المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التطرف بين الحقيقة والاتهام


ألب أرسلان
18-05-2011, 04:03 AM
القرضاوي

التطرف بين الحقيقة والاتهامhttp://www.qaradawi.net/site/images/spacer.gif

التشــديد في غير محلهhttp://www.qaradawi.net/site/images/spacer.gif
ومما ينكر من التشديد أن يكون في غير مكانه وزمانه، كأن يكون في غير دار الإسلام وبلاده الأصلية، أو مع قوم حديثي عهد بإسلام، أو حديثي عهد بتوبة.

فهؤلاء ينبغي التساهل معهم في المسائل الفرعية، والأمور الخلافية، والتركيز معهم على الكليات قبل الجزئيات، والأصول قبل الفروع، وتصحيح عقائدهم أولاً، فإذا اطمأن إليها دعاهم إلى أركان الإسلام، ثم إلى شعب الإيمان، ثم إلى مقامات الإحسان.
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له:

إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افتر عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم... (الحديث متفق عليه ).

فانظر كيف أمره أن يتدرج في دعوتهم، فيبدأ بالأساس، وهو الشهادتان: الشهادة لله بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ثم إذا استجابوا دعاهم إلى الركن الثاني، وهو الصلاة، فإن أطاعوا انتقل إلى الركن الثالث، وهو الزكاة... وهكذا.

ولقد راعني أن وجدت بعض الشباب المخلصين من بعض الجماعات الإسلامية في أمريكا، قد أثاروا جدلاً عنيفاً في أحد المراكز الإسلامية، لأن المسلمين يجلسون على الكراسي في محاضرات السبت والأحد، ولا يجلسون على الحصير أو السجاد كما يجلس أهل المساجد، ولأنهم لا يتجهون في جلوسهم إلى القبلة، كما هو أدب المسلم، وأنهم يلبسون البنطلونات لا الجلاليب البيض، ويأكلون على المناضد لا على الأرض... الخ.

وقد غاظني هذا النوع من التفكير والسلوك في قلب أمريكا الشمالية، وقلت لهم: أولى بكم في هذا المجتمع اللاهث وراء المادة، أن تجعلوا أكبر همكم الدعوة إلى توحيد الله تعالى وعبادته، والتذكير بالدار الآخرة، وبالقيم الدينية العليا، وتحذِّروا من الموبقات التي غرقت فيها المجتمعات المتقدمة مادياً في عصرنا، أما الآداب والمكملات التحسينية في الدين، فمكانها وزمانها بعد تمكين الضروريات والأساسيات وتثبيتها.

وفي مركز إسلامي آخر، وجدتهم أقاموا الدنيا وأقعدوها من أجل عرض فيلم تاريخي أو تعليمي في المسجد، وقالوا: قد حوّلوا المسجد إلى سينما! ونسي هؤلاء أن المسجد وضع لمصلحة المسلمين الدينية والدنيوية، وقد كان في عهد النبوة دار الدعوة ومركز الدولة، ومحور النشاط في المجتمع، ولا يجهل أحد ما رواه البخاري وغيره من إذن النبي صلى الله عليه وسلم للحبشة أن يلعبوا بحرابهم في قلب مسجده الشريف، وسماحه لعائشة رضي الله عنها أن تنظر إليهم وهم يلعبون.

http://www.qaradawi.net/site/images/spacer.gif http://www.qaradawi.net/site/images/spacer.gif

ألب أرسلان
18-05-2011, 04:04 AM
الغلظــــة والخشــــونةhttp://www.qaradawi.net/site/images/spacer.gif
ومن مظاهر التطرف: الغلظة في التعامل، والخشونة في الأسلوب، والفظاظة في الدعوة، خلافاً لهداية الله تعالى، وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.

فالله تعالى يأمرنا أن ندعو إلى الله بالحكمة لا بالحماقة،وبالموعظة الحسنة، لا بالعبارة الخشنة، وأن نجادل بالتي هي أحسن ((ادْع إلى سبيلِ ربِّك بالحكمة والموعِظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )) [النحل:125 ].

ووصف رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لقدْ جاءكُمْ رسولٌ منْ أنفسِكم عزيزٌ عليه ما عنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمِنين رؤوفٌ رحيم )) [التوبة:128 ].

وخاطب رسوله مبيناً علاقته بأصحابه: ((فَبِما رحمةٍ مِنَ الله لِنْت لهمْ ولوْ كُنْت فظًّا غلِيظ القلْبِ لانْفضُّوا مِنْ حولك )) [آل عمران: 159 ].

ولم يذكر القرآن الغلظة والشدة إلاّ في موضعين:
1- في قلب المعركة ومواجهة الأعداء، حيث توجب العسكرية الناجحة، الصلابة عند اللقاء، وعزل مشاعر اللين حتى تضع الحرب أوزارها، وفي هذا يقول تعالى: ((قاتِلوا الذين يَلونكم مِن الكُفَّار ولْيجدوا فيكم غِلظة ً)) [التوبة:123 ].

2- والثاني في تنفيذ العقوبات الشرعية على مستحقيها، حيث لا مجال لعواطف الرحمة في إقامة حدود الله في أرضه: ((ولا تأخُذكم بِهما رأفةٌ في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )) [النور:2 ].

أما في مجال الدعوة، فلا مكان للعنف والخشونة، وفي الحديث الصحيح: إن الله يحب الرفق في الأمر كله ، وفي الأثر: من أمر بمعروف، فليكن أمره بمعروف ، وقال صلى الله عليه وسلم : ما دخل الرفق في شيء إلاّ زانه، ولا دخل العنف في شيءٍ إلاّ شانه .

ولا شيء يشينه العنف إذا دخله، مثل الدعوة إلى الله، فإنها تحاول أن تدخل إلى أعماق الإنسان، لتجعل منه شخصاً ربانياً في مفاهيمه ومشاعره وسلوكه، وتبدل كيانه كله وتنشئ منه خلقاً آخر، فكراً وشعوراً وإرادة، كما أنها تهز كيان الجماعة هزاً، لتغير عقائدها المتوارثة، وتقاليدها الراسخة، وأخلاقها المتعارفة، وأنظمتها السائدة. .

ألب أرسلان
18-05-2011, 04:05 AM
وهذا كله لا يمكن أن يتم إلاّ بالحكمة وحسن التأتي للأمور، والمعرفة بطبيعة الإنسان وعناده، وجموده على القديم، وأنه أكثر شيء جدلاً، فلابد من الترفق في الدخول إلى عقله، والتسلل إلى قلبه، حتى نلين من شدته، ونكفكف من جموده، ونطامن من كبريائه.
وهذا ما قصه علينا القرآن من مسالك الأنبياء والدعاة إلى الله من المؤمنين الصادقين، كما نرى في دعوة إبراهيم لأبيه وقومه، ودعوة شعيب لقومه، ودعوة موسى لفرعون، ودعوة مؤمن آل فرعون، ومؤمن سورة ((يس )) وغيرهم من دعاة الحق والخير.

انظر إلى مؤمن آل فرعون كيف وقف يخاطب فرعون ومن معه، إنه يشعرهم بأنهم قومه، وأنه واحد منهم، يهمه أمرهم، ويعنيه أن يبقى لهم ملكهم، ويدوم لهم مجدهم، فهو يخاطبهم بهذه الروح: ((يا قَومِ لكم المُلك اليوم ظاهِرين في الأرض فمن ينْصرنا مِن بأس الله إن جاءَنا )) [غافر:29 ].

ثم يخوفهم مما أصاب الأمم من قبلهم حين أعرضوا عن دعوة الله تعالى وطاعة رسله: ((يا قومِ إنِّي أخاف عليكم مِثل يوم الأحزاب مِثل داب قوم نوحٍ وعادٍ وثمود والذين مِن بعدهم وما الله يُريد ظُلماً للعباد )) [غافر:30-31 ]

وبعد أن يخوفهم من عذاب الدنيا يثير فيهم الخوف من عذاب الآخرة التي يؤمنون بها بصورة من الصور: ((ويا قَومِ إنِّي أخاف عليكم يوم التناد يوم تُولّون مُدبِرين ما لكم مِن الله من عاصمٍ ومن يُضلِل الله فما له من هاد ٍ)) [غافر:32-33 ].

ويستمر هذا المؤمن المخلص في دعوته لقومه بهذا الأسلوب الذي يفيض رقة وحنواً، مرهباً حيناً، ومرغباً حيناً آخر: ((يا قوم اتّبِعون أهدكم سبيل الرشاد، يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاعٌ وإنّ الآخرة هي دار القرار.... ويا قوم مالِي أدعوكم إلى النجاةِ وتدعونني إلى النار، تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علمٌ وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفَّار )) [غافر:38-42 ]، إلى أن يقول لهم في ختام وصيته: ((فستذْكرون ما أقول لكُم وأفوِّض أمري إلى الله إنّ الله بصيرٌ بالعباد )) [غافر:44 ].

هذا هو الأسلوب الذي ينبغي لأصحاب الدعوات أن يتبعوه في دعوتهم للمعاندين، ومخاطبتهم للمخالفين، وحسبنا وصية الله تعالى للرسولين الكريمين موسى وهارون: ((اذهبا إلى فِرعون إنَّه طغى فقولا له قولاً ليِّناً لعلّه يتذكّرُ أو يخشى )) [طه:43-44 ].

ولهذا لما واجه موسى فرعون عرض عليه الدعوة في هذه الصورة الرقيقة: ((هلْ لك إلى أن تزكّى وأهدِيك إلى ربِّك فتخْشى )) [النازعات:18-19 ].

ولا غرو أن أنكر الدعاة الوعاة على بعض الشباب المخلصين الطريقة التي يتعاملون بها مع الناس في السلوك، أو يتحاورون بها مع المخالفين في الفكر، فقد غلب عليها المخاطبة بالخشونة والشدة، والمواجهة بالغلظة والحدة، ولم يعد جدالهم لمعارضيهم بالتي هي أحسن، بل بالتي هي أخشن، ولم يفرقوا في ذلك بين الكبير والصغير.. ولم يميزوا بين من له حرمة خاصة كالأب والأم، ومن ليس كذلك.. ولا بين من له حق التوقير والتكريم كالعالم الفقيه، والمعلم المربي، ومن ليس كذلك، ولا بين من له سابقة في الدعوة والجهاد، ومن لا سابقة له.. ولم يفصلوا بين من له عذره إلى حد ما -كالعوام والأميين والمخدوعين - من الجماهير المشغولة بمعاشها ومتاعبها اليومية، ومن لا عذر له، ممن يقاوم الإسلام عن حقد، أو عمالة وخيانة، ويقتحم النار على بصيرة، وقديماً فرّق أئمة الحديث رضي الله عنهم بين عوام المبتدعين ممّن لا يدعو إلى بدعته، وبين من نصب نفسه داعية للبدعة مروِّجاً لها، مناضلاً عنها، فقبلوا رواية الأول، وردوا رواية الآخر.

ألب أرسلان
18-05-2011, 04:06 AM
ســـــوء الظــن بالنـــاسhttp://www.qaradawi.net/site/images/spacer.gif
5 - ومن مظاهر التطرف ولوازمه: سوء الظن بالآخرين، والنظر إليهم من خلال منظار أسود، يخفي حسناتهم، على حين يضخم سيئاتهم. الأصل عند المتطرف هو الاتهام، والأصل في الاتهام الإدانة، خلافاً لما تقرره الشرائع والقوانين: إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

تجد الغلاة دائماً يسارعون إلى سوء الظن والاتهام لأدنى سبب، قفلا يلتمسون المعاذير للآخرين، بل يفتشون عن العيوب، ويتقممون الأخطاء، ليضربوا بها الطبل، ويجعلوا من الخطأ خطيئة، ومن الخطيئة كفراً!!

وإذا كان هناك قول أو فعل يحتمل وجهين: وجه خير وهداية، ووجه شر وغواية، رجحوا احتمال الشر على احتمال الخير، خلافاً لما أثر عن علماء الأمة من أن الأصل حمل حال المسلم على الصلاح، والعمل على تصحيح أقواله وتصرفاته بقدر الإمكان.
وقد كان بعض السلف يقول: إنّي لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين ثم أقول: لعلّ له عذراً آخر لا أعرفه!

من خالف هؤلاء في رأي أو سلوك - تبعاً لوجهة نظر عنده - اتهم في دينه بالمعصية أو الابتداع أو احتقار السنة، أو ما شاء لهم سوء الظن.

فإذا خالفتهم في سنية حمل العصا، أو الأكل على الأرض مثلاً، اتهموك بأنك لا تحترم السنة، أو لا تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأبي هو وأمي! ولا يقتصر سوء الظن عند هؤلاء على العامة، بل يتعدى إلى الخاصة، وخاصة الخاصة، فلا يكاد ينجو فقيه أو داعية أو مفكر إلا مسّه شواظ من اتهام هؤلاء.

فإذا أفتى فقيه بفتوى فيها تيسير على خلق الله، ورفع الحرج عنهم، فهو في نظرهم متهاون بالدين.
وإذا عرض داعية الإسلام عرضاً يلائم ذوق العصر، متكلماً بلسان أهل زمانه ليبين لهم، فهو متهم بالهزيمة النفسية أمام الغرب وحضارة الغرب.. وهكذا.

ولم يقف الاتهام عند الأحياء، بل انتقل إلى الأموات الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، فلم يدعوا شخصية من الشخصيات المرموقة إلاّ صوبوا إليها سهام الاتهام، فهذا ماسوني، وذلك جهمي، وآخر معتزلي.

حتى أئمة المذاهب المتبوعة -على ما لهم من فضل ومكانة لدى الأمة في كافة عصورها - لم يسلموا من ألسنتهم ومن سوء ظنهم.
بل إن تاريخ الأمة كله - بما فيه من علم وثقافة وحضارة - قد أصابه من هؤلاء ما أصاب الحاضر وأكثر، فهو عند جماعة تاريخ فتن وصراع على السلطة، وعند آخرين تاريخ جاهلية وكفر، حتى زعم بعضهم أن الأمة كلها قد كفرت بعد القرن الرابع الهجري!
وقديماً قال أحد أسلاف هؤلاء لسيد البشر صلى الله عليه وسلم بعد قسمة قسمها: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله! اعدل يا محمد فإنَّك لم تعدل!

إن ولع هؤلاء بالهدم لا بالبناء ولع قديم، وغرامهم بانتقاد غيرهم وتزكية أنفسهم شنشنة معروفة، والله تعالى يقول: ((فلا تُزكُّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )) [النجم:32 ]. إن آفة هؤلاء هي: سوء الظن المتغلغل في أعماق نفوسهم، ولو رجعوا إلى القرآن والسنة لوجدوا فيهما ما يغرس في نفس المسلم حسن الظن بعباد الله، فإذا وجد عيباً ستره ليستره الله في الدنيا والآخرة، وإذا وجد حسنة أظهرها وأذاعها، ولا تنسيه سيئة رآها في مسلم حسناته الأخرى، ما يعلم منها وما لا يعلم.

ألب أرسلان
18-05-2011, 04:06 AM
إن التعاليم الإسلامية تحذر أشد التحذير من خصلتين:
سوء الظن بالله، وسوء الظن بالناس،والله تعالى يقول: ((يا أيّها الذين آمنوا اجتنِبوا كثيراً مِن الظنِّ إنَّ بعْض الظنِّ إثمٌ )) [الحجرات:12 ]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إيّاكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث [متفق عليه ].
وأصل هذا كله: الغرور بالنفس، والازدراء للغير، ومن هنا كانت أول معصية الله في العالم: معصية إبليس، وأساسها: الغرور والكبر ((أنا خيرٌ مِنه )).

وحسبنا في التحذير من هذا الاتجاه، الحديث النبوي الصحيح: إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس، فهو أهلكهم. [رواه مسلم ].
جاءت الرواية بفتح الكاف فهو أهْلكهم على أنه فعل ماض، أي: كان سبباً في هلاكهم باستعلائه عليهم وسوء ظنه بهم، وتيئيسهم من روح الله تعالى.

وجاءت بضم الكاف أيضاً؟ فهو أهلكهم أي أشدهم وأسرعهم هلاكاً، بغروره وإعجابه بنفسه، واتهامه لهم.
والإعجاب بالنفس أحد المهلكات الأخلاقية التي سماها علماؤنا: معاصي القلوب التي حذّر منها الحديث النبوي بقوله: ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه .

هذا مع أن المسلم لا يغتر بعمله أبداً، ويخشى أن يكون فيه من الدخل والخلل ما يحول دون قبوله، وهو لا يدري، والقرآن يصف المؤمنين السابقين بالخيرات، فيقول في أوصافهم: ((والذين يُؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلةٌ أنّهم إلى ربِّهم راجعون )) [المؤمنون:60 ]، وقد ورد في الحديث، أن هذه الآية فيمن عمل الصالحات، ويخاف ألاّ يقبل الله منه. ومن حكم ابن عطاء: ربما فتح الله لك باب الطاعة ، وما فتح لك باب القبول، وربما قدّر عليك المعصية، فكانت سبباً في الوصول، معصية أورثت ذلاً وانكساراً، خير من طاعة أورثت عُجْباً واستكباراً!

وأصل هذا من حكمة للإمام علي رضي الله عنه قال: سيئة تسوؤك خير عند الله من حسنة تعجبك .
وقال ابن مسعود: الهلاك في اثنتين: العجب والقنوط، وذلك أن السعادة لا تدرك إلاّ بالسعي والطلب، والمعجب بنفسه لا يسعى لأنه قد وصل ، والقانط لا يسعى لأنه لا فائدة للسعي في نظره .
http://www.qaradawi.net/site/images/spacer.gif http://www.qaradawi.net/site/images/spacer.gif

ألب أرسلان
18-05-2011, 04:07 AM
الســـقوط في هاويـــة التــكفيرhttp://www.qaradawi.net/site/images/spacer.gif
6 ـ ويبلغ هذا التطرف غايته، حين يُسقط عصمة الآخرين، ويستبيح دماءهم وأموالهم، ولا يرى لهم حرمة ولا ذمة، وذلك إنما يكون حين يخوض لجّة التكفير، واتهام جمهور الناس بالخروج من الإسلام، أو عدم الدخول فيه أصلاً، كما هي دعوى بعضهم، وهذا يمثل قمة التطرف الذي يجعل صاحبه في واد، وسائر الأمة في واد آخر.

وهذا ما وقع فيه الخوارج في فجر الإسلام، والذين كانوا من أشد الناس تمسكاً بالشعائر التعبدية، صياماً وقياماً وتلاوة قرآن، ولكنهم أتوا من فساد الفكر، لا من فساد الضمير.
زين لهم سوء عملهم فرأوه حسناً، وضل سعيهم في الحياة الدنيا وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ومن ثم وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وقيامه إلى قيامهم، وقراءته إلى قراءتهم ومع هذا قال عنهم: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ووصف صلتهم بالقرآن فقال: يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم وذكر علامتهم المميزة بأنهم يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان .

هذه العلامة الأخيرة هي التي جعلت أحد العلماء، حين وقع مرّة في يد بعض الخوارج، فسألوه عن هويته، فقال: مشرك مستجير، يريد أن يسمع كلام الله .

وهنا قالوا له: حق علينا أن نجيرك، ونبلغك مأمنك، وتلوا قول الله تعالى: ((وإن أحدٌ مِن المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلِغه مأمنه )) [التوبة:6 ]، بهذه الكلمات نجا مشرك مستجير ، ولو قال لهم: مسلم: لقطعوا رأسه !
وما وقع لطائفة الخوارج قديماً، وقع لأخلافهم حديثاً، وأعني بهم من سموهم جماعة التكفير والهجرة .
فهم يكفرون كل من ارتكب معصية وأصر عليها، ولم يتب منها. وهم يكفرون الحكام، لأنهم لم يحكموا بما أنزل الله.
ويكفرون المحكومين، لأنهم رضوا بهم، وتابعوهم على الحكم بغير ما أنزل الله.
وهم يكفرون علماء الدين وغيرهم، لأنهم لم يكفروا الحكام والمحكومين، ومن لم يكفر الكافر فهو كافر.
وهم يكفرون كل من عرضوا عليه فكرهم، فلم يقبله، ولم يدخل فيما دخلوا فيه.
ويكفرون كل من قبل فكرهم، ولم يدخل في جماعتهم ويبايع إمامهم.
ومن بايع إمامهم ودخل في جماعتهم، ثم تراءى له - لسبب أو لآخر - أن يتركها، فهو مرتد حلال الدم.
وكل الجماعات الإسلامية الأخرى إذا بلغتها دعوتهم ولم تحلّ نفسها لتبايع إمامهم فهي كافرة مارقة.
وكل من أخذ بأقوال الأئمة، أو بالإجماع أو القياس أو المصلحة المرسلة أو الاستحسان ونحوها، فهو مشرك كافر.

ألب أرسلان
18-05-2011, 04:08 AM
والعصور الإسلامية بعد القرن الرابع الهجري، كلها عصور كفر وجاهلية، لتقديسها لصنم التقليد المعبود من دون الله! (انظر كتاب ذكرياتي مع جماعة المسلمين - التكفير والهجرة - عبد الرحمن أبو الخير ).

وهكذا أسرف هؤلاء في التكفير، فكفروا الناس أحياءً وأمواتاً بالجملة، هذا مع أن تكفير المسلم أمر خطير، يترتب عليه حل دمه وماله، والتفريق بينه وبين زوجه وولده، وقطع ما بينه وبين المسلمين ، فلا يرث ولا يورث و لايوالي، وإذا مات لا يغسل ولا يكفن،ولا يصلى عليه،ولا يدفن في مقابر المسلمين.

ولهذا حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من الاتهام بالكفر، فشدد التحذير، ففي الحديث الصحيح: من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما فما لم يكن الآخر كافراً بيقين، فسترد التهمة على من قالها، ويبوء بها، وفي هذا خطر جسيم.

وقد صح من حديث أسامة بن زيد: أن من قال: لا إله إلا الله فقد دخل في الإسلام وعَصَمَتْ دمَهُ ومَالَهُ، وإن قالها خوفاً أو تعوذاً من السيف، فحسابه على الله، ولنا الظاهر، ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم غاية الإنكار على أسامة حين قتل الرجل في المعركة بعد أن نطق بالشهادة، وقال: قتلته بعد أن قال: لا إله إلاّ الله؟ قال: إنما قالها تعوذاً من السيف؟ قال: هلاّ شققت قلبه؟ ما تصنع بـ لا إله إلاّ الله ؟!! قال أسامة: فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ فقط .

ومن دخل الإسلام بيقين لا يجوز إخراجه منه إلاّ بيقين مثله، فاليقين لا يزول بالشك، والمعاصي لا تخرج المسلم من الإسلام، حتى الكبائر منها. كالقتل، والزنى، وشرب الخمر. ما لم يستخف بحكم الله فيها، أو يرده ويرفضه.

ولهذا أثبت القرآن الأخوة الدينية بين القاتل التعمد وولي المقتول المسلم، بقوله: (فَمَن عُفي له مِن أخيه شيءٌ فاتِّباعٌ بالمعروف وأداءٌ إليه بإحسانٍ )) [البقرة:178 ]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن لعن الشارب الذي عوقب في الخمر أكثر من مرة: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله .

وفاوتت الشريعة بين عقوبة القتل والزنى والسكر، ولو كانت كلها كفراً، لعوقب الجميع عقوبة المرتد.

وكل الشبهات التي استند إليها الغلاة في التكفير، مردودة بالمحكمات البينات من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو فكر فرغت منه الأمة منذ قرون، فجاء هؤلاء، يجددونه، وهيهات...

ألب أرسلان
18-05-2011, 04:09 AM
التطرف بين الحقيقة والاتهامhttp://www.qaradawi.net/site/images/spacer.gif
يقول علماء المنطق: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، إذ لا يمكن الحكم على المجهول، كما لا يمكن الحكم على شيء مختلف في تحديد ماهيته، وتصوير حقيقته: أي شيء هي؟

لهذا كان علينا بادئ ذي بدء أن نكشف عن معنى التطرف الديني وحقيقته وأبرز علاماته.
والتطرف في اللغة معناه: الوقوف في الطرف، بعيداً عن الوسط، وأصله في الحسيات، كالتطرف في الوقوف أو الجلوس أو المشي، ثم انتقل إلى المعنويات، كالتطرف في الدين أو الفكر أو السلوك.

ومن لوازم التطرف: أنه أقرب إلى المهلكة والخطر، وأبعد عن الحماية والأمان، وفي هذا قال الشاعر:
كانت هي الوسط المحمى فاكتنفت بها الحوادث، حتى أصبحت طرفاً!
http://www.qaradawi.net/site/images/spacer.gif http://www.qaradawi.net/site/images/spacer.gif