المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدعم والعطاء بين العاطفة والفاعلية.. بقلمي


فوزية محمد
22-03-2011, 12:29 PM
.
الدعم والعطاء بين العاطفة والفاعلية
.
.
.
توصلت منذ أيام على بريدي الإلكتروني برسالة تدعو إلى التبرع بأدوية ليتم إرسالها إلى إخواننا في ليبيا، إلا أن الطريقة التي أرسلت بها استرعتني وأثارت الكثير من التساؤلات لدي، وتساؤلي الأول يتمحور حول ماذا لو اشترى كل مستقبِلٍ لهذه الرسالة نفس الصنف من الدواء؟ فلم يطلب منا أن نؤكد على النوع والكمية التي يجب شراؤها من الدواء وكذا مدى صلاحيتها.
وتساؤلي الثاني كان حول الطريقة التي سترسل بها الأدوية، لأن إرسال المواد العينية مكلفة جدا من جهة ومن جهة أخرى تصعب مراعاة المعايير المطلوبة لإدخالها إلى البلدان المحتاجة، ناهيك عن الإجراءات الجمركية والتصاريح المطلوبة من بعض الوزارات !
هذا الحدث جعلني أسترجع ما مرت به الكثير من البلدان الإسلامية من أزمات وكوارث طبيعية و حروب ونزاعات لعشر سنوات مرت أو أكثر، وكذا كل النداءات التي كانت تطالب بالتبرع بالمال والمواد العينية لنجدة المتضررين. الشيء الذي دفع بي إلى كتابة هذا المقال معتمدة فيه على تجربتي في العمل الإغاثي لسنوات وعلى عملي كصحفية، كدعوى لإعادة التفكير في طريقة تفاعلنا مع الأزمات وكمساهمة في دعم تحقيق العطاء الصحيح والدعم الأمثل.
ثم إن الكتابة عن هذه المعاني في قواميس العطاء تبدو صعبة التناول، لقِدم جذورها، وكثرة تناولها وصعوبة الوصول إلى معانيها وكنهها. ولن يتناول هذا المقال معاني العطاء، وإنما سنتطرق هنا إلى نوع واحد من العطاء والدعم وهو العطاء المادي أو العيني ولن يتم الخوض في أنواع العطاء النفسية منها أوالمعنوية أوالاجتماعية.
وتصدر حاجتنا لدعم الآخر أو التضامن معه عند معرفتنا بأحواله وبأزماته، وكثيرا ما ينتج هذا الإحساس الإنساني الراقي عند التأثر الكبير من جراء ما رأيناه أو قرأناه أو سمعناه ومعظمها من خلال وسائل الإعلام.. وهذا يمكن أن نطلق عليه ردة فعل تجاه موقف معين، أدت إلى طاقة عاطفية عالية نتج عنها الإحساس بالدعم ثم محاولة ترجمته إلى واقع..
.
لكن!!
هل فكرنا يوما في كيفية هذا الدعم أو العطاء؟
وهل فكرنا يوما كيف يمكننا تنظيم الدعم والعطاء؟
وهل فكرنا يوما عن ماهية عطائنا أو أسلوبه؟
.
وهنا لابد من لفت النظر إلى أن هذه العاطفة التي تدفعنا للعطاء والدعم لابد أن تسبقها أمور أخرى قبل تطبيقها، وهي معرفة ما يحتاجه الآخر أو المكروب ودراسة كيفية إيصال هذا الدعم له، لأنه كثيرا ما تغلب عن عطائنا العاطفية وكثيرا ما يفتقر دعمنا للفاعلية.
سأمثثل لهذا بداية بأحداث البوسنة والهرسك وكيف استفاد المتضررون بالمساعدات التي أرسلت إليهم من إخوانهم في أوروبا خصوصا.
كلنا تأثر بما شهدته البوسنة والهرسك من حروب ومجازر فحاول كل منا أن يقدم الدعم بحسب إمكانياته، ومن بين ما جُمِع لأهل البوسنة المواد العينية لأنها قريبة من أوروبا ومن بين هذه المواد ألبسة جديدة ومستعمَلَة حاول من نَقَلها إلى البوسنة توزيعها على بعض العائلات. وبهذا فقد يظن الذين تبرعوا ووزعوا أنهم قدموا العون لهؤلاء، لكن في الحقيقة فإن معظم ما توصلت به هذه العائلات كان غير مناسب لها، وهذا ما قصه الكثيرون في أحداث البوسنة والهرسك، فالمساعدات تصلهم بالأطنان لكن قليل جدا ما يمكن الاستفادة منه!
لذلك لابد من أن يتعرف المتبرع على الأحوال العامة للبلد الذي ينوي التبرع له، من الضروري أن يعرف ما هي عاداته في المأكل والمشرب، فها هو أحد رجال الأعمال يتبرع لكوسوفا إبان أزمتها بحاوية " Container" فاصوليا حمراء، وما لا يعرفه هذا المتبرع أن أهل كوسوفا لا يأكلون هذا النوع من القطنيات أبدا، مما اضطرهم لإطعامها القطط وبعض الدواجن الأخرى. وهذا آخر يتبرع بحاوية تحتوي على الهريسة " فلفل حار" لألبانيا!!!
طبعا هنا يطرح السؤال هل يتبرع الإنسان بما يحتاجه الآخر حقا، أم ما فاض عليه؟... سأترك لك الرد عن السؤال أخي القارئ।
.
وأعود لإكمال النقط التي على المتبرع معرفتها ومنها أوضاع العائلات عامة وعاداتهم في الملبس فلا يمكن أن نشتري وأن ندعو للتبرع بالملابس مثلا لأهل أندونيسيا ونحن في بلد يصعب إيجاد مقاسات هذا الشعب ككوننا في هولندا مثلا، أو أن نبعث ببعض الأزياء إلى باكستان من أوروبا أو من بعض البلدان الإسلامية الأخرى لأن لسكان باكستان عاداتهم الخاصة في الملبس وهذا ما حدث فعلا في باكستان عندما تعرضت لزلزال قوي، فقد تلقت كميات هائلة من الملابس ما أدى إلى تراكمها دون إمكانية استغلالها الأمر الذي تسبب في أمراض ومشاكل بيئية لا حصر لها...
نقطة أخرى غاية في الأهمية وهي الأدوية التي يحتاجها أهل البلاد المكروبة، فلابد هنا من معرفة ما يحتاجونه، وكيف سيتم تنظيم شرائه وجمعه وإرساله. فقد حدث في أحد البلدان والتي عرفت مؤخرا أزمة قوية أن أرسل المتضامنون بأدوية لهذا البلد وكانت معظها ضد مرض الملاريا والصداع ( الأسبرين) وللأسف فإنه لا يوجد أي أثر لمرض الملاريا في هذا البلد كما أن الشعب لا يشتكي كله من صداع في الرأس!!، وبهذا فقد كلفوا الأهالي والحكومة تكاليف باهضة هم في غنى عنها بل إنهم لا يطيقونها، لأن عليهم أن يتخلصوا من مثل هذه المواد، والتخلص منها لا يأتي هكذا عبثا!!!
نقطة أخرى تتعلق بالأهالي وأوضاعهم فمساعدة الأهالي في بيوتهم وبلدتهم يختلف عن طريقة مساعدة من اضطروا لهجرة ديارهم وذويهم، ولتقريب الفكرة فالتبرع بالطعام للاجئ يكون عن طريق وجبات جاهزة لعدم تمكنه من طهي الطعام بسبب انعدام الإمكانيات.
وأخيرا يمكن للمتبرع أن يوفر الوقت والجهد والمال إذا عرف أن موادا كثيرة يفضل شراؤها محليا كالأرز مثلا في أندونيسيا أو الاسبرين في غزة أو المواد الغذائية في معظم البلدان المتضررة.
.
أمر صعب فعلا أن يعرف كل منا كل هذه الأمور!!!
.
لذلك أناشد كل من يريد الدعم والتضامن مع الآخر أن يهذب عاطفة العطاء لديه وأن يبحث عمن يدعمه في ذلك، وخير ما يقوم به هؤلاء هو البحث عن أي هيئة إغاثية إنسانية ثقة ثم التعرف على مشاريعها ومحاولة دعمها، لأن مشاريع هذه الهيئات تقوم عن دراسة ميدانية مسبقة للبلد الذي يعيش الأزمات بل إنهم يعتنون بالأهالي المتضررة نفسيا واجتماعيا ومعنويا أثناء الأزمات من خلال برامج الطوارئ، وعلى المدى البعيد من خلال المشاريع التنموية.
..

فوزية محمد

الاسدالحزين
22-03-2011, 01:04 PM
جزاكم الله اختنا الفاضلة على هذا العطاء الرائع من الافكار العظيمة وأوافقك في كل كلمة فيه..............

فوزية محمد
22-03-2011, 01:57 PM
جزاكم الله اختنا الفاضلة على هذا العطاء الرائع من الافكار العظيمة وأوافقك في كل كلمة فيه..............

حياك الله وبياك أخانا الكريم..

وأسأل الله العلي القدير أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل...

فوزية محمد
25-04-2011, 12:30 AM
أفكار طيبة وصياغة لغوية أطيب وعنوان أكثر طيبا


بارك الله مرورك وإثراءك الطيب أخانا الفاضل

ونسأله سبحانه أن يتقبل منا وأن يفتح لنا ابواب فضله وعلمه

ألب أرسلان
25-04-2011, 11:03 AM
موضوع أكثر من رائع

بارك الله فيكم ..

فوزية محمد
13-05-2011, 03:11 AM
موضوع أكثر من رائع

بارك الله فيكم ..


وفيك بارك المولى اخانا الفاضل..

الله أسأل أن يجعلها شموعا تذوب لإسعاد الآخرين..

شكرا لك على مرورك العطر