقصر، وغالٍ، ومتوسط .
ومثال ثالث: رجل كان أسيراً لامرأته توجهه حيث شاءت لا يردها عن إثم ولا يحثها على فضيلة، قد ملكت عقله وصارت هي القوامة عليه .
ورجل آخر عنده تعسف وتكبر وترفع على امرأته لا يبالي بها وكأنها عنده أقل من الخادم .
ورجل ثالث وسط يعاملها كما أمر الله ورسوله: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(البقرة: الآية228) ((لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر))(8). فهذا الأخير متوسط، والأول غالٍ في معاملة زوجته، والثالث مقصر . وقس على هذه بقية الأعمال والعبادات .
***
س8: ما تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة وهل يزيد وينقص؟
الجواب: الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو ((الإقرار بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح)) . فهو يتضمن الأمور الثلاثة:
1- إقرار بالقلب .
2- نطق باللسان .
3- عمل بالجوارح .
وإذا كان كذلك فإنه سوف يزيد وينقص، وذلك لأن الإقرار بالقلب يتفاضل فليس الإقرار بالخبر كالإقرار بالمعاينة، وليس الإقرار بخبر الرجل كالإقرار بخبر الرجلين وهكذا، ولهذا قال إبراهيم، عليه الصلاة والسلام: ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(البقرة:الآية260) فالإيمان يزيد من حيث إقرار القلب وطمأنينته وسكونه، والإنسان يجد ذلك من نفسه، فعندما يحضر مجلس ذكر فيه موعظة، وذكر للجنة والنار يزداد الإيمان حتى كأنه يشاهد ذلك رأي العين، وعندما توجد الغفلة ويقوم من هذا المجلس يخف هذا اليقين في قلبه .
كذلك يزداد الإيمان من حيث القول فإن من ذكر الله عشر مرات ليس كمن ذكر الله مئة مرة، فالثاني أزيد بكثير .
وكذلك أيضاً من أتى بالعبادة على وجه كامل يكون إيمانه أزيد ممن أتى بها على وجه ناقص .
وكذلك العمل فإن الإنسان إذا عمل عملاً بجوارحه أكثر من الآخر صار الأكثر أزيد إيماناً من الناقص، وقد جاء ذلك في القرآن والسنة -أعني إثبات الزيادة والنقصان- قال- تعالى-: (وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً )(المدثر: الآية31) وقال تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) (سورة التوبة - الآيتان :124،1125)
وفي الحديث الصحيح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن))4. فالإيمان إذن يزيد وينقص .
ولكن ما سبب زيادة الإيمان؟
للزيادة أسباب:
السبب الأول: معرفة الله -تعالى- بأسمائه وصفاته، فإن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله، وبأسمائه، وصفاته ازداد إيماناً بلا شك، ولهذا تجد أهل العلم الذين يعلمون من أسماء الله وصفاته ما لا يعلمه غيرهم تجدهم أقوى إيماناً من الآخرين من هذا الوجه .
السبب الثاني: النظر في آيات الله الكونية، والشرعية، فإن الإنسان كلما نظر في الآيات الكونية التي هي المخلوقات ازداد إيماناً، قال تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (سورة الذاريات الآيتان :20،21) والآيات الدالة على هذا كثيرة، أعني الآيات الدالة على أن الإنسان بتدبره وتأمله في هذا الكون يزداد إيمانه .
السبب الثالث: كثرة الطاعات، فإن الإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيماناً سواء كانت هذه الطاعات قولية، أم فعلية، فالذكر يزيد الإيمان كمية وكيفية، والصلاة والصوم، والحج، كل ذلك يزيد الإيمان أيضاً كمية وكيفية .
أما أسباب النقصان فهي على العكس من ذلك:
فالسبب الأول: الجهل بأسماء الله وصفاته يوجب نقص الإيمان؛ لأن الإنسان إذا نقصت معرفته بأسماء اله وصفاته نقص إيمانه .
السبب الثاني: الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن هذا يسبب نقص الإيمان، أو على الأقل ركوده وعدم نموه .
السبب الثالث: فعل المعصية، فإن للمعصية آثاراً عظيمة على القلب وعلى الإيمان ولذلك قال النبي، صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))5 الحديث .
السبب الرابع: ترك الطاعة، فإن ترك الطاعة سبب لنقص الإيمان، لكن إن كانت الطاعة واجبة وتركها بلا عذر، فهو نقص يلام عليه ويعاقب، وإن كانت الطاعة غير واجبة، أو واجبة لكن تركها بعذر، فإنه نقص لا يلام عليه، ولهذا جعل النبي، صلى الله عليه وسلم، النساء ناقصات عقل ودين وعلل نقصان دينها بأنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم، مع أنها لا تلام على ترك الصلاة والصيام في حال الحيض، بل هي مأمورة بذلك، لكن لما فاتها الفعل الذي يقوم به الرجل صارت ناقصة عنه من هذا الوجه .
***
س9: كيف نجمع بين حديث جبريل الذي فسر فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، الإيمان ((بأن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره))6 ، وحديث وفد عبد القيس الذي فسر فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، الإيمان "بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأداء الخمس من الغنيمة7 ؟
الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول إن الكتاب والسنة ليس بينهما تعارض أبداً، فليس في القرآن ما يناقض بعضه بعضاً، وليس في السنة الصحيحة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما يناقض بعضه بعضاً، وليس في القرآن ولا في السنة ما يناقض الواقع أبداً، لأن الواقع واقع حق، والكتاب والسنة حق، ولا يمكن التناقض في الحق، وإذا فهمت هذه القاعدة انحلت عنك إشكالات كثيرة . قال الله -تعالى-: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً). (النساء:82). فإذا كان الأمر كذلك فأحاديث النبي، صلى الله عليه وسلم، لا يمكن أن تتناقض، فإذا فسر النبي، صلى الله عليه وسلم، الإيمان بتفسير، وفسره في موضع آخر بتفسير آخر يعارض في نظرك التفسير الأول، فإنك إذا تأملت لم تجد معارضة: ففي حديث جبريل، عليه الصلاة والسلام، قسم النبي، صلى الله عليه وسلم، الدين إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الإسلام .
القسم الثاني: الإيمان .
القسم الثالث: الإحسان .
وفي حديث وفد عبد القيس لم يذكر إلا قسماً واحداً وهو الإسلام . فالإسلام عند الإطلاق يدخل فيه الإيمان، لأنه لا يمكن أن يقوم بشعائر الإسلام إلا من كان مؤمناً، فإذا ذكر الإسلام وحده شمل الإيمان، وإذا ذكر الإيمان وحده شمل الإسلام، وإذا ذكرا جميعاً صار الإيمان يتعلق بالقلوب، والإسلام يتعلق بالجوارح، وهذه فائدة مهمة لطالب العلم . فالإسلام إذا ذكر وحده دخل فيه الإيمان، قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام)(آل عمران: الآية19). ومن المعلوم أن دين الإسلام عقيدة وإيمان وشرائع، وإذا ذكر الإيمان وحده دخل فيه الإسلام، وإذا ذكرا جميعاً صار الإيمان ما يتعلق بالقلوب، والإسلام ما يتعلق بالجوارح، ولهذا قال بعض السلف ((الإسلام علانية، والإيمان سر)) . لأنه في القلب، ولذلك ربما تجد منافقاً يصلي ويتصدق ويصوم فهذا مسلم ظاهراً غير مؤمن، كما قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (البقرة:8).
***
س10: كيف نجمع بين أن الإيمان هو ((الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره" . وقول النبي، صلى الله عليه وسلم: " الإيمان بضع وسبعون شعبة… ))8 إلخ؟
الجواب: الإيمان الذي هو العقيدة أصوله ستة، وهي المذكورة في حديث جبريل، عليه الصلاة والسلام، حينما سأل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الإيمان فقال: ((الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره))9 متفق عليه.
أما الإيمان الذي يشمل الأعمال، وأنواعها، وأجناسها، فهو بضع وسبعون شعبة، ولهذا سمى الله تعالى الصلاة إيماناً في قوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيم)(البقرة: الآية143) قال المفسرون: (إيمانكم) يعني صلاتكم إلى بيت المقدس، لأن الصحابة كانوا قبل أن يؤمروا بالتوجه إلى الكعبة يصلون إلى المسجد الأقصى .
***
س11: هل يشهد للرجل بالإيمان بمجرد اعتياده المساجد كما جاء في الحديث؟
الجواب: نعم لا شك أن الذي يحضر الصلوات في المساجد، حضوره لذلك، دليل على إيمانه، لأنه ما حمله على أن يخرج من بيته ويتكلف المشي إلى المسجد إلا الإيمان بالله -عز وجل .
وأما قول السائل ((كما جاء في الحديث)) فهو يشير إلى ما يروى عن النبي، صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان))10 ولكن هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي، صلى الله عليه وسلم .
***
س12: رجل يوسوس له الشيطان بوساوس عظيمة فيما يتعلق بالله -عز وجل- وهو خائف من ذلك جداً، فما توجيه سماحتكم؟
الجواب: ما ذكر من جهة مشكلة السائل التي يخاف من نتائجها، أقول له: أبشر بأنه لن يكون لها نتائج إلا النتائج الطيبة، لأن هذه وساوس يصول بها الشيطان على المؤمنين، ليزعزع العقيدة السليمة في قلوبهم، ويوقعهم في القلق النفسي والفكري ليكدر عليه صفو الإيمان، بل صفو الحياة إن كانوا مؤمنين .
وليست حاله بأول حال تعرض لأهل الإيمان، ولا هي آخر حال، بل ستبقى ما دام في الدنيا مؤمن . ولقد كانت هذه الحال تعرض للصحابة -رضي الله عنهم- فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء أناس من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، فقال: "أو قد وجدتموه؟"، قالوا: نعم، قال: ((ذاك صريح الإيمان)) . رواه مسلم11، وفي الصحيحين عنه أيضاً أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟! فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته))12 .
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي، صلى ا لله عليه وسلم، جاءه رجل فقال: إني أحدث نفسي بالشيء لأن أكون حممة أحب إلي من أن أتكلم به، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: ((الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة))13 رواه أبو داود .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتاب الإيمان: والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان بوساوس الكفر التي يضيق بها صدره . كما قالت الصحابة يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به . فقال عليه الصلاة والسلام ((ذاك صريح الإيمان)) . وفي رواية ما يتعاظم أن يتكلم به . قال: ((الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)) . أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له، ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان، كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه، فهذا عظيم الجهاد، إلى أن قال: "ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعبادة من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم، لأن (أي الغير) لم يسلك شرع الله ومنهاجه، بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه، وهذا مطلوب الشيطان بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة، فإنه عدوهم يطلب صدهم عن الله تعالى" . أ.هـ. المقصود منه ذكره في صلي الله عليه وسلم 147 من الطبعة الهندية .
فأقول لهذا السائل: إذا تبين لك أن هذه الوساوس من الشيطان فجاهدها وكابدها، واعلم أنها لن تضرك أبداً مع قيامك بواجب المجاهدة والإعراض عنها، والانتهاء عن الانسياب وراءها، كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (( إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل به أو تتكلم)) . متفق عليه14 .
وأنت لو قيل لك: هل تعتقد ما توسوس به؟ وهل تراه حقاً؟ وهل يمكن أن تصف الله سبحانه به؟ لقلت: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم، ولأنكرت ذلك بقلبك ولسانك، وكنت أبعد الناس نفوراً عنه، إذن فهو مجرد وساوس وخطرات تعرض لقلبك، وشباك شرك من الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، ليرديك ويلبس عليك دينك .
ولذلك تجد الأشياء التافهة لا يلقي الشيطان في قلبك الشك فيها أو الطعن، فأنت تسمع مثلاً بوجود مدن مهمة كبيرة مملوءة بالسكان والعمران في المشرق والمغرب ولم يخطر ببالك يوماً من الأيام الشك في وجودها أو عيبها بأنها خراب ودمار لا تصلح للسكنى، وليس فليها ساكن ونحو ذلك، إذ لا غرض للشيطان في تشكيك الإنسان فيها، ولكن الشيطان له غرض كبير في إفساد إيمان المؤمن، فهو يسعى بخيله ورجله ليطفئ نور العلم والهداية في قلبه، ويوقعه في ظلمة الشك والحيرة، والنبي، صلى الله عليه وسلم، بين لنا الدواء الناجع الذي فيه الشفاء، وهو قوله: ((فليستعذ بالله ولينته)) . فإذا انتهى الإنسان عن ذلك واستمر في عبادة الله طلباً ورغبة فيما عند الله زال ذلك عنه، بحول الله، فأعرض عن جميع التقديرات التي ترد على قلبك في هذا الباب، وها أنت تعبد الله وتدعوه وتعظمه، ولو سمعت أحداً يصفه بما توسوس به لقتلته إن أمكنك، إذن فما توسوس به ليس حقيقة واقعة بل هو خواطر ووساوس لا أصل لها، كما لو انفتح على شخص طاهر الثوب قد غسل ثوبه لحينه ثم أخذ الوهم يساوره لعله تنجس لعله لا تجوز الصلاة به، فإنه لا يلتفت إلى هذا .
ونصيحتي تتلخص فيما يأتي:
1- الاستعاذة بالله، والانتهاء بالكلية عن هذه التقديرات كما أمر بذلك النبي، صلى الله عليه وسلم .
2- ذكر الله تعالى، وضبط النفس عن الاستمرار في هذه الوساوس .
3- الانهماك الجدي في العبادة والعمل امتثالاً لأمر الله، وابتغاءً لمرضاته، فمتى التفت إلى العبادة التفاتاً كلياً بجدٍ وواقعيةٍ نسيت الاشتغال بهذه الوساوس -إن شاء الله .
4- كثرة اللجوء إلى الله والدعاء بمعافاتك من هذا الأمر .
واسأل الله تعالى لك العافية والسلامة من كل سوء ومكروه .
***
س13: هل يجب على الكافر أن يعتنق الإسلام؟
الجواب: يجب على كل كافر أن يعتنق دين الإسلام ولو كان نصرانياً أو يهودياً، لأن الله تعالى، يقول في الكتاب العزيز: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). (الأعراف:158) فواجب على جميع الناس أن يؤمنوا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلا أن هذا الدين الإسلامي من رحمة الله -عز وجل- وحكمته أنه أباح لغير المسلمين أن يبقوا على ديانتهم بشرط أن يخضعوا لأحكام المسلمين، فقال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة:29) وفي صحيح مسلم من حديث بريدة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أمره بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً وقال: ((ادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم))15 ومن هذه الخصال أن يبذلوا الجزية .
ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الجزية تقبل من غير اليهود والنصارى .
فالحاصل أن غير المسلمين يجب عليهم إما الدخول في الإسلام، , وإما الخضوع لأحكام الإسلام، والله الموفق .
***
س14: ما حكم من يدعي علم الغيب؟
الجواب: الحكم فيمن يدعي علم الغيب أنه كافر؛ لأنه مكذب لله -عز وجل- قال الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) .(النمل:65) .وإذا كان الله -عز وجل- يأمر نبيه محمداً، صلى الله عليه وسلم أن يعلن للملأ أنه لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله، فإن من ادعى علم الغيب فقد كذب الله -عز وجل- في هذا الخبر . ونقول لهؤلاء كيف يمكن أن تعلموا الغيب والنبي صلى الله عليه وسيلم لا يعلم الغيب؟! هل أنتم أشرف أم الرسول صلي الله عليه وسلم ؟ فإن قالوا نحن أشرف من الرسول كفروا بهذا القول، وإن قالوا هو أشرف فنقول لماذا يحجب عنه الغيب وأنتم لا تعلمونه؟! وقد قال الله -عز وجل- عن نفسه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً) (26). (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (سورة الجن الآيتان: 26،27) وهذه آية ثانية تدل على كفر من ادعى علم الغيب، وقد أمر الله -تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يعلن للملأ بقوله: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيّ).(الأنعام: الآية50) .
***
س15: كيف نوفق بين علم الأطباء الآن بذكورة الجنين وأنوثته، وقوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ)(لقمان: الآية34) وما جاء في تفسير ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما تلد امرأته، فأنزل الله الآية . وما جاء عن قتادة -رحمه الله- ؟ وما المخصص لعموم قوله تعالى: (مَا فِي الْأَرْحَامِ)؟
الجواب: قبل أن أتكلم عن هذه المسألة أحب أن أبين أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً، وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة، فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته، لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً .
فإذا تبين ذلك فقد قيل: إنهم الآن توصلوا بواسطة الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام، والعلم بكونه أنثى أو ذكراً فإن كان ما قيل باطلاً فلا كلام، وإن كان صدقاً فإنه لا يعارض الآية، حيث إن الآية تدل على أمر غيبي هو متعلق علم الله تعالى في هذه الأمور الخمسة، والأمور الغيبية في حال الجنين هي: مقدار مدته في بطن أمه، وحياته، وعمله، ورزقه، وشقاوته أو سعادته، وكونه ذكراً أم أنثى، قبل أن يخلق، أما بعد أن يخلق، فليس العلم بذكورته أو أنوثته من علم الغيب، لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة، إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاثة، التي لو أزيلت لتبين أمره، ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أم أنثى . وليس في الآية تصريح بذكر العلم بالذكورة والأنوثة، وكذلك لم تأت السنة بذلك .
وأما ما نقله السائل عن ابن جرير عن مجاهد، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، عما تلد امرأته، فأنزل الله الآية . فالمنقول هذا منقطع لأن مجاهداً -رحمه الله- من التابعين .
وأما تفسير قتادة -رحمه الله- فيمكن أن يحمل على أن اختصاص الله تعالى بعلمه ذلك إذا كان لم يخلق، أما بعد أن يخلق فقد يعلمه غيره . قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير آية لقمان: وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه . أهـ .
وأما سؤالكم عن المخصص لعموم قوله -تعالى- (مَا فِي الْأَرْحَامِ) . فنقول: إن كانت الآية تتناول الذكورة والأنوثة بعد التخليق فالمخصص الحس والواقع، وقد ذكر علماء الأصول أن المخصصات لعموم الكتاب والسنة إما النص، أو الإجماع، أو القياس، أو الحس، أو العقل، وكلامهم في ذلك معروف .
وإذا كانت الآية لا تتناول ما بعد التخليق وإنما يراد بها ما قبله، فليس فيها ما يعارض ما قيل من العلم بذكورة الجنين وأنوثته .
والحمد لله أنه لم يوجد ولن يوجد في الواقع ما يخالف صريح القرآن الكريم، وما طعن فيه أعداء المسلمين على القرآن الكريم من حدوث أمور ظاهرها معارضة القرآن الكريم فإنما ذلك لقصور فهمهم لكتاب الله تعالى، أو تقصيرهم في ذلك لسوء نيتهم، ولكن عند أهل الدين والعلم من البحث والوصول إلى الحقيقة ما يدحض شبهة هؤلاء ولله الحمد والمنة .
والناس في هذه المسألة طرفان ووسط:
فطرف تمسك بظاهر القرآن الكريم الذي ليس بصريح، وأنكر خلافه من كل أمر واقع متيقن، فجلب بذلك الطعن إلى نفسه في قصوره أو تقصيره، أو الطعن في القرآن الكريم حيث كان في نظره مخالفاً للواقع المتيقن .
وطرف أعرض عما دل عليه القرآن الكريم وأحذ بالأمور المادية المحضة، فكان بذلك من الملحدين .
وأما الوسط فأخذوا بدلالة القرآن الكريم وصدقوا بالواقع، وعلموا أن كلا منهما حق، ولا يمكن أن يناقض صريح القرآن الكريم أمراً معلوماً بالعيان، فجمعوا بين العمل بالمنقول والمعقول، وسلمت بذلك أديانهم وعقولهم، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
وفقنا الله وإخواننا المؤمنين لذلك، وجلعنا هداةً مهتدين، وقادة مصلحين، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب.
***
س16: هل الشمس تدور حول الأرض؟
فأجاب بقوله: ظاهر الأدلة الشرعية تثبت أن الشمس هي التي تدور على الأرض، وبدورتها يحصل تعاقب الليل والنهار على سطح الأرض، وليس لنا أن نتجاوز ظاهر هذه الأدلة إلا بدليل أقوى من ذلك يسوغ لنا تأويلها عن ظاهرها . ومن الأدلة على أن الشمس تدور على الأرض دوراناً يحصل به تعاقب الليل والنهار ما يلي:
1- قال الله -تعالى- عن إبراهيم في محاجته لمن حاجه في ربه: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)(البقرة: الآية258) فكون الشمس يؤتى بها من المشرق دليل ظاهر على أنها التي تدور على الأرض .
2- وقال -أيضاً- عن إبراهيم: (فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (الأنعام:78) فجعل الأفول من الشمس لا عنها ولو كانت الأرض التي تدور لقال ((فلما أفل عنها)) .
3- قال -تعالى- (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ)(الكهف: الآية17) فجعل الإزورار والقرض من الشمس وهو دليل على أن الحركة منها، ولو كانت من الأرض لقال يزاور كهفهم عنها، كما أن إضافة الطلوع والغروب إلى الشمس يدل على أنها هي التي تدور وإن كانت دلالتها أقل من دلالة قوله (تزاور)، (تقرضهم) .
4- وقال -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (الأنبياء:33) قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: يدورون في فلكة كفلكة المغزل . اشتهر ذلك عنه .
5- وقال -تعالى-: (ِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً )(لأعراف:الآية54) فجعل الليل طالباً للنهار، والطالب مندفع لاحق، ومن المعلوم أن الليل والنهار تابعان للشمس .
6- وقال -تعالى-: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (الزمر:5) فقوله: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ) أي يديره عليه ككور العمامة دليل على أن الدوران من الليل والنهار على الأرض ولو كانت الأرض التي تدور عليهما لقال ((يكور الأرض على الليل والنهار)) . وفي قوله :(الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي )(الرعد: من الآية2) المبين لما سبقه دليل على أن الشمس والقمر يجريان جرياً حسياً مكانياً، لأن تسخير المتحرك بحركته أظهر من تسخير الثابت الذي لا يتحرك .
7- وقال -تعالى-: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) (1) (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) (سورة الشمس الآيتان:1،2) ومعنى (تلاها) أتى بعدها وهو دليل على سيرهما ودورانهما على الأرض ولو كانت الأرض التي تدور عليهما لم يكن القمر تالياً للشمس بل كان تالياً لها أحياناً وتالية له أحياناً؛ لأن الشمس أرفع منه، والاستدلال بهذه الآية يحتاج إلى تأمل .
8- وقال -تعالى-: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (38) (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (يّـس:39) (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يّـس الآيات:38،40) .فإضافة الجريان إلى الشمس وجعله تقديراً من ذي عزة وعلم يدل على أنه جريان حقيقي بتقدير بالغ، بحيث يترتب عليه اختلاف الليل والنهار والفصول . وتقدير القمر منازل يدل على تنقله فيها ولو كانت الأرض التي تدور لكان تقدير المنازل لها من القمر لا للقمر . ونفي إدراك الشمس للقمر وسبق الليل للنهار يدل على حركة اندفاع من الشمس والقمر والليل والنهار .
9- وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر -رضي الله عنه- وقد غربت الشمس: ((أتدري أين تذهب؟)) قال: الله ورسوله أعلم . قال: ((فإنها تذهب فتسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، فيوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها)) . أو كما قال صلى الله عليه وسلم . متفق عليه16 . فقوله: ((ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها)) ظاهر جداً في أنها تدور على الأرض وبدورانها يحصل الطلوع والغروب .
10- الأحاديث الكثيرة في إضافة الطلوع والغروب والزوال إلى الشمس فإنها ظاهرة في وقوع ذلك منها لا من الأرض عليها .
ولعل هناك أدلة أخرى لم تحضرني الآن ولكن فيما ذكرت فتح باب وهو كاف فيما أقصد . والله الموفق .
***
س17: سئل فضيلة الشيخ: عن الشهادتين؟
الجواب: الشهادتان ((شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)) هما مفتاح الإسلام ولا يمكن الدخول إلى الإسلام إلا بهما، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، معاذ بن جبل -رضي الله عنه- حين بعثه إلى اليمن أن يكون أول ما يدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله17 .
فأما الكلمة الأولى: ((شهادة أن لا إله إلا الله)) فأن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه بأنه لا معبود حق إلا الله -عز وجل- لأن إله بمعنى مألوه والتأله التعبد . والمعنى أنه لا معبود حق إلا الله وحده، وهذه الجملة مشتملة على نفي وإثبات، أما النفي فهو ((لا إله)) وأما الإثبات ففي (( لا إله)) والله ((لفظ الجلالة)) بدل من خبر ((لا)) المحذوف، والتقدير ((لا إله حق إلا الله)) فهو إقرار باللسان بعد أن آمن به القلب بأنه لا معبود حق إلا الله -عز وجل- وهذا يتضمن إخلاص العبادة لله وحده ونفي العبادة عما سواه .
وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة ((حق)) يتبين الجواب عن الإشكال الذي يورده كثير من الناس وهو: كيف تقولون لا إله إلا الله مع أنه آلهة تعبد من دون الله وقد سماها الله -تعالى- آلهة وسماها عابدها آلهة قال الله -تبارك وتعالى-: ( فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ )(هود: الآية101) وقال -تعالى-: ( وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَر)(الإسراء: من الآية39) وقال -تعالى-: (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَر)(القصص: من الآية88) وقوله: ) لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً)(الكهف: الآية14) فكيف يمكن أن نقول لا إله إلا الله مع ثبوت الألوهية لغير الله -عز وجل-؟ وكيف يمكن أن نثبت الألوهية لغير الله -عز وجل- والرسل يقولون لأقوامهم: ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )(الأعراف: الآية59) .
والجواب على هذا الإشكال يتبين بتقدير الخبر في لا إله إلا الله فنقول: هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة، لكنها آلهة باطلة ليست آلهة حقة، وليس لها من حق الألوهية شيء، ويدل لذلك قوله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (لقمان:30) ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى-: )أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) (19) (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) (20) )أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى) (21) (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى) (22) )إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) (النجم الايات:19،23) وقوله -تعالى- عن يوسف عليه الصلاة والسلام: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ)(يوسف:الآية40) إذن فمعنى "لا إله إلا الله" لا معبود حق إلا الله -عز وجل- .
أما معنى شهادة "أن محمداً رسول الله" فهو الإقرار باللسان والإيمان بالقلب بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي رسول الله -عز وجل- إلى جميع الخلق من الجن والإنس كما قال الله -تعالى-: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (لأعراف:158) وقال -تعالى-: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً). (الفرقان:1) .ومقتضى هذه الشهادة أن تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما أخبر، وأن تمتثل أمره فيما أمر، وأن تجتنب ما عنه نهى وزجر، وأن لا تعبد الله إلا بما شرع، ومقتضى هذه الشهادة أيضاً أن لا تعتقد أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حقاً في الربوبية وتصريف الكون، أو حقاً في العبادة، بل هو صلى الله عليه وسلم عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً من النفع أو الضر إلا ما شاء الله كما قال الله -تعالى-: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ )(الأنعام: الآية50). فهو عبد مأمور يتبع ما أمر به، وقال الله -تعالى-: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) (الجن:21) (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (الجـن:22) وقال -سبحانه-: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:188). فهذا معنى شهادة (أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) .
وبهذا المعنى تعلم أن هلا يستحق العبادة لا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من دونه من المخلوقين، وأن العبادة ليست إلا لله -تعالى- وحده . (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (162) )لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام، الآيتان 162،163) وأن حقه صلى الله عليه وسلم، أن تنزله المنزلة التي أنزله الله -تعالى- إياها وهو أنه عبد الله ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه .
***
س18: كيف كانت "لا إله إلا الله" مشتملة على جميع أنواع التوحيد؟
الجواب: هي تشمل جميع أنواع التوحيد كلها، إما بالتضمن، وإما بالالتزام، وذلك أن قول القائل "أشهد أن لا إله إلا الله" يتبادر إلى الذهن أن المراد بها توحيد العبادة -الذي يسمى توحيد الألوهية- وهو متضمن لتوحيد الربوبية، لأن كل من عبد الله وحده، فإنه لن يعبده حتى يكون مقراً له بالربوبية، وكذلك متضمن لتوحيد الأسماء والصفات، لأن الإنسان لا يعبد إلا من علم أنه مستحق للعبادة، لما له من الأسماء والصفات، ولهذا قال إبراهيم لأبيه: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً)(مريم: الآية42) . فتوحيد العبادة متضمن لتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات .
***
س19: ما الحكمة من خلق الجن والإنس؟
الجواب: قبل أن أتكلم عن هذا السؤال أحب أن أنبه على قاعدة عامة فيما يخلقه الله -عز وجل- وفيما يشرعه .
وهذه القاعدة مأخوذة من قوله تعالى: ( وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(التحريم: الآية2) وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)(النساء: الآية42) وغيرهما من الآيات الكثيرة الدالة على إثبات الحكمة لله -عز وجل- فيما يخلقه وفيما يشرعه أي في أحكامه الكونية، وأحكامه الشرعية، فإنه ما من شيء يخلقه الله -عز وجل- إلا وله حكمة، سواء كان ذلك في إيجاده، أو في إعدامه، وما من شيء يشرعه الله -تعالى- إلا لحكمة سواء كان ذلك في إيجابه، أو تحريمه، أو إباحته، لكن هذه الحكم التي يتضمنها حكمه الكوني والشرعي قد تكون معلومة لنا، وقد تكون مجهولة، وقد تكون معلومة لبعض الناس دون بعض حسب ما يؤتيهم الله -سبحانه وتعالى- من العلم والفهم، إذا تقرر هذا فإننا نقول إن الله -سبحانه وتعالى- خلق الجن والإنس لحكمة عظيمة وغاية حميدة، وهي عبادته -تبارك وتعالى- كما قال -سبحانه وتعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) .(المؤمنون:115) وقال تعالى: (أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (القيامة:36) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن لله تعالى حكمة بالغة من خلق الجن والإنس وهي عبادته والعبادة هي: "التذلل لله -عز وجل- محبة وتعظيماً بفعل أوامره، واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه" قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )(البينة: الآية5) فهذه الحكمة من خلق الجن والإنس، وعلى هذا فمن تمرد على ربه واستكبر عن عبادته فإنه يكون نابذاً لهذه الحكمة التي خلق الله العباد من أجلها، وفعله يشهد أن الله خلق الخلق عبثاً وسدى، وهو وإن لم يصرح بذلك لكن هذا هو مقتضى تمرده واستكباره عن طاعة ربه .
***
س20: كيف يدعو الإنسان ولا يستجاب له؟ والله -عز وجل- يقول: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(غافر: من الآية60)؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأسأل الله -تعالى- لي ولإخواني المسلمين التوفيق للصواب عقيدة، وقولاً، وعملاً، يقول الله -عز وجل-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر:60) ويقول السائل: إنه دعا الله -عز وجل- ولم يستجب الله له فيستشكل هذا الواقع مع هذه الآية الكريمة التي وعد الله -تعالى- فيها من دعاه بأن يستجيب له والله -سبحانه وتعالى- لا يخلف الميعاد . والجواب على ذلك بأن للإحابة شروطاً لا ببد أن تتحقق وهي:
الشرط الأول: الإخلاص لله -عز وجل- بأن يخلص الإنسان في دعائه فيتجه إلى الله -سبحانه وتعالى- بقلب حاضر، صادق في اللجوء إليه، عالم بأنه -عز وجل- قادر على إجابة الدعوة، مؤمل الإجابة من الله -سبحانه وتعالى-.
الشرط الثاني: أن يشعر الإنسان حال دعائه بأنه في أمس الحاجة، بل في أمس الضرورة إلى الله -سبحانه وتعالى- وأن الله -تعالى- وحده هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، أما أن يدعو الله -عز وجل- وهو يشعر بأنه مستغن عن الله -سبحانه وتعالى وليس في ضرورة إليه، وإنما يسأل هكذا عادة فقط فإن هذا يس بحري بالإجابة .
الشرط الثالث: أن يكون متجنباً لأكل الحرام، فإن أكل الحرام حائل بين الإنسان والإجابة كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين)) فقال -تعالى-: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة:172) وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً).(المؤمنون: الآية51).
ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام . قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فأنى يستجاب له))18 . فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يستجاب لهذا الرجل الذي قام بالأسباب الظاهرة التي بها تستجلب الإجابة وهي:
أولاً: رفع اليدين إلى السماء أي إلى الله -عز وجل- لأنه -تعالى- في السماء فوق العرش، ومد اليد على الله -عز وجل- من أسباب الإجابة كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند: ((إن الله حييٌ كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً))19
ثانياً: هذا الرجل دعا الله -تعالى- باسم الرب ((يا رب، يا رب)) والتوسل إلى الله -تعالى- بهذا الاسم من أسباب الإجابة، لأن الرب هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور فبيده مقاليد السماوات والأرض، ولهذا تجد أكثر الدعاء الوارد في القرآن الكريم بهذا الاسم: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) (:193) (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) (194) (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)(آل عمران: الآيات 193-195) فالتوسل إلى الله -تعالى- بهذا الاسم من أسباب الإجابة .
ثالثاً: هذا الرجل كان مسافراً والسفر غالباً من أسباب الإجابة، لأن الإنسان في السفر يشعر بالحاجة إلى الله -عز وجل- والضرورة إليه أكثر مما إذا كان مقيماً في أهله، وأشعث أغبر كأنه غير معني بنفسه كأن أهم شيء عنده أن يلتجئ إلى الله ويدعوه على أي حال كن هو، سواء كان أشعث أغبر، أم مترفاً، والشعث والغبر له أثر في الإجابة كما في الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الله -تعالى- ينزل إلى السماء الدنيا عشية عرفة يباهي الملائكة بالواقفين فيها يقول: ((أتوني شعثاً غبراً ضاحين من كل فج عميق))20 .
هذه الأسباب لإجابة الدعاء لم تجد شيئاً، لكون مطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فأنى يستجاب له)) . فهذه الشروط لإجابة الدعاء إذا لم تتوافر فإن الإجابة تبدو بعيدة، فإذا توافرت ولم يستجب الله للداعي، فإنما ذلك لحكمة يعملها الله -عز وجل- ولا يعلمها هذا الداعي، فعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم، وإذا تمت هذه الشروط ولم يستجب الله -عز وجل- فإنه إما أن يدفع عنه من السوء ما هو أعظم، وإما أن يدخرها له يوم القيامة فيوفيه الأجر أكثر وأكثر، لأن هذا الداعي الذي دعا بتوفر الشروط ولم يستجب له، ولم يصرف عنه من السوء ما هو أعظم، يكون قد فعل الأسباب ومنع الجواب لحكمة فيعطى الأجر مرتين، مرة على دعائه، ومرة على مصيبته بعدم الإجابة، فيدخر له عند الله -عز وجل- ما هو أعظم وأكمل .
ثم إن المهم أيضاً أن لا يستبطئ الإنسان الإجابة، فإن هذا من أسباب منع الإجابة أيضاً كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل)) . قالوا كيف يعجل يا رسول الله؟ قال: ((يقول دعوت ودعت ودعوت فلم يستجب لي))21 . فلا ينبغي للإنسان أن يستبطئ الإجابة فيستحسر عن الدعاء ويدع الدعاء، بل يلح في الدعاء فإن كل دعوة تدعو بها الله -عز وجل- فإنها عبادة تقربك إلى الله -عز وجل- وتزيدك أجراً، فعليك يا أخي بدعاء الله -عز وجل- في كل أمورك العامة والخاصة، الشديدة واليسيرة، ولو لم يكن من الدعاء إلا أنه عبادة لله -سبحانه وتعالى- لكان جديراً بالمرء أن يحرص عليه . والله الموفق .
***
س21: ما معنى الإخلاص؟ وإذا أراد العبد بعبادته شيئاً آخر فما الحكم؟
الجواب: الإخلاص لله تعالى معناه: ((أن يقصد المرء بعبادته التقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- والتوصل إلى دار كرامته)) .
وإذا أراد العبد بعبادته شيئاً آخر ففيه تفصيل حسب الأقسام التالية:
القسم الأول: أن يريد التقرب إلى غير الله تعالى بهذه العبادة ونيل الثناء عليها من المخلوقين، فهذا يحبط العمل، وهو من الشرك . وفي الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه))22 .
القسم الثاني: أن يقصد بها الوصول إلى غرض دنيوي كالرئاسة، والجاه، والمال دون التقرب بها إلى -فهذا عمله صابط لا يتقربه إلي الله تعالى . لقول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) (هود:15) (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود:16) .
والفرق بين هذا والذي قبله أن الأول قصد أن يثنى عليه من قبل أنه عابد لله تعالى، وأما هذا الثاني فلم يقصد أن يثنى عليه من قبل أنه عابد لله ولا يهمه أن يثني الناس عليه بذلك .
القسم الثالث: أن يقصد بها التقرب إلى الله تعالى والغرض الدنيوي الحاصل بها، مثل أن يقصد مع نية التعبد لله تعالى بالطهارة تنشيط الجسم وتنظيفه، وبالصلاة تمرين الجسم وتحريكه، وبالصيام تخفيف الجسم وإزالة فضلاته، وبالحج مشاهدة المشاعر والحجاج فهذا ينقص أجر الإخلاص، ولكن إن كان الأغلب عليه نية التعبد فقد فاته كمال الأجر، ولكن لا يضره ذلك باقتراف إثم أو زور لقوله تعالى في الحجاج: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ).(البقرة: من الآية198) .
وإن كان الأغلب عليه نية غير التعبد فليس له ثواب في الآخرة وإنما ثوابه ما حصله في الدنيا، وأخشى أن يأثم بذلك لأنه جعل العبادة التي هي أعلى الغايات وسيلة للدنيا الحقيرة، فهو كمن قال الله فيهم: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) (التوبة:58) وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله رجل يريد الجهاد وهو يريد عرضاً من عرض الدنيا . فق النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا أجر له))23. فأعاد ثلاثاً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا أجر له)) . وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه))24 .
وإن تساوى عنده الأمران فلم تغلب نية التعبد ولا نية غير التعبد فمحل نظر، والأقرب أنه لا ثواب له كمن عمل لله تعالى ولغيره .
والفرق بين هذا القسم والذي قبله أن غرض غير التعبد في القسم السابق حاصل بالضرورة فإرادته إرادة حاصلة بعمله بالضرورة وكأنه أراد ما يقتضيه العمل من أمر الدنيا .
فإن قيل: ما هو الميزان لكون مقصوده في هذا القسم أغلبه التعبد أو غير التعبد؟
قلنا: الميزان أنه إذا كان لا يهتم بما سوى العبادة حصل أم لم يحصل فقد دل على أن الأغلب نية التعبد والعكس بالعكس .
وعلى كل حال فإن النية التي هي قول القلب أمرها عظيم وشأنها خطير فقد ترتقي بالعبد إلى درجة الصديقين، وقد ترده إلى أسفل السافلين، قال بعض السلف: ((ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص)) . فنسأل الله لنا ولكم الإخلاص في النية، والصلاح في العمل .
***
س22: ما مذهب أهل السنة والجماعة في الرجاء والخوف؟
الجواب: اختلف العلماء هل يقدم الإنسان الرجاء أو يقدم الخوف على أقوال:
فقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحداً، فلا يغلب الخوف ولا يغلب الرجاء" . قال -رحمه الله-: "فأيهما غلب هلك صاحبه" . لأنه إن غلب الرجاء وقع الإنسان في الأمن من مكر الله، وإن غلب الخوف وقع في القنوط من رحمة الله .
وقال بعض العلماء: ((ينبغي تغليب الرجاء عند فعل الطاعة وتغليب الخوف عند إرادة المعصية))، لأنه إذا فعل الطاعة فقد أتى بموجب حسن الظن، فينبغي أن يغلب الرجاء وهو القبول، وإذا هم بالمعصية أن يغلب الخوف لئلا يقع في المعصية .
وقال آخرون: ((ينبغي للصحيح أن يغلب جانب الخوف وللمريض أن يغلب جانب الرجاء)) لأن الصحيح إذا غلب جانب الخوف تجنب المعصية، والمريض إذا غلب جانب الرجاء لقي الله وهو يحسن الظن به .
والذي عندي في هذه المسألة أن هذا يختلف باختلاف الأحوال، وأنه إذا خاف إذا غلب جانب الخوف أن يقنط من رحمة الله وجب عليه أن يرد ويقابل ذلك بجانب الرجاء، وإذا خاف إذا غلب جانب الرجاء أن يأمن مكر الله فليرد ويغلب جانب الخوف، والإنسان في الحقيقة طبيب نفسه إذا كان قلبه حيا، أما صاحب القلب الميت الذي لا يعالج قلبه ولا ينظر أحوال قلبه فهذا لا يهمه الأمر .
***
س23: هل اتخاذ الأسباب ينافي التوكل؟ فبعض الناس إبان حرب الخليج اتخذ الأسباب وبعضهم تركها وقال: إنه متوكل على الله؟
الجواب: الواجب على المؤمن أن يعلق قلبه بالله -عز وجل- وأن يصدق الاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار فإن الله وحده هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله كما قال الله -تعالى-: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود:123) وقال موسى لقومه: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (يونس:84) (فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (85) (وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (يونس الآيات 83،86) وقال الله -تعالى-: ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(آل عمران: الآية160) وقال -تعالى-: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).(الطلاق: الآية3) فالواجب على المؤمن أن يعتمد على ربه رب السماوات والأرض ويحسن الظن به .
ولكن يفعل الأسباب الشرعية والقدرية الحسية التي أمر الله تعالى بها، لأن أخذ الأسباب الجالبة للخير المانعة من الشر من الإيمان بالله تعالى وحكمته، ولا تنافي التوكل، فها هو سيد المتوكلين محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يتخذ الأسباب الشرعية والقدرية، فكان يعوذ نفسه عند النوم بالإخلاص والمعوذتين، وكان يلبس الدروع في الحرب، وخندق على المدينة حين اجتمع أحزاب الشرك حولها حماية لها، وقد جعل الله -تعالى- ما يتقي به العبد شرور الحروب من نعمه التي يستحق الشكر عليها، فقال عن نبيه داود: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) (الأنبياء:80) وأمر الله داود أن يجيد صنعها ويجعلها سابغة لأنها تكون أقوى في التحصين .
وعلى هذا فإن أهل البلاد القريبة من مواقع الحرب التي يخشى أن يصيبها من آثاره ليس عليهم حرج في الاحتياط باستعمال الكمامات المانعة من تسرب الغازات المهلكة إلى أبدانهم، والتحصينات المانعة من تسربه إلى بيوتهم، لأن هذا من الأسباب الواقية من الشر، المحصنة من البأس، ولا حرج عليهم أن يدخروا لأنفسهم من الأطعمة وغيرها ما يخافون أن يحتاجوا إليه فلا يجدوه، وكلما قويت الخشية من ذلك كان طلب الاحتياط أقوى . ولكن يجب أن يكون اعتمادهم على الله -عز وجل- فيستعملوا هذه الأسباب بمقتضى شرع الله وحكمته على أنها أسباب أذن الله لهم فيها، لا على أنها الأصل في جلب المنافع ودفع المضار، وأن يشكروا الله تعالى حيث يسر لهم مثل هذه الأسباب وأذن لهم بها .
والله اسأل أن يقينا جميعاً أسباب الفتن والهلاك، وأن يحقق لنا ولإخواننا قوة الإيمان به والتوكل عليه، والأخذ بالأسباب التي أذن بها على الوجه الذي يرضى به عنا، إنه جواد كريم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين .
***
س24: ما حكم التعلق بالأسباب؟
الجواب: التعلق بالأسباب أقسام:
القسم الأول: ما ينافي التوحيد في أصله، وهو أن يتعلق الإنسان بشيء لا يمكن أن يكون له تأثير ويعتمد عليه اعتماداً كاملاً معرضاً عن الله، مثل تعلق عبد القبور بمن فيها عند حلول المصائب . وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة، وحكم الفاعل ما ذكره الله -تعالى- بقوله: ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ).(المائدة: الآية72)
القسم الثاني: أن يعتمد على سبب شرعي صحيح مع غفلته عن المسبب وهو الله -تعالى- فهذا نوع من الشرك، ولكن لا يخرج من الملة، لأنه اعتمد على السبب ونسي المسبب وهو الله -تعالى- .
القسم الثالث: أن يتعلق بالسبب تعلقاً مجرداً لكونه سبباً فقط، مع اعتماده الأصلي على الله، فيعتقد أن هذا السبب من الله، وأن الله لو شاء قطعه، ولو شاء لأبقاه ، وأنه لا أثر للسبب في مشيئة الله -عز وجل- فهذا لا ينافي التوحيد لا أصلاً ولا كمالاً .
ومع وجود الأسباب الشرعية الصحيحة ينبغي للإنسان أن لا يعلق نفسه بالسبب بل يعلقها بالله، فالموظف الذي يتعلق قلبه بمرتبه تعلقاً كاملاً مع الغفلة عن المسبب وهو الله فهذا نوع من الشرك، أما إذا اعتقد أن المرتب سبب والمسبب هو الله -سبحانه وتعالى- فهذا لا ينافي التوكل، والرسول صلى الله عليه وسلم، كان يأخذ بالأسباب مع اعتماده على المسبب وهو الله -عز وجل- .
***
س25: ما حكم الرقية؟وما حكم كتابة الآيات وتعليقها في عنق المريض؟
الجواب: الرقية على المريض المصاب بسحر أو غيره من الأمراض لا بأس بها إن كانت من القرآن الكريم، أو من الأدعية المباحة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يرقي أصحابه، ومن جملة ما يرقاهم به: ((ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع))25 فيبرأ . ومن الأدعية المشروعة: ((بسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين كل حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك))26 ومنها أن يضع الإنسان يده على الألم الذي يؤلمه من بدنه فيقول: ((أعوذ بالله وعزته من شر ما أجد وأحاذر))27 إلى غير ذلك مما ذكره أهل العلم من الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
وأما كتابة الآيات والأذكار وتعليقها فقد اختلف أهل ا لعلم في ذلك: فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه، والأقرب المنع من ذلك، لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد أن يقرأ على المريض، أما أن تعلق الآيات أو الأدعية على المريض في عنقه، أو في يده، أو تحت وسادته وما أشبه ذلك، فإن ذلك من الأمور الممنوعة على القول الراجح لعدم ورودها، وكل إنسان يجعل من الأمور سبباً لأمر آخر بغير إذن من الشرع، فإن عمله هذا يعد نوعاً من الشرك، لأنه إثبات سبب لم يجعله الله سبباً .
***
س26: هل الرقية تنافي التوكل؟
الجواب: التوكل هو صدق الاعتماد على الله -عز وجل- في جلب المنافع ودفع المضار مع فعل الأسباب التي أمر الله بها، وليس التوكل أن تعتمد على الله بدون فعل الأسباب، فإن الاعتماد على الله بدون فعل الأسباب طعن في الله -عز وجل- وفي حكمته- تبارك وتعالى- لأن الله -تعالى- ربط المسببات بأسبابها، وهنا سؤال: من أعظم الناس توكلاً على الله؟
الجواب: هو الرسول، عليه الصلاة والسلام، وهل كان يعمل الأسباب التي يتقي بها الضرر؟
الجواب: نعم كان إذا خرج إلى الحرب يلبس الدروع ليتوقى السهام، وفي غزوة أحد ظاهر بين درعين، أي لبس درعين كل ذلك استعداداً لما قد يحدث، ففعل الأسباب لا ينافي التوكل، إذا اعتقد الإنسان أن هذه الأسباب مجرد أسباب فقط لا تأثير لها إلا بإذن الله -تعالى- وعلى هذا فالقراءة قراءة الإنسان على نفسه، وقراءته على إخوانه المرضى لا تنافي التوكل وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يرقي نفسه بالمعوذات، وثبت أنه كان يقرأ على أصحابه إذا مرضوا28 . والله أعلم .
***
س27: ما حكم تعليق التمائم والحجب؟
الجواب: هذه المسألة أعني تعليق الحجب والتمائم تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون المعلق من القرآن وقد اختلف في ذلك أهل العلم سلفاً وخلفاً . فمنهم من أجاز ذلك ورأى أنه داخل في قوله -تعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ )(الإسراء: الآية82) وقوله -تعالى-: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ)(صّ: الآية29)، وأن من بركته أن يعلق ليدفع به السوء .
ومنهم من منع ذلك، وقال: إن تعليقها لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سبب شرعي يدفع به السوء أو يرفع به، والأصل في مثل هذه الأشياء التوقيف، وهذا القول هو الراجح وأنه لا يجوز تعليق التمائم ولو من القرآن الكريم، ولا يجوز أيضاًِ أن تجعل تحت وسادة المريض، أو تعلق في الجدار وما أشبه ذلك، وإنما يدعى للمريض ويقرأ عليه مباشرة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم، يفعل .
القسم الثاني: أن يكون المعلق من غير القرآن الكريم مما لا يفهم معناه فإنه لا يجوز بكل حال، لأنه لا يدرى ماذا يكتب، فإن بعض الناس يكتبون طلاسم وأشياء معقدة، حروف متداخلة ما تكاد تعرفها ولا تقرأها فهذا من البدع وهو محرم، ولا يجوز بكل حال . والله أعلم .
***
س28: هل تجوز كتابة بعض آيات القرآن الكريم ((مثل آية الكرسي)) على أواني الطعام والشراب لغرض التداوي بها؟
الجواب: يجب أن نعمل أن كتاب الله -عز وجل- أعز وأجل من أن يمتهن إلى هذا الحد ويبتذل إلى هذا الحد، كيف تطيب نفس مؤمن أن يجعل كتاب الله -عز وجل- وأعظم آية في كتاب الله وهي آية الكرسي أن يجعلها في إناء يشرب فيه، ويمتهن ويرمي في البيت ويلعب به الصبيان؟! هذا العمل لا شك أنه حرام، وأنه يجب على من عنده شيء من هذه الأواني أن يطمس هذه الآيات التي فيها، بأن يذهب بها إلى الصانع فيطمسها، فإن لم يتمكن من ذلك فالواجب عليه أن يحفر لها في مكان طاهر ويدفنها، وأما أن يبقيها مبتذلة ممتهنة يشرب بها الصبيان ويلعبون بها فإن الاستشفاء بالقرآن على هذا الوجه لم يرد عن السلف الصالح -رضي الله عنهم- .
***
س29: يتعلم طلبة المدارس في بعض البلاد الإسلامية أن مذهب أهل السنة هو: ((الإيمان بأسماء الله تعالى، وصفاته، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل)) . وهل تقسيم أهل السنة إلى قسمين: مدرسة ابن تيمية وتلاميذه، ومدرسة الأشاعرة والماتريدية تقسيم صحيح؟ وما موقف المسلم من العلماء المؤولين؟
الجواب: لا شك أن ما يتعلمه الطلبة في المدارس من أن مذهب أهل السنة هو: (الإيمان أسماء الله -تعالى- وصفاته من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل) . هو المطابق للواقع بالنسبة لمذهب أهل السنة، كما تشهد بذلك كتبهم المطولة والمختصرة، وهو الحق الموافق لما جاء في الكتاب والسنة، وأقوال السلف، وهو مقتضى النظر الصحيح، والعقل الصريح، ولسنا بصدد سرد أفراد الأدلة في ذلك، لعدم طلبه في السؤال، وإنما نجيب على ما طلب وهو تقسيم أهل السنة إلى طائفتين في مدرستين:
إحداهما: مدرسة ابن تيمية وتلاميذه، المانعين لصرف النصوص عن ظواهرها .
الثانية: مدرسة الأشاعرة والماتريدية، الموجبين لصرفها عن ظواهرها في أسماء الله وصفاته .
فنقول: من المعلوم أن بين هاتين المدرستين اختلافاً بيناً في المنهاج فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، فالمدرسة الأولى يقرر معلموها وجوب إبقاء النصوص على ظواهرها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، مع نفي ما يجب نفيه عن الله -تعالى- من التمثيل أو التكييف، والمدرسة الثانية يقرر معلموها وجوب صرف النصوص عن ظواهرها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، مع نفي ما يجب نفيه عن الله -تعالى- من التمثيل أو التكييف، والمدرسة الثانية يقرر معلموها وجوب صرف النصوص عن ظواهرها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته .
وهذان المنهجان متغايران تماماً، ويظهر تغايرهما بالمثال التالي:
قال الله -تعالى-: ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)(المائدة: الآية64) وقال فيما حكاه عن معاتبة إبليس حين أبى أن يسجد لآدم بأمر الله: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ).(صّ: الآية75). فقد اختلف معلمو المدرستين في المراد باليدين اللتين أثبتهما الله -تعالى- لنفسه .
فقال أهل المدرسة الأولى: يجب إبقاء معناهما على ظاهره، وإثبات يدين حقيقيتين لله -تعالى- على وجه يليق به .
وقال أهل المدرسة الثانية: يجب صرف معناهما عن ظاهره، ويحرم إثبات يدين حقيقيتين لله -تعالى- ثم اختلفوا في المراد بهما هل هو القوة، أو النعمة .
وبهذا المثال يتبين أن منهاجي أهل المدرستين مختلفان متغايران، ولا يمكن بعد هذا التغاير أن يجتمعا في وصف واحد، هو ((أهل السنة)) .
إذن فلا بد أن يختص وصف أهل السنة بأحدهما دون الآخر، فلنحكم بينهما بالعدل، ولنعرضهما على ميزان القسط وهو كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام الصحابة، والتابعين لهم بإحسان من سلف الأمة وأئمتها . وليس في هذا الميزان ما يدل بأي وجه من وجوه الدلالة، المطابقة، أو التضمن، أو الالتزام صريحاً أو إشارة على ما ذهب إليه أهل المدرسة الثانية، بل في هذا الميزان ما يدل دلالة صريحة، أو ظاهرة، أو إشارية على ما ذهب إليه أهل المدرسة الأولى، وعلى هذا فيتعين أن يكون وصف أهل السنة خاصاً بهم لا يشاركهم فيه أهل المدرسة الثانية، لأن الحكم بمشاركتهم إياهم جور، وجمع بين الضدين، والجور، ممتنع شرعاً، والجمع بين الضدين ممتنع عقلاً .
وأما قول أهل المدرسة الثانية: (المؤولين) لا مانع من تأويل أسماء الله وصفاته إذا لم يتعارض هذا مع نص شرعي .
فنقول: مجرد صرف اللفظ عن ظاهره بلا دليل شرعي، مخالف للدليل، وقول على الله -تعالى- بلا علم، وقد حرم الله تعالى ذلك ف ي قوله)قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف:33) وقوله: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً). (الإسراء:36). وهؤلاء المؤولون لأسماء الله -تعالى- وصفاته ليس لهم علم مأثور فيما أولوها إليه، ولا نظر معقول، سوى شبه يحتجون بما يناقض بعضها بعضاً، ويلزم عليها من النقص في ذات الله -تعالى- وصفاته، ووحيه أكثر مما زعموه من النقص في إثباتها على ظاهرها، وليس هذا موضع البسط في ذلك .
وإنما المقصود بيان أن وصف (أهل السنة) لا يمكن أن يعطى لطائفتين يتغاير منهاجهما غاية التغاير، وإنما يستحقه من كان قوله موافقاً للسنة فقط، ولا ريب أن أهل المدرسة الأولى (غير المؤولين) أحق بالوصف المذكور من أهل المدرسة الثانية (المؤولين)، لمن نظر في منهاجيهما بعلم وإنصاف، فلا يصح تقسيم أهل السنة إلى الطائفتين بل هم طائفة واحدة .
وأما احتجاجهم بقول ابن الجوزي في هذا الباب فنقول: أقوال أهل العلم يحتج لها ولا يحتج بها، فليس قول واحد من أهل العلم بحجة على الآخرين .
وأما قولهم إن الإمام أحمد أول في حديث: ((قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن)) . وحديث: ((لحجر الأسود يمين الله في الأرض)) . وقوله -تعالى-: ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم).(الحديد:الآية4) .
فنقول: لا يصح عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه تأول الحديثين المذكورين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى ص398 جـ5 من مجموع ابن قاسم: ((وأما ما حكاه أبو حامد الغزالي من أن أحمد لم يتأول إلا في ثلاثة أشياء ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض)) و((قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن)) . و((إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن))، فهذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحد عنه بإسناد، ولا يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه)) .أ.هـ.
وأما قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم) فإن الإمام أحمد لم يتأولها، وإنما فسرها ببعض لوازمها، وهو العلم رداً على الجهمية، الذين فسروها بخلاف المراد بها، حيث زعموا أنها تقتضي كون الله -تعالى في كل مكان بذاته - تعالي الله عن قولهم- فبين رحمة الله- تعالي- أن المعية هنا بمعنى الإحاطة بالخلق التي من جملتها العلم بهم . وذلك أن المعية لا تقتضي الحلول الاختلاط بل هي في كل موضع بحسبه، ولهذا يقال: سقاني لبناً معه ماء .ويقال: صليت مع الجماعة . ويقال فلان معه زوجته .
ففي المثال الأول: اقتضت المزج والاختلاط، وفي المثاني اقتضت المشاركة في المكان والعمل بدون اختلاط، وفي الثالث اقتضت المصاحبة وإن لم يكن اشتراك في مكان أو عمل، وإذا تبين أن معنى المعية يختلف بحسب ما تضاف إليه، فإن معية الله -تعالى- لخلقه تختلف عن معية المخلوقين لمثلهم، ولا يمكن أن تقتضي المزج والاختلاط، أو المشاركة في المكان، لأن ذلك ممتنع على الله -عز وجل- لثبوت مباينته لخلقه وعلوه عليهم . وعلى هذا يكون معنا وهو على العرش فوق السماوات، لأنه محيط بنا علماً، وقدرة، وسلطاناً، وسمعاً، وبصراً، وتدبيراً، وغير ذلك مما تقتضيه ربوبيته، فإذا فسرها مفسر بالعلم لم يخرج بها عن مقتضاها، ولم يكن متأولاً إلا عند من يفهم من المعية المشاركة في المكان أو المزج والاختلاط على كل حال . وقد سبق أن هذا ليس بمتعين في كل حال .
هذا بالنسبة لما نقل عن الإمام أحمد في تأويل هذه النصوص الثلاثة .
أما بالنظر لها من حيث هي فقد تقدم قريباً أنه لا تأويل في الآية الكريمة إذا فسرها مفسر بالعلم، لأنه تفسير لها ببعض مقتضياتها، لا نقل لها عن المعنى الذي تقتضيه .
وأما حديث: ((إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء)) . فقد رواه مسلم في صحيحه في كتاب القدر في الباب الثالث منه رقم 17 ص2045، وليس فيه تأويل عند أهل السنة والجماعة حيث يؤمنون بما دل عليه من إثبات الأصابع لله -تعالى- على الوجه اللائق به، ولا يلزم من كون قلوبنا بين أصبعين منها أن تماس القلب، فإن السحاب مسخر بين السماء والأرض، ولا يمس السماء ولا الأرض، فكذلك قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن ولا يستلزم ذلك المماسة .
وأما حديث: ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض)) . فقد قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ص397 جـ6 من مجموع ابن قاسم: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، بإسناد لا يثبت، والمشهور إنما هو عن ابن عباس . قال: ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه)) . وفي صلي الله عليه وسلم44 جـ3 من المجموع المذكور: ((صريح في أن الحجر الأسود ليس هو صفة الله ولا نفس يمينه، لأنه قال: ((يمين الله في الأرض)) فقيده في الأرض ولم يطلق، فيقول يمين الله، وحكم اللفظ المقيد يخالف المطلق)) . وقال: ((فمن قبله وصافحه فكأنما صافح الله وقبل يمينه))، ومعلوم أن المشبه غير المشبه به .أ.هـ .
قلت: وعلى هذا فلا يكون الحديث من صفات الله -تعالى- التي أولت إلى معنى يخالف الظاهر فلا تأويل فيه أصلاً .
وأما قولهم إن هناك مدرستين: إحداهما مدرسة ابن تيمية فيقال نسبة هذه المدرسة إلى ابن تيمية توهم أنه لم يسبق إليها، وهذا خطأ فإن ما ذهب إليه ابن تيمية هو ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الأمة، فليس هو الذي أحدث هذه المدرسة كما يوهمه قول القائل الذي يريد أن يقلل من شأنها، والله المستعان .
وأما موقفنا من العلماء المؤولين فنقول: من عرف منهم بحسن النية وكان لهم قدم صدق في الدين، واتباع السنة فهو معذور بتأويله السائغ، ولكن عذره في ذلك لا يمنع من تخطئة طريقته المخالفة لما كان عليه السلف الصالح من إجراء النصوص على ظاهرها، واعتقاد ما دل عليه ذلك الظاهر من غير تكييف، ولا تمثيل، فإنه يجب التفريق بين حكم القول وقائله، والفعل وفاعله، فالقول الخطأ إذا كان صادراً عن اجتهاد وحسن قصد لا يذم عليه قائله، بل يكون له أجر على اجتهاده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر))29 . متفق عليه، وأما وصفه بالضلال فإن أريد بالضلال الضلال المطلق الذي يذم به الموصوف، ويمقت عليه، فهذا لا يتوجه في مثل هذا المجتهد الذي علم منه حسن النية، وكان له قدم صدق في الدين وإتباع السنة، وإن أريد بالضلال مخالفة قوله للصواب من غير إشعار بذم القائل فلا بأس بذلك، لأن مثل هذا ليس ضلالاً مطلقاً، لأنه من حيث الوسيلة صواب، حيث بذل جهده في الوصول إلى الحق، لكنه باعتبار النتيجة ضلال حيث كان خلاف الحق .
وبهذا التفصيل يزول الإشكال والتهويل، والله المستعان .
***
س30: ما عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته؟ وما الفرق بين الاسم والصفة؟ وهل يلزم من ثبوت الاسم ثبوت الصفة؟ ومن ثبوت الصفة ثبوت الاسم؟
الجواب: عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته هي إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل .
والفرق بين الاسم والصفة: أن الاسم: ما سمى الله به، والصفة: ما وصف الله به . وبينهما فرق ظاهر .
فالاسم يعتبر علماً على الله -عز وجل- متضمناً للصفة .
ويلزم من إثبات الاسم إثبات الصفة . مثال: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، (غفور) اسم يلزم منه المغفرة و(رحيم) يلزم منه إثبات الرحمة .
ولا يلزم من إثبات الصفة إثبات الاسم، مثل الكلام لا يلزم أن نثبت لله اسما المتكلم، بناء على ذلك تكون الصفات أوسع، لأن كل اسم متضمن لصفة، وليس كل صفة متضمنة لاسم .
***
س31: هل أسماء الله تعالى محصورة؟
الجواب: أسماء الله ليست محصورة بعدد معين، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح: (( اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمت)) . إلى أن قال: ((أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك))30 . وما استأثر الله به في علم الغيب لا يمكن أن يعلم به، وما ليس معلوماً ليس محصوراً .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة))31 . فليس معناه أنه ليس له إلا هذه الأسماء، لكن معناه أن من أحصى من أسمائه هذه التسعة والتسعين فإنه يدخل الجنة فقوله: ((من أحصاها)) تكميل للجملة الأولى وليست استئنافية منفصلة، ونظير هذا قول العرب: عندي مئة فرس أعددتها للجهاد في سبيل الله، فليس معناه أنه ليس عنده إلا هذه المئة، بل هذه المئة معدة لهذا الشيء .
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- اتفاق أهل المعرفة في الحديث على أن عدها وسردها لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أ.هـ. وصدق -رحمه الله- بدليل الاختلاف الكبير فيها فمن حاول تصحيح هذا الحديث قال إن هذا أمر عظيم لأنها توصل إلى الجنة فلا يفوت على الصحابة أن يسألوه، صلى الله عليه وسلم، عن تعيينها فدل هذا على أنها قد عينت من قبله صلى الله عليه وسلم . لكن يجاب عن ذلك بأنه لا يلزم ولو كان كذلك لكانت هذه الأسماء التسعة والتسعين معلومة أشد من علم الشمس ولنقلت في الصحيحين وغيرهما، لأن هذا مما تدعو الحاجة إليه وتلح بحفظه فكيف لا يأتي إلا عن طريق واهية وعلى صور مختلفة . فالنبي صلى الله عليه وسلم، لم يبينها لحكمة بالغة وهي أن يطلبها الناس ويتحروها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى يتبين الحريص من غير الحريص .
وليس معنى إحصاءها أن تكتب في رقاع ثم تكرر حتى تحفظ ولكن معنى ذلك:
أولاً: الإحاطة بها لفظاً .
ثانياً: فهمها معنا .
ثالثاً: التعبد لله بمقتضاها ولذلك وجهان:
الوجه الأول: أن تدعو الله بها لقوله -تعالى-: (فَادْعُوهُ بِهَا ).(الأعراف: من الآية180) بأن تجعلها وسيلة إلى مطلوبك، فتختار الاسم المناسب لمطلوبك، فعند سؤال المغفرة تقول: يا غفور اغفر لي، وليس من المناسب أن تقول يا شديد العقاب اغفر لي، بل هذا يشبه الاستهزاء بل تقول أجرني من عقابك .
الوجه الثاني: أن تتعرض في عبادتك لما تقتضيه هذه الأسماء، فمقتضى الرحيم الرحمة، فاعمل العمل الصالح الذي يكون جالباً لرحمة الله، هذا هو معنى إحصائها، فإذا كان كذلك فهو جدير لأن يكون ثمناً لدخول الجنة .
***
س32: ما مذهب السلف في علو الله تعالى؟ وما حكم من يقول إنه عن الجهات الست خالٍ وأنه في قلب العبد المؤمن؟
الجواب: مذهب السلف -رضوان الله عليهم- أن الله تعالى بذاته فوق عباده، وقد قال الله تعالى: ) فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(النساء: من الآية59) وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)(الشورى: من الآية10) وقال تعالى: )إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (النور:51) (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (النور:52). وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب:36) وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً). (النساء:65) فإذا تبين أن طريقة المؤمنين عند التنازع هي الرجوع إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسمع والطاعة لهما، وعدم الخيار فيما سواهما، وأن الإيمان لا يكون إلا بذلك، مع انتفاء الحرج وتمام التسليم، فإن الخروج عن هذا الطريق موجب لما قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:115) .
وعلى هذا فإن المتأمل في هذه المسألة -مسألة علو الله- تعالى بذاته على خلقه بعد ردها إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يتبين له أن الكتاب والسنة قد دلا دلالة صريحة بجميع وجوه الدلالة على علو الله تعالى بذاته فوق خلقه، بعبارات مختلفة منها:
1- التصريح بأن الله تعالى في السماء، كقوله تعالى: (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) (الملك:17) . وقوله صلى الله عليه وسلم في رقية المريض: ((ربنا الله الذي في السماء)) إلى آخر الحديث، رواه أبو داود32 ، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها)) . رواه مسلم33 .
2- التصريح بفوقيته تعالى، كقوله تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)(الأنعام: من الآية18) (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِم)(النحل: من الآية50) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي)) رواه البخاري34 .
3- التصريح بصعود الأشياء إليه، ونزولها منه، والصعود لا يكون إلا إلى أعلى، والنزول لا يكون إلا من أعلى، كقوله تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)(فاطر:الآية10) وقوله: (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ)(المعارج: الآية4) وقوله: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْه)(السجدة: الآية5) وقوله تعالى في القرآن الكريم: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42) والقرآن كلام الله تعالى، كما قال سبحانه: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ)(التوبة: الآية6) وإذا كان القرآن الكريم كلامه وهو تنزيل منه دل ذلك على علوه بذاته تعالى . وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني)) . إلى آخر الحديث، وهو صحيح ثابت في الصحيحين وغيرهما35 . وفي حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، علمه ما يقول إذا آوى إلى فراشه، ومنه: ((آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت)) . وهو في صحيح البخاري وغيره36 .
4- التصريح بوصفه تعالى بالعلو، كما في قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى:1) وقوله: ( وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(البقرة: الآية255) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سبحان ربي الأعلى))37 .
5- إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء حين يشهد الله تعالى في موقف عرفة ذلك الموقف العظيم، الذي شهد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، أكبر جمع من أمته، حين قال لهم: ((ألا هل بلغت))؟ قالوا: نعم . فقال: "اللهم اشهد" . يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس . وذلك ثابت في صحيح مسلم من حديث جابر38، وهو ظاهر في أن الله تعالى في السماء وإلا لكان رفعه إياها عبثاً .
6- سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية حين قال لها: ((أين الله))؟ قالت: في السماء، قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة)).رواه مسلم39 من حديث طويل عن معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- وهو صريح في إثبات العلو الذاتي لله تعالى، لأن ((أين)) إنما يستفهم بها عن المكان وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم هذه المرأة حين سألها أين الله؟ فأقرها على أنه تعالى في السماء، وبين أن هذا مقتضى الإيمان حين قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) . فلا يؤمن العبد حتى يقر ويعتقد أن الله تعالى في السماء، فهذه أنواع الأدلة السمعية الخبرية من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تدل على علو الله تعالى بذاته فوق خلقه، أما أفراد الأدلة فكثيرة لا يمكن حصرها في هذا الموضع، وقد أجمع السلف الصالح 0رضوان الله عليهم- على القول بمقتضى هذه النصوص، وأثبتوا لله تعالى العلو الذاتي، وهو أنه سبحانه عال بذاته فوق خلقه، كما أنهم مجمعون على إثبات العلو المعنوي له وعلو الصفات، قال الله تعالى: ( وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(الروم: الآية27) وقال تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )(لأعراف: الآية180) قال تعالى: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(النحل:الآية74) وقال: ( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(البقرة:الآية22) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كماله في ذاته وصفاته وأفعاله .
وكما أن علو الله تعالى الذاتي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف، فقد دل عليه العقل، والفطرة .
أما دلالة العقل:فيقال لا ريب أن العلو صفة كمال، وأن ضده نقص، والله تعالى قد ثبت له صفات الكمال فوجب ثبوت العلو له تعالى، ولا يلزم على إثباته له شيء من النقص، فإنا نقول إن علوه تعالى ليس متضمناً لكون شيء من مخلوقاته محيطاً به، ومن ظن أن إثبات العلو لم يستلزم ذلك فقد وهم في ظنه، وضل في عقله .
وأما دلالة الفطرة على علو الله تعالى بذاته: فإن كل داع لله تعالى دعاء عبادة، أو دعاء مسألة لا يتجه قلبه حين دعائه إلا إلى السماء، ولذلك تجده يرفع يديه إلى السماء بمقتضى فطرته، كما قال ذلك الهمداني لأبي المعالي الجويني: (( ما قال عارف قط يا رب إلا وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو)) . فجعل الجويني يلطم على رأسه ويقول: ((حيرني الهمداني، حيرني الهمداني)) . هكذا نقل عنه، سواء صحت عنه أم لم تصح، فإن كل أحد يدرك ذلك، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، إلى آخر الحديث40 ثم إنك تجد الرجل يصلي وقلبه نحو السماء لا سيما حين يسجد . ويقول: ((سبحان ربي الأعلى))41 . لأنه يعلم أن معبوده في السماء سبحنه وتعالى .
وأما قولهم: ((إن الله -تعالى- عن الجهات الست خالٍ))، فهذا القول على عمومه باطل، لأنه يقتضي إبطال ما أثبته الله تعالى لنفسه، وأثبته له أعلم خلقه به، وأشدهم تعظيماً له، وهو رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من أنه سبحانه في السماء التي هي في جهة العلو، بل إن ذلك يقتضي وصف الله تعالى بالعدم، لأن الجهات الست هي الفوق، والتحت، واليمين، والشمال، والخلف، والأمام، وما من شيء موجود إلا تتعلق به نسبة إحدى هذه الجهات، وهذا أمر معلوم ببداهة العقول، فإذا نفيت هذه الجهات عن الله تعالى لزم أن يكون معدوماً، والذهن وإن كان قد يفرض موجوداً خالياً من تعلق هذه النسب به لكن هذا شيء يفرضه الذهن، ولا يوجد في الخارج، ونحن نؤمن ونرى لزاماً على كل مؤمن بالله أن يؤمن بعلوه تعالى فوق خلقه، كما دل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة، كما قررناه من قبل . ولكننا مع ذلك نؤمن بأن الله تعالى محيط بكل شيء، وأنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته، وأنه سبحانه غني عن خلقه فلا يحتاج لشيء من مخلوقاته . ونحن نرى أيضاً أنه لا يجوز لمؤمن أن يخرج عما يدل عليه الكتاب والسنة، لقول أحد من الناس كائناً من كان، كما أسلفنا الأدلة على ذلك. في أول جوابنا هذا .
وأما قولهم: ((إن الله تعالى في قلب المؤمن)) . فهذا لا دليل عليه من كتاب الله تعالى، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا كلام أحد من السلف الصالح فيما نعمل، وهو أيضاً على إطلاقه باطل فإنه إن أريد به أن الله تعالى حالٌ في قلب العبد فهو باطل قطعاً، فإن الله تعالى أعظم وأجل من ذلك، ومن العجائب -والعجائب جمة- أن ينفر شخص مما دل عليه الكتاب والسنة من كون الله تعالى في السماء، ثم يطمئن بما لم يدل عليه الكتاب والسنة من زعمه أن الله تعالى في قلب المؤمن، إذ ليس في الكتاب والسنة حرف واحد يدل على ذلك .
وإن أريد بكون الله تعالى في قلب العبد المؤمن أنه دائماً يذكر ربه في قلبه، فهذا حق، ولكن يجب أن يعبر عنه بعبارة تدل على حقيقته وينتفي عنها المدلول الباطل، فيقال مثلاً: إن ذكر الله تعالى دائماً في قلب العبد المؤمن .
ولكن الذي يظهر من كلام من يتكلم بها أنه يريد أن يستبدلها عن كون الله تعالى في السماء، وهي بهذا المعنى باطلة كما سبق .
فليحذر المؤمن من إنكار ما دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه السلف إلى عبارات مجملة غامضة تحتمل من المعاني الحق والباطل، وليلتزم سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، حتى يدخل في قول الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100) .
جعلنا الله وإياكم منهم، ووهب لنا جميعاً منه رحمة، إنه هو الوهاب .
***
س33: هل تفسير استواء الله -عز وجل- على عرشه بأنه علوه - تعالى- على عرشه على ما يليق بجلاله هو تفسير السلف الصالح؟
الجواب: تفسير استواء الله -تعالى- على عرشه بأنه علوه -تعالى- على عرشه على ما يليق بجلاله هو تفسير السلف الصالح . قال ابن جرير إمام المفسرين في تفسيره ((من معاني الاستواء: العلو والارتفاع كقول القائل: (استوى فلان على سريره يعني علوه عليه)) . وقال في تفسير قوله -تعالى- (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5) . ((يقول جل ذكره: الرحمن على عرشه ارتفع وعلا)) .أ.هـ. ولم ينقل عن السلف ما يخالفه .
ووجهه: أن الاستواء في اللغة يستعمل على وجوه:
الأول: أن يكون مطلقاً غير مقيد فيكون معناه الكمال كقوله -تعالى-: )وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى)(القصص: من الآية14) .
الثاني: أن يكون مقروناً بالواو فيكون بمعنى التساوي كقولهم: استوى الماء والعتبة .
الثالث: أن يكون مقروناً بإلى فيكون بمعنى القصد كقوله -تعالى-: ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ)(البقرة: 29) .
الرابع: أن يكون مقروناً بعلى فيكون بمعنى العلو والارتفاع كقوله -تعالى-: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) .
وذهب بعض السلف إلى أن الاستواء المقرون بإلى كالمقرون بعلى فيكون معناه الارتفاع والعلو . كما ذهب بعضهم إلى أن الاستواء المقرون بعلى بمعنى الصعود والاستقرار إذا كان مقروناً بعلى .
وأما تفسيره بالجلوس فقد نقل ابن القيم في الصواعق 4/1303 عن خارجة بن مصعب في قوله -تعالى-: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) قوله: ((وهل يكون الاستواء إلى الجلوس)) .أ.هـ.
وقد ورد ذكر الجلوس في حديث أخرجه الإمام أحمد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعاً . والله أعلم .
***
س34: فضيلة الشيخ: قلتم -حفظكم الله- في استواء الله على عرشه"إنه علو خاص على العرش يليق بجلال الله -تعالى- وعظمته" فنأمل التكرم من فضيلتكم بإيضاح ذلك؟
الجواب بقوله: قولنا في استواء الله -تعالى- على عرشه ((إنه علو خاص على العرش يليق بجلال الله -تعالى- وعظمته)) نريد به أنه علو يختص به العرش، وليس هو العلو العام الشامل لجميع المخلوقات، ولهذا لا يصح أن نقول استوى على المخلوقات، أو على السماء، أو على الأرض مع أنه عال على ذلك، وإنما نقول هو عال على جميع المخلوقات عال على السماء، عال على الأرض ونحو ذلك، وأما العرش فنقول: إن الله -تعالى- عال على عرشه ومستو على عرشه، فالاستواء أخص من مطلق العلو . ولهذا كان استواء الله -تعالى- على عرشه من صفاته الفعلية المتعلقة بمشيئته، بخلاف علوه فإنه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها .
وقد صرح بمثل ما قلنا شيخ الإسلام ابن تيمية 0رحمه الله تعالى- في شرح حديث النزول ص522 ج5 مجموع الفتاوى جمع ابن قاسم: ((فإن قيل: فإذا كان إنما استوى على العرش بعد أن خلق السموات والأرض في ستة أيام فقبل ذلك لم يكن على العرش، قيل الاستواء علو خاص فكل مستو على شيء عال عليه، وليس كل عال على شيء مستوياً عليه، ولهذا لا يقال لكل ما كان عالياً على غيره إنه مستو عليه واستوى عليه، ولكن كل ما قيل فيه استوى على غيره فإنه عال عليه)) . أ.هـ. المقصود منه وتمامه فيه .
وأما قولنا: ((يليق بجلاله وعظمته)) فالمراد به أن استواءه على عرشه كسائر صفاته يليق بجلاله وعظمته، ولا يماثل استواء المخلوقين، فهو عائد إلى الكيفية التي عليها هذا الاستواء، لأن الصفات تابعة للموصوف، فكما أن لله -تعالى- ذاتاً لا تماثل الذوات، فإن صفاته لا تماثل الصفات ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11) ليس كمثله شيء في ذاته ولا صفاته . ولهذا قال الإمام مالك -رحمه الله- في الاستواء حين سئل كيف استوى؟ قال: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)) . وهذا ميزان لجميع الصفات فإنها ثابته لله -تعالى- كما أثبتها لنفسه على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل .
وبهذا تبين فائدة القول بأن الاستواء على العرش علو خاص على العرش مختص به، لأن العلو العام ثابت لله -عز وجل- قبل خلق السماوات والأرض، وحين خلقهما، وبعد خلقهما، لأنه من صفاته الذاتية اللازمة كالسمع، والبصر، والقدرة، والقوة ونحو ذلك بخلاف الاستواء .
***
س35: ما الأمور التي يجب تعليقها بالمشيئة والأمور التي لا ينبغي تعليقها بالمشيئة؟
الجواب: كل شيء مستقبل فإن الأفضل أن تعلقه بالمشيئة لقول الله -تعالى-: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً) (الكهف:23) (إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)(الكهف الآيتان :23،24) أما الشيء الماضي فلا يعلق بالمشيئة إلا إذا قصد بذلك التعليل .
فمثلاً لو قال لك شخص دخل شهر رمضان هذا العام ليلة الأحد إن شاء الله . فلا يحتاج أن نقول إن شاء الله لأنه مضى وعلم . ولو قال لك قائل: لبست ثوبي إن شاء الله، وهو لابسه فلا يحسن أن يعلق بالمشيئة لأنه شيء مضى وانتهى، إلا إذا قصد التعليل أي قصد أن البس كان بمشيئة الله . فهذا لا بأس به .
فلو قال قائل حين صلى صليت إن شاء الله إن قصد فعل الصلاة فإن الاستثناء هنا لا ينبغي، لأنه صلى، وإن قصد إن شاء الله الصلاة المقبولة فهنا يصح أن يقول إن شاء الله، لأنه لا يعلم أقبلت أم لم تقبل .
***
س36: ما أقسام الإرادة؟
الجواب: الإرادة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: إرادة كونية .
القسم الثاني: إرادة شرعية .
فما كان بمعنى المشيئة فهو إرادة كونية، وما كان بمعنى المحبة فهو إرادة شرعية، مثال الإرداة الشرعية قوله -تعالى-:( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ)(النساء: من الآية27) لأنه (يريد) هنا بمعنى يحب ولا تكون بمعنى المشيئة لأنه لو كان المعنى: ((والله يشاء أن يتوب عليكم)) لتاب على جميع العباد وهذا أمر لم يكن فإن أكثر بني آدم من الكفار، إذن (يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) يعني يحب أن يتوب عليكم، ولا يلزم من محبة الله للشيء أن يقع لأن الحكمة الإلهية البالغة قد تقتضي عدم وقوعه .
ومثال الإرادة الكونية قوله -تعالى-: (إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ)(هود: من الآية34) لأن الله لا يحب أن يغوي العباد، إذن لا يصح أن يكون المعنى إن كان يحب أن يغويكم، بل المعنى إن كان الله يشاء أن يغويكم .
ولكن بقي لنا أن نقول: ما الفرق بين الإرادة الكونية والشرعية من حيث وقوع المراد؟
فنقول: الكونية لا بد فيها من وقوع المراد إذا أراد الله شيئاً كوناً فلا بد أن يقع (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّـس:82) .
أما الإرادة الشرعية فقد يقع المراد وقد لا يقع، قد يريد الله -عز وجل- هذا الشيء شرعاً ويحبه، ولكن لا يقع لأن المحبوب قد يقع وقد لا يقع .
فإذا قال قائل: هل الله يريد المعاصي؟
فنقول: يريدها كوناً لا شرعاً، لأن الإرادة الشرعية بمعنى المحبة، والله لا يحب المعاصي، ولكن يريدها كوناً أي مشيئة، فكل ما في السموات والأرض فهو بمشيئة الله .
***
س37: ما الإلحاد في أسماء الله -تعالى- وأنواعه؟
الجواب: الإلحاد في اللغة: هو الميل، ومنه قوله الله -تعالى-: ) لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)(النحل: من الآية103) ومنه اللحد في القبر فإنه سمي لحداً لميله إلى جانب منه، ولا يعرف الإلحاد إلا بمعرفة الاستقامة، لأنه كما قيل: بضدها تتبين الأشياء فالاستقامة في باب أسماء الله وصفاته أن نجري هذه الأسماء والصفات على حقيقتها اللائقة بالله -عز وجل- من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، على القاعدة التي يمشي عليها أهل السنة والجماعة في هذا الباب، إذا عرفنا الاستقامة في هذا الباب فإن خلاف الاستقامة هو الإلحاد، وقد ذكر أهل العلم للإلحاد في أسماء الله -تعالى- أنواعاً يجمعها أن نقول: هو الميل بها عما يجب اعتقاده فيها . وهو على أنواع:
النوع الأول: إنكار شيء من الأسماء، أو ما دلت عليه من الصفات، ومثاله: من ينكر أن اسم الرحمن من أسماء الله -تعالى- كما فعل أهل الجاهلية، أو يثبت الأسماء، ولكن ينكر ما تضمنته من الصفات كما يقول بعض المبتدعة: أن الله -تعالى- رحيم بلا رحمة، وسميع بلا سمع .
النوع الثاني: أن يسمى الله -سبحانه وتعالى- بما لم يسم به نفسه .
ووجه كونه إلحاداً أن أسماء الله -سبحانه وتعالى- توقيفية، فلا يحل لأحد أن يسمي الله -تعالى- باسم لم يسم به نفسه، لأن هذا من القول على الله بلا علم، ومن العدوان في حق الله -عز وجل- وذلك كما صنع الفلاسفة فسموا الإله بالعلة الفاعلة، وكما صنع النصارى فسموا الله -تعالى- باسم الأب ونحو ذلك .
النوع الثالث: أن يعتقد أن هذه الأسماء دالة على أوصاف المخلوقين، فيجعلها دالة على التمثيل .
ووجه كونه إلحاداً: أن من اعتقد أن أسماء الله -سبحانه وتعالى- دالة على تمثيل الله بخلقه فقد أخرجها عن مدلولها ومال بها عن الاستقامة، وجعل كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، دالاً على الكفر، لأن تمثيل الله بخلقه كفر لكونه تكذيباً لقوله -تعالى-:(لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11) ولقوله: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)(مريم: من الآية65) قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري -رحمهما الله-: ((من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه تشبيه)) .
النوع الرابع: أن يشتق من أسماء الله -تعالى أسماء ، للأصنام ، كاشتقاق اللات من الإله والعز من من العزيز،ومنان من المنان، ووجه كونه إلحاداً أن أسماء الله تعالي - خاصة به، فلا يجوز أن تنقل المعاني الدالة عليها هذه الأسماء إلى أحد من المخلوقين ليعطى من العبادة ما لا يستحقه إلا الله -عز وجل- . هذه أنواع الإلحاد في أسماء الله -تعالى- .
***
س38: ما أقسام ما أضافه الله إلى نفسه مثل وجه الله، ويد الله ونحو ذلك؟
الجواب: أقسام ما أضافه الله إلى نفسه ثلاثة:
القسم الأول: العين القائمة بنفسها، فإضافتها من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، وهذه الإضافة قد تكون على سبيل العموم كقوله -تعالى-: ( إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ)(العنكبوت: من الآية56) .وقد تكون على سبيل الخصوص لشرفيته كقوله -تعالى-: ( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)(الحج: من الآية26) وقوله: ( نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا).(الشمس: من الآية13) وهذا القسم مخلوق .
القسم الثاني: العين التي يقوم بها غيرها مثل قوله -تعالى: (وَرُوحٌ مِنْهُ).(النساء: من الآية171) فإضافة هذه الروح إلى الله من باب إضافة المخلوق إلى خالقه تشريفاً فهي روح من الأرواح التي خلقها الله، وليست جزءً من الله، إذ أن هذه الروح حلت في عيسى، عليه السلام، وهو عين منفصلة عن الله وهذا القسم مخلوق أيضاً .
القسم الثالث: أن يكون وصفاً محضا يكون فيه المضاف صفة لله وهذا القسم غير مخلوق، لأن جميع صفات الله غير مخلوقة، ومثاله قدرة الله وعزة الله وهو في القرآن كثير .
***
س39: ما حكم إنكار شيء من أسماء الله -تعالى- أو صفاته؟
الجواب: الإنكار نوعان:
النوع الأول: إنكار تكذيب، وهذا كفر بلا شك، فلو أن أحداً أنكر اسماً من أسماء الله، أو صفة من صفاته الثابتة في الكتاب والسنة، مثل أن يقول ليس لله يد، فهو كافر بإجماع المسلمين، لأنه تكذيب خبر الله ورسوله كفر مخرج عن الملة .
النوع الثاني: إنكار تأويل، وهو أن لا يجحدها، ولكن يؤولها وهذا نوعان:
الأول: أن يكون لهذا التأويل مسوغ في اللغة العربية فهذا لا يوجب الكفر .
الثاني: أن لا يكون له مسوغ في اللغة العربية فهذا موجب للكفر، لأنه إذا لم يكن له مسوغ صار تكذيباً، مثل أن يقول ليس لله يد حقيقة، ولا بمعنى النعمة، أو القوة، فهذا كافر، لأنه نفاها نفياً مطلقاً فهو مكذب حقيقة، ولو قال في قوله -تعالى- (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)(المائدة: من الآية64) المراد بيديه السماوات والأرض فهو كافر، لأنه لا يصح في اللغة العربية، ولا هو مقتضى الحقيقة الشرعية فهو منكر مكذب .
لكن إن قال المراد باليد النعمة أو القوة فلا يكفر، لأن اليد في اللغة تطلق بمعنى النعمة، قال الشاعر:
وكم لظلام الليل عندك من يدٍ تحدث أن المانوية تكذب
من "يد" أي: من نعمة، لأن المانوية يقولون: إن الظلمة لا تحدث الخير وإنما تحدث الشر .
***
س40: ما حكم من يعتقد أن صفات الخالق مثل صفات المخلوق؟
الجواب: الذي يعتقد أن صفات الخالق مثل صفات المخلوق ضال، ذلك أن صفات الخالق لا تماثل صفات المخلوقين بنص القرآن الكريم قال الله -تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11) ولا يلزم من تماثل الشيئين في الاسم أو الصفة أن يتماثلا في الحقيقية هذه قاعدة معلومة .
أليس للآدمي وجه . وللبعير وجه؟ اتفقا في الاسم لكن لم يتفقا في الحقيقة . وللجمل يد، وللذرة يد، فهل اليدان متماثلتان؟
الجواب لا . إذا لماذا لا تقول لله -عز وجل- وجه ولا يماثل أوجه المخلوقين، ولله يد ولا تماثل أيدي المخلوقين؟! قال الله -تعالى-: )وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(الزمر: من الآية67) وقال:(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُب)(الأنبياء: من الآية104) هل هناك يد من أيدي المخلوقين تكون كهذه اليد؟ لا . إذن يجب أن نعلم أن الخالق لا يماثل المخلوق، لا في ذاته، ولا في صفاته (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11) ولذلك لا يجوز أبداً أن تتخيل كيفية صفة من صفات الله، أو أن تظن أن صفات الله كمثل صفات المخلوقين .
***
س41: من المعلوم أن الليل يدور على الكرة الأرضية والله -عز وجل- ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فمقتضى ذلك أن يكون كل الليل في السماء الدنيا فما الجواب عن ذلك؟
الجواب: الواجب علينا أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، فالتحريف في النصوص، والتعطيل في المعتقد، والتكييف في الصفة، والتمثيل في الصفة أيضاً إلا أنه أخص من التكييف، لأنه تكييف مقيد بمماثلة، فيجب أن تبرأ عقيدتنا من هذه المحاذير الأربعة . ويجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال بـ ((لم))؟ وكيف؟ فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وكذا يمنع نفسه عن التفكير في الكيفية، وهذا الطريق إذا سلكه الإنسان استراح كثيراً، وهذه حال السلف -رحمهم الله- ولهذا جاء رجل إلى مالك بن أنس -رحمه الله- قال: يا أبا عبد الله ((الرحمن على العرش استوى)) كيف استوى؟
فأطرق برأسه وعلته الرحضاء، وقال: (( غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً)) .
وهذا الذي يقول إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين بقي ثلث الليل الآخر كل ليلة فيلزم من هذا أن يكون كل الليل في السماء الدنيا، لأن الليل يدور على جميع الأرض، فالثلث ينتقل من هذا المكان إلى المكان الآخر .
جوابنا عليه أن نقول: هذا سؤال لم يسأله الصحابة -رضوان الله عليهم- ولو كان هذا يرد على قلب المؤمن المستسلم لبينه الله ورسوله صلى ا لله عليه وسلم، ونقول ما دام ثلث الليل الأخير في هذه الجهة باقياً فالنزول فيها محقق، ومتى انتهى الليل انتفى النزول، ونحن لا ندرك كيفية نزول الله، ولا نحيط به عليماً، ونعمل أنه -سبحانه- ليس كمثله شيء، وعلينا أن نستسلم وأن نقول سمعنا، وآمنا، واتبعنا، وأطعنا، هذه وظيفتنا .
***
س42: ما مذهب السلف في رؤية الله -عز وجل-؟ وما حكم من يزعم ((أن الله لا يرى بالعين وأن الرؤية عبارة عن كمال اليقين))؟
الجواب: يقول الله -عز وجل- في القرآن الكريم حين ذكر القيامة: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) (القيامة:22) (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:23) فأضاف النظر إلى الوجوه والذي يمكن به النظر في الوجوه العين، ففي الآية دليل على أن الله -سبحانه وتعالى- يرى بالعين، ولكن رؤيتنا لله -عز وجل- لا تقتضي الإحاطة به لأن الله -تعالى- يقول: ( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً).(طـه: من الآية110) فإذا كنا لا يمكن أن نحيط بالله علماً -والإحاطة العلمية أوسع وأشمل من الإحاطة البصرية- دل ذلك على أنه لا يمكن أن نحيط به إحاطة بصرية ويدل لذلك قوله -تعالى: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار)(الأنعام: من الآية103) فالأبصار وإن رأته لا يمكن أن تدركه، فالله -عزل وجل-فالله يري بالعين رؤية حقيقة، ولكنه لا يدرك بهذه الرؤية ؛ لأنه عز وجل أعظم من أن يحاط به، وهذا هو الذي ذهب إليه السلف ويرون أن أكمل نعيم ينعم به الإنسان أن ينظر إلى وجه الله -عز وجل- ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسألك لذة النظر إلى وجهك))42 قال: ((لذة النظر))، لأن لهذا النظر لذة عظيمة لا يدركها إلا من أدركها بنعمة من الله وفضل منه، وأرجو الله -تعالى- أن يجعلني وإياكم منهم . هذه هي حقيقة الرؤية التي أجمع عليها السلف .
أما من زعم أن الله لا يرى بالعين وأن الرؤية عبارة عن كمال اليقين، فإن قوله هذا باطل مخالف للأدلة ويكذبه الواقع، لأن كمال اليقين فإن قوله هذا باطل مخالف للأدلة ويكذبه الواقع، لأن كمال اليقين موجود في الدنيا أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم، في تفسير الإحسان: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه، فإنه يراك)) 43.
وعبادتك لله كأنك تراه هذا هو كمال اليقين، فدعوى أن النصوص الواردة في الرؤية تعني كمال اليقين، لأن المتيقن يقيناً كاملاً كالذي يشاهد بالعين دعوى باطلة وتحريف للنصوص، وليس بتأويل بل هو تحريف باطل يجب رده على من قال به، والله المستعان .
***
س43: هل للجن تأثير على الإنس؟ وما طريق الوقاية منهم؟
الجواب: لا شك أن الجن لهم تأثير على الإنس بالأذية التي قد تصل إلى القتل، وربما يؤذونه برمي الحجارة، وربما يروعون الإنسان إلى غير ذلك من الأشياء التي ثبتت بها السنة ودل عليها الواقع، فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لبعض أصحابه أن يذهب إلى أهله في إحدى الغزوات -وأظنها غزوة الخندق- وكان شاباً حديث عهد بعرس، فلما وصل إلى بيته وإذا امرأته على الباب فأنكر عليها ذلك، فقالت له: ادخل فدخل فإذا حية ملتوية على الفراش وكان معه رمح فوخزها بالرمح حتى ماتت وفي الحال -أي الزمن الذي ماتت فيه الحية- مات الرجل فلا يدري أيهما أسبق موتاً الحية أم الرجل، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فنهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفتين44 .
وهذا دليل على أن الجن قد يعتدون على الإنس وأنهم يؤذونهم كما أن الواقع شاهد بذلك فإنه قد تواترت الأخبار واستفاضت بأن الإنسان قد يأتي إلى الخربة فيرمى بالحجارة وهو لا يرى أحداً من الإنس في هذه الخربة، وقد يسمع أصواتاً وقد يسمع حفيفاً كحفيف الأشجار وما أشبه ذلك مما يستوحش به ويتأذى به، وكذلك أيضاً قد يدخل الجني إلى جسد الآدمي، إما بعشق، أو لقصد الإيذاء، أو لسبب آخر من الأسباب ويشير إلى هذا قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ)(البقرة: من الآية275) وفي هذا النوع قد يتحدث الجني من باطن الإنسي نفسه ويخاطب من يقرأ عليه آيات من القرآن الكريم، وربما يأخذ القارئ عليه عهداً ألا يعود إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي استفاضت بها الأخبار وانتشرت بين الناس، وعلى هذا فإن الوقاية المانعة من شر الجن أن يقرأ الإنسان ما جاءت به السنة مما يتحصن به منهم مثل آية الكرسي، فإن آية الكرسي إذا قرأها الإنسان في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح . والله الحافظ .
***
س44: هل الجن يعلمون الغيب؟
الجواب: الجن لا يعلمون الغيب ولا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله واقرأ قوله -تعالى-: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ). (سـبأ:14) ومن ادعى علم الغيب فهو كافر . ومن صدق من يدعي علم الغيب فإنه كافراً أيضاً لقوله -تعالى-: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)(النمل: من الآية65) فلا يعلم غيب السموات والأرض إلا الله وحده، وهؤلاء الذي يدعون أنهم يعلمون الغيب في المستقبل كل هذا من الكهانة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً))45 فإن صدقه فإنه يكون كافراً لأنه إذا صدقه بعلم الغيب فقد كذب قوله -تعالى-: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) .
***
س45: ما حكم وصف النبي صلى الله عليه وسلم، بحبيب الله؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم، حبيب الله لا شك فهو حاب لله ومحبوب لله، ولكن هناك وصف أعلى من ذلك وهو خليل الله، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- خليل الله كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً))46 ولهذا من وصفه بالمحبة فقط فإنه نزله عن مرتبته، فالخلة أعظم من المحبة وأعلى، فكل المؤمنين أحباء لله، ولكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- في مقام أعلى من ذلك وهي الخلة فقد اتخذه الله خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، لذلك نقول إن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، خليل الله، وهذا أعلى من قولنا حبيب الله لأنه متضمن للمحبة، وزيادة لأنه غاية المحبة .
***
س46: ما حكم جعل مدح النبي صلى الله عليه وسلم تجارة؟
الجواب: حكم هذا محرم، ويجب أن يعلم بأن المديح للنبي صلى الله عليه وسلم، ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: أن يكون مدحاً فيما يستحقه صلى الله عليه وسلم، بدون أن يصل إلى درجة الغلو فهذا لا بأس به، أي لا بأس أن يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما هو أهله من الأوصاف الحميدة الكاملة في خلقه وهديه صلى الله عليه وسلم .
والقسم الثاني: من مديح الرسول صلى الله عليه وسلم، قسم يخرج بالمادح إلى الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله))47 فمن مدح النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه غياث المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، وأنه مالك الدنيا والآخرة، وأنه يعلم الغيب وما شابه ذلك من ألفاظ المديح فإن هذا القسم محرم، بل قد يصل إلى الشرك الأكبر المخرج من الملة، فلا يجوز أن يمدح الرسول -عليه الصلاة والسلام- بما يصل إلى درجة الغلو لنهي ا لنبي صلى الله عليه وسلم، عن ذلك .
ثم نرجع إلى اتخاذ المديح الجائز حرفة يكتسب بها الإنسان فنقول أيضاً إن هذا حرام ولا يجوز، لأن مدح الرسول -عليه الصلاة والسلام- بما يستحق وبما هو أهل له صلى الله عليه وسلم، من مكارم الأخلاق والصفات الحميدة، والهدي المستقيم مدحه بذلك من العبادة التي يتقرب بها إلى الله -تعالى-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) (15) )أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود:15،16)
والله الهادي إلى سواء الصراط .
***
س47: من يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم، نورٌ من نور الله وليس ببشر وأنه يعلم الغيب ثم هو يستغيث به صلى الله عليه وسلم، معتقداً أنه يملك النفع والضر، فما حكم ذلك؟ وهل تجوز الصلاة خلف هذا الرجل أو من كان على شاكلته؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
الجواب: من اعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم، نور من الله وليس ببشر، وأنه يعلم الغيب فهو كافر بالله ورسوله، وهو من أعداء الله ورسوله، وليس من أولياء الله ورسوله، لأن قوله هذا تكذيب لله ورسوله، ومن كذب الله ورسوله فهو كافر، والدليل على أن قوله هذا تكذيب لله ورسوله قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)(الكهف: من الآية110) وقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)(النمل: من الآية65) وقوله تعالى: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ )(الأنعام: من الآية50) وقوله تعالى: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (لأعراف:118) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني))48 .
ومن استغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم، معتقداً أنه يملك النفع والضر فهو كافر مكذب لله تعالى مشرك به لقوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر:60) وقوله تعالى: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) (21)(قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) .(الجـن:22) وقوله صلى الله عليه وسلم، لأقاربه: ((لا أغني عنكم من الله شيئاً))49 كما قال ذلك لفاطمة وصفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولا تجوز الصلاة خلف هذا الرجل ومن كان على شاكلته، ولا تصح الصلاة خلفه، ولا يحل أن يجعل إماماً للمسلمين .
***
س48: هل أحاديث خروج المهدي صحيحة أم لا؟
الجواب: أحاديث المهدي تنقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: أحاديث مكذوبة .
القسم الثاني: أحاديث ضعيفة .
القسم الثالث: أحاديث حسنة لكنها بمجموعها تصل إلى درجة الصحة، على أنها صحيح لغيره .
وقال بعض العلماء إن فيها ما هو صحيح لذاته وهذا هو القسم الرابع .
ولكنه ليس المهدي المزعوم الذي يقال إنه في سرداب في العراق، فإن هذا لا أصل له، وهو خرافة ولا حقيقة له، ولكن المهدي الذي جاءت الأحاديث بإثباته رجل كغيره من بني آدم يخلق ويولد في وقته، ويخرج إلى الناس في وقته، فهذه هي قصة المهدي، وإنكاره مطلقاً خطأ، وإثباته مطلقاً خطأ، لأن إثباته عل وجه يشمل المهدي المنتظر الذي يقال إنه في السرداب هذا خطأ، لأن اعتقاد هذا المهدي المختفي خلل في العقل، وضلال في الشرع وليس له أصل، وإثبات المهدي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وتكاثرت فيه الأحاديث والذي سيولد في وقته ويخرج في وقته هذا حق .
***
س49: من هم يأجوج ومأجوج؟
الجواب: يأجوج ومأجوج أمتان من بني آدم موجودتان، قال الله -تعالى في قصة ذي القرنين: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) (93) (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً) (94) (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) (95) (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) (96) (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً) (97) (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً) (الكهف الآيات: 93-98) .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله يوم القيامة يا آدم قم فابعث بعث النار من ذريتك)) إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبشروا فإن منكم واحداً، ومن يأجوج ومأجوج ألفاً))50 وخروجهم الذي هو من أشراط الساعة وجدت بوادره في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حديث أم حبيبة -رضي الله عنها- قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوماً فزعاً محمراً وجهه يقول: ((لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من رجم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها))51 .
***
س50: لماذا حذر الأنبياء أقوامهم من الدجال مع أنه لا يخرج إلا في آخر الزمان؟
الجواب: أعظم فتنة على وجه الأرض منذ خلق آدم إلى قيام الساعة هي فتنة الدجال كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا ما من نبي من نوح إلى محمد - صلوات الله عليهم وسلامه- إلا أنذر قومه به52 تنويهاً بشأنه، وتعظيماً له، وتحذيراً منه، وإلا فإن الله يعلم أنه لن يخرج إلا في آخر الزمان ولكن أمر الرسل أن ينذروا قومهم إياه من أجل أن تتبين عظمته وفداحته، وقد صح ذلك عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: ((إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم -صلوات الله وسلامه عليه يعني أكفيكم إياه- وإلا فالمرء حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم))53 نعم الخليفة ربنا جلا وعلا- .
فهذا الدجال شأنه عظيم بل هو أعظم فتنة كما جاء الحديث منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة، فكان حرياً بأن يخص من بين فتن المحيا في التعوذ من فتنته في الصلاة ((أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)) .
وأما الدجال فهو مأخوذ من الدجل وهو التمويه، لأن هذا مموه بل أعظم مموه، وأشد الناس دجلاً .
***
س51: ما حكم من أنكر حياة الآخرة وزعم أن ذلك من خرافات القرون الوسطى؟ وكيف يمكن إقناع هؤلاء المنكرين؟
الجواب: من أنكر حياة الآخرة، وزعم أن ذلك من خرافات القرون الوسطى فهو كافر، لقول الله -تعالى-: (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (29) (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (سورة الأنعام، الآيات 29-30) وقال -تعالى-: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (10) (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) (11) (وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) (12) )إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (13) (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين:14) (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (15) (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ) (16) (ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (المطففين:الآيات 11-17) وقال -تعالى-: (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) (الفرقان:11) وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (العنكبوت:23)
وأما إقناع هؤلاء المنكرين فيما يأتي:
أولاً: أن أمر البعث تواتر به النقل عن الأنبياء والمرسلين في الكتب الإلهية، والشرائع السماوية، وتلقته أممهم بالقبول، فكيف تنكرونه وأنتم تصدقون بما ينقل إليكم عن فيلسوف، أو صاحب مبدأ أو فكرة، وإن لم يبلغ ما بلغه الخبر عن البعث لا في وسيلة النقل، ولا في شهادة الواقع؟!
ثانياً: أن أمر البعث قد شهد العقل بإمكانه، وذلك من وجوه:
1- كل أحد لا ينكر أن يكون مخلوقاً بعد العدم، وأنه حادث بعد أن لم يكن، فالذي خلقه وأحدثه بعد أن لم يكن، قادر على إعادته بالأولى، كما قال الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه)(الروم: من الآية27) وقال -تعالى-: ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)(الأنبياء: من الآية104)
2- كل أحد لا ينكر عظمة خلق السماوات والأرض لكبرهما وبديع صنعتهما، فالذي خلقهما قادر على خلق الناس وإعادتهم بالأولى، قال الله -تعالى-: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ)(غافر: من الآية57) وقال -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الاحقاف:33) وقال -تعالى-: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) (يّـس:81) (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّـس:82)
3- كل ذي بصر يشاهد الأرض مجدبة ميتة النبات، فإذا نزل المطر عليها أخصبت وحيي نباتها بعد الموت، والقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى وبعثهم، قال الله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (فصلت:39) .
ثالثاً: أن أمر البعث قد شهد الحس والواقع بإمكانه فيما أخبرنا الله -تعالى- به من وقائع إحياء الموتى، وقد ذكر الله -تعالى- من ذلك في سورة البقرة خمس حوادث منها قوله: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:259)
رابعاً: أن الحكمة تقتضي البعث بعد الموت لتجازى كل نفس بما كسبت، ولولا ذلك لكان خلق الناس عبثاً لا قيمة له، ولا حكمة منه، ولم يكن بين الإنسان وبين البهائم فرق في هذه الحياة . قال الله -تعالى-: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون:115) (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (المؤمنون:116) وقال الله -تعالى-: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) (طـه:15) وقال -تعالى-: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (38) (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ) (النحل:39) )إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل:38،40) وقال -تعالى-: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (التغابن:7)
فإذا بينت هذه البراهين لمنكري البعث وأصروا على إنكارهم، فهم مكابرون معاندون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
***
س52: هل عذاب القبر ثابت؟
الجواب: عذاب القبر ثابت بصريح السنة وظاهر القرآن وإجماع المسلمين هذه ثلاثة أدلة .
أما صريح السنة فقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((تعوذوا بالله من عذب القبر، تعوذوا بالله من عذاب القبر، تعوذوا بالله من عذاب القبر))54 .
وأما إجماع المسلمين، فلأن جميع المسلمين يقولون في صلاتهم: ((أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر)) حتى العامة الذين ليسوا من أهل الإجماع ولا من العلماء .
وأما ظاهر القرآن فمثل قوله -تعالى- في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر:46) لا شك أن عرضهم على النار ليس من أجل أن يتفرجوا عليها، بل من أجل أن يصيبهم من عذابها، وقال -تعالى-: ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) الله أكبر إنهم لشحيحون بأنفسهم ما يريدون أن تخرج. وقال تعالى:(الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)(الأنعام: من الآية93) فقال (اليوم) و((ال)) هنا للعهد الحضوري اليوم يعني اليوم الحاضر الذي هو يوم وفاتهم (تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) .
إذن فعذاب القبر ثابت بصريح السنة، وظاهر القرآن، وإجماع المسلمين، وهذا الظاهر من القرآن يكاد يكون كالصريح لأن الآيتين اللتين ذكرناهما كالصريح في ذلك .
***
س53: إذا لم يدفن الميت فأكلته السباع أو ذرته الرياح فهل يعذب عذاب القبر؟
الجواب: نعم ويكون العذاب على الروح، لأن الجسد قد زال وتلف وفني، وإن كان هذا أمراً غيبياً لا أستطيع أن أجزم بأن البدن لا يناله من هذا العذاب ولو كان قد فني واحترق، لأن الأمر الأخروي لا يستطيع الإنسان أن يقيسه على المشاهد في الدنيا .
***
س54: كيف نجيب من ينكر عذاب القبر ويحتج بأنه لو كشف القبر لوجد لم يتغير ويم يضق ولم يتسع؟
الجواب: يجاب من أنكر عذاب القبر بحجة أنه لو كشف القبر لوجد أنه لم يتغير بعدة أجوبة منها:
أولاً: أن عذاب القبر ثابت بالشرع، قال الله تعالى في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر:46) وقوله صلى ا لله عليه وسلم: ((فلولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع ثم أقبل بوجه فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر))55 وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المؤمن ((يفسح له في قبره مد بصره))56 إلى غير ذلك من النصوص فلا يجوز معارضة هذه النصوص بوهم من القول، بل الواجب التصديق والإذعان .
ثانياً:أن عذاب القبر على الروح في الأصل، وليس أمراً محسوساً على البدن، فلو كان أمراً محسوساً على البدن لم يكن من الإيمان بالغيب، ولم يكن للإيمان به فائدة، لكنه من أمور الغيب، وأحوال البرزخ لا تقاس بأحوال الدنيا .
ثالثاً: أن العذاب والنعيم وسعة القبر وضيقه، إنما يدركه الميت دون غيره، والإنسان قد يرى في المنام وهو نائم على فراشه أنه قائم وذاهب وراجع، وضارب ومضروب، ويرى أنه في مكان ضيق موحش، أو في مكان واسع بهيج، والذي حوله لا يرى ذلك ولا يشعر به .
والواجب على الإنسان في مثل هذه الأمور أن يقول سمعنا وأطعنا، وآمنا وصدقنا .
***
س55: هل يخفف عذاب ا لقبر عن المؤمن العاصي؟
فأجاب قائلاً: نعم قد يخفف لأن النبي صلى الله عليه وسلم، مر بقبرين فقال: ((إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ)) أو قال: ((لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)) ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة وقال: ((لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا))57 وهذا دليل على أنه قد يخفف العذاب، ولكن ما مناسبة هاتين الجريدتين لتخفيف العذاب عن هذين المعذبين؟
1- قيل: لأنهما أي الجريدتين تسبحان ما لم تيبسا، والتسبيح يخفف من العذاب على الميت، وقد فرعوا على هذا العلة المستنبطة -التي قد تكون مستبعدة- أنه يسن للإنسان أن يذهب إلى القبور ويسبح عنها من أجل أن يخفف عنها .
2- وقال بعض العلماء: هذا التعليل ضعيف لأن الجريدتين تسبحان سواء كانتا رطبتين أم يابستين لقوله -تعالى-: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)(الإسراء: من الآية44) وقد سمع تسبيح الحصى بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أن الحصى يابس، إذن ما العلة؟
العلة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم، ترجى من الله -عز وجل- أن يخفف عنهما العذاب ما دامت هاتان الجريدتان رطبتين، يعني أن المدة ليست طويلة، وذلك من أجل التحذير عن فعلهما، لأن فعلهما كبير كما جاء في الرواية ((بلى إنه كبير)) أحدهما لا يستبرئ من البول، وإذا لم يستبرئ من البول صلى بغير طهارة، والآخر يمشي بالنميمة يفسد بين عباد الله -والعياذ بالله- ويلقي بينهم العداوة، والبغضاء، فالأمر كبير، وهذا هو الأقرب أنها شفاعة مؤقتة تحذيراً للأمة لا بخلاً من الرسول صلى الله عليه وسلم بالشفاعة الدائمة .
ونقول استطراداً: إن بعض العلماء -عفا الله عنهم- قالوا: يسن أن يضع الإنسان جريدة رطبة، أو شجرة، أو نحوها على القبر ليخفف عنه، لكن هذا الاستنباط بعيد جداً ولا يجوز أن نصنع ذلك لأمور:
أولاً: أننا لم يكشف لنا أن هذا الرجل يعذب بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانياً: أننا إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا إلى الميت، لأننا ظننا به ظن سوء أنه يعذب، وما يدرينا فلعله ينعم، ولعل هذا الميت ممن من الله عليه بالمغفرة قبل موته لوجود سبب من أسباب المغفرة الكثيرة فمات وقد عفا رب العبادة عنه، وحينئذ لا يستحق عذاباً .
ثالثاً: أن هذا الاستنباط مخالف لما كان عليه السلف الصالح الذين هم أعلم الناس بشريعة الله فما فعل هذا أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- فما بالنا نحن نفعله .
رابعاً: أن الله -تعالى- قد فتح لنا ما هو خير منه فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل58
***
س56: ما هي الشفاعة؟ وما أقسامها؟
الجواب: الشفاعة: مأخوذة من الشفع، وهو ضد الوتر، وهو جعل الوتر شفعاً مثل أن تجعل الواحد اثنين، والثلاثة أربعة، وهكذا من حيث اللغة .
أما في الاصطلاح: فهي ((التوسط للغير بجلب منفعة ، أو دف مضرة)) يعني أن يكون الشافع بين المشفوع إليه، والمشفوع له واسطة لجلب منفعة إلى المشفوع له، أو يدفع عنه مضرة .
والشفاعة نوعان:
النوع الأول: شفاعة ثابتة صحيحة، وهي التي أثبتها الله -تعالى- في كتابه، أو أثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص، لأن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: ((من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه))59 .
وهذه الشفاعة لها شروط ثلاثة:
الشرط الأول: رضى الله عن الشافع .
الشرط الثاني: رضى الله عن المشفوع له .
الشرط الثالث: إذن الله -تعالى- للشافع أن يشفع .
وهذه الشروط مجملة في قوله -تعالى-: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) (لنجم:26) ومفصلة في قوله: ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ).(البقرة: من الآية255) وقوله: (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (طـه:109) وقوله: ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)(الأنبياء: من الآية28) فلا بد من هذه الشروط الثلاثة حتى تتحقق الشفاعة .
ثم إن الشفاعة الثابتة ذكر العلماء -رحمهم الله تعالى- أنها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الشفاعة العامة، ومعنى العموم أن الله -سبحانه وتعالى- يأذن لمن شاء من عباده الصالحين أن يشفعوا لمن أذن الله لهم بالشفاعة فيهم، وهذه الشفاعة ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولغيره من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وهي أن يشفع في أهل النار من عصاة المؤمنين أن يخرجوا من النار .
القسم الثاني: الشفاعة الخاصة: التي تختص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأعظمها الشافعة العظمى التي تكون يوم القيامة، حين يلحق الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون، فيطلبون من يشفع لهم إلى الله -عز وجل- أن يريحهم من هذا الموقف العظيم، فيذهبون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى وكلهم لا يشفع حتى تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقوم ويشفع عند الله -عز وجل- أن يخلص عباده من هذا الموقف العظيم، فيجيب الله -تعالى- دعاءه، ويقبل شفاعته، وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله -تعالى- به في قوله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (الإسراء:79) .
ومن الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، فإن أهل الجنة إذا عبروا الصراط أوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فتمحص قلوب بعضهم من بعض حتى يهذبوا وينقوا، ثم يؤذن لهم في دخول الجنة، فتفتح أبواب الجنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم .
النوع الثاني: الشفاعة الباطلة التي لا تنفع أصحابها، وهي ما يدعيه المشركون من شفاعة آلهتهم لهم عند الله -عز وجل- فإن هذه الشفاعة لا تنفعهم كما قال الله تعالى: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدثر:48) وذلك لأن الله -تعالى- لا يرضى لهؤلاء المشركين شركهم، ولا يمكن أن يأذن بالشفاعة لهم، لأنه لا شفاعة إلا لمن ارتضاه الله -عز وجل- والله لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد، فتعلق المشركين بآلهتهم يعبدونها ويقولون: ( هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)(يونس: من الآية18) تعلق باطل غير نافع، بل هذا لا يزيدهم من الله -تعالى- إلا بعداً على أن المشركين يرجون شفاعة أصنامهم بوسيلة باطلة وهي عبادة هذه الأصنام، وهذا من سفههم أن يحاولوا التقرب إلى الله -تعالى- بما لا يزيدهم منه إلا بعداً .
***
س57: ما مصير أطفال المؤمنين، وأطفال المشركين الذين ماتوا صغاراً؟
فأجاب فضيلته قائلاً: مصير أطفال المؤمنين الجنة، لأنهم تبع لآبائهم قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (الطور:21) .
وأما أطفال غير المؤمنين يعين الطفل الذي نشأ من أبوين غير مسلمين فأصح الأقوال فيهم أن نقول: الله أعلم بما كانوا عاملين فهم في أحكام الدنيا بمنزلة آبائهم، أما في أحكام الآخرة فإن الله -تعالى- أعلم بما كانوا عاملين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم60 ، والله أعلم بمصيرهم هذا ما نقوله، وهو في الحقيقة أمر لا يعنينا كثيراً، إنما الذي يعنينا هو حكمهم في الدنيا، وأحكامهم في الدنيا -أعني أولاد المشركين- أحكامهم في الدنيا أنهم كالمشركين لا يغسلون، ولا يكفنون، ولا يصلى عليهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين . والله أعلم .
***
س58: ذكر للرجال الحور العين في الجنة فما النساء؟
الجواب: يقول الله -تبارك وتعالى- في نعيم أهل الجنة: ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ)(فصلت: من الآية31) (نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (فصلت:32) ويقول -تعالى-: ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(الزخرف: من الآية71) .
ومن المعلوم أن الزواج من أبلغ ما تشتهيه النفوس فهو حاصل في الجنة لأهل الجنة ذكوراً كانوا أم إناثاً، فالمرأة يزوجها الله -تبارك وتعالى- في الجنة بزوجها الذي كان زوجاً لها في الدنيا كما قال الله -تبارك وتعالى-: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (غافر:8) وإذا لم تتزوج في الدنيا فإن الله -تعالى- يزوجها ما تقر به عينها في الجنة .
***
س59: هل ما يذكر من أن أكثر أهل النار النساء صحيح؟ ولماذا؟
الجواب هذا صحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لهن وهو يخطب فيهن: ((يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار)) وقد أورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الإشكال الذي أورده السائل قلن: وبم يا رسول الله؟ قال: ((تكثرن اللعن، وتكفرن العشير))61 فبين النبي صلى الله عليه وسلم، أسباب كثرتهن في النار، لأنهن يكثرن السب، واللعن، والشتم، ويكفرن العشير الذي هو الزوج فصرن بذلك أكثر أهل النار .
***
س60: ما توجيه فضيلتكم لمن لا يحب دراسة العقيدة خصوصاً مسألة القدر خوفاً من الزلل؟
الجواب: هذه المسألة كغيرها من المسائل المهمة التي لا بد للإنسان منها في دينه ودنياه، لا بد أن يخوض غمارها وأن يستعين بالله -تبارك وتعالى- على تحقيقها ومعرفتها حتى يتبين له الأمر، لأنه لا ينبغي أن يكون على شك في هذه الأمور المهمة، أما المسائل التي لا تخل بدينه لو أجلها ويخشى أن تكون سبباً لانحرافه، فإنه لا بأس أن يؤجلها ما دام غيرها أهم منها، ومسائل القدر من الأمور المهمة التي يجب على العبد أن يحققها تماماً حتى يصل فيها إلى اليقين، وهي في الحقيقة ليس فيها إشكال -ولله الحمد- والذي يثقل دروس العقيدة على بعض الناس هو أنهم مع الأسف الشديد يرجحون جانب ((كيف)) على جانب ((لم)) والإنسان مسئول عن عمله بأداتين من أدوات الاستفهام ((لم)) و ((كيف))فلم عملت كذا؟ هذا الإخلاص . كيف عملت كذا؟ هذا المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأكثر الناس الآن مشغولون بتحقيق جواب ((كيف)) غافلون عن تحقيق جواب ((لم)) ولذلك تجدهم في جانب الإخلاص لا يتحرون كثيراً، وفي جانب المتابعة يحرصون على أدق الأمور، فالناس الآن مهتمون كثيراً بهذا الجانب، غافلون عن الجانب الأهم وهو جانب العقيدة، وجانب الإخلاص، وجانب التوحيد، لهذا تجد بعض الناس في مسائل الدنيا يسأل عن مسألة يسيرة جداً جداً وقلبه منكب على الدنيا غافل عن الله مطلقاً في بيعه وشرائه، ومركوبه، ومسكنه، وملبسه، فقد يكون بعض الناس الآن عابداً للدنيا وهو لا يشعر، وقد يكون مشركاً بالله في الدنيا وهو لا يشعر،لأنه مع الأسف أن جانب التوحيد وجانب العقيدة لا يهتم بهما ليس من العامة فقط، ولكن حتى من بعض طلاب العلم، وهذا أمر له خطورته، كما أن التركيز على العقيدة فقط بدون العمل الذي جعله الشارع كالحامي والسور لها خطأ أيضاً، لأننا نسمع في الإذاعات ونقرأ في الصحف التركيز على أن الدين هو العقيدة السمحاء وماشبه ذلك العبارات، وفي الحقيقية أن هذا يخشى أن يكون باباً يلج منه من يلج في استحلال بعض المحرمات بحجة أن العقيدة سليمة، ولكن لا بد من ملاحظة الأمرين جميعاً ليستقيم الجواب على ((لم)) وعلى (كيف)) .
وخلاصة الجواب: أنه يجب على المرء دراسة علم التوحيد والعقيدة، ليكون على بصيرة في إلهه ومعبوده -جل وعلا- على بصيرة في أسماء الله وصفاته وأفعاله، على بصيرة في أحكامه الكونية، والشرعية، على بصيرة في حكمته، وأسرار شرعه وخلقه، حتى لا يضل بنفسه أو يضل غيره . وعلم التوحيد هو أشرف العلوم لشرف متعلقه ولهذا أسماه أهل العلم (الفقه الأكبر) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين))62 . وأول ما يدخل في ذلك وأولاه علم التوحيد والعقيدة، لكن يجب على المرء أيضاً أن يتحرى كيف يأخذ هذا العلم، ومن أي مصدر يتلقاه، فليأخذ من هذا العلم أولاً ما صفا منه وسلم من الشبهات، ثم ينتقل ثانياً إلى النظر فيما أورد عليه من البدع والشبهات، ليقوم بردها وبيانها مما أخذه من قبل من العقيدة الصافية، وليكن المصدر الذي يتلقاه منه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم كلام الصحابة -رضي الله عنهم- ثم ما قاله الأئمة بعدهم من التابعين وأتباعهم، ثم ما قاله العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم، خصوصاً شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم عليهما وعلى سائر المسلمين وأئمتهم سابغ الرحمة والرضوان .
***
س61: نأمل من فضيلتكم بيان مسألة القدر؟ وهل أصل الفعل مقدر والكيفية يخير فيها الإنسان؟ مثال ذلك إذا قدر الله-تعالى- للعبد أن يبني مسجداً فإنه سيبني لا محالة لكنه ترك لعقله الخيار في كيفية البناء، وكذلك المعصية إذا قدرها الله فإن الإنسان سيفعلها لا محالة، لكن ترك لعقه كيفية تنفيذها، وخلاصة هذا الرأي أن الإنسان مخير في الكيفية التي ينفذ بها ما قدر عليه فهل هذا صحيح؟
الجواب: هذه المسألة -أي مسألة القدر- محل جدل بين البشر من قديم الزمان، ولذلك انقسم الناس فيها إلى ثلاثة أقسام طرفين ووسط . أما الطرفان:
فأحدهما: نظر إلى عموم قدر الله فعمي عن اختيار العبد . وقال: إنه مجبر على أفعاله، وليس له فيها أي اختيار، فسقوط الإنسان من السقف بالريح ونحوها كنزوله منه مختاراً من الدرج .
وأما الطرف الثاني: فنظر إلى أن العبد فاعل تارك باختياره، فعمي عن قدر الله . وقال: إن العبد مستقل بأفعاله، ولا تعلق لقدر الله -تعالى- فيها .
وأما الوسط فأبصروا السببين، فنظروا إلى عموم قدر الله -تعالى- وإلى اختيار العبد، فقالوا: إن فعل العبد كائن بقدر الله -تعالى- وباختيار العبد، وأنه يعلم بالضرورة الفرق بين سقوط الإنسان من السقف بالريح ونحوها، ونزوله منه مختاراً من الدرج، فالأول من فعله بغير اختياره، والثاني باختياره، والكل منهما واقع بقضاء الله وقدره، لا يقع في ملكه ما لا يريد، لكن ما وقع باختيار العبد فهو مناط التكليف، ولا حجة له بالقدر في مخالفة ما كلف به من أوامر أو نواه، وذلك لأنه يقدم على المخالفة حين يقدم عليها وهو لا يعلم ما قدر الله عليه، فيكون إقدامه الاختياري على المخالفة هو سبب العقوبة سواء كانت في الدنيا أم في الآخرة، ولذلك لو أجبره مجبر على المخالفة، لم يثبت عليه حكم المخالفة ولا يعاقب عليها لثبوت عذره حينئذ . وإذا كان الإنسان يدرك أن هروبه من النار إلى موضع يأمن فيه منها يكون باختياره، وأن تقدمه إلى بيت جميل واسع طيب المسكن ليسكنه يكون باختياره أيضاً، مع إيمانه أن هروبه وتقدمه المذكورين واقعان بقضاء الله وقدره، وأن بقاءه لتدركه النار، وتأخره عن سكنى البيت يعد تفريطاً منه وإضاعة للفرصة يستحق اللوم عليه، فلماذا لا يدرك هذا بالنسبة لتفريطه بترك الأسباب المنجية له من نار الآخرة، الموجبة لدخوله الجنة؟!
وأما التمثيل بأن الله إذا قدر للعبد أن يبني مسجداً فإنه سيبني هذا المسجد لا محالة، لكنه ترك لعقله الخيار في كيفية البناء، فهذا تمثيل غير صحيح، لأنه يوحي بأن كيفية البناء يستقل بها العقل ولا تدخل في قد الله -تعالى- وأن أصل فكرة البناء يستقل بها القدر ولا مدخل للاختيار فيها . والحقيقة أن أصل فكرة البناء تدخل في اختيار العبد لأنه لم يجبر عليها، كما لا يجبر على فكرة إعادة بناء بيته الخاص أو ترميمه مثلاً، ولكن هذه الفكرة قد قدرها الله -تعالى- للعبد من حيث لا يشعر، لأنه لا يعلم بأن الله قدر شيئاً ما حتى يقع ذلك الشيء، إذ القدر سر مكتوم لا يعلم إلا باطلاع الله -تعالى- عليه بالوحي، أو بالوقوع الحسي . وكذلك كيفية البناء هي بقدر الله -تعالى- فإن الله -تعالى- قد قدر الأشياء كلها جملة وتفصيلاً، ولا يمكن أن يختار العبد ما لم يرده أو يقدره، بل إذا اختار العبد شيئاً وفعله علم يقيناً أن الله -تعالى- قد قضاه وقدره، فالعبد مختار بحسب الأسباب الحسية الظاهرة التي قدرها الله -تعالى- أسباباً لوقوع فعله، ولا يشعر العبد حين يفعل الفعل بأن أحداً أجبره عليه، لكنه إذا فعل ذلك بحسب الأسباب التي جعلها الله -تعالى- أسباباً، علمنا يقيناً بأن الله تعالى، قد قدرها جملة وتفصيلاً .
وهكذا نقول في التمثيل بفعل الإنسان المعصية حيث قلتم: إن الله قدر عليه فعل المعصية فهو سيفعلها لا محالة، ولكن ترك لعقله كيفية تنفيذها والسعي إليها .
فنقول فيه ما قلناه في بناء المسجد: إن تقدير الله -تعالى- عليه فعل المعصية لا ينافي اختياره لها، لأنه حين اختياره لها لا يعلم بما قدر الله -تعالى- عليه، فهو يقدم عليها مختاراً لا يشعر بأن أحداً يجبره، لكنه إذا أقدم وفعل علمنا أن الله قد قدر فعله لها، وكذلك كيفية تنفيذ المعصية والسعي إليها الواقعة باختيار العبد، لا تنافي قدر الله -تعالى- فالله -تعالى- قد قدر الأشياء كلها جملة وتفصيلاً، وقدر أسبابها الموصلة إليها، ولا يشذ عن ذلك شيء من أفعاله، ولا من أفعال العباد الاختيارية منها والاضطرارية، كما قال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحج:70) وقال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الأنعام:112) وقال: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الأنعام:137) وقال: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)(البقرة: من الآية253) .
وبعد فإن الجدير بالمرء ألا يبحث في نفسه ولا مع غيره في مثل هذه الأمور التي توجب له التشوش، وتوهم معارضة الشرع بالقدر، فإن ذلك ليس من دأب الصحابة -رضي الله عنهم- وهم أحرص الناس على معرفة الحقائق وأقربهم من معين إرواء الغلة، وكشف الغمة، وفي صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار)) . فقلنا: يا رسول الله أفلا نتكل؟ (وفي رواية أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟) قال: ((لا اعملوا فكل ميسر))63 وفي رواية: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة . وأما من كان من أهل الشقاوة فييسر لعمل أهل الشقاوة))64 ثم قرأ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) (الليل5) )(وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) (6) (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) (الليل:7) (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى) (8) (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى). (الليل:الآيات 5،10). فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاتكال على الكتاب وترك العمل، لأنه لا سبيل إلى العلم به، وأمر بما يستطيعه العبد ويمكنه، وهو العمل واستدل بالآية التي تدل على أن من عمل صالحاً وآمن فسييسر لليسرى، وهذا هو الدواء الناجع المثمر، الذي يجد فيه العبد بلوغ عافيته وسعادته، حيث يشمر للعمل الصالح المبني على الإيمان، ويستبشر بذلك حين يقارنه التوفيق لليسرى في الدنيا والآخرة . أسأل الله -تعالى- أن يوفقنا جميعاً للعمل الصالح، وأن ييسرنا لليسرى، ويجنبنا العسرى، ويغفر لنا في الآخرة والأولى، إنه جواد كريم
***
س62: هل للدعاء تأثير في تغيير ما كتب للإنسان قبل خلقه؟
الجواب: لا شك أن للدعاء تأثيراً في تغيير ما كتب، لكن هذا التغيير قد كتب أيضاً بسبب الدعاء، فلا تظن أنك إذا دعوت الله فإنك تدعو بشيء غير مكتوب، بل الدعاء مكتوب وما يحصل به مكتوب، ولهذا نجد القارئ يقرأ على المريض فيشفى، وقصة السرية التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلوا ضيوفاً على قوم ولكنهم لم يضيفوهم، وقدر أن لدغت حية سيدهم فطلبوا من يقرأ عليه، فاشترط الصحابة أجرة على ذلك، فأعطوهم قطيعاً من الغنم، فذهب أحدهم فقرأ عليه الفاتحة، فقام اللديغ كأنما نشط من عقال، أي كأنه بعير فك عقاله، فقد أثرت القراءة في شفاء المريض .
فللدعاء تأثير لكنه ليس تغييراً للقدر، بل هو مكتوب بسببه، وكل شيء عند الله بقدر، وكذلك جميع الأسباب لها تأثير في مسبباتها بإذن الله، فالأسباب مكتوبة والمسببات مكتوبة .
***
س63: هل الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟
الجواب: كل شيء منذ خلق الله القلم إلى يوم القيامة فإنه مكتوب في اللوح المحفوظ لأن الله -سبحانه وتعالى- أول ما خلق القلم قال له: ((اكتب: قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة))65 .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الجنين في بطن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر، بعث الله إليه ملكاً نفخ فيه الروح، ويكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد . والرزق أيضاً مكتوب مقدر بأسباب لا يزيد ولا ينقص، فمن الأسباب أن يعمل الإنسان لطلب الرزق كما قال الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:15) ومن الأسباب أيضاً صلة الرحمن من بر الوالدين، وصلة القرابات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه))66 ومن الأسباب تقوى الله -عز وجل- كما قال -تعالى-: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)(الطلاق: من الآية2) )وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)(الطلاق: من الآية3) ولا تقل إن الرزق مكتوب ومحدد ولن أفعل الأسباب التي توصل إليه فإن هذا من العجز . والكياسة والحزم أن تسعى لرزقك، ولما ينفعك في دينك ودنياك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني)) 67 وكما أن الرزق مكتوب مقدر بأسبابه فكذلك الزواج مكتوب مقدر، وقد كتب لكل من الزوجين أن يكون زوج الآخر بعينه، والله -تعالى- لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء .
***
س64: ما حكم من يتسخط إذا نزلت به مصيبة؟
الجواب: الناس حال المصيبة على مراتب أربع:
المرتبة الأولى: التسخط وهو على أنواع:
النوع الأول: أن يكون بالقلب كأن يسخط على ربه فيغتاظ مما قدره الله عليه فهذا حرام، وقد يؤدي إلى الكفر قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ)(الحج: من الآية11) .
النوع الثاني: أن يكون باللسان كالدعاء بالويل والثبور وما أشبه ذلك، وهذا حرام .
النوع الثالث: أن يكون بالجوارح كلطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعور وما أشبه ذلك، وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب .
المرتبة الثانية: الصبر وهو كما قال الشاعر:
الصبر مثل اسمه مر مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل
فيرى أن هذا الشيء ثقيل عليه لكنه يتحمله، وهو يكره وقوعه ولكن يحميه إيمانه من السخط، فليس وقوعه وعدمه سواء عنده وهذا واجب، لأن الله تعالى أمر بالصبر فقال: ( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).(لأنفال: من الآية46) .
المرتبة الثالثة: الرضا بأن يرضى الإنسان بالمصيبة بحيث يكون وجودها وعدمها سواء فلا يشق عليه وجودها، ولا يتحمل لها حملاً ثقيلاً، وهذه مستحبة، وليست بواجبة على القول الراجح، والفرق بينها وبين المرتبة التي قبلها ظاهر، لأن المصيبة وعدمها سواء في الرضا عند هذا، أما التي قبلها فالمصيبة صعبة عليه لكن صبر عليه.
المرتبة الرابعة: الشكر وهو أعلى المراتب وذلك بأن يشكر الله على ما أصابه من مصيبة حيث عرف أن هذه المصيبة سبب لتكفير سيئاته وربما لزيادة حسناته قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها))69 .
***
س65: فضيلة الشيخ: نأمل من فضيلتكم توضيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر))70 متفق عليه . وما نوع النفي في الحديث؟ وكيف نجمع بينه وبين حديث: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد))71 ؟
الجواب: ((العدوى)) انتقال المرض من المريض إلى الصحيح، وكما يكون في الأمراض الحسية (( المهملة)) يكون في الأمراض المعنوية الخلقية، ولهذا أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن جليس السوء كنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة فقوله صلى الله عليه وسلم: ((عدوى)) يشمل العدوى الحسية والمعنوية .
و((الطيرة)) هي التشاؤم بمرئي، أو مسموع، أو معلوم .
و((الهامة)) فسرت بتفسيرين:
الأول: داء يصيب المريض وينتقل إلى غيره، وعلى هذا التفسير يكون عطفها على العدوى من باب عطف الخاص على العام .
الثاني: طير معروف تزعم العرب أنه إذا قتل القتيل، فإن هذه الهامة تأتي إلى أهله وتنعق على رؤوسهم حتى يأخذوا بثأره، وربما اعتقد بعضهم أنها روحة تكون بصورة الهامة، وهي نوع من الطيور تشبه البومة أو هي البومة، تؤذي أهل القتيل بالصراخ حتى يأخذوا بثأره، وهم يتشاءمون بها فإذا وقعت على بيت أحدهم ونعقت قالوا إنها تنعق به ليموت، ويعتقدون قرب أجله وهذا باطل .
و((صفر)) فسر بتفاسير:
الأول: أنه شهر صفر المعروف، والعرب يتشاءمون به .
الثاني: أنه داء في البطن يصيب البعير، وينتقل من بعير إلى آخر، فيكون عطفه على العدوى من باب عطف الخاص على العام .
الثالث: صفر شهر صفر، والمراد به النسيء الذي يضل به الذين كفروا، فيؤخرون تحريم شهر المحرم إلى صفر يحلونه عاماً، ويحرمونه عاماً .
وأرجحها أن المراد شهر صفر حيث كانوا يتشاءمون به في الجاهلية، والأزمنة لا دخل فيها في التأثير، وفي تقدير الله -عز وجل- فهو كغيره من الأزمنة يقدر فيه الخير والشر .
وبعض الناس إذا انتهى من عمل معين في اليوم الخامس والعشرين مثلاً في شهر صفر أرخ ذلك وقال: انتهى في الخامس والعشرين من شهر صفر الخير . فهذا من باب مداواة البدعة بالبدعة، والجهل بالجهل . فهو ليس شهر خير، ولا شر . ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال: ((خيراً إن شاء الله فلا يقال خير ولا شر بل هي تنعق كبقية الطيور .
فهذه الأربعة التي نفاها الرسول صلى الله عليه وسلم، تدل على وجوب التوكل على الله، وصدق العزيمة، وألا يضعف المسلم أمام هذه الأمور .
وإذا ألقى المسلم باله لهذه الأمور فلا يخلو من حالين:
الأولى: إما أن يستجيب لها بأن يقدم أو يحجم، فيكون حينئذ قد علق أفعاله بما لا حقيقة له .
الثانية: أن لا يستجيب بأن يقدم ولا يبالي، لكن يبقى في نفسه نوع من الهم أو الغم، وهذا وإن كان أهون من الأول لكن يجب أن لا يستجيب لداعي هذه الأمور مطلقاً، وأن يكون معتمداً على الله -عز وجل- .
وبعض الناس قد يفتح المصحف لطلب التفاؤل فإذا نظر ذكر النار قال هذا فأل غير جميل، وإذا نظر ذكر الجنة قال هذا فأل طيب، وهذا في الحقيقة مثل عمل الجاهلية الذين يستقسمون بالأزلام .
والنفي في هذه الأمور الأربعة ليس نفياً للوجود، لأنها موجودة ولكنه نفي للتأثير، فالمؤثر هو الله، فما كان منها سبباً معلوماً فهو سبب صحيح، وما كان منها سبباً موهوماً فهو سبب باطل، ويكون نفياً لتأثيره بنفسه ولسببيته، فالعدوى موجودة، ويدل لوجودها قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يورد ممرض على مصح))72 أي لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة، لئلا تنتقل العدوى .
وقوله صلى ا لله عليه وسلم: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد))73 .
"الجذام": مرض خبيث معد بسرعة ويتلف صاحبه، حتى قيل إنه الطاعون، فالأمر بالفرار لكي لا تقع العدوى، وفيه إثبات العدوى لتأثيرها، لكن تأثيرها ليس أمر حتمي بحيث تكون علة فاعلة، ولكن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالفرار من المجذوم، وأن لا يورد ممرض على مصح، من باب تجنب الأسباب، لا من باب تأثير الأسباب بنفسها قال الله -تعالى- ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة)(البقرة: من الآية195) ولا يقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم، ينكر تأثير العدوى، لأن هذا أمر يبطله الواقع والأحاديث الأخرى .
فإن قيل إن الرسول صلى الله عليه وسلم،لما قال((لا عدوى)) قال رجل: يا رسول الله أرأيت الإبل تكون في الرمال مثل الضبا فيدخلها الجمل الأجرب فتجرب؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فمن أعدى الأول))74 ؟!
فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بقوله: ((فمن أعدى الأول)) إلى أن المرض انتقل من المريضة إلى هذه الصحيحات بتدبير الله -عز وجل- فالمرض نزل على الأول بدون عدوى بل نزل من عند الله -عز وجل- والشيء قد يكون له سبب معلوم، وقد لا يكون له سبب معلوم، وجرب الأول ليس معلوماً إلا أنه بتقدير الله -تعالى- وجرب الذي بعده له سبب معلوم ولو شاء الله -تعالى- ما جرب، ولهذا أحياناً تصاب الإبل بالجرب ثم يرتفع ولا تموت، وكذلك الطاعون والكوليرا أمراض معدية قد تدخل البيت فتصيب البعض فيموتون، ويسلم آخرون ولا يصابون، فالإنسان يعتمد على الله ويتوكل عليه وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم، قدم عليه رجل مجذوم فأخذ بيده وقال له: ((كل))75 أي من الطعام الذي كان يأكل منه الرسول صلى الله عليه وسلم، لقوة توكله صلى الله عليه وسلم، فهذا التوكل مقاوم لهذا السبب المعدي .
وهذا الجمع الذي ذكرنا أحسن ما قيل في الجمع بين الأحاديث، وادعى بعضهم النسخ، وهذه الدعوى غير صحيحة، لأن من شرط النسخ تعذر الجمع، وإذا أمكن الجمع وجب لأن فيه إعمال الدليلين، وفي النسخ إبطال أحدهما، وإعمالهما أولى من إبطال أحدهما لأننا اعتبرناهما وجعلناهما حجة . والله الموفق .
***
س66: هل العين تصيب الإنسان؟ وكيف تعالج؟ وهل التحرز منها ينافي التوكل؟
الجواب: رأينا في العين أنها حق ثابت شرعاً وحساً قال الله تعالى:(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ)(القلم: من الآية51) قال ابن عباس وغيره في تفسيرها أي يعينوك بأبصارهم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين وإذا استغسلتم فاغسلوا))76 رواه مسلم . ومن ذلك ما رواه النسائي وابن ماجة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: ((لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة)) فما لبث أن لبط به فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: أدرك سهلاً صريعاً فقال: ((من تتهمون؟" قالوا عامر بن ربيعة، فقال النبي صلى ا لله عليه وسلم: "علام يقتل أحدكم أخاه، إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة))77 ثم دعا بماء فأمر عامراً أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه، وفي لفظ: يكفأ الإناء من خلفه .و الواقع شاهد بذلك ولا يمكن إنكاره .
وفي حالة وقوعها تستعمل العلاجات الشرعية وهي:
1- القراءة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا رقية إلا من عين أو حمة))78 . وقد كان جبريل يرقي النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: ((باسم الله أرقيك، من كل شيء يوذيك، من شر كل نفس، أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك))79.
2- الاستغسال: كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عامر بن ربيعة في الحديث السابق ثم يصب على المصاب .
أما الأخذ من فضلاته العائدة من بوله أو غائطه فليس له أصل، وكذلك الأخذ من أثره، وإنما الوارد ما سبق من غسل أعضائه وداخلة إزاره ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه، والله أعلم .
والتحرز من العين مقدماً لا بأس به ولا ينافي التوكل بل هو التوكل، لأن التوكل الاعتماد على الله سبحانه مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: ((أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة))80 ويقول هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام . رواه البخاري .
***
س67: هل يعذر الإنسان بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة؟
الجواب: الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافاً لفظياً في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين أي أن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر، أو هذا الفعل كفر، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضى في حقه وانتفاء المانع، أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات، أو وجود بعض الموانع . وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين:
الأول: أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر بباله أن ديناً يخالف ما هو عليه فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله -تعالى- والقول الراجح أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله -عز وجل- والله أعلم بما كانوا عاملين، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله -تعالى-: ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(الكهف: من الآية49) .
وإنما قلنا تجرى عليه أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر، لأنه يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطى حكمه، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه: ((طريق الهجرتين)) عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة .
النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفر ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك فهذا تجرى عليه أحكام الإسلام ظاهراً، أما في ا لآخرة فأمره إلى الله -عز وجل- . وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وأقوال أهل العلم .
فمن أدلة الكتاب: قوله -تعالى-: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(الإسراء: من الآية15) وقوله: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) (القصص:59) وقوله: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(النساء: من الآية165) وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)(إبراهيم: من الآية4) وقوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ)(التوبة: من الآية115) وقوله: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام:155) (أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ) (156) (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ ) (الأنعام الآيات: 156،157) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الحجة لا تقوم إلا بعد العلم والبيان .
وأما السنة: ففي صحيح مسلم 1/134 عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة -يعني أمة الدعوة- يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)) .
وأما كلام أهل العلم: فقال في المغني 8/131: ((فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام، والناشئ بغير دار الإسلام، أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم لم يحكم بكفره)) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 3/229 مجموع ابن قاسم: ((إني دائماً -ومن جالسني يعلم ذلك مني- من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وأني أقرر أن الله -تعالى- قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعمي الخطأ في المسائل الخبرية القولية، والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر، ولا بفسق، ولا بمعصية -إلى أن قال- وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضاً حق لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين -إلى أن قال- والتكفير هو من الوعيد فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الرجل قد يكون حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً)) أ.هـ. وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب 1/56 من الدرر السنية: ((وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول، ثم بعدما عرفه سبه، ونهى الناس عنه، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره)) . ((وأما الكذب والبهتان فقولهم إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل)) أ.هـ.
وإذا كان هذا مقتضى نصوص الكتاب، والسنة، وكلام أهل العلم فهو مقتضى حكمة الله -تعالى- ولطفه، ورأفته، فلن يعذب أحداً حتى يعذر إليه، والعقول لا تستقل بمعرفة ما يجب لله -تعالى- من الحقوق، ولو كانت تستقل بذلك لم تتوقف الحجة على إرسال الرسل .
فالأصل فيمن ينتسب للإسلام بقاء اسمه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره لأن في ذلك محذورين عظيمين:
أحدهما: افتراء الكذب على الله -تعالى- في الحكم، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به .
أما الأول فواضح حيث حكم بالكفر على من لم يكفره الله -تعالى- فهو كمن حرم ما أحل الله، لأن الحكم بالتكفير أو عدمه إلى الله وحده كالحكم بالتحريم أو عدمه .
وأما الثاني فلأنه وصف المسلم بوصف مضاد، فقال: إنه كافر، مع أنه برئ من ذلك، وحري به أن يعود وصف الكفر عليه لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا فكر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما))81 وفي رواية: "إن كان كما قال وإلا رجعت عليه82 وله من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه))83 يعني رجع عليه وقوله في حديث ابن عمر: ((إن كان كما قال" يعني في حكم الله -تعالى- وكذلك قوله في حديث أبي ذر: ((وليس كذلك))يعني حكم الله -تعالى- .
وهذا هو المحذور الثاني أعني عود وصف الكفر عليه إن كان أخوه بريئاً منه، وهو محذور عظيم يوشك أن يقع به، لأن الغالب أن من تسرع بوصف المسلم بالكفر كان معجباً بعمله محتقراً لغيره فيكون جامعاً بين الإعجاب بعمله الذي قد يؤدي إلى حبوطه، وبين الكبر الموجب لعذاب الله -تعالى- في النار كما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((قال الله عز وجل الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار))84 .
فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين:
الأمر الأول: دلالة الكتاب، والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب .
الثاني: انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه، وتنتفي الموانع .
ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله -تعالى-: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:115) فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له .
ولكن هل يشترط أن يكون عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره، أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة وإن كان جاهلاً بما يترتب عليها؟
الجواب: الظاهر الثاني، أي أن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة، ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتب على زناه، وربما لو كان عالماً ما زنى .
ومن الموانع أن يكره على المكفر لقوله -تعالى-: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:106) ومن الموانع أن يغلق عليه فكره وقصده بحيث لا يدري ما يقول لشدة فرح، أو حزن، أو غضب، أو خوف، ونحو ذلك . لقوله -تعالى-: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(الأحزاب: من الآية5) وفي صحيح مسلم 2104 عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح))85 .
ومن الموانع أيضاً أن يكون له شبهة تأويل في المكفر بحيث يظن أنه على حق، لأن هذا لم يتعمد الإثم والمخالفة فيكون داخلاً في قوله -تعالى-: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)(الأحزاب: من الآية5) ولأن هذا غاية جهده فيكون داخلاً في قوله -تعالى-: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)(البقرة: من الآية286) قال في المغني 8/131: "وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك -يعني يكون كافراً- وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم، وفعلهم ذلك متقربين إلى الله -تعالى- إلى أن قال: وقد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة ومن بعدهم واستحلال دمائهم، وأموالهم، واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى ربهم، ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم لتأويلهم، وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا)) . وفي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/30 مجموع ابن القاسم: ((وبدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب)) وفي ص210 منه ((فإن الخوارج خالفوا السنة التي أمر القرآن باتباعها، وكفروا المؤمنين الذين أمر القرآن بموالاتهم .. وصاروا يتبعون المتشابه من القرآن فيتأولونه على غير تأويله من غير معرفة منهم بمعناه ولا رسوخ في العلم، ولا اتباع للسنة، ولا مراجعة لجماعة المسلمين الذين يفهمون القرآن)) . وقال أيضاً 28/518 من المجموع المذكور: "فإن الأئمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم، وإنما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين" . لكنه ذكر في 7/217 ((أنه لم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع)) . وفي 28/518 ((أن هذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره)) . وفي 3/282 قال: (( والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، ولم يكفرهم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا لأنهم كفار . ولهذا لم يسب حريمهم ولم يغنم أموالهم، وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص، والإجماع، لم يكفروا مع أمر الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟! فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن يكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضاً، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعاً جهال بحقائق ما يختلفون فيه)) . إلى أن قال: ((وإذا كان المسلم متأولاً في القتال، أو التكفير لم يكفر بذلك" . إلى أن قال :((وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله هل يثبت حكمه في حق العبيد قبل البلاغ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره . والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله -تعالى-: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(الإسراء: من الآية15) وقوله: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(النساء: من الآية165) وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين منذرين)) .
والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، والاعتبار، وأقوال أهل العلم .
***
س68: ما حكم من حكم بغير ما أنزل الله؟
الجواب: أقول وبالله -تعالى- التوفيق، أقول وأسأله الهداية والصواب: إن الحكم بما أنزل الله -تعالى- من توحيد الربوبية، لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته، وكمال ملكه وتصرفه، ولهذا سمى الله -تعالى- المتبوعين في ما أنزل الله -تعالى- أرباباً لمتبعيهم فقال -سبحانه-: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). (التوبة:31) فسمى الله -تعالى- المتبوعين أرباباً حيث جعلوا مشرعين مع الله -تعالى- وسمى المتبعين عباداً حيث إنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم الله -سبحانه وتعالى- .
وقد قال عدي بن حاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم لم يعبدوهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بل إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم))86 .
إذا فهمت ذلك فاعلم أن من لم يحكم بما أنزل الله، وأراد أن يكون التحاكم إلى غير الله ورسوله وردت فيه آيات بنفي الإيمان عنه، وآيات بكفره وظلمه، وفسقه .
فأما القسم الأول:
فمثل قوله -تعالى-: ( تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (60) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (61) (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً) (62) (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (63) (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (64)(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:60،65) .
فوصف الله -تعالى- هؤلاء المدعين للإيمان وهم منافقون بصفات:
الأولى: أنهم يريدون أن يكون التحاكم إلى الطاغوت، وه وكل ما خالف حكم الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم، لأن ما خالف حكم الله ورسوله فهو طغيان واعتداء على حكم من له الحكم وإليه يرجع الأمر كله وهو الله قال الله -تعالى-: ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(لأعراف: من الآية54) .
الثانية: أنهم إذا دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدوا وأعرضوا .
الثالثة: أنهم إذا أصيبوا بمصيبة بما قدمت أيديهم، ومنها أن يعثر على صنيعهم جاءوا يحلفون أنهم ما أرادوا إلا الإحسان والتوفيق، كحال من يرفض اليوم أحكام الإسلام ويحكم بالقوانين المخالفة لها زعماً منه أن ذلك هو الإحسان الموافق لأحوال العصر .
ثم حذر -سبحانه- هؤلاء المدعين للإيمان المتصفين بتلك الصفات بأنه -سبحانه- يعلم ما في قلوبهم وما يكنونه من أمور تخالف ما يقولون، وأمر نبيه أن يعظهم ويقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً، ثم بين أن الحكمة من إرسال الرسول أن يكون هو المطاع المتبوع لا غيره من الناس مهما قويت أفكارهم واتسعت مداركهم، ثم أقسم -تعالى- بربوبيته لرسوله التي هي أخص أنواع الربوبية والتي تتضمن الإشارة إلى صحة رسالته، صلى الله عليه وسلم، أقسم بها قسماً مؤكداً أنه لا يصلح الإيمان إلا بثلاثة أمور:
الأول: أن يكون التحاكم في كل نزاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الثاني: أن تنشرح الصدور بحكمه، ولا يكون في النفوس حرج وضيق منه .
الثالث: أن يحصل التسليم التام بقبول ما حكم به وتنفيذه بدون توان أو انحراف .
وأما القسم الثاني: فمثل قوله -تعالى-: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(44) وقوله: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(45) وقوله: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(المائدة: 45،47) وهل هذه الأوصاف الثلاثة تتنزل على موصوف واحد؟ بمعنى أن كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، ظالم، فاسق، لأن الله -تعالى- وصف الكافرين بالظلم والفسق فقال -تعالى-: ( وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(البقرة: من الآية254) وقال -تعالى-: ( إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)(التوبة: من الآية84) فكل كافر ظالم فاسق، أو هذه الأوصاف تتنزل على موصوفين بحسب الحامل لهم على عدم الحكم بما أنزل الله؟ هذا هو الأقرب عندي والله أعلم .
فنقول: من لم يحكم بما أنزل اله استخفافاً به، أو احتقاراً له، أو اعتقاداً أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وه ويعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه .
ومن لم يحكم بما أنزل الله وهو لم يستخف به، ولم يحتقره، ولم يعتقد أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق، وإنما حكم بغيره تسلطاً على المحكوم عليه، أو انتقاماً منه لنفسه أو نحو ذلك، فهذا ظالم وليس بكافر وتختلف مراتب ظلمه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم .
ومن لم يحكم بما أنزل الله لا استخفافاً بحكم الله، ولا احتقاراً، ولا اعتقاداً أن غيره أصلح، وأنفع للخلق، وإنما حكم بغيره محاباة للمحكوم له، أو مراعاة لرشوة أو غيرها من عرض الدنيا فهذا فاسق، وليس بكافر وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم ه ووسائل الحكم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فيمن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أنهم على وجهين:
أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل ويعتقدون تحليل ما حرم، وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركاً .
الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحرام، وتحريم الحلال -كذا العبارة المنقولة عنه- ثابتاً لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب .
***
س69: ما حكم الذبح تقرباً لغير الله؟ وهل يجوز الأكل من تلك الذبيحة؟
الجواب: الذبح لغير الله شرك أكبر لأن الذبح عبادة كما أمر به في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2) وقوله سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:163) فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركاً مخرجاً عن الملة -والعياذ بالله- سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة، أو لرسول من الرسل، أو لنبي من الأنبياء، أو لخليفة من الخلفاء، أو لولي من الأولياء، أو لعالم من العلماء فكل ذلك شرك بالله -عز وجل- ومخرج عن الملة والواجب على المرء أن يتقي الله في نفسه، وأن لا يوقع نفسه في ذلك الشرك الذي قال الله فيه: ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة: من الآية72) .
وأما الأكل من لحوم هذه الذبائح فإنه محرم لأنها أهل لغير الله بها وكل شيء أهل لغير الله به، أو ذبح على النصب فإنه محرم كما ذكر الله ذلك في سورة المائدة في قوله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)(المائدة: من الآية3) فهذه الذبائح التي ذبحت لغير الله من قسم المحرمات لا يحل أكلها .
***
س70: ما حكم من يمزح بكلام فيه استهزاء بالله أو الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الدين؟
الجواب: هذا العمل وهو الاستهزاء بالله أو رسوله صلى الله عليه وسلم، أو كتابه أو دينه ولو كان على سبيل المزح، ولو كان على سبيل إضحاك القوم كفر ونفاق، وهو نفس الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم،في الذين قالوا: ((ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء)) . يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه القراء فنزلت فيهم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ)(التوبة: من الآية65) لأنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون إنما كنا نتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لهم ما أمره الله به: (ْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون)(65) (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )(التوبة: 65،66) فجانب الربوبية، والرسالة والوحي، والدين جانب محترم، لا يجوز لأحد أن يعبث فيه لا باستهزاء بإضحاك، ولا بسخرية فإن فعل فإنه كافر، لأنه يدل على استهانته بالله -عز وجل- ورسله وكتبه، وشرعه، وعلى من فعل هذا أن يتوب إلى الله -عز وجل- مما صنع، لأن هذا من النفاق فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر، ويصلح عمله، ويجعل في قلبه خشية الله -عز وجل- وتعظيمه وخوفه ومحبته . والله ولي التوفيق .
***
س71: ما حكم دعاء أصحاب القبور؟
الجواب: الدعاء ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: دعاء عبادة، ومثاله الصلاة، والصوم وغير ذلك من العبادات، فإذا صلى الإنسان، أو صام فقد دعا ربه بلسان الحال أن يغفر له، وأن يجيره من عذابه، وأن يعطيه من نواله، ويدل لهذا قوله -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر:60) فجعل الدعاء عبادة، فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله فقد كفر كفراً مخرجاً عن الملة، فلو ركع الإنسان أو سجد لشيء يعظمه كتعظيم الله في هذا الركوع أو السجود لكان مشركاً خارجاً عن الإسلام، ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم، من الانحناء عند الملاقاة سداً لذريعة الشرك فسئل عن الرجل يلقى أخاه أينحني له؟ قال: ((لا)) . وما يفعله بعض الجهال إذا سلم عليك انحنى لك خطأ ويجب عليك أن تبين له ذلك وتنهاه عنه .
القسم الثاني: دعاء المسألة، وهذا ليس كله شركاً بل فيه تفصيل:
أولاً: إن كان المدعو حياً قادراً على ذلك فليس بشرك، كقولك اسقني ماء لمن يستطيع ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: ((من دعاكم فأجيبوه))87 قال -تعالى-: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ)(النساء: من الآية8) فإن مد الفقير يده وقال ارزقني أي: أعطني فهو جائز كما قال -تعالى-: (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) .
ثانياً: إن كان المدعو ميتاً فإن دعاءه شرك مخرج عن الملة .
ومع الأسف أن في بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن فلاناً لمقبور الذي بقي جثة أو أكلته الأرض ينفع أو يضر، أو يأتي بالنسل لمن لا يولد له، وهذا -والعياذ بالله- شرك أكبر مخرج عن الملة، وإقرار هذا أشد من إقرار شرب الخمر، والزنا، واللواط، لأنه إقرار على كفر، وليس إقراراً على فسوق فقط فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين .
***
س:72: رجل يستغيث بغير الله ويزعم أنه ولي الله فما علامات الولاية؟
الجواب: علامات الولاية بينها الله -عز وجل- في قوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (62) (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس:62،63) فهذه علامات الولاية: الإيمان بالله، وتقوى الله -عز وجل- "فمن كان مؤمناً تقياً، كان لله ولياً" . أما من أشرك به فليس بولي لله بل هو عدو لله كما قال تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة:98) فأي إنسان يدعو غير الله، أو يستغيث بغير الله بما لا يقدر عليه إلا الله -عز وجل- فإنه مشرك كافر، وليس بواي لله ولو ادعى ذلك، بل دعواه أنه ولي مع عدم توحيده وإيمانه وتقواه دعوى كاذبة تنافي الولاية .
ونصيحتي لإخواني المسلمين في هذه الأمور أن لا يغتروا بهؤلاء، وأن يكون مرجعهم في ذلك إلى كتاب الله، وإلى ما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يكون رجاؤهم، وتوكلهم، واعتمادهم على الله وحده، وحتى يؤمنوا بذلك لأنفسهم استقراراً وطمأنينة، وحتى يحفظوا بذلك أموالهم أن يبتزها هؤلاء المخرفون، كما أن في لزوم ما دل عليه الكتاب والسنة في مثل هذه الأمور في ذلك إبعاد لهؤلاء عن الاغترار بأنفسهم، هؤلاء الذين يدعون أنفسهم أحياناً أسياداً، وأحياناً أولياء، ولو فكرت أو تأملت ما هم عليه لوجدت فيهم بعداً عن الولاية والسيادة، ولكنك تجد الولي حقيقة أبعد الناس أن يدعو لنفسه وأن يحيطها بهالة من التعظيم والتبجيل وما أشبه ذلك، تجده مؤمناً، تقياً، خفياً لا يظهر نفسه، ولا يحب الإشهار، ولا يحب لأن يتجه الناس إليه، أو أن يتعلقوا به خوفاً أو رجاءً . فمجرد كون الإنسان يريد من الناس أن يعظموه، ويحترموه، ويبجلوه، ويكون مرجعاً لهم، ومتعلقاً لهم، هذا في الحقيقة ينافي التقوى وينافي الولاية، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيمن طلب العلم ليماري به السفهاء، أو يجاري به العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه فعليه كذا وكذا من الوعيد، فالشاهد في قوله: (( ليصرف وجوه الناس إليه))88 فهؤلاء الذي يدعون الولاية ويحاولون أن يصرفوا وجوه الناس إليهم هم أبعد الناس عن الولاية .
فنصيحتي لإخواني المسلمين أن لا يغتروا بهؤلاء وأمثالهم وأن يرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يعلقوا آمالهم ورجاءهم بالله وحده .
***
س73: ما هو السحر وما حكم تعلمه؟
الجواب: السحر قال العلماء هو في اللغة ((عبارة عن كل ما لطف وخفي سببه)) بحيث يكون له تأثير خفي لا يطلع عليه الناس، وهو بهذا المعنى يشمل التنجيم، والكهانة، بل إنه يشمل التأثير بالبيان والفصاحة كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إن من البيان لسحراً))89 فكل شيء له أثر بطريق خفي فهو من السحر .
وأما في الاصطلاح فعرفه بعضهم بأنه: ((عزائم ورقى وعقد تؤثر في القلوب، والعقول، والأبدان، فتسلب العقل، وتوجد الحب والبغض فتفرق بين المرء وزوجه، وتمرض البدن، وتسلب تفكيره)) .
وتعلم السحر محرم بل هو كفر إذا كانت وسيلته الإشراك بالشياطين قال الله -تبارك وتعالى-: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)(البقرة: من الآية102) فتعلم هذا النوع من السحر -وهو الذي يكون بواسطة الإشراك بالشياطين- كفر، واستعماله أيضاً كفر وظلم وعدوان على الخلق، ولهذا يقتل الساحر إما ردة وإما حداً، فإن كان سحره على وجه يكفر به فإنه يقتل ردة وكفراً، وإن كان سحره لا يصل إلى درجة الكفر فإنه يقتل حداً دفعاً لشره وأذاه على المسلمين .
***
س74: ما حكم التوفيق بين الزوجين بالسحر؟
الجواب: هذا محرم ولا يجوز، وهذا يسمى بالعطف، وما يحصل به التفريق يسمى بالصرف وهو أيضاً محرم، وقد يكون كفراً وشركاً، قال الله تعالى: ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ )(البقرة: من الآية102) .
***
س75: ما هي الكهانة؟ وما حكم إتيان الكهان؟
الجواب: الكهانة فعالة مأخوذة من التكهن، وهو التخرص والتماس الحقيقة بأمور لا أساس لها، وكانت في الجاهلية صنعة لأقوام تتصل بهم الشياطين وتسترق السمع من السماء وتحدثهم به، ثم يأخذون الكلمة التي نقلت إليهم من السماء بواسطة هؤلاء الشياطين ويضيفون إليها ما يضيفون من القول، ثم يحدثون بها الناس، فإذا وقع الشيء مطابقاً لما قالوا اغتر بهم الناس واتخذوهم مرجعاً في الحكم بينهم، وفي استنتاج ما يكون في المستقبل، ولهذا نقول: الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل .
والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، أو أربعين ليلة))90 .
القسم الثاني: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفر بالله -عز وجل- لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب، وتصديق البشر في دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله -تعالى-: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) (النمل: من الآية 65) ولهذا جاء في الحديث الصحيح: ((من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))91 .
القسم الثالث: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس، وأنها كهانة وتمويه وتضليل، فهذا لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه ابن صياد، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه فسأله النبي صلى الله عليه وسلم، ماذا خبأ له؟ فقال: الدخ -يريد الدخان- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اخسأ فلن تعدو قدرك))92 هذه أحوال من يأتي إلى الكاهن ثلاثة .
الأولى: أن يأتي فيسأله بدون أن يصدقه، وبدون أن يقصد بيان حاله فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين ليلة .
الثانية: أن يسأله فيصدقه وهذا كفر بالله -عز وجل- على الإنسان أن يتوب منه ويرجع إلى الله -عز وجل- وإلا مات على الكفر .
الثالثة: أن يأتيه فيسأله ليمتحنه ويبين حاله للناس فهذا لا بأس به .
***
س76: ما حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء؟
الجواب: حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء أن يقال اتصال الرياء على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس من الأصل كمن قام يصلي لله مراءاة الناس من أجل أن يمدحه الناس على صلاته فهذا مبطل للعبادة .
الوجه الثاني: أن يكون مشاركاً للعبادة في أثنائها: بمعنى أن يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص لله، ثم طرأ الرياء في أثناء العبادة، فهذه العبادة لا تخلو من حالين:
الحال الأولى: أن لا يرتبط أول العبادة بآخرها فأولها صحيح بكل حال، وآخرها باطل .
مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال يريد أن يتصدق بها فتصدق بخمسين منها صدقة خالصة، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية فالأولى صدقة صحيحة مقبولة، والخمسون الباقية صدقة باطلة لاختلاط الرياء فيها بالإخلاص .
الحال الثانية: أن يرتبط أول العبادة بآخرها فلا يخلو الإنسان حينئذ من أمرين:
الأمر الأول: أن يدافع الرياء ولا يسكن إليه بل يعرض عنه ويكرهه، فإنه لا يؤثر شيئاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم))93 .
الأمر الثاني: أن يطمئن إلى هذا الرياء ولا يدافعه، فحينئذ تبطل جميع العبادة لأن أولها مرتبط بآخرها . مثال ذلك أن يبتدئ الصلاة مخلصاً بها لله -تعالى- ثم يطرأ عليها الرياء في الركعة الثانية فتبطل الصلاة كلها لارتباط أولها بآخرها .
الوجه الثالث: أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة فإنه لا يؤثر عليها ولا يبطلها لأنها تمت صحيحة فلا تفسد بحدوث الرياء بعد ذلك .
وليس من الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته، لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة، وليس من الرياء أن يسر الإنسان بفعل الطاعة، لأن ذلك دليل إيمانه قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك مؤمن))94 وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن95 .
***
س77: ما حكم الحلف بالمصحف؟
الجواب: هذا السؤال ينبغي أن نبسط الجواب فيه وذلك أن القسم بالشيء يدل على تعظيم ذلك المقسم به تعظيماً خاصاً لدى المقسم، ولهذا لا يجوز لأحد أن يحلف إلا بالله -تعالى- بأحد أسمائه، أو بصفة من صفاته، مثل أن يقول والله لأفعلن، ورب الكعبة لأفعلن، وعزة الله لأفعلن، وما أشبه ذلك من صفات الله -تعالى- .
والمصحف يتضمن كلام الله، وكلام الله -تعالى- من صفاته وهو -أعني بكلام الله- صفة ذاتية فعلية، لأنه بالنظر إلى أصله وأن الله لم يزل ولا يزال موصوفاً به لأن الكلام كمال فهو من هذه الناحية من صفات الله الذاتية إذ لم يزل ولا يزال متكلماً فعالاً لما يريده، وبالنظر إلى آحاده يكون من الصفات الفعلية لأنه يتكلم متى شاء قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّـس:82) فقرن القول بالإرادة وهو دليل على أن كلام الله يتعلق بإرادته ومشيئته -سبحانه وتعالى- والنصوص في هذا متضافرة كثيرة، وأن كلام الله تحدث آحاده حسب ما تقتضيه حكمته، وبهذا نعرف بطلان قول من يقول إن كلام الله أزلي، ولا يمكن أن يكون تابعاً لمشيئته، وأنه هو المعنى القائم بنفسه، وليس هو الشيء المسموع الذي يسمعه من يكلمه الله -عز وجل- فإن هذا قول باطل، حقيقته أن قائله جعل كلام الله المسموع مخلوقاً .
وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كتاباً يعرف باسم "التسعينية" بين فيه بطلان هذا القول من تسعين وجهاً .
فإذا كان المصحف يتضمن كلام الله، وكلام الله -تعالى- من صفاته فإنه يجوز الحلف بالمصحف، بأن يقول الإنسان والمصحف ويقصد ما فيه من كلام الله -عز وجل- وقد نص على ذلك كفقهاء الحنابلة -رحمهم الله- ومع هذا فإن الأولى للإنسان أن يحلف بما لا يشوش على السامعين بأن يحلف باسم الله -عز وجل- فيقول والله ورب الكعبة، أو والذي نفسي بيده وما أشبه ذلك من الأشياء التي لا تستنكرها العامة، ولا يحصل لديهم فيها تشويش، فإن تحديث الناس بما يعرفون وتطمئن إليه قلوبهم خير وأولى، وإذا كان الحلف إنما يكون بالله وأسمائه وصفاته فإنه لا يجوز أن يحلف أحد بغير الله لا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بجبريل، ولا بالكعبة، ولا بغير ذلك من المخلوقات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت))96 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( من خلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))97 . فإذا سمع الإنسان شخصاً يحلف بالنبي، أو بحياة النبي، أو بحياة شخص آخر فلينهه عن ذلك، وليبين له أن هذا حرام ولا يجوز، ولكن ليكن نهيه وبيانه على وفق الحكمة حيث يكون باللطف واللين والإقبال على الشخص وهو يريد نصحه وانتشاله من هذا المحرم، لأن بعض الناس تأخذه الغيرة عند الأمر والنهي فيغضب ويحمر وجهه وتنتفخ أوداجه، وربما يشعر في هذه الحال أنه ينهاه انتقاماً لنفسه فيلقي الشيطان في نفسه هذه العلة، ولو أن الإنسان أنزل الناس منازلهم ودعا إلى الله بالحكمة واللين والرفق لكان ذلك أقرب إلى القبول وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف))98 ولا يخفى على الكثير ما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم، في قصة الأعرابي الذي جاء إلى المسجد فبال في طائفة منه فزجره الناس، وصاحوا به، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فلما قضى بوله دعاه النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: ((إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو الذر، وإنما هي للتكبير والتسبيح وقراءة القرآن))99 أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ثم أمر أصحابه أن يصبوا على البول ذنوباً من ماء، فبهذا زالت المفسدة وطهر المكان، وحصل المقصود بالنسبة لنصيحة الأعرابي الجاهل، وهكذا ينبغي لنا نحن في دعوة عباد الله إلى دين الله أن نكون داعين إلى الله -سبحانه وتعالى- فنسلك الطريق التي تكون أقرب إلى إيصال الحق إلى قلوب الخلق وإصلاحهم، والله الموفق .
***
س78: ما حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، والكعبة؟ والشرف والذمة؟ وقول الإنسان ((بذمتي))؟
الجواب: الحلف بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يجوز بل هو نوع من الشرك، وكذلك الحلف بالكعبة لا يجوز بل نوع من الشرك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، والكعبة كلاهما مخلوقان، والحلف بأي مخلوق نوع من الشرك .
وكذلك الحلف بالشرف لا يجوز، وكذلك الحلف بالذمة لا يجوز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))100 وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت))101 .
لكن يجب أن نعلم أن قول الإنسان ((بذمتي))لا يراد به الحلف ولا القسم بالذمة، وإنما يراد بالذمة العهد، يعني هذا على عهدي ومسئوليتي هذا هو المراد بها، أما إذا أراد بها القسم فهي قسم بغير الله فلا يجوز، لكن الذي يظهر لي أن الناس لا يريدون بها القسم إنما يريدون بالذمة العهد، والذمة بمعنى العهد .
***
س79: ما حكم من يعبد القبور بالطواف حولها ودعاء أصحابها والنذر لهم إلى غير ذلك من أنواع العبادة؟
الجواب: هذا السؤال سؤال عظيم، وجوابه يحتاج إلى بسط بعون الله -عز وجل- فنقول: إن أصحاب القبور ينقسمون إلى قسمين:
القسم الأول: قسم توفي على الإسلام ويثني الناس عليه خيراً فهذا يرجى له الخير، ولكنه مفتقر إلى إخوانه المسلمين يدعون الله له بالمغفرة والرحمة، وهو داخل في عموم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10) وهو بنفسه لا ينفع أحداً إذ أنه ميت جثة لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الضر ولا عن غيره، ولا أن يجلب لنفسه النفع ولا لغيره فهو محتاج إلى نفع إخوانه غير نافع لهم .
القسم الثاني من أصحاب القبور: من أفعاله تؤدي إلى فسقه الفسق المخرج من الملة كأولئك الذين يدعون أنهم أولياء، ويعلمون الغيب ويشفون من المرض، ويجلبون الخير والنفع بأسباب غير معلومة حساً ولا شرعاً، فهؤلاء الذين ماتوا على الكفر، لا يجوز الدعاء لهم ولا الترحم عليهم لقول الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (113) (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة:113،114) وهم لا ينفعون أحداً ولا يضرونه ولا يجوز لأحد أن يتعلق بهم، وإن قدر أن أحداً رأى كرامات لهم مثل أن يتراءى له أن في قبورهم نوراً أو أنه يخرج منها رائحة طيبة، أو ما أشبه ذلك، وهم معروفون بأنهم ماتوا على الكفر فإن هذا من خداع إبليس وغروره، ليفتن هؤلاء بأصحاب هذه القبور .
وإنني أحذر إخواني المسلمين من أن يتعلقوا بأحد سوى الله -عز وجل- فإنه -سبحانه وتعالى- هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله، ولا يجيب دعوة المضطر إلا الله، ولا يكشف السوء إلا الله، قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) (النحل:53) ونصيحتي لهم أيضاً أن لا يقلدوا في دينهم ولا يتبعوا أحداً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقول الله تعالى:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21) ولقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ).(آل عمران: من الآية31) .
ويجب على جميع المسلمين أن يزنوا أعمال من يدعي الولاية بما جاء في الكتاب والسنة فإن وافق الكتاب والسنة فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله، وإن خالف الكتاب والسنة فليس من أولياء الله وقد ذكر الله في كتابه ميزاناً قسطاً عدلاً في معرفة أولياء الله حيث قال: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس:62) فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً، ومن لم يكن كذلك فليس بولي لله، وإن كان معه بعض الإيمان والتقوى كان فيه شيء من الولاية، ومع ذلك فإننا لا نجزم لشخص بعينه بشيء، ولكننا نقول على سبيل العموم كل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً .
وليعلم أن الله -عز وجل- قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور فقد يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه، أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه ويكون ذلك فتنة من الله -عز وجل- لهذا الرجل لأننا نعلم أن هذا القبر لا يجيب الدعاء وأن هذا التراب لا يكون سبباً لزوال ضرر أو جلب نفع، نعم ذلك لقول الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (الاحقاف:5) (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) (الاحقاف:6) وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) .(النحل:20) (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النحل:21) والآيات في هذا المعنى كثيرة تدل على أن كل من دعي من دون الله فلن يستجيب الدعاء ولن ينفع الداعي، ولكن قد يحصل المطلوب المدعو به عند دعاء غير الله فتنة وامتحاناً ونقول: إنه حصل هذا الشيء عند الدعاء -أي عند دعاء هذا الذي دعي من دون الله -لا بدعائه وفرق بين حصول الشيء بالشيء، وبين حصول الشيء عند الشيء، فإننا نعلم علم اليقين أن دعاء غير الله ليس سبباً لجلب النفع، أو دفع الضرر، بالآيات الكثيرة التي ذكرها الله -عز وجل- في كتابه ولكن قد يحصل الشيء عند هذا الدعاء فتنة وامتحاناً، والله تعالى قد يبتلي الإنسان بأسباب المعصية ليعلم -سبحانه وتعالى- من كان عبداً لله، ومن كان عبداً لهواه، ألا ترى إلى أصحاب السبت من اليهود حيث حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان في يوم السبت فابتلاهم الله -عز وجل- فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة عظيمة، وفي غير يوم السبت تختفي، فطال عليهم الأمد، وقالوا كيف نحرم أنفسنا هذه الحيتان، ثم فكروا وقدروا ونظروا فقالوا: نجعل شبكة ونضعها يوم الجمعة، ونأخذ الحيتان منها يوم الأحد، فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله فقلبهم الله قردة خاسئين قال الله تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (لأعراف:163) وقال -عز وجل-: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (البقرة:65) (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:66) فانظر كيف يسر الله لهم هذه الحيتان في اليوم الذي منعوا من صيدها فيه، ولكنهم -والعياذ بالله- لم يصبروا فقاموا بهذه الحيلة على محارم الله .
ثم انظر إلى ما حصل لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ابتلاهم الله وهم محرمون بالصيود المحرمة على المحرم فكانت في متناول أيديهم ولكنهم -رضي الله عنهم- لم يجرؤوا على شيء منها، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المائدة:94) كانت الصيود في متناول أيديهم يمسكون الصيد العادي باليد، وينالون الصيد الطائر بالرماح فيسهل عليهم جداً، ولكنهم -رضي الله عنهم- خافوا الله -عز وجل- فلم يقدموا على أخذ شيء من الصيود .
وهكذا يجب على المرء إذا هيئت له أسباب الفعل المحرم أن يتقي الله -عز وجل- وأن لا يقدم على فعل هذا المحرم، وأن يعلم أن تيسير أسبابه من باب الابتلاء والامتحان فليحجم وليصبر فإن العاقبة للمتقين .
***
س80: كيف نجيب عباد القبور الذين يحتجون بدفن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي؟
الجواب عن ذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن المسجد لم يبن على القبر بل بنبي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .
الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد حتى يقال إن هذا من دفن الصالحين في المسجد، بل دفن صلى الله عليه وسلم في بيته .
الوجه الثالث: أن إدخال بيوت الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها بيت عائشة مع المسجد ليس باتفاق الصحابة، بل بعد أن انقرض أكثرهم، وذلك في عام أربعة وتسعين هجرية تقريباً فليس مما أجازه الصحابة، بل إن بعضهم خالف في ذلك، وممن خالف أيضاً سعيد بن المسيب .
الوجه الرابع: أن القبر ليس في المسجد حتى بعد إدخاله، لأنه في حجرة مستقلة عن المسجد فليس المسجد مبنياً عليه، ولهذا جعل هذا المكان محفوظاً ومحوطاً بثلاثة جدران، وجعل الجدار في زاوية منحرفة عن القبلة أي أنه مثلث، والركن في الزاوية الشمالية حيث لا يستقبله الإنسان إذا صلى لأنه منحرف، وبهذا يبطل احتجاج أهل القبور بهذه الشبهة .
***
س81: ما حكم البناء على القبور؟
الجواب: البناء على القبور محرم وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، لما فيه من تعظيم أهل القبور، وكونه وسيلة وذريعة إلى أن تعبد هذه القبور وتتخذ آلهة مع الله، كما هو الشأن في كثير من الأبنية التي بنيت على القبور، فأصبح الناس يشركون بأصحاب هذه القبور، ويدعونها مع الله تعالى، ودعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم لكشف الكربات شرك أكبر وردة عن الإسلام . والله المستعان .
***
س82: ما حكم دفن الموتى في المساجد؟
الجواب: الدفن في المساجد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور، ولعن من اتخذ ذلك وهو في سياق الموت يحذر أمته ويذكر صلى الله عليه وسلم أن هذا من فعل اليهود والنصارى102 ، ولأن هذا وسيلة إلى الشرك بالله -عز وجل- لأن إقامة المساجد على القبور ودفن الموتى فيها وسيلة إلى الشرك بالله -عز وجل- في أصحاب هذه القبور فيعتقد الناس أن أصحاب هذه القبور المدفونين في المساجد ينفعون أو يضرون، أو أن لهم خاصية تستوجب أن يتقرب إليهم بالطاعات من دون الله -سبحانه وتعالى- فيجب على المسلمين أن يحذروا من هذه الظاهرة الخطيرة وأن تكون المساجد خالية من القبور مؤسسة على التوحيد والعقيدة الصحيحة قال الله -تعالى-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجـن:18) فيجب أن تكون المساجد لله -سبحانه وتعالى- خالية من مظاهر الشرك تؤدى فيها عبادة الله وحده لا شريك له هذا هو واجب المسلمين . والله الموفق .
***
س83: ما حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: شد الرحال إلى زيارة القبور أياً كانت هذه القبور لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))103 والمقصود بهذا أنه لا تشد الرحال إلى أي مكان في الأرض لقصد العبادة بهذا الشد، لأن الأمكنة التي تخصص بشد الرحال هي المساجد الثلاثة فقط، وما عداها من الأمكنة لا تشد إليها الرحال، فقبر النبي صلى الله عليه وسلم، لا تشد الرحال إليه وإنما تشد الرحال إلى مسجده فإذا وصل المسجد فإن الرجال يسن لهم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما النساء فلا يسن لهن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، والله الموفق .
***
س84: ما حكم التبرك بالقبور والطواف حولها بقصد قضاء حاجة أو تقرب وعن حكم الحلف بغير الله؟
الجواب: التبرك بالقبور حرام ونوع من الشرك، وذلك لأنه إثبات تأثير شيء لم ينزل الله به سلطانأً، ولم يكن من عادة السلف الصالح أن يفعلوا مثل هذا التبرك، فيكون من هذه الناحية بدعة أيضاً، وإذا اعتقد المتبرك أن لصاحب القبر تأثيراً أو قدرة على دفع الضرر أو جلب النفع كان ذلك شركاً أكبر إذا دعاه لجلب المنفعة أو دفع المضرة . وكذلك يكون من الشرك الأكبر إذا تعبد لصاحب القبر بركوع أو سجود، أو ذبح تقرباً له وتعظيماً له، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (المؤمنون:117) وقال تعالى: ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية110) والمشرك شركاً أكبر كافر مخلد في النار، والجنة عليه حرام لقوله تعالى: ( مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة: من الآية72) .
وأما الحلف بغير الله فإن كان الحالف يعتقد أن للمحلوف به منزلة مثل الله تعالى فهو مشرك شركاً أكبر، وإن كان لا يعتقد ذلك ولكن كان في قلبه من تعظيم المحلوف به ما حمله على أن يحلف به دون أن يعتقد أن له منزلة مثل منزلة الله فهو مشرك شركاً أصغر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))104 .
ويجب الإنكار على من تبرك بالقبور، أو دعا المقبور، أو حلف بغير الله، وأن يبين له أنه لن ينجيه من عذاب الله قوله:((هذا شيء أخذنا عليه)) فإن هذه الحجة هي حجة المشركين الذين كذبوا الرسل وقالوا: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)(الزخرف: من الآية23) فقال لهم الرسول:( أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)(الزخرف: من الآية24) قال الله -تعالى-: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (الزخرف:25) .
ولا يحل لأحد أن يحتج لباطله بكونه وجد عليه آباءه، أو بكونه عادة له ونحو ذلك، ولو احتج بهذا فحجته داحضة عند الله تعالى لا تنفعه ولا تغني عنه شيئاً . وعلى الذين ابتلوا بمثل هذا أن يتوبوا إلى الله، وأن يتبعوا الحق أينما كان، وممن كان، ومتى كان، وأن لا يمنعهم من قبوله عادات قومهم، أو لوم عوامهم، فإن المؤمن حقاً هو الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يصده عن دين الله عائق .
وفق الله الجميع لما فيه رضاه، وحمانا عما فيه سخطه وعقوبته .
***
س85: ما حكم لبس الثياب التي فيها صورة حيوان أو إنسان؟
الجواب لا يجوز للإنسان أن يلبس ثياباً فيها صورة حيوان أو إنسان، ولا يجوز أيضاً أن يلبس غترة أو شماغاً أو ما أشبه ذلك وفيه صورة إنسان أو حيوان، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أن قال: ((إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة))105 .
ولهذا لا نرى لأحد أن يقتني الصور للذكرى كما يقولون، وأن من عنده صور للذكرى فإن الواجب عليه أن يتلفها، سواء كان قد وضعها على الجدار، أو وضعها في ألبوم، أو في غير ذلك، لأن بقاءها يقضي حرمان أهل البيت من دخول الملائكة بيتهم . وهذا الحديث الذي أشرت إليه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم .
***
س86: ما حكم تعليق الصور على الجدران؟
الجواب: تعليق الصور على الجدران ولا سيما الكبيرة منها حرام، حتى وإن لم يخرج إلا بعض الجسم والرأس، وقصد التعظيم فيها ظاهر، وأصل الشرك هو هذا الغلو كما جاء ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال في أصنام قوم نوح التي يعبدونها إنها كانت أسماء رجال صالحين صوروا صورهم ليتذكروا العبادة، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم106 .
***
س87: ما حكم التصوير بالآلة الفوتوغرافية الفورية؟
الجواب: التقاط الصور بالآلة الفوتوغرافية الفورية التي لا تحتاج إلى عمل بيد فإن هذا لا بأس به، لأنه لا يدخل في التصوير، ولكن يبقى النظر، ما هو الغرض من هذا الالتقاط؟ إذا كان الغرض من هذا الالتقاط هو أن يقتنيها الإنسان ولو للذكرى صار ذلك الالتقاط حراماً، وذلك لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، واقتناء الصور للذكرى محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أخبر أن ((الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة))107 وهذا يدل على تحريم اقتناء الصور في البيوت، وأما تعليق الصور على الجدران فإنه محرم ولا يجوز والملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة .
***
س88: كيف نرد على أهل البدع الذين يستدلون على بدعهم بحديث ((من سن في الإسلام سنة حسنة ...))108 إلخ؟
الجواب: نرد على هؤلاء فنقول إن الذي قال: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها)) هو الذي قال: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))109 وعلى هذا يكون قوله: ((من سن في الإسلام سنة حسنة)) منزلاً على سبب هذا الحديث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة للقوم الذين جاءوا من مضر في حاجة وفاقة، فجاء رجل بصرة من فضة فوضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) وإذا عرفنا سبب الحديث وتنزل المعنى عليه تبين أن المراد بسن السنة سن العمل بها، وليس سن التشريع، لأن التشريع لا يكون إلا لله ورسوله، وأن معنى الحديث من سن سنة أي ابتدأ العمل بها واقتدى الناس به فيها، كان له أجرها وأجر من عمل بها، هذا هو معنى الحديث المتعين، أو يحمل على أن المراد "من سن سنة حسنة" من فعل وسيلة يتوصل بها إلى العبادة واقتدى الناس به فيها، كتأليف الكتب، وتبويب العلم، وبناء المدارس، وما أشبه هذا مما يكون وسيلة لأمر مطلوب شرعاً . فإذا ابتدأ الإنسان هذه الوسيلة المؤدية للمطلوب الشرعي وهي لم ينه عنها بعينها، كان داخلاً في هذا الحديث .
ولو كان معنى الحديث أن الإنسان له أن يشرع ما شاء، لكان الدين الإسلامي لم يكمل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكان لكل أمة شرعة ومنهاجاً، وإذا ظن هذا الذي فعل هذه البدعة أنها حسنة فظنه خاطئ، لأن هذا الظن يكذبه قول الرسول -عليه الصلاة والسلام- ((كل بدعة ضلالة)) .
***
س89: ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي؟
الجواب: أولاً: ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ليست معلومة على الوجه القطعي، بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول، وليست ليلة الثاني عشر منه، وحينئذ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية .
ثانياً: من الناحية الشرعية فالاحتفال لا أصل له أيضاً لأنه لو كان من شرع الله لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، أو بلغه لأمته، ولو فعله أو بلغه لوجب أن يكون محفوظاً لأن الله تعالى يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) فلما لم يكن شيء من ذلك أن نتعبد به لله -عز وجل- ونتقرب به إليه، فإذا كان الله تعالى قد وضع للوصول إليه طريقاً معيناً وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف يسوغ لنا ونحن عباد أن نأتي بطريق من عند أنفسنا يوصلنا إلى الله؟ هذا من الجناية في حق الله -عز وجل- أن نشرع فيدينه ما ليس منه، كما أنه يتضمن تكذيب قول الله -عز وجل-: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)(المائدة: من الآية3) فنقول هذا الاحتفال إن كان من كمال الدين فلا بد أن يكون موجوداً قبل موت الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن لم يكن من كمال الدين فإنه لا يمكن أن يكون من الدين لأن الله تعالى يقول: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)(المائدة: من الآية3) ومن زعم أنه من كمال الدين وقد حدث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن قوله يتضمن تكذيب هذه الآية الكريمة، ولا ريب أن الذين يحتفلون بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام إنما يريدون بذلك تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام، وإظهار محبته وتنشيط الهمم على أن يوجد منهم عاطفة في ذلك الاحتفال للنبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذا من العبادات، محبة الرسول عليه الصلاة والسلام عبادة، بل لا يتم الإيمان حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى الإنسان من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وتعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام من العبادة، كذلك إلهاب العواطف نحو النبي صلى الله عليه وسلم من الدين أيضاً، لما فيه من الميل إلى شريعته، إذن فالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل التقرب على الله وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم عبادة، وإذا كن عبادة فإنه لا يجوز أبداً أن يحدث في دين الله ما ليس منه، فالاحتفال بالمولد بدعة ومحرم، ثم إننا نسمع أنه يوجد في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة ما لا يقره شرع، ولا حس، ولا عقل، فهم يتغنون بالقصائد التي فيها الغلو في الرسول عليه الصلة والسلام، حتى جعلوه أكبر من الله -والعياذ بالله- ومن ذلك أيضاً أننا نسمع من سفاهة بعض المحتفلين أنه إذا تلى التالي قصة المولد ثم وصل إلى قوله ((ولد المصطفى)) قاموا جميعاً قيام رجل واحد يقولون إن روح الرسول صلى الله عليه وسلم حضرت فنقوم إجلالاً لها وهذا سفه، ثم إنه ليس من الأدب أن يقوموا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكره القيام له، وأصحابه وهم أشد الناس حباً له وأشد منا تعظيماً للرسول صلى الله عليه وسلم، لا يقومون له لما يرون من كراهيته لذلك وهو حي فكيف بهذه الخيالات؟
وهذه البدعة -أعني بدعة المولد- حصلت بعد مضي القرون الثلاثة المفضلة، وحصل فيها ما يصحبها من هذه الأمور المنكرة التي تخل بأصل الدين، فضلاً عما يحصل فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المنكرات .
***
س90: ما حكم الاحتفال بما يسمى عيد الأم؟
الجواب: إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعيد بدع حادثة، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضاً، فيكون فيها من البدعة مشابهة أعداء الله -سبحانه وتعالى-، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام، وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع ((يوم الجمعة)) وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة الله -سبحانه وتعالى- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ))110 أي مردود عليه غير مقبول عند الله، وفي لفظ: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))111 وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيد الأم، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد، كإظهار الفرح والسرور، وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به وأن يقتصر على ما حده الله -تعالى- ورسوله، صلى الله عليه وسلم، في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله -تعالى- لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص منه، والذي ينبغي للمسلم أيضاً ألا يكون إمعة يتبع كل ناعق بل ينبغي أن يكون شخصيته بمقتضى شريعة الله -تعالى- حتى يكون متبوعاً لا تابعاً، وحتى يكون أسوة لا متأسياً، لأن شريعة الله -والحمد لله- كاملة من جميع الوجوه كما قال الله -تعالى-: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُم الإسلَامَ دِينَا)(المائدة:الآية3) والأم أحق من أن يحتفى بها يومأً واحداً في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله -عز وجل- في كل زمان ومكان .
***
س91: ما حكم إقامة أعياد الميلاد للأولاد أو بمناسبة الزواج؟
الجواب: ليس في الإسلام أعياد سوى يوم الجمعة عيد الأسبوع، وأول يوم من شوال عيد الفطر من رمضان، والعاشر من شهر ذي الحجة عيد الأضحى وقد يسمى يوم عرفة عيد لأهل عرفة وأيام التشريق أيام عيد تبعاً لعيد الأضحى .
وأما أعياد الميلاد للشخص أو أولاده، أو مناسبة زواج ونحوها فكلها غير مشروعة وهي للبدعة أقرب من الإباحة .
***
س92: شخص سكن في دار فأصابته الأمراض وكثير من المصائب مما جعله يتشاءم هو وأهله من هذه الدار فهل يجوز له تركها لهذا السبب؟
الجواب: ربما يكون بعض المنازل، أو بعض المركوبات، أو بعض الزوجات مشئوماً يجعل الله بحكمته مع مصاحبته، إما ضرراً، أو فوات منفعة، أو نحو ذلك، وعلى هذا فلا بأس ببيع هذا البيت والانتقال إلى بيت غيره، ولعل الله أن يجعل الخير فيما ينتقل إليه، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((الشؤم في ثلاث: الدار، والمرأة، والفرس))112 ، فبعض المركوبات يكون فيها شؤم، وبعض الزوجات يكون فيهن شؤم، وبعض البيوت يكون فيها شؤم، فإذا رأى الإنسان ذلك فليعلم أنه بتقدير الله -عز وجل- وأن الله -سبحانه وتعالى- بحكمه قدر ذلك، لينتقل الإنسان إلى محل آخر . والله أعلم .
***
س93: ما حكم التوسل؟
الجواب: هذا سؤال مهم فنحب أن نبسط الجواب فيه فأقول:
التوسل: مصدر توسل يتوسل، أي اتخذ وسيلة توصله إلى مقصوده، فأصله طلب الوصول إلى الغاية المقصودة
وينقسم التوسل إلى قسمين:
القسم الأول: قسم صحيح، وهو التوسل بالوسيلة الصحيحة الموصلة إلى المطلوب وهو على أنواع نذكر منها:
النوع الأول: التوسل بأسماء الله -تعالى- وذلك على وجهين:
الوجه الأول: أن يكون ذلك على سبيل العموم ومثاله ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في دعاء الهم والغم قال: ((اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، مضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ...))113 الخ . فهنا توسل بأسماء الله -تعالى- على سبيل العموم ((أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك)) .
الوجه الثاني: أن يكون ذلك على سبيل الخصوص بأن يتوسل الإنسان باسم خاص لحاجة خاصة تناسب هذا الاسم، مثل ما جاء في حديث أبي بكر -رضي الله عنه- حيث طلب من النبي صلى الله عليه وسلم، دعاءً يدعو به في صلاته فقال: ((قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم))114 فطلب المغفرة والرحمة وتوسل إلى الله -تعالى- باسمين من أسمائه مناسبين للمطلوب وهما ((الغفور)) و((الرحيم)) .
وهذا النوع من التوسل داخل في قوله -تعالى-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )(لأعراف: من الآية180) فإن الدعاء هنا يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة .
النوع الثاني: التوسل إلى الله -تعالى- بصفاته، وهو أيضاً كالتوسل بأسمائه على وجهين:
الوجه الأول: أن يكون عاماً كأن تقول ((اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا)) ثم تذكر مطلوبك .
الوجه الثاني: أن يكون خاصاً كأن تتوسل إلى الله تعالى بصفة معينة خاصة، لمطلوب خاص، مثل ما جاء في الحديث: "اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي))115 ، فهنا توسل لله -تعالى- بصفة ((العلم)) و((القدرة)) وهما مناسبان للمطلوب .
ومن ذلك أن يتوسل بصفة فعلية مثل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم .
النوع الثالث: أن يتوسل الإنسان إلى الله -عز وجل- بالإيمان به، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول: ((اللهم إني آمنت بك، وبرسولك فاغفر لي أو وفقني))، أو يقول: ((اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا)) ومنه قوله -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (190) (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)(191) إلى قوله: (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (192) )رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) (آل عمران:190،193) فتوسلوا إلى الله -تعالى- بالإيمان به أن يغفر لهم الذنوب، ويكفر عنهم السيئات ويتوفاهم مع الأبرار .
النوع الرابع: أن يتوسل إلى الله -سبحانه وتعالى- بالعمل الصالح، ومنه قصة النفر الثلاثة الذين أووا إلى غار ليبيتوا فيه فانطبق عليهم الغار بصخرة لا يستطيعون زحزحتها، فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح فعله، فأحدهم توسل إلى الله -تعالى- ببره بوالديه، والثاني بعفته التامة، والثالث بوفاءه لأجيره، قال كل منهم: ((اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه)) فانفرجت الصخرة، فهذا توسل إلى الله بالعمل الصالح .
النوع الخامس: أن يتوسل إلى الله -تعالى- بذكر حاله، يعني أن الداعي يتوسل إلى الله -تعالى- بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة، ومنه قول موسى -عليه الصلاة والسلام-: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)(القصص: من الآية24) يتوسل إلى الله -تعالى- بذكر حاله أن ينزل إليه الخير . ويقرب من ذلك قول زكريا -عليه الصلاة والسلام-: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً) (مريم:4) فهذه أنواع من التوسل كلها جائزة لأنها أسباب صالحة لحصول المقصود بالتوسل بها .
النوع السادس: التوسل إلى الله -عز وجل- بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته، فإن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، أن يدعو الله لهم بدعاء عام، ودعاء خاص ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: ((اللهم أغثنا)) ثلاث مرات فما نزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً . وفي الجمعة الأخرى جاء ذلك الرجل أو غيره والنبي صلى الله عليه وسلم، يخطب الناس فقال: يا رسول الله غرق الماء، وتهدم البناء فادع الله أن يمسكها عنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: ((اللهم حوالينا لا علينا)) فما يشير إلى ناحية من السماء إلا انفرجت، حتى خرج الناس يمشون في الشمس116 . وهناك عدة وقائع سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم على وجه الخصوص، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر أن في أمته سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وهم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون ،ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن وقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال: ((أنت منهم))117 فهذا أيضاً من التوسل الجائز وهو أن يطلب الإنسان من شخص ترجى إجابته أن يدعو الله -تعالى- له، إلا أن الذي ينبغي أن يكون السائل يريد بذلك نفع نفسه، ونفع أخيه الذي طلب منه الدعاء، حتى لا يتمحض السؤال لنفسه خاصة، لأنك إذا أردت نفع أخيك ونفع نفسك صار في هذا إحسان إليه، فإن الإنسان إذا دعا لأخيه في ظهر الغيب قال الملك: "آمين ولك بمثل" وهو كذلك يكون من المحسنين بهذا الدعاء والله يحب المحسنين .
القسم الثاني:- التوسل غير الصحيح وهو:
أن يتوسل الإنسان إلى الله -تعالى- بما ليس بوسيلة، أي بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة،لأن التوسل بمثل ذلك من اللغو والباطل المخالف للمعقول، والمنقول، ومن ذلك أن يتوسل الإنسان إلى الله -تعالى- بدعاء ميت يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له، لأن هذا ليس وسيلة شرعية صحيحة، بل من سفه الإنسان أن يطلب من الميت أن يدعو الله له، لأن الميت إذا مات انقطع عمله، ولا يمكن لأحد أن يدعو لأحد بعد موته، حتى النبي صلى الله عليه وسلم، لا يمكن أن يدعو لأحد بعد موته، ولهذا لم يتوسل الصحابة -رضي الله عنهم- إلى الله بطلب الدعاء من رسوله صلى الله عليه وسلم، بعد موته، فإن الناس لما أصابهم الجدب في عهد عمر -رضي الله عنه- قال: ((اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا))118 فقام العباس -رضي الله عنه- فدعا الله -تعالى- . ولو كان طلب الدعاء من الميت سائغاً ووسيلة صحيحة لكان عمر ومن معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن إجابة دعاءه صلى الله عليه وسلم، أقرب من إجابة دعاء العباس -رضي الله عنه- فالمهم أن التوسل إلى الله -تعالى- بطلب الدعاء من ميت توسل باطل لا يحل ولا يجوز .
ومن التوسل الذي ليس بصحيح: أن يتوسل الإنسان بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن جاه الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس مفيداً بالنسبة إلى الداعي، لأنه لا يفيد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، أما بالنسبة للداعي فليس بمفيد حتى يتوسل إلى الله به، وقد تقدم أن التوسل اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر . فما فائدتك أنت من كون الرسول صلى الله عليه وسلم، له جاه عند الله؟! وإذا أردت أن تتوسل إلى الله على وجه صحيح فقل اللهم بإيماني بك وبرسولك، أو بمحبتي لرسولك وما أشبه ذلك فإن هذا الوسيلة الصحيحة النافعة .
***
س94: ما هو الولاء والبراء؟
الجواب: البراء والولاء لله -سبحانه- أن يتبرأ الإنسان من كل ما تبرأ الله منه كما قال -سبحانه وتعالى-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُؤا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً)(الممتحنة: من الآية4) وهذا مع القوم المشركين كما قال -سبحانه-: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)(التوبة: من الآية3) فيجب على كل مؤمن أن يتبرأ من كل مشرك وكافر . فهذا في الأشخاص .
وكذلك يجب على المسلم أن يتبرأ من كل عمل لا يرضي الله ورسوله وإن لم يكن كفراً، كالفسوق والعصيان، كما قال - سبحانه-: ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)(الحجرات: من الآية7) .
وإذا كان مؤمن عنده إيمان وعنده معصية، فنواليه على إيمانه، ونكرهه على معاصيه، وهذا يجري في حياتنا، فقد تأخذ الدواء كريه الطعم وأنت كاره لطعمه، وأنت مع ذلك راغب فيه لأن فيه شفاء من المرض .
وبعض الناس يكره المؤمن العاصي أكثر مما يكره الكافر، وهذا من العجب وهو قلب للحقائق، فالكافر عدو لله ولرسوله وللمؤمنين ويجب علينا أن نكرهه من كل قلوبنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (الممتحنة:1) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) .
هؤلاء الكفار لن يرضوا منك إلا إتباع ملتهم وبيع دينك (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)(البقرة: من الآية120) (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً)(البقرة: من الآية109) وهذا في كل أنواع الكفر: الجحود، والإنكار، والتكذيب، والشرك، الإلحاد .
أما الأعمال فنتبرأ من كل عمل محرم، ولا يجوز لنا أن نألف الأعمال المحرمة ولا أن نأخذ بها، والمؤمن العاصي نتبرأ من عمله بالمعصية، ولكننا نواليه ونحبه على ما معه من الإيمان .
***
س95: ما حكم السفر إلى بلاد الكفار؟ وحكم السفر للسياحة؟
الجواب: السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات .
الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات .
الشرط الثالث: أن يكون محتاجاً إلى ذلك .
فإن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار لما في ذلك من الفتنة أو خوف الفتنة، وفيه إضاعة المال لأن الإنسان ينفق أموالاً كثيرة في هذه الأسفار .
أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك لعلاج، أو تلقي علم لا يوجد في بلده وكان عنده علم ودين على ما وصفنا فهذا لا بأس به.
وأما السفر للسياحة في بلاد الكفار فهذا ليس بحاجة وبإمكانه أن يذهب إلى بلاد إسلامية يحافظ أهلها على شعائر الإسلام، وبلادنا الآن والحمد لله أصبحت بلاداً سياحية في بعض المناطق فبإمكانه أن يذهب إليها ويقضي زمن إجازته فيها .
***
س96: فضيلة الشيخ: شخص يعمل مع الكفار فبماذا تنصحونه؟
الجواب: ننصح هذا الأخ الذي يعمل مع الكفار، أن يطلب عملاً ليس فيه أحد من أعداء الله ورسوله ممن يدينون بغير الإسلام، فإذا تيسر فهذا هو الذي ينبغي، وإن لم يتيسر فلا حرج عليه لأنه في عمله وهم في عملهم، ولكن بشرط أن لا يكون في قلبه مودة لهم ومحبة وموالاة، وأن يلتزم ما جاء به الشرع فيما يتعلق بالسلام عليهم ورد السلام ونحو هذا، وكذلك أيضاً لا يشيع جنائزهم، ولا يحضرها،ولا يشهد أعيادهم، ولا يهنئهم بها مع بذل الاستطاعة في دعوتهم إلى الإسلام .
***
س97: كيف نستفيد مما عند الكفار دون الوقوع في المحظور؟ وهل للمصالح المرسلة دخل في ذلك؟
الجواب: الذي يفعله أعداء الله وأعداؤنا وهم الكفار ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: عبادات .
القسم الثاني: عادات .
القسم الثالث: صناعات وأعمال .
أما العبادات: فمن المعلوم أنه لا يجوز لأي مسلم أن يتشبه بهم في عباداتهم، ومن تشبه بهم في عباداتهم فإنه على خطر عظيم فقد يكون ذلك مؤدياً إلى كفره وخروجه من الإسلام .
وأما العادات: كاللباس وغيره فإنه يحرم أن يتشبه بهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم))119 .
وأما الصناعات والحرف: التي فيها مصالح عامة فلا حرج أن نتعلم مما صنعوه ونستفيد منه، وليس هذا من باب التشبه، ولكنه من باب المشاركة في الأعمال النافعة التي لا يعد من قام بها متشبهاً بهم .
وأما قول السائل: ((وهل للمصالح المرسلة دخل في ذلك؟))منقول إن المصالح المرسلة ، لا ينبغي أن تجعل دليلاً مستقلاً بل نقول هذه المصالح المرسلة إن تحققنا أنها مصلحة فقد شهد لها الشرع بالصحة والقبول وتكون من الشرع، وإن شهد لها بالبطلان فإنها ليست مصالح مرسلة ولو زعم فاعلها أنها مصالح مرسلة . وإن كان لا هذا ولا هذا فإنها ترجع إلى الأصل، إن كانت من العبادات فالأصل في العبادات الحظر، وإن كانت من غير العبادات فالأصل فيها الحل، وبذا يتبين أن المصالح المرسلة ليست دليلاً مستقلاً .
***
س98: ما حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؟
الجواب: استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية أخشى أن يكون من المشاقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث صح عنه كما في صحيح البخاري أنه قال في مرض موته: ((أخرجوا المشركين من جزيرة العرب))120 وفي صحيح مسلم أنه قال: ((لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً))121 .
لكن استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلماً يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يمنحوا إقامة مطلقة .
وحيث قلنا جائز فإنه إن ترتب على استقدامهم مفاسد دينية في العقيدة أو الأخلاق صار حراماً، لأن الجائز إذا ترتب عليه مفسدة صار محرماً تحريم الوسائل كما هو معلوم . ومن المفاسد المترتبة على ذلك ما يخشى من محبتهم والرضا بما هم عليه من الكفر، وذهاب الغيرة الدينية بمخالطتهم . وفي المسلمين -ولله الحمد- خير وكفاية، نسأل الله الهداية والتوفيق .
***
س99: فضيلة الشيخ: يدعي بعض الناس، أن سبب تخلف المسلمين هو تمسكهم بدينهم . وشبهتهم في ذلك، أن الغرب لما تخلوا عن جميع الديانات وتحرروا منها، وصولا إلى وصلوا إليه من التقدم الحضاري، وربما أيدوا شبهتهم بما عند الغرب من الأمطار الكثيرة والزروع فما رأي فضيلتكم؟
الجواب: هذا الكلام لا يصدر إلا من ضعيف الإيمان، أو مفقود الإيمان، جاهل بالتاريخ، غير عالم بأسباب النصر، فالأمة الإسلامية لكما كانت متمسكة بدينها في صدر الإسلام كان لها العزة والتمكين، والقوة، والسيطرة في جميع نواحي الحياة، بل إن بعض الناس يقول: إن الغرب لم يستفيدوا ما استفادوه من العلوم إلا ما نقوله عن المسلمين في صدر الإسلام، ولكن الأمة الإسلامية تخلفت كثيراً عن دينها، وابتدعت في دين الله ما ليس منه، عقيدة، وقولاً، وفعلاً، وحصل بذلك التأخر الكبير، والتخلف الكبير، ونحن نعلم علم اليقين ونشهد الله -عز وجل- إننا لو رجعنا إلى ما كان عليه أسلافنا في ديننا، لكانت لنا العزة، والكرامة، والظهور على جميع الناس . ولهذا لما حدث ((أبو سفيان)) ((هرقل)) ملك الروم -والروم في ذلك الوقت تعتبر دولة عظمى- بما عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه .قال: ((إن كان ما تقول حقاً فسيملك ما تحت قدمي هاتين)) . ولما اخرج أبو سفيان وأصحابه من عند ((هرقل))، قال: ((لقد أمر أمر ابن أبي كبشة إنه ليخافه ملك بني الأصفر)).
وأما ما حصل في الدول الغربية الكافرة الملحدة من التقدم في الصناعات وغيرها، فإن ديننا لا يمنع منه، لو أننا التفتنا إليه، لكن مع الأسف ضيعنا هذا وهذا، ضيعنا ديننا، وضيعنا دنيانا، وإلا فإن الدين الإسلامي لا يعارض هذا التقدم، بل قال الله -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)(لأنفال: من الآية60) وقال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)(الملك: من الآية15) وقال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)(البقرة: من الآية29) إلى غير ذلك من الآيات التي تعلم إعلاناً ظاهراً للإنسان أن يكتسب ويعمل وينتفع، لكن لا على حساب الدين، فهذه الأمم الكافرة هي كافرة من الأصل، دينها الذي كانت تدعيه دينٌ باطلٌ، فهو وإلحادها على حد سواء، لا فرق .فالله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)(آل عمران: من الآية85). وإن كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى لهم بعض المزايا التي يخالفون غيرهم فيها، لكن بالنسبة للآخرة هم وغيرهم سواء، ولهذا أقسم النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لا يسمع به من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يتبع ما جاء به إلا كان من أصحاب النار، فهم في الأصل كافرون، سواء انتسبوا إلى اليهودية، أو النصرانية، أم لم ينتسبوا إليها .
وأما ما يحصل لهم من الأمطار وغيرها فهم يصابون بهذا ابتلاء من الله -تعالى- وامتحاناً، وتعجل لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمر بن الخطاب، وقد رآه قد أثر في جنبه حصير، فبكى عمر . فقال: يا رسول الله فارس والروم يعيشون فيما يعيشون فيه من النعيم، وأنت على هذه الحال . فقال: ((يا عمر هؤلاء قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة))122 . ثم إنهم يأتيهم من القحط، والبلايا، والزلازل، والعواصف المدمرة ما هو معلوم، وينشر دائماً في الإذاعات، وفي الصحف، وفي غيرها، ولكن من وقع السؤال عنه أعمى، أعمى الله بصيرته فلم يعرف الواقع، ولم يعرف حقيقة الأمر، ونصيحتي له أن يتوب إلى الله -عز وجل- عن هذه التصورات قبل أن يفاجئه الموت، وأن يرجع إلى ربه، وأن يعلم أنه لا عزة لنا، ولا كرامة، ولا ظهور، ولا سيادة إلا إذا رجعنا إلى دين الإسلام، رجوعاً حقيقياً يصدقه القول والفعل، وأن يعلم أن ما عليه هؤلاء الكفار باطل ليس بحق، وأن مأواهم النار، كما أخبر الله بذلك في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن هذا الإمداد الذي أمدهم الله به من النعم ما هو إلا ابتلاء وامتحان وتعجيل طيبات، حتى إذا هلكوا وفارقوا هذا النعيم إلى الجحيم ازدادت عليهم الحسرة والألم والحزن، وهذا من حكمة الله -عز وجل- بتنعيم هؤلاء، على أنهم كما قلت لم يسلموا من الكوارث التي تصيبهم من الزلازل، والقحط، والعواصف، والفيضانات وغيرها، فأسأل الله لمن وقع عنه السؤال الهداية والتوفيق، وأن يرده إلى الحق وأن يبصرنا جميعاً في ديننا إنه جواد كريم .
***
س100 يقول بعض الناس إن تصحيح الألفاظ غير مهم مع سلامة القلب، فما توجيه فضيلتكم؟
الجواب: إن أراد بتصحيح الألفاظ إجراءها على اللغة العربية فهذا صحيح فإنه لا يهم -من جهة سلامة العقيدة- أن تكون الألفاظ غير جارية على اللغة العربية ما دام المعنى مفهوماً وسليماً .
أما إذا أراد بتصحيح الألفاظ ترك الألفاظ التي تدل على الكفر والشرك فكلامه غير صحيح بل تصحيحها مهم ولا يمكن أن نقول للإنسان أطلق لسانك في قول كل شيء ما دامت النية صحيحة، بل نقول الكلمات مقيدة بما جاءت به الشريعة الإسلامية .
***
س101: ما حكم عبارة ((أدام الله أيامك)) ؟
الجواب: قول ((أدام الله أيامك)) من الاعتداء في الدعاء لأن دوام الأيام محال مناف لقوله -تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) (الرحمن:26) (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والإكرام) (الرحمن:27) وقوله -تعالى-: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) (الأنبياء:34) .
***
س102: بعض الناس يسأل بوجه الله فيقول: أسألك بوجه الله كذا وكذا فما الحكم في هذا القول؟
الجواب: وجه الله أعظم من أن يسأل به الإنسان شيئاً من الدنيا ويجعل سؤاله بوجه الله -عز وجل- كالوسيلة التي يتوسل بها إلى حصول مقصوده من هذا الرجل الذي توسل إليه بذلك، فلا يقدمن أحد على مثل هذا السؤال، أي لا يقل وجه الله عليك، أو أسألك بوجه الله أو ما أشبه ذلك .
***
س103: ما حكم قول ((أطال الله بقاءك)) ((طال عمرك))؟
الجواب: لا ينبغي أن يطلق القول بطول البقاء، لأن طول البقاء قد يكون خيراً وقد يكون شراً، فإن شر الناس من طال عمره وساء عمله، وعلى هذا فلو قال أطال الله بقاءك على طاعته ونحوه فلا بأس بذلك .
***
س104: كثيراً ما نرى على الجدران كتابة لفظ الجلالة ((الله)) . وبجانبها لفظة محمد، صلى الله عليه وسلم، أو نجد ذلك على الرقاع، أو على الكتب، أو على بعض المصاحف، فهل موضعها هذا صحيح؟
الجواب: موضعها ليس بصحيح، لأن هذا يجعل النبي صلى الله عليه وسلم، نداً لله مساوياً له، ولو أن أحداً رأى هذه الكتابة وهو لا يدري من المسمى بهما لأيقن يقيناً أنهما متساويان متماثلان، فيجب إزالة اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبقى النظر في كتابة: ((الله)) وحدها، فإنها كلمة يقولها الصوفية، ويجعلونها بدلاً عن الذكر، يقولون: ((الله الله الله))، وعلى هذا فتلغى أيضاً، فلا يكتب ((الله))، ولا ((محمد)) على الجدران، ولا في الرقاع ولا في غيره .
***
س105: ما حكم هذه العبارة ((الله يسأل عن حالك))؟
الجواب: هذه العبارة: ((الله يسأل عن حالك))، لا تجوز لأنها توهم أن الله -تعالى- يجهل الأمر فيحتاج إلى أن يسأل، وهذا من المعلوم أنه أمر منكر عظيم، والقائل لا يريد هذا في الواقع لا يريد أن الله يخفى عليه شيء، ويحتاج إلى سؤال، لكن هذه العبارة قد تقيد هذا المعنى، أو توهم هذا المعنى، فالواجب العدول عنها، واستبدالها بأن تقول: ((اسأل الله أن يحتفي بك))، و((أن يلطف بك))، وما أشبهها .
***
س106: ما حكم قول ((فلان المرحوم)) . و((تغمده الله برحمته)) و((انتقل إلى رحمه الله))؟
الجواب: قول ((فلان المرحوم))، أو ((تغمده الله برحمته)) لا بأس بها، لأن قولهم ((المرحوم)) من باب التفاؤل والرجاء، وليس من باب الخبر، وإذا كان من باب التفاؤل والرجاء فلا بأس به .
وأما ((انتقل إلى رحمه الله)) فهو كذلك فيما يظهر لي أنه من باب التفاؤل، وليس من باب الخبر، لأن مثل هذا من أمور الغيب ولا يمكن الجزم به، وكذلك لا يقال ((انتقل إلى الرفيق الأعلى)) .
***
س107: ما حكم هذه العبارات: ((بسم الوطن، بسم الشعب، بسم العروبة))؟
الجواب: هذه العبارات إذا كان الإنسان يقصد بذلك أنه يعبر عن العرب أو يعبر عن أهل البلد فهذا لا بأس به، وإن قصد التبرك والاستعانة فهو نوع من الشرك، وقد يكون شركاً أكبر بحسب ما يقوم في قلب صاحبه من التعظيم بما استعان به .
***
س108: ما حكم قول العامة ((تباركت علينا؟)) ((زارتنا البركة؟)) .
الجواب: قول العامة "تباركت علينا" لا يريدون بهذا ما يريدونه بالنسبة إلى الله -عز وجل- وإنما يريدون أصابنا بركة من مجيئك، والبركة يصح إضافتها إلى الإنسان، قال أسيد بن حضير لما نزلت آية التيمم بسبب عقد عائشة الذي ضاع منها قال: ((ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر))123 .
وطلب البركة لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون طلب البركة بأمر شرعي معلوم مثل القرآن الكريم قال الله -تعالى-: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَك)(الأنعام: من الآية92) فمن بركته أن من أخذ به وجاهد به حصل له الفتح، فأنقذ الله به أمماً كثيرة من الشرك، ومن بركته أن الحرف الواحد بعشر حسنات وهذا يوفر للإنسان الجهد والوقت .
الأمر الثاني: أن يكون طلب البركة بأمر حسي معلوم، مثل العلم فهذا الرجل يتبرك به بعلمه ودعوته إلى الخير، قال أسيد بن حضير ((ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر)) فإن الله قد يجري على أيدي بعض الناس من أمور الخير ما لا يجريه على يد الآخر .
وهناك بركات موهومة باطلة مثل ما يزعمه الدجالون أن فلاناً الميت الذي يزعمون أنه ولي أنزل عليكم من بركته وما أشبه ذلك، فهذه بركة باطلة لا أثر لها، وقد يكون للشيطان أثر في هذا الأمر لكنها لا تعدو أن تكون آثاراً حسية بحيث أن الشيطان يخدم هذا الشيخ فيكون في ذلك فتنة .
أما كيفية معرفة هل هذه من البركات الباطلة أو الصحيحة؟ فيعرف ذلك بحال الشخص، فإن كان من أولياء الله المتقين المتبعين للسنة المبتعدين عن البدعة فإن الله قد يجعل على يديه من الخير والبركة ما لا يحصل لغيره، أما إن كان مخالفاً للكتاب والسنة، أو يدعو إلى باطل فإن بركته موهومة، وقد تضعها الشياطين له مساعدة على باطله .
***
س109: ما حكم قولهم: تدخل القدر؟ وتدخل عناية الله؟
الجواب: قولهم ((تدخل القدر)) لا تصلح لأنها تعني أن القدر اعتدى بالتدخل وأنه كالمتطفل على الأمر، مع أنه -أي القدر- هو الأصل فكيف يقال تدخل؟! والأصح أن يقال: ولكن نزل القضاء والقدر أو غلب القدر ونحو ذلك، ومثل ذلك "تدخلت عناية الله" الأولى إبدالها بكلمة حصلت عناية الله، أو اقتضت عناية الله .
***
س110: نسمع ونقرأ كلمة، ((حرية الفكر))، وهي دعوة إلى حرية الاعتقاد، فما تعليقكم على ذلك؟
الجواب: تعليقنا على ذلك أن الذي يجيز أن يكون الإنسان حر الاعتقاد، يعتقد ما شاء من الأديان فإنه كافر، لأن كل من اعتقد أن أحداً يسوغ له أن يتدين بغير دين محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه كافر بالله -عز وجل- يستتاب، فإن تاب وإلا وجب قتله .
والأديان ليست أفكاراً، ولكنها وحي من الله -عز وجل- ينزله على رسله، ليسير عباده عليه، وهذه الكلمة -أعني كلمة فكر- التي يقصد بها الدين . يجب أن تحذف من قواميس الكتب الإسلامية لأنها تؤدي إلى هذا المعنى الفاسد، وهو أن يقال عن الإسلام: فكر، والنصرانية فكر، واليهودية فكر -وأعني بالنصرانية التي يسميها أهلها بالمسيحية- فيؤدي إلى أن تكون هذه الشرائع مجرد أفكار أرضية يعتنقها من شاء من الناس، والواقع أن الأديان السماوية أديان سماوية من عند الله -عز وجل- يعتقدها الإنسان على أنها وحي من الله تعبد بها عباده، ولا يجوز أن يطلق عليها ((فكر)) .
وخلاصة الجواب: أن من اعتقد أنه يجوز لأحد أن يتدين بما شاء وأنه حر فيما يتدين به فإنه كافر بالله -عز وجل- لأن الله -تعالى- يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ )(آل عمران: من الآية85) ويقول: )إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام)(آل عمران: من الآية19) فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن ديناً سوى الإسلام جائز يجوز للإنسان أن يتعبد به، بل إذا اعتقد هذا فقد صرح أهل العلم بأنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة .
***
س111: هل يجوز أن يقول الإنسان للمفتي ما حكم الإسلام في كذا وكذا؟ أو ما رأي الإسلام؟
الجواب: لا ينبغي أن يقال (( ما حكم الإسلام في كذا))، أو ((ما رأي الإسلام في كذا)) فإنه يقد يخطئ فلا يكون ما قاله حكم الإسلام، لكن لو كان الحكم نصاً صريحاً فلا بأس مثل أن يقول: ما حكم الإسلام في أكل الميتة؟ فنقول: حكم الإسلام في أكل الميتة أنها حرام .

س112: ما حكم قول: ((شاءت الظروف أن يحصل كذا وكذا))، و((شاءت الأقدار كذا وكذا))؟
الجواب: قول: ((شاءت الأقدار))، و(شاءت الظروف)) ألفاظ منكرة، لأن الظروف جمع ظرف وهو الأزمان، والزمن لا مشيئة له، وكذلك الأقدار جمع قد، والقدر لا مشيئة له، وإنما الذي يشاء هو الله -عز وجل- ولو قال الإنسان: ((اقتضى قدر الله كذا وكذا)) . فلا بأس به . أما المشيئة فلا يجوز أن تضاف للأقدار لأن المشيئة هي الإرادة، ولا إرادة للوصف، إنما الإرادة للموصوف .

س113: ما حكم قول فلان شهيد؟
الجواب: الجواب على ذلك أن الشهادة لأحد بأنه شهيد تكون على وجهين:
أحدهما: أن تقيد بوصف مثل أن يقال كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن مات بالطاعون فهو شهيد ونحو ذلك، فهذا جائز كما جاءت به النصوص، لأنك تشهد بما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعني بقولنا - جائز- أنه غير ممنوع، وإن كانت الشهادة بذلك واجبة تصديقاً لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الثاني: أن تقيد الشهادة بشخص معين مثل أن تقول لشخص بعينه إنه شهيد، فهذا لا يجوز إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، أو اتفقت الأمة على الشهادة له بذلك، وقد ترجم البخاري -رحمه الله- لهذا قوله "باب لا يقال فلا شهيد" قال في الفتح 90/6 ((أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي)) وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال: تقولون في مغازيكم فلان شهيد، ومات فلان شهيداً ولعله قد يكون قد أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((من مات في سبيل الله، أو قتل فهو شهيد)) وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما من طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء عن عمر" أ.هـ. كلامه .
ولأن الشهادة بالشيء لا تكون إلا عن علم به، وشرط كون الإنسان شهيداً أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وهي نية باطنة لا سبيل إلى العلم بها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، مشيراً إلى ذلك: ((مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله))124 . وقال: ((والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك))125 رواهما البخاري من حديث أبي هريرة .
ولكن من كان ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك، ولا نشهد له به ولا نسيء به الظن . والرجاء مرتبة بين المرتبتين، ولكننا نعامله في الدنيا بأحكام الشهداء فإذا كان مقتولاً في الجهاد في سبيل الله دفن بدمه في ثيابه من غير صلاة عليه، وإن كان من الشهداء الآخرين فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه .
ولأننا لو شهدن الأحد بعينه أنه شهيد لزم من تلك الشهادة أن نشهد له بالجنة وهذا خلاف ما كان عليه أهل السنة فإنهم لا يشهدون بالجنة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، بالوصف أو بالشخص، وذهب آخرون منهم إلى جواز الشهادة بذلك لمن اتفقت الأمة على الثناء عليه وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- .
وبهذا تبين أنه لا يجوز أن نشهد لشخص بعينه أنه شهيد إلا بنص أو اتفاق، لكن من كان ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك كما سبق، وهذا كاف في منقبته، وعلمه عند خالقه -سبحانه وتعالى- .
***
س114: ما رأي فضيلتكم في استعمال كلمة ((صدفة))؟
الجواب: رأينا في هذا القول أنه لا بأس به وهذا أمر متعارف وأظن أن فيه أحاديث بهذا التعبير صادفنا رسول الله ((لكن لا يحضرني الآن حديث معين في هذا الخصوص))126 .
والمصادفة والصدفة بالنسبة لفعل الإنسان أمر واقع، لأن الإنسان لا يعلم الغيب فقد يصادفه الشيء من غير شعور به، ومن غير مقدمات له ولا توقع له، لكن بالنسبة لفعل الله لا يقع هذا، فإن كل شيء عند الله معلوم، وكل شيء عنده بمقدار وهو -سبحانه وتعالى- لا تقع الأشياء بالنسبة إليه صدفة أبداً، لكن بالنسبة لي أنا وأنت نتقابل بدون ميعاد وبدون شعور وبدون مقدمات فهذا يقال له صدفة، ولا حرج فيه، وأما بالنسبة لفعل الله فهذا أمر ممتنع ولا يجوز .
***
س115: ما رأي فضيلة الشيخ -جزاه الله خيراً في مصطلح_ ((فكر إسلامي)) و((مفكر إسلامي))؟
الجواب: كلمة ((فكر إسلامي)) من الألفاظ التي يحذر منها، إذ مقتضاها أننا جعلنا الإسلام عبارة عن أفكار قابلة للأخذ والرد، وهذا خطر عظيم أدخله علينا أعداء الإسلام من حيث لا نشعر .
أما "مفكر إسلامي" فلا أعلم فيه بأساً لأنه وصف للرجل المسلم والرجل المسلم، يكون مفكراً .
***
س116: تقسيم الدين إلى قشور ولب، (مثل اللحية)، هل هو صحيح؟
الجواب: تقسيم الدين إلى قشور ولب، تقسيم خاطئ، وباطل، فالدين كله لب، وكله نافع للعبد، وكله يقربه لله -عز وجل-وكله يثاب عليه المرء، وكله ينتفع به المر، بزيادة إيمانه وإخباته لربه- عز وجل- حتى المسائل المتعلقة باللباس والهيئات، وما أشبهها، كلها إذا فعلها الإنسان تقرباً إلى الله -عز وجل- واتباعاً لرسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه يثاب على ذلك، والقشور كما نعلم لا ينتفع بها، بل ترمى، وليس في الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية ما هذا شأنه، بل كل الشريعة الإسلامية لب ينتفع به المرء إذا أخلص النية لله، وأحسن في اتباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الذين يروجون هذه المقالة، أن يفكروا في الأمر تفكيراً جدياً، حتى يعرفوا الحق والصواب، ثم عليهم أن يتبعوه، وأن يدعوا مثل هذه التعبيرات، صحيح أن الدين الإسلامي فيه أمور مهمة كبيرة عظيمة، كأركان الإسلام الخمسة، التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم، بقوله: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام))127 وفيه أشياء دون ذلك، لكنه ليس فيه قشور لا ينتفع بها الإنسان ،بل يرميها ويطرحها .
وأما بالنسبة لمسألة اللحية: فلا ريب أن إعفاءها عبادة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر به، وكل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فهو عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، بامتثاله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، بل إنها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وسائر إخوانه المرسلين، كما قال الله -تعالى- عن هارون: أنه قال لموسى: ( يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي)(طـه: من الآية94) .وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن إعفاء اللحية من الفطرة التي فطر الناس عليها، فإعفاؤها من العبادة، وليس من العادة، وليس من القشور كما يزعمه من يزعمه .
***
س117: ما حكم قولهم ((دفن في مثواه الأخير))؟
الجواب: قول القائل ((دفن في مثواه الأخير)) حرام ولا يجوز، لأنك إذا قلت في مثواه الأخير فمقتضاه أن القبر آخر شيء له، وهذا يتضمن إنكار البعث، ومن المعلوم لعامة المسلمين أن القبر ليس آخر شيء، إلا عند الذين لا يؤمنون باليوم الآخر، فالقبر آخر شيء عندهم، أما المسلم فليس آخر شيء عنده القبر، وقد سمع أعرابي رجلاً يقرأ قوله -تعالى-: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) (1) (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) (التكاثر:1،2) فقال ((والله ما الزائر بمقيم)) لأن الذي يزور يمشي فلا بد من بعث وهذا صحيح .
لهذا يجب تجنب هذه العبارة فلا يقال عن القبر إنه المثوى الأخير، لأن المثوى الأخير إما الجنة، وإما النار في يوم القيامة .
***
س118: إطلاق المسيحية على النصرانية، والمسيحي على النصراني، هل هو صحيح؟
الجواب: لا شك أن انتساب النصارى إلى المسيح بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، انتساب غير صحيح، لأنه لو كان صحيحاً لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، إيمان بالمسيح عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- لأن الله -تعالى- قال: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف:6) ولم يبشرهم المسيح عيسى ابن مريم بمحمد صلى الله عليه وسلم، إلا من أجل أن يقبلوا ما جاء به، لأن البشارة بما لا ينفع لغو من القول لا يمكن أن تأتي من أدنى الناس عقلاً، فضلاً عن أن تكون صدرت من عند أحد الرسل الكرام أولو العزم عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- وهذا الذي بشر به عيسى بن مريم بني إسرائيل هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) وهذا يدل على أن الرسول الذي بشر به قد جاء ولكنهم كفروا به وقالوا هذا سحرٌ مبين، فإذا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذا كفر بعيسى ابن مريم الذي بشرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ لا يصح أن ينتسبوا إليه فيقولوا إنهم مسيحيون، إذ لو كانوا حقيقة لآمنوا بما بشر به المسيح ابن مريم، لأن عيسى ابن مريم وغيره من الرسل قد أخذ الله عليهم العهد والميثاق أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله -تعالى- (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران:81) والذي جاء مصدقاً لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم، لقوله -تعالى- (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقّ)(المائدة: من الآية48) .
وخلاصة القول أن نسبة النصارى إلى المسيح عيسى ابن مريم نسبة يكذبها الواقع، لأنهم كفروا ببشارة المسيح عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وكفرهم به كفر بعيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- .
***
س119: ما رأيكم في هذه العبارة ((لا سمح الله))؟
الجواب: أكره أن يقول القائل ((لا سمح الله)) لأن قوله ((لا سمح الله)) ربما توهم أن أحداً يجبر الله على شيء فيقول (( لا سمح الله)) والله -عز وجل- كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا مكره له)) . قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يقول أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة فإن الله لا مكره له، ولايتعاظمه شيء أعطاه))128 والأولى أن يقول: ((لا قدر الله)) بدلاً من قوله: ((لا سمح الله)) لأنه أبعد عن توهم ما لا يجوز في حق الله -تعالى- .
***
س120: بعض الناس إذا مات شخص قال: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) (الفجر:27،28) فما حكم ذلك؟
الجواب: هذا لا يجوز أن يطلق على شخص بعينه، لأن هذه شهادة بأنه من هذا الصنف .
***
أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء (2105) ومسلم: كتاب اللباس، باب تحريم تصوير الحيوان (2106) (96) .
2 أخرجه، مسلم كتاب الجمعة، باب تخفي الصلاة والخطبة (867) (43) .
3 أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب في لزوم السنة (4607)
4 أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة (4596)، والترمذي، كتاب الإيمان باب افتراق هذه الأمة (2642)، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمة (3991) .
(1) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا (2079)، ومسلم ، كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان (1532).
(1) أخرجه البخاري، كتاب الخوف ، باب صلاة الطالب والمطلوب (946)، وأخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير ، باب المبادرة بالغزو (1770).
(7) أخرجه البخاري ، كتاب الأدب باب من لم يواجه الناس بالعتاب(6101)، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه (1401).
(8) أخرجه مسلم ، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء (1469).
5 أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم (304) .
6 أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب الزنا وشرب الخمر (6772)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي (57) .
7 أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان (50)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الإيمان والإسلام والإحسان (9) .
8 أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان (53)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم (17) .
9 أخرجه الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في استكمال الإيمان (2614)، وابن ماجه في المقدمة (57) .
10 تقدم تخريجه ..
11 أخرجه الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة (2617) .
12 أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان (132) .
13 أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده (3276) . وأخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان (134) .
14 أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في رد الوسوسة (5112)، والإمام أحمد في المسند 1/340 .
15 أخرجه البخاري، كتاب العتق ،باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق (2528)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب (127)
16 أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الأمراء ... (1730) .
17 أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر (3199)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان (159) .
18 أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن (4347) . ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلأى الشهادتين وشرائع الإسلام (19)
19 أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة .
20 أخرجه أحمد في المسند (5/428)، والترمذي، كتاب الدعوات، باب 105 (3556)، وابن ماجه باب رفع اليدين في الدعاء (3865) .
21 أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (436) .
22 أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل (6340)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب لي (2735) .
23 أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله (2985) .
24 أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب فيمن يغزو ويلتمس الدنيا (2516) . والنسائي كتاب الجهاد باب من غزا يلتمس الأجر والذكر (3140) .
25 أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف بدأ الوحي إلى رسول الله (1)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب إنما الأعمال بالنية (1907) .
26 أخرجه أبو داود، كتاب الطب، باب كيف الرقى (3892) .
27 أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى (2186) .
28 أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء (2202) .
29 تقدم ذكره.
30أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (7352)، ومسلم في كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد (1716) .
31أخرجه أحمد (1/391) ,
32أخرجه البخاري، كتاب الشروط، باب ما يجوز من الشروط ... (2736)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها (2677)
33 سبق تخريجه .
34 أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء آمين (3237)، ومسلم، كتاب النكاح، باب تحريم امتناعها عن فراش زوجها (1436) واللفظ له .
35 أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده) (3194)، ومسلم، كتاب التوبة، باب سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (2751) .
36 أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل (1145)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل (758) .
37 أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا نام (6313)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع (2710) .
38 أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده (871)، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود (262)، والنسائي، كتاب الصلاة، باب تعوذ القارئ ... (1007) .
39 أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1218) .
40 أخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة (537) .
41 تقدم تخريجه .
42 تقدم تخريجه .
43 النسائي، كتاب السهو، باب 62ح (1304) . وأحمد (5/191) .
44 تقدم تخريجه .
45 أخرجه البخاري، بدء الخلق، باب خير مال المسلم غنم يتبع به شعف الجبال (3311) .
46 أخرجه مسلم، كتاب الإسلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان (2203) .
47 أخرجه ابن ماجه في المقدمة (141) .
48 أخرجه البخاري،، كتاب أحاديث الأنبياء، باب وقله الله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم) (3445) .
49 أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة (1401)، وأخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له (572) .
50أخرجه البخاري في الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب (2753) معلقاً ومسلم في الإيمان باب قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (351) .
51 أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قصة يأجوج ومأجوج (3348) . وأخرجه مسلم في الإيمان باب قوله "يقول الله تعالى لآدم أخرج ..." (222)
52 أخرجه البخاري في كتاب الفتن، باب قوله النبي صلى الله عليه وسلم: "ويل للعرب..." (7095)، ومسلم في الفتن باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج (2880) .
53 أخرجه البخاري، كتاب الفتن، باب ذكر الدجال (7127) .
54 أخرجه مسلم، كتاب الفتن، باب ذكر الدحال وصفته وما معه (2937) .
55 أخرجه مسلم، كتاب الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة (2867) .
56 تقدم تخريجه .
57 أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر (1374)، ومسلم، كتاب الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة (2870) .
58 أخرجه البخاري، كتاب الجنائز باب عذاب القبر من الغيبة والبول (1378)، ومسلم كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه (292)
59رواه أبو داود، كتاب الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف (3221) .
60رواه البخاري، كتاب العلم، باب الحرص على الحديث (99) .
61 أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين . (1384) .
62أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم (304)، ومسلم كتاب الإيمان، باب نقص الإيمان بنقص الطاعات... (79) .
63 أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيراً (71) . ومسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة (1037) .
64 أخرجه البخاري، كتاب القدر، باب وكان أمر الله قدراً مقدوراً . ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه (2647) .
65 أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب موعظة المحدث عند القبر (1362)، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه (2647) .
66 أخرجه الإمام أحمد (5/317) .
67 أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق (2067) .
68 أخرجه الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب 20 (2459)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له (4260) .
69 أخرجه البخاري، كتاب المرض والطب، باب ما جاء في كفارة المرض (5640)، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصبه من مرض... (2572)
70 أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب الجذام (5707) . ومسلم، كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة... (2220) .
71 أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب الجذام (5707) .
72 أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب لا هامة (5771) . ومسلم، كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة... (2221) .
73 تقدم تخريجه .
74 تقدم تخريجه .ح (1) .
75 أخرجه أبو داود، كتاب الطب، باب في الطيرة (3925)، والترمذي، كتاب الأطعمة، باب ما جاء في الأكل مع المجذوم (1817)
76 أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى (2188) .
77 أخرجه ابن ماجه، كتاب الطب، باب العين (3509) .
78 أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره (5704) . ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة (216) .
79 تقدم تخريجه .
80 أخرجه ابن ماجه، كتاب الطب، باب ما يعوذ به من الحمى (3527) .
81 أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من كفر أخاه من غير تأويل (6104)، وأخرجه مسلم، كتابا الإيمان، باب بيان حال من قال لأخيه المسلم يا كافر (60)
82 أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حال من قال لأخيه يا كافر (60) .
83 أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه (61) .
84 أخرجه أبو داود، كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر (4090)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع (4174) .
85 أخرجه مسلم، كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها (2747) .
86 أخرجه الترمذي، كتاب تفسير القرآن من سورة التوبة، باب 10(3095)، وحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان ص67
87 أخرجه البخاري بمعناه، كتاب النكاح، باب إجابة الوليمة والدعوة (5173)، ومسلم، كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى الدعوة (1429) .
88 أخرجه الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء فيمن يطلب بعلمه الدنيا (2654) .
89 أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب الخطبة (5146) .
90 أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان (2230) .
91 أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض (135)، وابن ماجه، كتاب الطهارة، باب النهي عن إتيان الحائض (639) . وصححه الألباني -رحمه الله- في الإرواء 6817 .
92أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه... (1354)، ومسلم، كتاب الفتن، باب ذكر ابن صياد (2924).
93 أخرجه البخاري، كتاب الطلاق، باب: والطلاق في الإغلاق والمكره والسكران ... ومسلم، كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس (127) .
94 أخرجه الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة (2195) .
95 أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب: إذا أثنى على الصالح (2034) .
96 أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب كيف يستحلف (2679) . ومسلم، كتاب الإيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله (1646)
97 أخرجه الترمذي، باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله (1535) .
98 أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل الرفق (2593) .
99 أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات (285) .
100 تقدم تخريجه .
101 أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً (6108)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى (1646)
102 أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (408) . ومسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور (376)
103 أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1189) ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (1397) .
104 تقدم تخريجه .
105 أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب من كره القعود على الصور (5958)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان (2106) .
106 أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب (وداً ولا سواعا) (4920) .
107 تقدم تخريجه .
108 أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة (1017) .
109 تقدم تخريجه .
110 أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (1297)، ومسلم، كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة (1718) (17)
111 أخرجه مسلم، كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة (1718) (17) .
112 أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يذكر في شؤم الفرس (2858)، ومسلم، كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم (2225) .
113 تقدم تخريجه .
114 أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام (834) ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر (2704) .
115 أخرجه النسائي، كتاب السهو، باب 62 (1304) .
116 أخرجه البخاري، كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء في المسجد الجامع (1013)، ومسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء (897) .
117 أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره ... (5705)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب (220) .
118 أخرجه البخاري، كتاب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا (1010) .
119 أخرجه أبو داود، كتاب اللباس، باب ما جاء في الأقبية (4031) .
120 أخرجه البخاري كتاب الجهاد والسير، باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ... (3053) .
121 أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب (1767) .
122 أخرجه البخاري، كتاب المظالم، بالغرفة والعلية المشرفة ... (2428)، ومسلم، كتاب الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء (1479) .
123 أخرجه البخاري، كتاب التيمم (334)، ومسلم، كتاب الحيض، باب التيمم (289) .
124 أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله ... (2787) .
125أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من يجرح في سبيل الله عز وجل (2803) .
126 البخاري كتاب النفقات، باب عمل المرأة في بيت زوجها (5361) . مسلم، كتاب فضل الصحابة (4491) (4496) .
127 أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب دعاؤكم إيمانكم (8)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام (16)
128أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له (6339)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب العزم بالدعاء ولا يقل إن شئت (2679)

عاشقة الجناان
23-12-2010, 01:21 PM
جعله الله في موازين حسناتكم

المحبه لرسول الله
19-02-2011, 09:12 AM
جزاكم الله خيراً

أسامة هوادف
01-04-2011, 04:38 AM
جزاكم الله خيراً

بخاطري شيء
10-06-2011, 02:42 PM
جراك الله خيرا
شكرا لك افدتني كثبرا. ..

smah
17-06-2011, 08:19 PM
الله يثبتنا على الدين