المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوسف ابن تاشفين اسد المرابطين للنشر


المشرف العام
02-12-2010, 07:26 AM
محمد حسين



http://ar.islamstory.net/images/stories/articles/145/18351_image002.jpg



لقد كتب الله لهذه الشريعة أن تنتصر على يد اثنين يجمع بينهما اسم يوسف؛ يوسف المشرق صلاح الدين يوسف بن أيوب، ويوسف المغرب يوسف بن تاشفين، الأول أعاد القدس إلى ديار الإسلام، والثاني أنقذ الأندلس وأقام شرع الله فيها وفي بلاد المغرب العربي قاطبة.

مولده ونشأته:

هو أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم اللمتوني الصنهاجي (400- 500هـ/ 1009- 1106م)، وكانت قبيلته قد سيطرت بسيادتها وقيادتها على صنهاجة، واحتفظت بالرئاسة منذ أن جعلها الإمام عبد الله بن ياسين (http://www.islamstory.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%A7%D9%87%D8%AF_%D8%B9% D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%A8%D9%86_ %D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%86) فيها بعد وفاة الأمير يحيى بن إبراهيم الجُدالي، فنما عزيزًا كريمًا في قومه.

تلقَّى يوسف تعاليمه الأولى في قلب الصحراء من أفواه المُحَدِّثِين والفقهاء، ونما وترعرع وتربَّى على تعاليم الإمام الفقيه ابن ياسين، ونبغ في فنون رجال الحرب، وفي السياسة الشرعية التي تتلمذ على الفقهاء فيها، وقام بها خير قيام.

مراحل حياته:

بدأ نجم أسد المرابطين (http://www.islamstory.com/%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1% D8%A7%D8%A8%D8%B7%D9%8A%D9%86) يوسف بن تاشفين في الظهور في معركة الواحات (448هـ/ 1056م) التي كان فيها قائدًا لمقدمة جيش المرابطين المهاجم، وبعد فتح مدينة سجلماسة عيَّنه الأمير أبو بكر بن عمرو اللمتوني واليًا عليها، فأظهر مهارة إدارية في تنظيمها، ثم غزا بلاد جَزولة وفتح ماسة ثم سار إلى تارودانت قاعدة بلاد السوس وفتحها, وكان بها طائفة من الشيعة البجليين (نسبة إلى مؤسسها علي بن عبد الله البجلي)، وقتل المرابطون أولئك الشيعة, وتحوَّل مَن بقي منهم على قيد الحياة إلى السنة.

ثم جاء دور أغمات، كانت مدينة مزدهرة حضاريًّا، إذ كانت أحد مراكز النصرانية القديمة, ومقرًّا للبربر المتهودين، كان يحكمها الأمير لقوط بن يوسف بن علي المغراوي، وتلقَّى يوسفُ التعليمات من الأمير أبى بكر بالزحف نحوها, ومهاجمتها, ودكِّها، ودخل المرابطون المدينة (449هـ/ 1057م).

وسار المرابطون وفي جملتهم يوسف نحو دولة برغواطة "الدولة الكافرة الملحدة" ونشبت المعارك بين الفريقين، وأصيب خلالها الإمام ابن ياسين بجراح بالغة توفي على أثرها؛ فكان استشهاد الإمام الفقيه عبد الله بن ياسين البداية الأولى في دفع يوسف إلى رئاسة الدولة الناشئة.

وعندما دخل أبو بكر بن عمر بجيوشه إلى الصحراء, وأناب ابن عمه يوسف على المغرب, ظهرت خلالها مواهب يوسف العسكرية والإدارية والتنظيمية والحركية والدعوية، وسلم النَّاسُ بزعامته, وبدأ في تأسيس دولته بالحزم والعلم والجد والمثابرة والبذل والعطاء.

وعندما رجع أبو بكر من الصحراء جمع أشياخ المرابطين من لمتونة وأعيان الدولة، والكُتَّاب والشهود، وأشهدهم على نفسه بالتخلي ليوسف عن الإمارة، وعلَّل الأمير أبو بكر هذا التنازل لابن عمه يوسف لدينه وفضله وشجاعته وحزمه ونجدته وعدله وورعه وسداد رأيه ويمن نقيبته، وأوصاه الوصية التالية قائلاً:

"يا يوسف، إنِّي قد ولَّيتُك هذا الأمر وإنِّي مسئول عنه؛ فاتقِ الله في المسلمين, وأعتقني وأعتق نفسك من النار، ولا تُضيِّع من أمر رعيتك شيئًا؛ فإنَّك مسئول عنهم، والله تعالى يصلحك ويمدك ويوفقك للعمل الصالح والعدل في رعيتك"[1] (http://www.islamstory.com/%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%A8%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D8%B4%D9%81%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7%D9%8A%D 9%86#_ftn1).

إمارته للمرابطين:

وبعد أن صار يوسف قائدًا وأميرًا للمرابطين، قام نحو المغرب الشمالي؛ لينتزعه من أيدي الزناتيين, واستخدم من أجل تحقيق هذا الهدف المنشود إرسال الجيوش للقضاء على جيوش المخالفين مستفيدًا من الخلافات السياسية بين قادة المدن، فحالف بعضها من أجل قتال الباقي، واستطاع أن يَدخُل مدينة فاس صلحًا عام 455هـ، ثم تمرَّد أهلها عليه إلا أنه استطاع إخماد جميع الثورات التي قامت ضد المرابطين بجهاده وكفاحه المستمرِّ، حتى تمَّ له فتح جميع البلاد من الريف إلى طنجة عام (460هـ/ 1067م).

وأعاد فتح فاس عنوة بحصار ضربه عليها بجيش قوامه مائة ألف جندي عام (462هـ/ 1069م), فقضى على شوكة مغراوة وبني يقرن وسائر زناتة، ونظَّم المساجد والفنادق وأصلح الأسواق، وخرج من فاس عام 463هـ إلى بلاد ملوية وفتحها، واستولى على حصون وطاط من بلاد طنجة.

توحيده المغرب العربي:

وبعد أن رجع من تلك الجولَة التفقدية الإصلاحية سار بجيوشه عام (465هـ/ 1072م) لغزو الدمنة من بلاد طنجة وفتح جبل علودان، وفي عام (467هـ/ 1074م) استولى على جبل غياثة وبني مكود وبني رهينة من أحواز تازا, وجعلها حدًّا فاصلاً بينه وبين زناتة الهاربة إلى الشـرق، وأبعد عن المغرب كلَّ مَن ظنَّ فيه أنه من أهل العصيان، فأصبح خالصًا له مرتاحًا إلى طاعته مطمئنًا إلى خلوده إلى السكينة والهدوء غير تواق للثورة عليه.

وأصبحت منطقة "تازا" ثغرًا منيعًا بينه وبين زناتة؛ ولذلك اعتبر المُؤَرِّخُون عام 467هـ/ 1074م فاصلاً في تاريخ الدولة المرابطية؛ إذ بسط يوسف نفوذه على سائر المغرب الأقصى الشَّمَالي باستثناء طنجة وسبتة.

وسيَّر يوسف بن تاشفين إلى طنجة جيشًا من اثني عشر ألف فارس مرابطي وعشـرين ألفًا من سائر القبائل, وأسند قيادته إلى صالح بن عمران عام 470هـ، وعندما اقتربت جيوش المرابطين من طنجة برز إليهم الحاجب بن سكوت على رأس جيش وهو شيخ يناهز التسعين، وانتصـر المرابطون وفتحوا طنجة، وقُتل في تلك المعارك الحاجب بن سكوت.

وبعد فتح طنجة استأنف الأمير يوسف توسُّعَه نحو الشـرق لمطاردة زناتة التي لجأت إلى تلمسان، وكان هدفه القضاء على أي مقاومة تُهَدِّد دولة المرابطين في المستقبل، وبدأت عمليات الهجوم الوقائي التي استطاعت أن تحقق أهدافها، وتهزم جيش تلمسان المعادي وتأسر قائده معلى بن يعلى المغراوي الذي قُتل على الفور، ورجعت كتائب المرابطين إلى مراكش, ثم عاد يوسف نحو الريف، وغزا تلك الأراضي وضم مدينة تكرور.

ثم رجع بجيوشه نحو وهران وتنس وجبال وانشريش ووادي الشلف حتى دخل مدينة الجزائر, وتوقف عند حدود مملكة بجاية التي حكمها بنو حمَّاد -فرع من صنهاجة- وبَنَى يوسف في مدينة الجزائر جامعًا لا يزال إلى اليوم ويُعرف بالجامع الكبير.

وعاد إلى مراكش عام 475هـ/ 1081م، وبذلك توحَّد المغرب الأقصى بعد جهاد استمرَّ ثلاثين عامًا، وأصبحت دولة المرابطين في مرحلة التَّمكين الفعلية. وفي عام 476هـ/ 1083م وجَّه الأمير يوسف ابنه المُعزَّ في جيش إلى سبتة لفتحها؛ إذ كانت المدينة الوحيدة التي لم تخضع له, كان يحكُمُها بعد وفاة الحاجب بن سكوت ابنه ضياء الدولة يحيى، فحاصرها المعزُّ برًّا وبحرًا, ودارت معركة بحرية طاحنة، وفي نهاية المطاف استطاع المرابطون أن يفتحوا سبتة، وقُتِل ضياء الدولة بعد أن أُلقي القبض عليه، وكان ذلك عام 477هـ/ 1084م.

الأندلس وملوك الطوائف:

بعد هذه الجولة الجهادية الموفَّقَة تم توحيد المغرب الأقصى بجميع نواحيه بعد عمل جادٍّ مستمرٍّ، وأصبحت الدولة المرابطية قُوَّة لا يُستهان بها تُشكل خطرًا على النصارى في الأندلس، وملجأ وحصنًا للمسلمين في الأندلس، حيث إن النصارى استفحل خطرهم في الأَنْدَلُس، حيث قامت للمسلمين دويلات في كل مدينة وصلت إلى ثلاث وعشرين دويلة تناحرت فيما بينها، وعُرف حكامها بـ"ملوك الطوائف (http://www.islamstory.com/%D8%B9%D9%87%D8%AF_%D9%85%D9%84%D9%88%D9%83_%D8%A7 %D9%84%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%A6%D9%81)" وتلقَّبوا بألقاب الخلفاء كالمأمون والمعتمد والمستعين والمعتصم والمتوكل إلى غير ذلك من الألقاب، ووصف هذه الحالة المشينة الشاعر أبو علي الحسن بن رشيق فقال:

مما يزهدني في أرض أندلــس *** سماع مــقتدر فيـها ومعتضد
ألقاب مملكة في غيـر موضعها *** كالهرِّ يحكي انتفاضًا صولة الأسد

ولما كان الوضع في الأندلس على هذا السوء، من التفرق والتشرذم، أعمل ملك الصليبين فيها ألفونسو السادس سيفه وسنانه، حتى أصبح ملوك الطوائف يبعثون بالجزية إليه كل عام، فضج ملوك الطوائف من تجبره وغطرسته، وقتل المعتمد رسل ألفونسو التي جاءت لتحصيل الجزية، فأعد ذلك الصليبي العدة لإفناء المعتمد وباقي ملوك الطوائف.

ومِن هنا أرسل ألفونسو برسالة إلى الأمير يوسف بن تاشفين يهزأ منه قائلاً: "فإن كنت لا تستطيع الجواز فابعث إليَّ ما عندك من المراكب نجوز إليك، أناظرك في أحب البقاع إليك؛ فإن غلبتني فتلك نعمة جُلِبت إليك، ونعمة شملت بين يديك، وإن غلبتك كانت ليَّ اليد العليا عليك, واستكملت الإمارة, والله يتم الإرادة".

فكان رد الأسد المرابط يوسف بن تاشفين مدويًّا، يقطر عزة وإباءً مع قلة حروفه، فكتب على ظهر الرسالة: "الجواب ما ترى لا ما تسمع"[2] (http://www.islamstory.com/%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%A8%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D8%B4%D9%81%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7%D9%8A%D 9%86#_ftn2).

نصرته لملوك المسلمين في الأندلس:

أرسل ألفونسو رسالات التحذير والتهديد للمعتمد، مما دفعه بعد تفكير طويل إلى إرسال رسالة مكتوبة إلى الأمير يوسف مؤرخة 479هـ, يستنجد بيوسف بن تاشفين، جاء فيها: "ونحن أهل هذه الأندلس ليس لأحد منا طاقة على نصرة جاره ولا أخيه، ولو شاءوا لفعلوا إلا أن الهواء والماء منعهم من ذلك، وقد ساءت الأحوال، وانقطعت الآمال، وأنت -أيَّدك الله- سيد حمير، ومليكها الأكبر، وأميرها وزعيمها، نزعت بهمتي إليك واستنصرت بالله ثم بك، واستغثت بحرمكم لتجوز بجهاد هذا العدو الكافر وتحيون شريعة الإسلام وتدينون على دين محمد ، ولكم عند الله الثواب الكريم على حضرتكم السامية. السلام ورحمة الله وبركاته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"[3] (http://www.islamstory.com/%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%A8%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D8%B4%D9%81%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7%D9%8A%D 9%86#_ftn3).

وأرسلت وفود شعبية من الشيوخ والعلماء رسائل تحثُّ الأمير على إنقاذ الأندلس، وتأثر المرابطون لمُصاب إخوانهم في الدِّين، وعرض أميرهم قضية مسلمي الأندلس على أهل الحلِّ والعَقْد عنده، وأجمعوا على نصرة دينهم وإعزاز كلمة التوحيد.

يوسف بن تاشفين في الأندلس:

لقد انزعج ألفونسو من مجيء المرابطين انزعاجًا كبيرًا, حيث شعر بعودة الروح المعنوية إلى أهالي الأندلس الذين كان يسومهم سوء العذاب، يُقتِّل رجالهم ويسبي نساءهم، ويأخذ منهم الجزية، ويحتقرهم ويزدريهم، ويتلاعب بمصيرهم, وينتظر الفرصة لاستئصالهم من الأندلس؛ لتعم النصرانية في سائر البلاد، ويرتفع الصليب على أعناق العباد، وإذا بالمرابطين يربكون مخططاته ويبددون أحلامه.

وأرسل يوسف بن تاشفين إلى ألفونسو كتابًا يعرض عليه الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو الحرب، ومما جاء في كتاب الأمير: "بلغنا يا ألفونس أنَّك نحوت الاجتماع بنا, وتمنيَّت أن تكون لك فُلْكٌ تعبر البحر عليها إلينا، فقد جزناه إليك، وجمع الله في هذه العرصة[4] (http://www.islamstory.com/%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%A8%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D8%B4%D9%81%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7%D9%8A%D 9%86#_ftn4) بيننا وبينك، وترى عاقبة ادعائك، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال"[5] (http://www.islamstory.com/%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%A8%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D8%B4%D9%81%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7%D9%8A%D 9%86#_ftn5).

ولما قرأ ألفونسو الكتاب زاد غضبه وذهب عقله وقال: "أبمثل هذه المخاطبة يخاطبني وأنا وأبي نغرم الجزية لأهل ملته منذ ثمانين سنة؟"[6] (http://www.islamstory.com/%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%A8%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D8%B4%D9%81%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7%D9%8A%D 9%86#_ftn6)، وقال لرسول الأمير يوسف: "قُل للأمير: لا تتعب نفسك، أنا أصل إليك"[7] (http://www.islamstory.com/%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%A8%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D8%B4%D9%81%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7%D9%8A%D 9%86#_ftn7).

موقعة الزلاقة:

والتقى الجيشان بمكان عرف بعد الموقعة باسم الزلاقة؛ لأن الخيول كانت تنزلق من كثرة دماء الصليبيين التي سالت على أرض المعركة، وفي محاولة ماكرة لخديعة المسلمين أرسل "ألفونسو السادس" يحدد يوم المعركة، فأرسل أن غدًا الجمعة، وهو عيد من أعياد المسلمين ونحن لا نقاتل في أعياد المسلمين، وأن السبت عيد اليهود وفي جيشنا كثير منهم، وأما الأحد فهو عيدنا، فلنؤجل القتال حتى يوم الاثنين.

تسلَّم يوسف بن تاشفين الرسالة، وبوعي تام وبقيادة تعلم خبايا الحروب وفنون مقدماتها لم يُعلِم جيشه هذه الرسالة، إذ إنه يعلم أن هذا الرجل مخادع، وبعد ترتيب الجيش وصلاة فجر يوم الجمعة الموافق (12 من شهر رجب 479هـ/ 23 من أكتوبر 1086م)، هجم ألفونسو بجيشه، ولم تكن مفاجأة ليوسف بن تاشفين أن يخالف "ألفونسو السادس" طبيعته وينقض عهده.

إنما المفاجئة أصابت "ألفونسو السادس" الذي وجد الجيش الإسلامي على أتمِّ تعبئة وأفضل استعداد، وبخطة محكمة، كان يوسف بن تاشفين قد قسَّم الجيش ثلاث فرق: الفرقة الأولى وهي المقدمة بقيادة المعتمد وتضم خمسة عشر ألف مقاتل، والفرقة الثانية خلف الأولى وعلى رأسها يوسف بن تاشفين وتضم أحد عشر ألف مقاتل، ومن بعيد تنتظر الفرقة الثالثة وتضم أربعة آلاف مقاتل هم من أمهر الرماة والمحاربين.

لم تكن خطة يوسف بن تاشفين -رحمه الله- جديدة في حروب المسلمين، فقد كانت هي نفس الخطة التي استعملها خالد بن الوليد t في موقعة الولجة (http://www.islamstory.com/%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%88% D9%84%D8%AC%D8%A9) في فتوح فارس (http://www.islamstory.com/%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%88%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%B3/)، وهي أيضًا نفس الخطة التي استعملها النعمان بن مقرن t في موقعة نهاوند (http://www.islamstory.com/%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9_%D9%86%D9%87%D8%A7% D9%88%D9%86%D8%AF) في فتوح فارس أيضًا، فكان -رحمه الله- رجلاً يقرأ التاريخ ويعرف رجالاته ويعتبر بهم.

وأصاب الصليبيين مقتلة عظيمة، وولَّى ألفونسو مطعونًا في إحدى ركبتيه طعنة أفقدته إحدى ساقيه في 500 فارس من ثمانين ألف فارس ومائتي ألف راجل، قادهم الله على المصارع والحتف العاجل، وتخلَّص إلى جبل هنالك, وأصبح ألفونسو -كما يصفه لسان الدين بن الخطيب- "فارًّا لا يُهدى ولا ينام ومات من الخمسمائة فارس الذين كانوا معه بالطريق أربعمائة، فلم يدخل طُلَيْطِلَة إلا مائة فارس، والحمد لله على ذلك كثيرًا، وكانت هذه النعمة العظيمة والمنة الجسيمة"[8] (http://www.islamstory.com/%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%A8%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D8%B4%D9%81%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7%D9%8A%D 9%86#_ftn8).

وأصبح يوم الزَّلاَّقَة عند المغاربة والأندلسيين مثل يوم القادسية (http://www.islamstory.com/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%A3% D9%88%D9%84_%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9_% D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AF%D8%B3%D9%8A%D8%A9) واليرموك (http://www.islamstory.com/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B1%D9%85%D9%88%D9%83_%D8%A7% D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D 9%84_%D9%81%D8%AA%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D 9%85)، يوم لم يُسمع بمثله من القادسية واليرموك، فيا له من فتح ما كان أعظمه! يوم كبير ما كان أكرمه! فيوم الزَّلاقة ثبتت قدم الدِّين بعد زلاقها، وعادت ظلمة الحق إلى إشراقها.

وفاته:

وفي غرة محرم سنة 500هـ أي وهو في المائة من العمر، قرنًا كاملاً من الزمان، رحل البطل، وترجّل الفارس الشجاع، وموحِّد الأمة بعد أن أتم أمير المرابطين عمله الذي عاش وجاهد من أجله، ووحد بلاد المغرب والأندلس تحت راية واحدة، وأعاد الإسلام الصحيح بربوع المغرب، وأزال الظلمة والطواغيت والمتسلطين على رقاب العباد، وصدَّ الصليبيين عن مسلمي الأندلس، وأوقف حرب الاسترداد الإسبانية فترة من الزمان.

ويكفي شهادة ابن الأثير لذلك الرجل حين قال عنه: "وكان حسن السيرة خيرًّا عادلاً، يميل إلى أهل الدين والعلم ويكرمهم، ويصدر عن رأيهم"[9] (http://www.islamstory.com/%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%A8%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D8%B4%D9%81%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7%D9%8A%D 9%86#_ftn9).

أهم المراجع:

1- روض القرطاس، ابن أبي زرع الأندلسي.
2- تاريخ الأندلس، ابن الكردبوس.
3- دولة المرابطين في المغرب والأندلس، د. سعدون عباس.
4- وفيات الأعيان، ابن خلكان.
5- الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية، ابن الخطيب.
6- الكامل في التاريخ، ابن الأثير.
7- فقه النصر والتمكين في دولة المرابطين، د. علي الصلابي.
8- موقع قصة الإسلام (http://www.islamstory.com/%D8%B3%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%AA%D9%82%D8%B3%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86).

المصدر: موقع لواء الشريعة (http://www.shareah.com/index.php?/records/view/action/view/id/2754/).

شهيدة لخواجة
03-12-2010, 04:44 PM
أرملة ابن تاشفين


http://reda-ction.hautetfort.com/media/01/02/947314093.jpg



في زاوية مهملة من زوايا مدينته التي تشتعل نيرانا من حوله، يرقد رقدته الأبدية. ليس النيران المعروفة التي يُرى لهيبُها ويتيسر إخمادها وإعادة البناء بعدها، ولكن نيران شبكات تهريب العقارات والرياضات العتيقة، المفعمة بتاريخ وروح المدينة. فرغم بقائها الظاهر حيث هي داخل أسوار المدينة، فالاستعمار في صيغته الحريرية الحديثة صار يقضم – يقضم تقال لليابس - مستعمراته القديمة الغافلة المغفلة قضما لينا، ويُدخلها في زمانه... لم لا؟ والفرصة سانحة ونفس دواعي دخوله الأولى قد توافرت من جديد، فقر وجهل ومحميون مزدوجو الجنسيات أو ثلاثيوها ومؤامرة صمت محبوكة محيطة مستفيدة. ثم نار شبكات تهريب الأعراض والأخلاق التي يُجرمها القانون والقانون فقط، وكفى بسطور في الجريدة الرسمية واعظا وناهيا ...حتى صارت بعض المواقع الإلكترونية السياحية تعلن عن "تخفيضات جنسية" مهمة في عاصمة المرابطين والموحدين. ثم نار الشمس المحرقة على الإسفلت الذي تجري فوقه سيول الحديد النافث للأدخنة الملوثة، تنزع عن المدينة آخر مزاياها البيئية: مراكش شفاء للمصابين بالربو والحساسية...كانت!

من ينتبه له ولتاريخه المجيد؟ بل ربما من يعرفه أصلا؟ إنه رفات الآن...وليس كأي رفات!

http://reda-ction.hautetfort.com/media/01/01/1131144329.JPG

في جمهوريات آسيا الوسطى، وفي عنفوان الستار الحديدي السوفييتي، كان المسلمون العجم هناك يأتون بأبنائهم الصغار إلى قبر الإمام البخاري، والإمام مسلم وغيرهم من علماء المسلمين، يرسخون فيهم أنهم سلالة هؤلاء القوم العظام، وكان ذلك نبعا كبيرا لصمودهم طيلة تلك السنوات القاسية المريرة. أما الأمير المنسي في زاوية من زوايا مدينته التي تستضيف مهرجانات العولمة التي تـُرصد لها الملايير، فلا من يقف قرب قبره ولو للترحم، سوى بعض السياح الأجانب الذين يأنفون أحيانا كثيرة حتى من دخول ضريحه المهمل، ليقولوا له ها نحن عدنا يا ابن تاشفين، كما فعلوا قرب قبر صلاح الدين، فقومنا بإهماله، قد كفوهم ذلك.

هل نحن معذورون؟

ألأن الأمير المرابطي رحمه الله، من فرط تواضعه كان قد أوصى أن لا يتميز مرقده عن قبور المسلمين، أخذنا نحن بفرط تمسكنا بعهده ووفائنا له، وصيته بالنص، تبعا للمقولة " أنا عبدك، آجي للسوق نبيعك"...!!!!

"أهذا مرقد مؤسس المدينة العالمية؟!"

هكذا يتساءل، في استغراب، من دخل من هؤلاء السياح، ليرى قبر يوسف بن تاشفين، "أمير المسلمين" كما تحكي كتب التاريخ، أنه سمى نفسه لئلا ينازع العباسيين في المشرق، رغم كونه اجتمعت له من مواصفات الخلافة ما لم يجتمع لمعاصريه منهم.

نعم هذا مرقد المؤسس للأسف...

قبة ضريح ببابها صندوق خُضار خشبي فارغ متآكل، عليه وسادة، تجلس عليها السيدة رشيدة هـ. المحافظة على الضريح فقط، وليس "محافظته" بمعناها التقني الأثري المتحفي وتوابعه من حقوق وواجبات. محافظة عليه من مزيد التلاشي ومزيد الإهمال، بحيث تبيضه من حين لآخر وتنظفه وتمتح إليه الماء وتستقبل زواره وتعرفهم بمن هو غني عن التعريف. في أعلى بابه كـُتب اسم الدفين العظيم، ولكن بخط متواضع جدا، رغم جُهد الخطاط - مشكورا -كي يعرف بهوية البناء. يلعب قرب السيدة عادة طفلها الصغير، تحرص عليه أن لا يتجاوز العتبة، لأنه قد تصدمه حافلة منطلقة من الموقف المحاذي للباب، والذي تنفث حافلاته الرائحة الغادية صباح مساء، دخانها على الواقفين من الناس المنتظرين، وعلى جدران الضريح، بل تقتحم على الراقد هناك من النافذة، وتعطر المكان وتبخره... ولكن ليس ببخور البان الفاخر.

سنام القبر مغطى بقماش مزركش، كتلك الأقمشة التي كان الطرقيون وأصحاب المواسم، أيام الصبا، يلفعون بها ناقتهم ويطوفون بها في الأزقة، يجمعون بها وبأسماء الصالحين، الأعطيات لمواسمهم التي صارت الآن أعيادا للشواذ وجمعيات لهم بقوة الواقع. قطعة قماش مزركشة، خشيت السيدة رشيدة هـ، أن ترفعها كي ألتقط صورة للقبر دون ساتر، وعللت رفضها بأنه يتجاوزها ويدخل في "السياسة" (كذا)....هكذا يدخل الضريح السياسة ويخرج منها رهبة ورغبة.


قرب القبر ساعة خشبية كبيرة وعتيقة، ذات رقاص، هناك واقفة ومتوقفة كتوقف زمان المدينة الحقيقي. وقفت أمامها السيدة كأنها أرملة الراقد هناك، رافعة يديها أمام المصورة تدعو الله وتسأله... للأمير؟ لنفسها؟ لابنها؟ لمراكش الأصيلة الرثة كرثاثة سجاد الضريح رغم المساحيق الحداثية؟

وقفت كأنها مراكش الحقيقية مشخصة في امرأة لم تفقد الأمل رغم ذلك، الأمل في أن ينال ضريح فقيدها بن تاشفين، ولو ربع الاهتمام الذي يناله ضريح المعتمد بن عباد في أغمات، والذي يبدو عليه أثر الإنعام والاحتفاء، بحيث أنه من حين لآخر يجتمع فيه جمع من الشعراء من المغرب والأندلس يبكون ويرثون شعرا، رفات الملك الأندلسي المنفي عن فردوسه الأرضي، وما في ذلك من ثلب ضمني للأمير الذي "ظلمه" ونفاه ثم نال جزاءه إهمالا ونسيانا.

القصة تصرمت عليها ألفية تقريبا، وقضى النافي والمنفي نحبهما، وقضت معهما مبرراتهما، فأدرِكُوا ضريح بن تاشفين واعتنوا به واحتفوا براقده، لأنه يوشك أن يقول "أدعياء الحقوق الثقافية الأمازيغية" أن الأمير ما أهمل، إلا لكونه أمازيغيا...وهو ما أهمل ربما إلا بسبب مجد لا نريد أن نتذكره، ونقارن قزامتنا أمام عظمته...

في إحدى فتوحات المسلمين في آسيا زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جاء رجل يحكي له عن شهداء المسلمين هناك، وأخذ يسرد له أسماءهم حتى بلغ آخرين لا يعرفهم أحد فقال له " هؤلاء لا نعرفهم يا أمير المؤمنين" فقال له الفاروق:"الله عز وجل يعرفهم!"

منقووووول