المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخذ العهد على الأنبياء أن يؤمنوا برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم


الشيخ محمد الزعبي
13-02-2011, 05:17 AM
أخذ العهد على الأنبياء أن يؤمنوا برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}آل عمران:81
واذكر -أيها الرسول- إذ أخذ الله سبحانه العهد المؤكد على جميع الأنبياء: لَئِنْ آتيتكم من كتاب وحكمة, ثم جاءكم رسول من عندي, مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنَّه. فهل أقررتم واعترفتم بذلك وأخذتم على ذلك عهدي الموثق؟ قالوا: أقررنا بذلك, قال: فليشهدْ بعضكم على بعض, واشهدوا على أممكم بذلك, وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم. وفي هذا أن الله أخذ الميثاق على كل نبي أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم, وأخذ الميثاق على أمم الأنبياء بذلك..
دعوة إبراهيم عليه السلام قال الله تعالى:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}البقرة:129)
بشارة عيسى عليه السلام قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}الصف:6 عن أبي أُمامةَ - رضي الله عنه -قال: قلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ: ما كانَ أَوَّلُ أَمْرِكَ ؟ قال: " دعوةُ أبي إبراهيمَ, وبُشرى عيسى, ورَأَتْ أُمِّي نورًا أضاءَتْ منهُ قصورُ الشامِ " [أخرجهُ أحمدُ].
إنَّ ولادةَ الهادي نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - لَهِيَ أعظمُ خيرٍ وبِشارةٍ, وأكبرُ نِعْمَةٍ ومِنَّةٍ, وهو الحدثُ الجَلَلُ الذي كانَ بدايةً لعصرٍ جديدٍ لِلبشريةِ, وتحولٍ عميقٍ في حياةِ الإنسانيةِ,
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء
الروح والملأُ الملائك حولَه للدين والدنيا له بشراءُ
والعرش يزهو، والحظيرة تزدهي والمنتهى والسّدرة العصماءُ
وحديقة الفرقان ضاحكة الربا بالترجمان شَذيّة غنّاءُ
والوحي يقطر سلسلاً من سلسلٍ واللّوح والقلم البديع رواءُ
يا خيرَ مَن جاءَ الوجودَ تحيّةً مِن مُرسلينَ إلى الهدى بكَ جاؤوا
أنتَ الذي نَظَمَ البَرِيَّةَ دِينُهُ ماذا يقولُ ويَنْظِمُ الشعراءُ
فَكَمْ كانتْ نعمةُ اللهِ تعالى عظيمةً, ومِنَّتُهُ كريمةً, على العالَمِ بوجهٍ عامٍّ, وعلى العربِ بوجهٍ أَخَصَّ !!, حينَ بَعَثَ فيهمْ سَيِّدَ البشرِ, وأَنْفَسَ الدُّرَرِ, نبيَّنا محمدًا عليهِ أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ السلامِ؛ فقدْ أخرجَ الناسَ مِنْ جاهليةٍ جَهْلاءَ, وضلالةٍ عمياءَ, إلى الإيمانِ والخيرِ والضياءِ, قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } { آل عمران :164 } .
ولقدْ سألَ النَّجَاشِيُّ أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حينَ هاجروا إليهِ في الحَبَشَةِ: ما هذا الدِّينُ الذي قدْ فارَقْتُمْ فيهِ قومَكمْ, ولَمْ تَدْخُلوا في ديني ولا في دِينِ أَحَدٍ مِنْ هذهِ الأُمَمِ ؟! فأجابهُ جعفرُ بنُ أبي طالبٍ رضي الله عنه: " أيُّها الملِكُ: كُنّا قومًا أهلَ جاهليةٍ, نَعْبُدُ الأصنامَ, ونأكلُ الميْتةَ, ونأتي الفواحشَ, ونَقْطَعُ الأرحامَ, ونُسيءُ الجِوارَ, ويأكلُ القويُّ منّا الضعيفَ, فكُنّا على ذلك, حتى بَعَثَ اللهُ إلينا رسولاً منّا, نَعْرِفُ نَسَبَهُ وصِدْقَهُ, وأمانتَهُ وعَفافَهُ, فدعانا إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ لِنُوَحِّدَهُ ونعبدَه, ونخْلعَ ما كنّا نَعبدُ نحنُ وآباؤنا مِنْ دونِ اللهِ مِنَ الحجارةِ والأوثانِ, وأَمَرَنا بِصِدْقِ الحديثِ, وأداءِ الأمانةِ, وصِلَةِ الرَّحِمِ, وحُسْنِ الجِوارِ, والكَفِّ عَنِ المَحارِمِ والدِّمَاءِ, ونهانا عَنِ الفواحشِ وشهادةِ الزُّورِ, وأَكْلِ مالِ اليتيمِ, وقَذْفِ المُحْصَنَةِ, وأَمَرَنا أَنْ نَعبدَ اللهَ لا نشركَ بهِ شيئًا, وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ " [أخرجَهُ أحمدُ].
لقدْ كانَ الناسُ قبلَ مَجيءِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يعبدونَ الحَجَرَ والشَّجَرَ, والشمسَ والقمرَ, وغيرَ ذلكَ ممّا لا ينفعُ ولا يَضُرُّ, وكانَ القليلُ مِنَ الناسِ على دِينِ الخليلِ إبراهيمَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ, على الحنيفيةِ والتوحيدِ, فأتاهُمُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يدعوهُمْ إلى توحيدِ اللهِ تعالى في عبادتِهِ, وإفرادِهِ في أُلوهِيَّتِهِ, وأَعلنها صريحةً مُدَويّةً فيهمْ: { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } { غافر:66 } . وحَمَى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جنابَ التوحيدِ, وأكَّدَ عليهِ غايةَ التأكيدِ, وتلا عليهمْ آياتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ في ذلك, كقولِهِ سبحانهُ: { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } { النساء:36 } , وقولِهِ تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ { النساء:48 } .
*ولقدْ كانْ عندَ العربِ قَبْلَ بعثتِهِِ - صلى الله عليه وسلم - انحرافاتٌ اجتماعيةٌ, ومفاسدُ أخلاقيةٌ, فمحاها الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - بدعوتِهِ الكريمةِ النَّقِيَّةِ, مُمْتَثِلاً أَمْرَ رَبِّهِ وخالِقِهِ عَزَّ وجَلَّ في ذلك: فَلَقَدْ كانَ أحدُهمْ إذا رَزَقَهُ اللهُ تعالى بالأُنثى مِنَ الولدِ ضاقَ صدرُهُ, وتَنَكَّدَ عَيْشُهُ, وعاشَ في هَمٍّ وحَيْرَةٍ: ماذا يصنعُ بِها ؟! فيَذهبُ كثيرٌ منهم إلى قَتْلِها ودَفْنِها وهِيَ حَيَّةٌ؛ خشيةَ الفقرِ أوِ المَهانةِ, وهُوَ ما عُرِفَ بِوَأْدِ البناتِ, فيا لَها مِنْ قلوبٍ ما أقساها!, ومِنْ عُقولٍ ما أَجْهَلَها!, يقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ واصفًا هذه الصورةَ العجيبةَ: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } { النحل:58, 59 } ،ويقولُ سبحانهُ: { وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } { التكوير:8،9 } .
*ومِنْ تلكَ الأخلاقِ الفاسدةِ التي كانتْ عندَ بعضِ العربِ: انتشارُ البِغَاءِ, واتِّخاذُ الخليلاتِ, وبعضُ الأنواعِ مِنَ الأنكحةِ الباطلةِ التي لا يُقِرُّها عَقْلٌ سَوِيٌّ, ولا شَرْعٌ حنيفٌ, فحَرَّمَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - ذلك كُلَّهُ, وأبدلهُ بالنكاحِ المشروعِ الصحيحِ المقرَّرِ في الكتابِ والسُّنَّةِ, قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } { الإسراء:32 } .
*وفي جانبِ العقوباتِ والجِناياتِ: كان الظُّلْمُ والكِبْرُ موجودًا عندَهم؛ فإذا قُتِلَ فَرْدٌ مِنْ أفرادِ قبيلةٍ مّا, لَمْ تَرْضَ هذه القبيلةُ أن تَقتصَّ مِنَ القاتلِ نفْسِهِ, وإنَّما تريدُ أنْ تَقْتُلَ رئيسَ قبيلتِهِ, أورُبَّما أرادوا أن يَقتُلوا بالواحدِ منهمْ عَشْرا, وبالأُنثى ذَكَرا, فإنْ أُجيبوا إلى طَلَبِهِمْ رَضُوا, وإلاّ قاتَلوا قبيلةَ القاتلِ وسَفَكُوا الدِّماءَ الكثيرةَ ظُلْمًا وعُدْوانًا, فما أَعْظَمَهُ مِنْ ظُلْمٍ!, وما أقساهُ مِنْ جُرْمٍ!, فَشَرَعَ اللهُ تعالى القصاصَ الذي يُحَقِّقُ العدالةَ والحياةَ, فقال سبحانَهُ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى } إلى أنْ قال: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } { البقرة:178, 179 } .
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأحكام العادلة الرائعة التي ساوت بين الناس جميعا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}الحجرات:13.
قال أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله تعالى:
1 - وُلد الهدى، فالكائناتُ ضياءُ وفمُ الزّمان تبسُّمٌ وثنـاءُ
2 - الرُّوحُ والملأُ الملائكُ حَولَهُ للدِّين والدنيا به بــشراءُ
3 -والعرشُ يزهو والحظيرةُ تزدَهي والمنتهى والسِّدرَةُ العصماءُ
وحديقةُ الفرقان ضاحكةُ الربى بالترجمانِ شذيَّةٌ ، غنَّاءُ
4 - والوحيُ يقطرُ سلسلاً من سلسلٍ واللوحُ والقلمُ البديعُ رُواءُ
نُظِمَتْ أسامي الرُّسلِ فهي صحيفة في اللوح ، واسمُ محمدٍ طغراءُ
اسم الجلالة في بديع حروفه ألفٌ هنالك ، واسم طه الباءُ
5 -يا خير من جاءَ الوجودَ ، تحيةً من مُرسلينَ الى الهدى بك جاؤوا
6 - بك بشَّر اللهُ السماء فزُيِّنت وتضوَّعت مسكاً بك الغبراءُ
7 - يومٌ يتيهُ على الزمان صباحُه ومساؤه بمحمدٍ وضَّاءُ
8 -يوحى إليك النور في ظلمائه متتابعاً تجلى به الظلماء
9-والآيُ تترى ، والخوارق جمةٌ جبريلُ رواح بها غداءُ
10-دينٌ يشيد آيةً في آية لبنائه السوراتُ والأضواءُ
11-الحق فيه هو الأساس ، وكيف لا والله جلَّ جلاله البناءُ؟
12-بك يا ابن عبد الله قامتْ سَمْحَةٌ بالحقِّ من مللِ الهدى غراءُ
13-بنيتْ على التوحيد ، وهي حقيقةٌ نادى بها سقراطُ والقدماءُ
14-ومشى على وجه الزمان بنورها كهانُ وادي النيل والعرفاءُ
15-جاءت فوحدت الزكاةٌ سبيله حتى التقى الكرماءُ والبخلاءُ
16أنصفتَ أهلَ الفقر من أهل الغنى فالكلُّ في حقِّ الحياة سواءُ
17-يا مَنْ له الأخلاقُ ما تهوى العلا منها وما يتعشَّقُ الكبراءُ
18-زانتك في الخلقِ العظيم شمائلٌ يُغرى بهنَّ ويولعُ الكرماءُ
أما الجمالُ ؛ فأنت شمسُ سمائه وملاحةُ الصديقِ منك أياءُ
والحسن من كرم الوجوه، وخيره ما أوتي القوادُ والزعماءُ
19-فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الأنواءُ
20-وإذا عفوت فقادراً ، ومقدّراً لا يستهينُ بعفوك الجُهلاءُ
21-وإذا رحمت فأنت أمٌّ ، أو أبٌ هذان في الدنيا هما الرُّحماءُ
22-وإذا خطبت فللمنابر هزةٌ تعرو النَّديَّ ، وللقلوب بكاءُ
23-وإذا غضبت فإنما هي غضبةٌ في الحق، لا ضغنٌ ولا بغضاءُ
24-وإذا رضيت فذاك في مرضاته ورضى الكثير تحلمٌ ورياءُ
25-الله فوق الخلق فيها وحده والناسُ تحت لوائها أكفاءُ
26-والدِّينُ يسرٌ ، والخلافةُ بيعةٌ والأمرُ شورى، والحقوقُ قضاءُ
27-الاشتراكيون أنتَ إمامهم لولا دعاوى القوم والغلواءُ
28-داويتَ مُتئِداً ، وداووْا طَفرةً وأخفُّ من بعض الدواءِ الداءُ
29-الحربُ في حقٍّ لديك شريعةٌ ومن السُّمومِ الناقعاتِ دواءُ
30-والبِرُّ عندك ذمةٌ، وفريضةٌ لا منَّةٌ ممنونةٌ وجباءُ
31-وأذا أخذت العهد ، أو أعطيته فجميع عهدك ذمةٌ ووفاءُ
32-يا من له عزُّ الشفاعة وحدهُ وهو المنزهُ ، ما له شفعاءُ
33-لي في مديحك يا رسولُ عرائسٌ تيمنَ فيك ، وشاقهنَّ جلاءُ
34-هنَّ الحسانُ ، فإن قبلت تكرماً فمهورهنَّ شفاعةٌ حسناءُ
35-ما جئتُ بابَكَ مَادِحاً ، بلْ داعياً ومن المديحِ تضرُّعٌ ودعاءُ
36-أدعوك عن قومي الضعافِ لأزمةٍ في مثلِها يُلقى عَليكَ رجاءُ

فصل في الاحتفال بالمولد الشريف، وذكر أدلة جوازه:
من البدع الحسنة الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا العمل لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا فيما يليه، إنما أحدث في أوائل القرن السابع للهجرة، وأول من أحدثه ملك إربل وكان عالمًا تقيًّا شجاعًا يقال له المظفر. جمع لهذا كثيرًا من العلماء فيهم من أهل الحديث و الصوفية (http://www.sunna.info/books/sufi.php) الصادقين. فاستحسن ذلك العمل العلماء في مشارق الأرض ومغاربها، منهم الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، وتلميذه الحافظ السخاوي، وكذلك الحافظ السيوطي وغيرهم.
وذكر الحافظ السخاوي في فتاويه أن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة، ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار في المدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم.
وللحافظ السيوطي رسالة سماها "حسن المقصد في عمل المولد"، قال: "فقد وقع السؤال عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول ما حكمه من حيث الشرع؟ وهل هو محمود أو مذموم؟ وهل يثاب فاعله أو لا؟ والجواب عندي: أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس، وقراءة ما تيسر من القرءان، ورواية الأخبار الواردة في مبدإ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات, ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف. وأول من أحدث فعل ذلك صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدّين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له آثار حسنة، وهو الذي عمَّر الجامع المظفري بسفح قاسيون".ا.هـ.
قال ابن كثيرفي تاريخه: "كان يعمل المولد الشريف - يعني الملك المظفر - في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً، وكان شهمًا شجاعًا بطلاً عاقلاً عالمًا عادلاً رحمه الله وأكرم مثواه. قال: وقد صنف له الشيخ أبو الخطاب ابن دحية مجلدًا في المولد النبوي سماه "التنوير في مولد البشير النذير" فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في المُلك إلى أن مات وهو محاصر للفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمود السيرة والسريرة".ا.هـ.
ويذكر سبط ابن الجوزي في مرءاة الزمان أنه كان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية.
وقال ابن خلكان في ترجمة الحافظ ابن دحية: "كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، قدم من المغرب فدخل الشام والعراق، واجتاز بإربل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي، فعمل له كتاب "التنوير في مولد البشير النذير"، وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار".ا.هـ.
قال الحافظ السيوطي: "وقد استخرج له - أي المولد - إمام الحفاظ أبو الفضل أحمد بن حجر أصلاً من السنة، واستخرجت له أنا أصلاً ثانيًا..."ا.هـ.
فتبين من هذا أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة حسنة فلا وجه لإنكاره، بل هو جدير بأن يسمى سنةً حسنةً لأنَّهُ من جملةِ ما شَمَلَهُ قولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: (من سَنَّ في الإسلامِ سنةً حسنةً , فَلَهُ أجرُها وأجرُ من عَمِلَ بِها بَعْدَهُ من غيرِ أنْ يَنقصَ من أجورِهم شىءٌ) أخرجه مسلم و أخرجه أحمد.
وإن كان الحديث واردًا في سبب معين وهو أن جماعة أدقع بهم الفقر جاءوا إلى رسول الله وهم يلبسون النِّمار مجتبيها أي خارقي وسطها، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصدقة فاجتمع لهم شىء كثير فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك فقال: "من سنَّ في الإسلام ..." الحديث.
وذلك لأن العبرة بعموم اللَّفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند الأصوليين، ومن أنكر ذلك فهو مكابر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في ذكر نسبه الشريف صلى الله عليه وسلم
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مَنَاف بن قُصَيّ بن كِلاب بن مُرّة بن كعب بن لُؤي بن غالب بن فِهر بن مالك بن النّضر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدرِكة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معدّ بن عدنان، أبو القاسم سيد ولد ءادم صلى الله عليه وسلم كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
وجده الأعلى عدنان من سلالة إسماعيل نبي الله وهو الذبيح على الصحيح، ابن نبي الله إبراهيم خليل الرحمن صلى الله على سيدنا محمد وعلى جميع إخوانه الأنبياء والمرسلين.
فهو صلى الله عليه وسلم صاحب هذا النسب الشريف نخبة بني هاشم وعظيمُها، روى الإمام مسلم وغيره عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".
وروى الترمذي بإسناده عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم" قال أبو عيسى:هذا حديث حسن صحيح.فهو صلى الله عليه وسلم خيار من خيار كما دلت عليه النقول والآثار.
قصيدة أحمد شوقي رحمه الله تعالى كاملة
وُلد الهدى، فالكائناتُ ضياءُ وفمُ الزّمان تبسُّمٌ وثناءُ
الرُّوحُ والملأُ الملائكُ حَولَهُ للدِّين والدنيا به بُشراءُ
والعرشُ يزهو ، والحظيرةُ تزدَهي والمنتهى ، والسِّدرَةُ العصماءُ
وحديقةُ الفرقان ضاحكةُ الربى بالترجمانِ ، شذيَّةٌ ، غنَّاءُ
والوحيُ يقطرُ سلسلاً من سلسلٍ واللوحُ والقلمُ البديعُ رُواءُ
نُظِمَتْ أسامي الرُّسلِ فهي صحيفة في اللوح ، واسمُ محمدٍ طغراءُ
اسم الجلالة في بديع حروفه ألفٌ هنالك ، واسم طه الباءُ
يا خير من جاءَ الوجودَ ، تحية من مُرسلينَ الى الهدى بك جاؤوا
بيت النبيين الذي لا يلتقي إلا الحنائف فيه والحنفاءُ
خيرُ الأبوةِ حازهم لكَ آدمٌ دونَ الأنامِ ، واحرزتْ حوَّاءُ
هم أدركوا عزَّ النبوَّةِ وانتهت فيها إليكَ العزَّةُ القعساءُ
خُلقتْ لبيتك ، وهو مخلوقٌ لها إن العظائِمَ كفؤها العظماءُ
بك بشَّر اللهُ السماء فزُيِّنت وتضوَّعت مسكاً بك الغبراءُ
وبدا مًحيَّاك الذي قسماتُه حق ، وغرَّتُه هُدىً وحياءُ
وعليه من نورِ النبوَّةِ رونقٌ ومن الخليل وهديِه سيماءُ
أثنى المسيحُ عليه خلف سمائه وتهلَّلت واهتزت العذراءُ
يومٌ يتيهُ على الزمان صباحُه ومساؤه بمحمدٍ وضَّاءُ
الحقُّ عالي الركن فيه ، مظفَّر في الملكِ ، لا يعلو عليه لواءُ
ذُعرت عروشُ الظالمين ، فزلزلت وعلتْ على تيجانهم أصداءُ
والنارُ خاوية الجوانب حولّهُمْ خَمَدَت ذوائبُها ، وغاض الماءُ
والآيُ تترى ، والخوارق جمةٌ جبريلُ رواح بها غداءُ
نِعمَ اليتيمُ بدت مخايلُ فضله واليُتمُ رزقٌ بعضُه وذكاءُ
في المهد يُستسقى الحيّا برجائه وبقصده تُستدفعُ البأساءُ
بسوى الأمانة في الصبا والصدقِ لم يعرفه أهلُ الصدقِ والأمناءُ
يا مَنْ له الأخلاقُ ما تهوى العلا منها وما يتعشَّقُ الكبراءُ
لو لم تُقم ديناً ؛ لقامت وحدَها ديناً تُضيءُ بنوره الآناءُ
زانتك في الخلقِ العظيم شمائلٌ يُغرى بهنَّ ويولعُ الكرماءُ
أما الجمالُ ؛ فأنت شمسُ سمائه وملاحةُ الصديقِ منك أياءُ
والحسن من كرم الوجوه، وخيره ما أوتي القوادُ والزعماءُ
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الأنواءُ
وإذا عفوت فقادراً ، ومقدّراً لا يستهين بعفوك الجُهلاءُ
وإذا رحمت فأنت أمٌّ ، أو أبٌ هذان في الدنيا هما الرُّحماءُ
وإذا غضبت فإنما هي غضبةٌ في الحق، لا ضغنٌ ولا بغضاءُ
وإذا رضيت فذاك في مرضاته ورضى الكثير تحلمٌ ورياءُ
وإذا خطبت فللمنابر هزةٌ تعرو النَّديَّ ، وللقلوب بكاءُ
وإذا قضيت فلا ارتياب ، كأنما جاء الخصوم من السماء قضاءُ
وإذا حميتَ الماء لم يورد ، ولو أن القياصر والملوك ظماءُ
وإذا أجرت فأنت بيت الله ، لم يدخل عليه المستجير عداءُ
وإذا ملكت النفس قُمْتَ ببرِّها ولو أن ما ملكت يداك الشاءُ
وإذا بنيت فخير زوجٍ عشرةً وإذا ابتنيت فدونك الآباءُ
وإذا صحبت رأى الوفاء مجسما في بردك الأصحابُ والخلطاءُ
وأذا أخذت العهد ، أو أعطيته فجميع عهدك ذمةٌ ووفاءُ
وإذا مشيت الى العدا فغضنفرٌ وإذا جريت فإنكَ النكباءُ
وتمدُّ حلمكَ للسفيهِ مُدارياً حتى يضيق بعرضك السفهاءُ
في كل نفسٍِ من سطاك مهابةٌ ولكل نفسٍ في نداك رجاءُ
والرأي لم ينضَ المهَّندُ دونه كالسيف لم تضرب به الآراءُ
يأيها الأمِّي ، حسبكَ رتبةً في العلم أن دانت بك العلماءُ
الذكرُ آية ربكَ الكبرى التي فيها لباغي المعجزات غناءُ
صدرُ البيانِ له إذا التقت اللُّغى وتقدّم البلغاءُ والفصحاءُ
لما تمشى في الحجاز حكيمهُ فضَّت عُكاظُ به، وقام حِراءُ
أزرى بمنطق أهله وبيانهم وحيٌ يقصرُ دونه البلغاءُ
حسدوا ، فقالوا : شاعرٌ ، أو ساحرٌ ومن الحسود يكون الاستهزاءُ
قد نال بالهادي الكريم وبالهدى ما لم تنل من سؤدد سيناء
أمسى كأنك من جلالك أمةٌ وكأنه من أنسه بيداءُ
يوحي إليك الفوز في ظلماته متتابعاً ، تجلى به الظلماءُ
دينٌ يشيد آيةً في آية لبنائه السوراتُ والأضواءُ
الحق فيه هو الأساس ، وكيف لا والله جلَّ جلاله البناءُ؟
أما حديثُكَ في العقول فمشرعٌ والعلم والحكمُ الغوالي الماءُ
هو صبغةُ الفرقان ، نفحة قدسه والسين من سوراته والراءُ
جرتِ الفصاحةُ من ينابيع النُّهى من دوحه ، وتفجى الإنشاء
في بحره للسابحين به على أدب الحياة وعلمها إرساءُ
أنت الدهورُ على سُلافته ، ولم تَفْنَ السلافُ ، ولا سلا الندماءُ
بك يا ابن عبد الله قامتْ سَمْحَةٌ بالحقِّ من مللِ الهدى غراءُ
بنيتْ على التوحيد ، وهي حقيقةٌ نادى بها سقراطُ والقدماءُ
وجد الزعافَ من السموم لأجلها كالشهد ، ثم تتابعَ الشهداءُ
ومشى على وجه الزمان بنورها كهانُ وادي النيل والعرفاءُ
إيزيسُ ذاتُ الملك حين توحَّدَتْ أخذت قوام أمورها الأشياءُ
لما دعوتَ الناسَ لبىَ عاقلٌ وأصمَّ منك الجاهلين نداءُ
أبوا الخروج إليك من أوهامهم والناسُ في أوهامهم سجناءُ
ومن العقول جداولٌ وجلامدٌ ومن النفوس حرائرٌ وإماءُ
داءُ الجماعة من ارسطاليس لم يوصف له حتى أتيتَ دواءُ
فرسمتَ بعدَك للعبادِ حكومةً لا سوقةٌ فيها ولا أمراءُ
الله فوق الخلق فيها وحده والناسُ تحت لوائها أكفاءُ
والدِّينُ يسرٌ ، والخلافةُ بيعةٌ والأمرُ شورى، والحقوقُ قضاءُ
الاشتراكيون أنتَ إمامهم لولا دعاوى القوم والغلواءُ
داويت متئداً ، وداووا طفرةً وأخفُّ من بعض الدواءِ الداءُ
الحربُ في حقٍّ لديك شريعةٌ ومن السُّمومِ الناقعاتِ دواءُ
والبِرُّ عندك ذمةٌ، وفريضةٌ لا منَّةٌ ممنونةٌ وجباءُ
جاءت فوحدت الزكاةٌ سبيله حتى التقى الكرماءُ والبخلاءُ
أنصفتَ أهلَ الفقر من أهل الغنى فالكلُّ في حقِّ الحياة سواءُ
فلو أنَّ إنساناً تخير ملةً ما اختار إلا دينكَ الفقراءُ
يأيها المسرى به شرفاً الى ما لا تنالُ الشمسُ والجوزاءُ
يتساءلون - وأنتَ أطهرُ هيكل بالروح أو بالهيكل الإسراءُ ؟
بهما سموتُ مطهرين، كلاهما نورٌ ، وريحانيَّة ، وبهاءُ
فضلٌ عليك لذي الجلال ومنةٌ والله يفعل ما يرى ويشاءُ
تغشى الغيوب من العوالم ، كلما طويتْ سماءُ قلدتْكَ سماءُ
في كل منطقةٍ حواشي نورها نونٌ ، وأنت النقطةُ الزهراءُ
أنت الجمالُ بها ، وأنت المجتلي والكفُّ ، والمرآةُ ، والحسناءُ
الله هيأ من حظيرة قدسه نزلاً لذاتك لم يجزه علاءُ
العرشُ تحتكَ سُدَّةً وقوائماً ومناكبُ الروح الأمين وطاءُ
والرسلُ دون العرش لم يؤذن لهم حاشا لغيرك موعدٌ ولقاءُ
الخيلُ تأبى غير أحمد حامياً وبها إذا ذكر اسمه خيلاءُ
شيخُ الفوارس يعلمون مكانه إن هيجت آسادها الهيجاءُ
وإذا تصدى للظبي فمهندٌ أو للرّماح فصعدةٌ سمراءُ
وإذا رمى عن قوسه فيمينه قدرٌ ، وما ترمي اليمينُ قضاءُ
من كل داعي الحق همَّةُ سيفه فلسيفه في الراسيات مضاءُ
ساقي الجريح ومطعمُ الأسرى ، ومن أمنت سنابكَ خيلهِ الأشلاءُ
إن الشجاعة في الرجال غلاظة ما لم تزنها رأفةٌ وسخاءُ
والحرب من شرف الشعوب، فإن بغوا فالمجد مما يدعون براءُ
والحربُ يبعثها القويُّ تجبُّراً وينوءُ تحت بلائها الضعفاءُ
كم من غزاةٍ للرسول كريمةٍ فيها رضىً للحقِّ أو إعلاءُ
كانت لجند الله فيها شدةٌ في إثرها للعالمين رخاءُ
ضربوا الضلالة ضربةً ذهبت بها فعلى الجهالة والضلال عفاءُ
دعموا على الحرب السلام ، وطالما حقنت دماءً في الزمان دماءُ
الحقُّ عرضُ الله ، كلُّ أبيةٍ بين النفوس حمىً له ووقاءُ
هل كان حول محمدٍ من قومه إلا صبيٌّ واحد ونساءُ؟
فدعا ، فلبى في القبائل عصبةٌ مستضعفون، قلائلٌ أنضاءُ
ردوا ببأس العزم عنه من الأذى ما لا تردُّ الصخرةُ الصماءُ
والحقُّ والإيمان إن صبَّا على برد ففيه كتيبةٌ خرساءُ
نسفوا بناء الشرك، فهو خرائبٌ واستأصلوا الأصنام ، فهي هباءُ
يمشون تغضي الأرضُ منهم هيبةً وبهم حيالَ نعيمها إغضاءُ
حتى إذا فتحت لهم أطرافها لم يطغهم ترفٌ ولا نعماءُ
يا من له عزُّ الشفاعة وحدهُ وهو المنزهُ ، ما له شفعاءُ
عرش القيامة أنت تحت لوائه والحوضُ أنتَ حيالهُ السَّقاءُ
تروي وتسقي الصالحين ثوابهم والصالحات ذخائرٌ وجزاءُ
ألمثل هذا ذقت في الدنيا الطوى وانشقَّ من خلقٍ عليك رداءُ؟
لي في مديحك يا رسولُ عرائسٌ تيمنَ فيك ، وشاقهنَّ جلاءُ
هنَّ الحسانُ ، فإن قبلت تكرماً فمهورهنَّ شفاعةٌ حسناءُ
أنت الذي نظمَ البريَّةَ دينُهُ ماذا يقول وينظم الشعراءُ؟
المصلحون أصابعٌ جمعت يداً هي أنت، بل أنت اليدُ البيضاءُ
ما جئتُ بابكَ مادحاً ، بل داعياً ومن المديح تضرُّعٌ ودعاءُ
أدعوك عن قومي الضعاف لأزمةٍ في مثلها يلقى عليك رجاءُ
أدرى رسول الله أن نفوسهم ثقةٌ ، ولا جمع القلوب صفاءُ
رقدوا، وغرهم نعيمٌ باطلٌ ونعيمُ قومٍ في القُيود بلاءُ
ظلمُوا شريعتك التي نلنا بها ما لم ينل في رومة الفقهاءُ
مشتِ الحضارة في سناها ، واهتدى في الدِّين والدُّنيا بها السعداءُ
صلى عليك الله ما صحب الدُّجى حادٍ ، وحنَّت بالفلا وجناءُ
واستقبل الرضوان في غرفاتهم بجنان عدنٍ آلك السُّمحاءُ
خيرُ الوسائل ، منْ يقع منهُم على سبب إليك فحسبي الزهراءُ.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته الى يوم الدين الحمد لله رب العالمين .