المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزء الثاني من ( خطوات زيادة الأيمان )


ياسين السيد عواد المعلاوي
15-09-2010, 02:44 PM
بقلم: د. صلاح سلطان


4. كيف نجاهد أنفسنا؟

هناك قواعد عامة وأساليب خاصة تعين على مجاهدة أنفسنا ولا تغني إحداهما عن الأخرى.
أ- القواعد العامة في مجاهدة النفس:
1- إحياء حب الله تعالى في القلب حتى يكون حبه سبحانه أرقى من حب النفس والأهل والولد والمال وذلك بالإكثار من النظر في الكون المنظور والكتاب المسطور، ودوام الذكر، والتلذذ بالأوراد الإيمانية من صلاة في الليل وصيام في النهار.
2- إحياء الخوف من الله تعالى بمطالعة مصارع الظالمين، ومهالك الفاسقين ومآلات المفسدين، ويقارن الإنسان حاله بحالهم، ويتهم نفسه، ويعظم عنده الخوف على نفسه لكثرة النعم الإلهية، وقلة الأعمال الخيرية، وكثرة الذنوب اليومية، ويتذكر الموت وسكراته والقبر وظلماته، والحشر وأنّاته، والصراط وسقطاته، والنار ولهيبها، وجهنَّم وسعيرها، والزقوم والحميم والمقامع الحديدية، والصرخات التي تخرج من العصاة وهم في النار يعذَّبون، وفي هذا يروي ابن أبي الدنيا في كتابه محاسبة النفس ص (34) أن إبراهيم التيمي قال: "مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أيْ نفس، أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أُردَّ إلى الدنيا فأعمل صالحًا، قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي".
3- قوة الإرادة والعزيمة على مواجهة النفس بقوة الجناجين السابقين "الخوف والرجاء"، "الرهبة والرغبة"، واليقين أن العبد مهما كان ضعفه إذا لجأ إلى ربه واستعان به أعانه، وقد دعا سيدنا يوسف في الفتنة التي تعرض لها فقال:
﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ﴾ (يوسف: من الآية ٣٣) فصرف الله عنه كيدهن واحتمل بهمة عالية السجن مظلومًا بسبب عِفَّته، وانشغل في سجنه بنشر دعوته حتى كتب الله له الخروج إلى التمكين بتقواه وحسن صبره، ولعل مما يعين في هذا حديث البخاري: "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى من الجنة".
ونذكر قول الشاعر:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى فما انقادت الآمال إلا لصابر
وقول الشاعر:
أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلذ ركوب الخطر
ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
ومن لم يعانقه شوك الحياة تبخر في جوها واندثر
وقول الشاعر:
لا تحسبن المجد تمرًا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
ب- الأساليب الخاصة في مجاهدة النفس:
هذه الأساليب الخاصة تعتمد على صدق العبد مع ربه ومعرفته بمواضع ضعفه وقوته فلا يضع نفسه في موضع يعلم أن نفسه تميل مع الهوى وتخالف الرشاد والهدى.
وبناء عليه أحب أن أسوق هذه الأمثلة الخاصة في مجاهدة النفس:
1- من اعتاد على شراب متكرر من الشاي أو القهوة أو غيرهما يلزم أن يجاهد نفسه حتى لا يكون أسيرًا لعادة، ولذلك يقال أفضل عادة ألا تكون لك عادة.
2- أن تترك بين فترة وأخرى على المائدة نوعًا من الطعام وهو أحب الأنواع إليك فإنك بهذا تهذّب في النفس سطوتها في التلذذ بالمطاعم الخاصة.
3- إن كان من طبع الأخ أو الأخت الإسراف والتبذير حتى في أبواب الخير، فيجب أن يجاهد نفسه أو أن تجاهد نفسها في الادخار والتوفير ولو بالقليل، وإن كان عكس ذلك شحيحًا بخيلاً فيجب أن يجاهد نفسه في البذل والإنفاق والتوسعة على الأهل والأقارب والمؤسسات الخيرية.
4- إن كان من طبع الأخ أنه سريع الغضب بطيء الفيء فيجب أن يلاحظ نفسه ويتذكر أن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، فإن انفلتت نفسه في غضبة لغير الله تعالى عالجها بالصيام والقيام وعاقبها بالحرمان مما تحب ومن عقوبته لنفسه سرعة الفيء، والمبادرة إلى خصمه "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".
5- إن كان الأخ أو الأخت يميل إلى الصمت الطويل حتى إنه ليوغر صدر زوجته التي تنتظر منه كلمة طيبة أو لفتة كريمة بعد طعام، أو حسن لبس، أو جمال هيئة، فيجب أن يجاهد نفسه في الالتفات إلى أن الكلمة الطيبة صدقة وأن من أدخل السرور على أهل بيت من بيوت المسلمين لم يرض الله له جزاءً إلا الجنة.
أما كثير الكلام بطبعه فيجب أن تأتي عليه فترات يجاهد نفسه بحسن الاستماع وقلة الكلام، وضبط اللسان ويتذكر حديث الترمذي بسند حسن صحيح عن معاذ بن جبل: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم"، ولعله يعالج نفسه بطول الخلوة وقلة الجولة مع الآخرين، فإن الخلوة تعين على الصمت إلا من ذكر الله أو تفكر في آلائه".
6- هناك إخوة وأخوات لا يحبون القراءة ويملون من قراءة فصل في كتاب وهؤلاء يجب أن يجاهدوا أنفسهم بالبدء في قراءة منهجية بدلاً من القراءات العشوائية لوريقات مبعثرة، فيتمون بعض الكتب الصغيرة، ثم يتجهون إلى الكتب الكبيرة ويتذكرون أن خير جليس في الآنام كتاب، وأن أصحاب العلم هم شركاء الملائكة الكرام في الشهادة لله بالوحدانية لقوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ (آل عمران: من الآية ١٨). وأن الدنيا رجلان عالم ومتعلم ولا خير فيما سواهما كما أخبرنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
7- إذا اعتاد الأخ أن يقود سيارته بسرعة زائدة فليجاهد نفسه بأن يقول هذا الأسبوع لن أتجاوز ولو مرة في السرعة، فإن حدث عاقب نفسه بمشي طويل أو حرمان من شراب سلسبيل، أو طعام شهي، أو يتصدق بشيء كأنه أخذ نصف مخالفة، لكنه يقدمها صدقة لباب من أبواب الخير، حتى يعود ضابطًا لنفسه في القيادة مجاهدًا لنفسه في جوانب أخرى.
8- من اعتاد أن يتوضأ لكل صلاة فقط فلينظر في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة: من الآية ٢٢٢). وليعاهد ربه أن يلزم نفسه بالوضوء في كل وقت وحين، فكلما انتقض الوضوء توضأ سواء للصلاة أو الطعام أو القراءة أو الخروج حتى يكون دائمًا حاملاً لسلاح الإيمان وقادرًا على مواجهة وساوس الشيطان، ومستعدًا للقاء الرحمن.
9- من تشبع قلبه واقتنع عقله بفضل عبادة فليتخذ قراره بأن تكون ثابتًا من ثوابت حياته، مثل صلاة السنن، وصلاة الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصدقة السر، وأذكار دائمة، "فخير الأعمال أقلها وأدومها" كما روى البخاري بسنده عن عائشة في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
10- من استهوته شهوة النساء وغلبت عليه فتنة الجمال، وأهواء الإعلانات والأفلام، فليفزع إلى الصوم فهو الوجاء، وليهرع إلى ملاطفة أهله، وأن يشبع من الحلال أو يبادر إلى الزواج إن لم يكن متزوجًا، ويشغل ليله ونهاره بأعمال تستغرق طاقاته وهمومه، ولا يدع الفراغ والفكر ليفسد عليه عفته ومروءته.
أخيرًا لا يُعرف نظام أو قانون عادل في أية دولة أو شركة أو مؤسسة إلا وفيها نظام الإحسان لمن أحسن وعقاب من يخالف، ونحتاج بحق أن نتعامل مع أنفسنا بهذا المنطق.
لو حاولنا أن نربط بين زيادة ثوابت الدنيا، ومحاولات الشيطان أن نتراجع في ثوابت الآخرة، فقد يكون من المناسب لمن أدرك أن الدنيا مليئة بالخداع والزينة، وهي دار الغرور والآخرة هي دار القرار فأقترح لمن قصر في ثابت من ثوابت الآخرة أن يمنع نفسه من شيء يحبه من ثوابت الآخرة، ليس تحريمًا بل تعليمًا، ليس قسوة بل قوة في مواجهة انفلات النفس من الواجبات، وانجرار الهوى وراء الشيطان والنزوات، والمدرب في الملاعب أو للقوات، والقوات المحاربة لا يمكن أن يصنع لاعبًا أو محاربًا إلا إذا عوده على عادات جديدة ومنع عنه أشياء مباحة حتى يقدر أن يقاوم هواه. ومن هنا أقترح بعضًا من العقوبات التي لها صلة بثوابت الدنيا والآخرة منها ما يلي:-
1. إذا فاتتك صلاة الفجر في المسجد، فاحرم نفسك من نوعٍ من الطعام تحبه أو شراب تعودت عليه طوال اليوم، أو امنع نفسك من النوم على سرير ليلة واحدة.
2. من فاته في يوم قراءة القرآن الكريم ضاعف القراءة في اليوم التالي، وامنع نفسك من مشاهدة التليفزيون ساعة من ليل أو نهار وخصصها لقراءة القرآن.
3. من فاتته الأذكار في الصباح والمساء يمكنه أن يغلق التليفون النقال ساعة فقط من يومه يفرغ فيها في خلوة مع الله، ليعوض ما فاته، ويحمل نفسه على أنوار الذكر.
بهذا فقط تسلس النفس وتنقاد، يقول الشاعر:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوّم النفس بالأخلاق تستقم