المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المعلم المسلم (سمات ومهمات)


إبراهيم الجيزاوي
08-05-2011, 03:18 AM
مهنة التعليم من أنبل المهن وأشرفها، ذلك أنها مهنة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وجزء من تراثهم الذي ورّثوه، فلم يتركوا لأممهم ذهباً ولا فضة، وإنما ورّثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر.
ونصوص القرآن والسنة تواترت في الحث على العلم وبيان فضل العلم والعلماء.
ويقول مؤلف كتاب (المعلم المسلم ،سمات ومهمات) الدكتور محمد العمري، حول سبب التأليف: فقد تشرفت بالمشاركة في ((اللقاء التربوي الأول)) تحت عنوان: شرف الانتماء إلى مهنة التعليم، وذلك إجابة لدعوة كريمة من سعادة مدير تعليم سراة عبيدة الأستاذ الموفق/ يحيى بن فايع، زاده الله نشاطاً وتسديداً، وكان اللقاء من 13/10-12/11/1419هـ حافلاً بمشاركات تربوية نافعة، قدمها مجموعة من الأساتذة المتخصصين من جامعة الملك خالد وكلية إعداد المعلمين بأبها.
وكنت أسهمت في ذلك اللقاء بمحاضرة كان عنوانها ((رسالة المعلم المسلم)) وجهت الحديث فيها إلى شريك المهنة ومربي الجيل. وبعد مضي سنوات على تقديم هذه المحاضرة، رأيت إعادة النظر فيها بشيء من الإضافة والتعديل وطباعتها.
ثم ينطلق المؤلف من بيان مكانة المعلم ودوره التأثيري في الأجيال القادمة، إلى سمات المعلم مستهلاً بـسمة:

الإخلاص:
يقرر الكاتب أن الإخلاص مطلوب في جميع أعمال العباد، وهو في حق المعلم وعمله آكد وأولى، وهو يسيرٌ على من يسّره الله عليه، ووفقه سبحانه إليه، عظيم الربح والمثوبة، مؤثر في المتعلمين، أوصى به أسلافُ الأمة، قال ابن جماعة: (.. ، يقصد بتعليمهم، وتهذيبهم وجه الله –تعالى- ونشر العلم، ودوام ظهور الحق، وخمول الباطل، ودوام خير الأمة بكثرة علمائها ..). انتهى.
ويضيف: فعلى المعلم أن يخلص نيته، مستشعراً أن التعليم عبادة، وحين يُصلح المدرس نيته، وتطيب طويته، يتحول عمله إلى عبادة، ويُكْتَب له نصبُه وجهدُه، وكلُّ ما يلاقيه من تعب الطريق وطولها ووعورتها، وغير ذلك من العوائق.

القدوة:
يرى المؤلف أن القدوة مهمة جداً في حياة شبابنا المتعلمين، والقدوات الصالحة موجودة -ولله الحمد- في مدارسنا، ومعاهدنا، وكلياتنا، ولكن ما نؤمله اتساعُ تلك القاعدة، وانتشارها كي يرتفع رصيدنا، من النماذجِ الفاعلة المؤثرة في بناء شخصيات سليمة، إذ إن القدوة يؤثر في حياة الجيل ناطقاً، وصامتاً، ساكناً، ومتحركاً، رائحاً وغادياً.

همّ التربية:
وفي هذه السمة يرى كاتب الكتاب أن ميدان التعليم لا يشكو قلة العاملين، ولا نقصاً في الإمكانات، ولا تقصيراً في الاهتمام بالمعلم وظيفة وتأهيلاً، فلقد هُيئت المدارس مشتملة على كافة المرافق، وعُنِيت الدولة بالمناهج أيَّما عناية، وأخرجتها في أحسن صورة، خرَّجت المعلمين في شتى التخصصات، وصرفت على أوجه المناشط المختلفة دون حساب، إيماناً منها بدور المدرسة في صناعة الفرد وإكسابه المهارات المختلفة، والعلوم والمعارف، فإنما تُقاس الأمم بدرجة ثقافتها، ومستوى تعليمها، فكلما رقت في سلم المعرفة ثقلت موازينها، وذاع صيتها.
ويضيف : المهم يكفيك -أخي الحبيب- أن تحترق، ويلتهب قلبك بين جنبيك ويفيض عطفاً وحناناً، وشفقة وحرصاً على أبناء الأمة، إنهم أبناؤك.. علّمهم حب العلم وفضل العلماء، واضرب لهم الأمثلة من سلفنا الصالح، وسيرتهم المجيدة، أبِِنْ لهم الدور الذي ينتظرهم في صفوف الأمة المسلمة، علمهم طاعة الوالدين، وطاعة ولاة الأمر من المسلمين ومكانتهم في الشرع، وكيفية المحافظة على ثروات الوطن ومنجزات التنمية.

كفاءة المعلم:
وفي هذا الصدد يقول المؤلف: إن إتقان المعلم لفنه، ومعرفته الشاملة بتخصصه مطلب أسَاسِيّ في المعلم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولا شك أن طول باع المعلم في فنه يعطيه مكانة سامقة في نفوس أبنائه، ويزيده هيبة وتقديراً وثقة بما يقول.

استقلالية التفكير:
وضمن هذه السمة يؤكد المؤلف على أن المعلم الناجح يستطيع أن يبني شخصية ذات طبع علمي مميز، ويتجاوز إطار التلقين ومرحلة الحفظ المجرد، وذلك عندما يعوّد طلابه على التفكير واستخلاص النتائج ومعرفة المقاصد. أو إعادة رصف المعاني بأساليب من عند أنفسهم، يصاحب ذلك تعديل وتصويب أو إضافة؛ ليرفع مستوى التحرير وسلامة اللسان وبلاغة الألفاظ.
ويقول : إن هذا اللون من ألوان التعليم مطلوب للنهوض بملكة التفكير والإبداع لدى طلابنا، بل هو طريقنا إلى إيجاد علماء مبدعين لديهم القدرة على استنباط الأحكام، والابتكار والتجديد في الفروع دون المساس بالثوابت والأصول، ولديهم كذلك القدرة على القياس والاجتهاد.

البعد عن الجمود وسد منافذه:
يرى المؤلف أن المعلم في بداية حياته التعليمية يكون حديث عهد بمعهد أو كلية، ومع هذا يهتم ويبذل جهداً في تحضير المادة العلمية ليلقى طلابه بصورة أفضل، وما هي إلا شهور حتى يكتفي أكثر المعلمين بمراجعة عناوين الدروس التي يدرسونها، وربما كان ذلك في قاعة الدرس قبيل الشرح، مكتفين بمعلوماتهم السابقة، فيحدث لديهم هذا النهج شيئاً من التقهقر المعرفي، ويدخلون في حالة من الجمود، وكان الأولى بهم أن يطوروا معلوماتهم في تخصصاتهم ويفتشوا عن الجديد فيها ويكثروا من الاطلاع والقراءة في معارف شتى.
ويعزو المؤلف السبب في ذلك إلى البيئة والذوبان في العادات والتقاليد الاجتماعية التي بطبعها لا تقيم وزناً للانشغال بالأعمال الفكرية، ويغلب عليها الإفراط في المباحات من متابعة الخروج للنُزهة والرحلات، وتكوين الشلل والصحبة التي لا هم لها إلا التسلية واللذة، ولا ترضى بشيء دون نحر الوقت وإهداره فيما لا ينفع. وربما الإفراط في المحرمات، كالسهر مع القنوات الفضائية وما تعرضه من فحش ومنكرات، يقضي ليله متلذذاً بالرقص والصور العارية وغيرها من المناظر التي تسلب لبّ الرجل الحازم فكيف بمن دونه؟ وهكذا ينتقل من قناة إلى قناة إلى ما بعد منتصف الليل.

الرفق:
يقول المؤلف في هذا الشأن :عليك -أخي المربي- أن تكون رفيقاً بمن تعلمهم لكي يأخذوا عنك ما تقول، ويتقبلوه ويجرؤوا على الحوار والنقاش معك، وغير ذلك من الحسنات التي لا تتحقق إلا عن طريق الشفقة والرفق.
فالرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه.
فإذا انعدم الرفق واللين من المعلم والمربي كانت النتائج عكسية.
ويضيف : ومن أهم الوسائل لتحقيق الرفق في ميدان التعليم والتربية هو الخطاب، فطريقة الكلام والحديث مع الأبناء والمتعلمين لها دور كبير جداً في زرع الألفة والمحبة، إنْ كان الخطابُ بلطفٍ وَوُدٍ، يقول أحد المعاصرين: (إن الشخص الذي يتكلم برقة وهدوء يشعرك بالراحة، وقد كنت أفترض أن الصوت الرقيق الهادئ طبيعة خلقية يولد بها الشخص، وقد يكون هذا صحيحاً إلى حدٍ ما، ولكنني اكتشفت في السنوات القليلة الماضية أن هدوء الصوت ميزة يمكن تنميتها، وأظنك تتفق معي أن فوائد شيء كهذا عظيمة النفع، وسيكون لها تأثير إيجابي على إشاعة الحب في البيت وبين أفراد العائلة).
وكذلك بين التلاميذ ولا سيما إذا صاحب ذلك اللطف في الصوت شيء من انبساط الوجه والبشاشة في مقابلة المخاطبين.
وعلى عكس ذلك تماماً يكون الأمر عندما تتحدث بخشونة، وبصوت مرتفع، يصاحبه شيء من التوتر والانفعال، فإن المخاطب يقابل ذلك بردة فعل دفاعي أو انتقامي، ويرفض الرسالة التي يريد المتحدث بذلك الأسلوب أن يوصلها إليه.

الختام :
وفي ختام الرسالة يقول المؤلف : إذا كان الخطـاب موجهاً إلى المعلم في أثناء هذه الكلمات اليسيرات، إلا أنه ينطبق في مجمله أيضاً على أختي المعلمة، وهو موجه إليها كذلك، ومراده ومقصوده بالأمر فيما يحتمله الخطاب، فهي تتولى تربية الفتاة وتعليمها، التي تشكل النصف الآخر، وتربيتها وتعليمها لا يقل شأناً عن تربية الأبناء والشباب بل لربما كانت هي المحور المهم، فبصلاح النساء يصلح الأبناء، وكم من امرأة صالحة كانت سبباً في هداية زوجها وصلاح بنيها!

عصمة الدين
09-05-2011, 01:25 AM
جزاكم الله خيرا على الموضوع المميز والمفيد
بارك الله فيكم