المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا تقرأْ هذا الكتاب


إبراهيم الجيزاوي
10-05-2011, 01:52 AM
http://islamtoday.net/media_bank/image/2010/3/3/1_201033_10016.jpg




أعجب كثيرًا من تناصح البعض بأهمية الحرص على ألاّ يقرؤوا إلاّ لكاتب يرضون عقيدته وتوجّهه. وأعلم يقينًا حينما يُلفت نظر أحدهم إلى وجوب عدم القراءة إلاّ لمن يُرضى عنه، أنّ الأمر لا يتعدى كونه نصيحةً، لكن لا يُدرك الكثير بأنّه ليست كل نصيحة تعني دعوة إلى أمر جيّد، وصحيّ.
فالغالبية تغفل عن أن مثل هذه النصائح تلغي عقولنا بطريقة أو بأخرى، وتحصرنا في قالب قراءة معيّن، وفي تفكير وزاوية ووجهات نظر واحدة، لا تبتعد عن الظلم والإجحاف على الغالب؛ لأنها لا تنظر إلاّ إلى طريق واحدة، وبطريقة معيّنة.
ولأن أمر الاطلاع على ثقافات الآخرين، يجعل من التقبّل لرأي الآخر أمرًا سهلاً بعد فلترته ـ أي الرأي ـ، إضافة إلى عدم الرفض لمجرد أن الرأي أو التجربة وصلت ممن لا يمثّلنا ولا ينتمي إلينا، وقمّة الظلم إقصاء تجارب الآخرين بصفتها أمرًا لا يعنينا، ولن يزيد من رصيد تجاربنا، ولن يجعلنا أكثر خبرة ودراية.
عجبت من قائل لي يومًا: قرأتِ شعرًا ورواية، ما النتائج، وما الفائدة، غير حصر نفسك في قالب معيّن لا يتجاوز الأحلام والخيال؟!
لمتُ نفسي ذلك الوقت كثيرًا، وحينما وقفت وقفة متأمل، أطّلع على ما قرأته، عرفت أن إحدى حسنات الروايات عليّ، وروايات "واسيني الأعرج"، و"فضيلة الفاروق" تحديدًا، أنها أدخلتني عالم الجزائر الحقيقيّ، وصراعاتها الداخلية التي لا يعيها ولا يدركها إلاّ من عاشها ونقلها كما هي من دون الوقوف في صفّ طرف ضدّ آخر.
أيقنت بعدها أنّ الحكم العام على تصنيف العمل الكتابي، بتهميش أو تعظيم فائدته بناءً على ذلك، ظلم له ولقارئه. فهناك من يقرأ للمتعة والفائدة معًا، ووجود إحداهما لا يعني انتفاء وجود الأخرى بكلّ حال.
كذلك الحكم المطلق المسبق على توجّه صاحب العمل، بسبب خلفيّاته التاريخية، أو الاجتماعية الثقافية، أو البيولوجية ـ لدى البعض ـ مجحف في الغالب، فليس كلّ ملحد يدعو إلى إلحادٍ، بقدر عرضه لأفكاره. وهكذا الغالبية العظمى من الكتب وكتّابها؛ إذ الخوف الحقيقي ليس من الكاتب وأفكاره وتوجّهاته بقدر ماهو خوف على وعي وإدراك القارئ الذي سيقرأ، وقابليّته للتأثر واستعداده لذلك.
ومنذ بدأت لديّ مرحلة ـ أسميها ـ الوعي القرائيّ، أدركت أن الاستمرار في قراءة نوعيّة واحدة من الكتب تجعل تعاطي المرء مع الأمور يأخذ منحى واحدًا، إضافة إلى الأثر النفسيّ الكبير الذي تخلّفه النوعية الواحدة، فهي ـ تمامًا ـ كالاستمرار في التغذي على نوع واحد من الطعام، والنتيجة أمراض ليس لها علاج إلاّ وجوب التنويع؛ إذ المداومة على قراءة التاريخ تولّد انفصالاً حقيقيًّا عن الأدب، وكذلك الإغراق في قراءة المترجم تفقد المرء لياقته اللغوية، وهكذا..
ومن هنا آثرت السلامة والمغامرة معًا، وأدركت معنى مقولة (فرنسيس بيكون): "بعض الكتب للتذوّق، وبعضها للبلع، وبعضها للمضغ والهضم".