المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فضل النية والإخلاص


ألب أرسلان
23-05-2011, 05:35 AM
فضل النية والإخلاصhttp://www.qaradawi.net/site/images/spacer.gif
http://www.qaradawi.net/mritems/images/2011/5/22/2_8178_1_11.jpg
د. يوسف القرضاوي


أمر الله في كتابه بالإخلاص، وحث عليه في أكثر من سورة، وخصوصا في القرآن المكي، لأنه يتعلق بتجريد التوحيد، وتصحيح العقيدة، واستقامة الوجهة، فقال تعالى لرسوله: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين، ألا لله الدين الخالص).
وقال له: (قل الله أعبد مخلصا له ديني، فاعبدوا ما شئتم من دونه).
وقال له: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
وقال سبحانه: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء).
وقال سبحانه: (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا).
وقال تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحد).
وقد بينا أن القرآن يذكر النية والإخلاص بصيغ مختلفة، مثل: إرادة الآخرة، وإرادة وجه الله تعالى، أو ابتغاء وجهه وابتغاء مرضاته، وذكرنا من آيات كتاب الله ما يدل عليه.
وأحيانا يعبر عن ذلك بقوله: (في سبيل الله) وخصوصا مع الإنفاق والجهاد والقتال. وقد صح الحديث أن القتال لا يكون في سبيل الله، إلا إذا كان هدفه وغايته: أن تكون كلمة الله هي العليا، ومثل ذلك يقال في الإنفاق والجهاد بكل صوره، فلا يكون ذلك في سبيل الله ما لم يتحرر المقصود به، وهو إعلاء كلمة الله.

ألب أرسلان
23-05-2011, 05:36 AM
وقد بين القرآن الفرق بين غاية المؤمنين وغاية الكافرين في قتالهم، فقال: (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت)، فالأولون يقاتلون لإعلاء كلمة الله، وهي كلمة التوحيد والحق والعدل والخير، التي تتمثل في دينه وشرعه، والآخرون يقاتلون، لإعلاء كلمة الطاغوت، وهو كل ما يعبد أو يعظم ويطاع طاعة مطلقة من دون الله، وهي كلمة الشرك والباطل والظلم والشر والطغيان.
وكم أشاد القرآن بالمخلصين الذين لم يريدوا بأعمالهم إلا وجه الله تعالى، يبتغون مرضاته، ولا يركضون وراء رضا الناس وثنائهم.
من هؤلاء: الأبرار الذين يطعمون الطعام لوجه الله، لا يريدون من أحد جزاء ولا شكورا، وهم الذين قال الله فيهم: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا، يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا، ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا).
ومن هؤلاء: المنفقون أموالهم في سبيل الله: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل، والله بما تعملون بصير).
ومنهم: الذين أمر الله خاتم رسله، وصفوة خلقه، أن يصبر معهم، ولا تعدو عيناه إلى غيرهم من أصحاب البريق الذي يخطف الأضواء، فقال تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا).
ومنهم: أولو الألباب، الأوفياء بعهد الله، الذين صبروا على طول الطريق، وعلى أذى قطاعه، وكان صبرهم ابتغاء وجه الله، لا طلبا للثناء، ولا مخافة من ذمهم، ولا جريا وراء دنيا، ولهذا مدحهم الله بقوله: (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار).

ألب أرسلان
23-05-2011, 05:37 AM
ليس المهم أن تعمل العمل، إنما المهم أن تبتغي به وجه الله سبحانه، وبذلك تضمن قبوله عند الله، والمثوبة عليه في الآخرة. يقول تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما).
ومن الأحاديث التي تذكر هنا: ما جاء في الترغيب في الحب لله، والبغض لله، والعطاء لله، والمنع لله، فذلك كله بعض مظاهر الإخلاص ومعانيه.
فعن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان".
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر، بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار".
وعن ابن مسعود وابن عباس والبراء مرفوعا: "أوثق عرا الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله".
وفي الحديث القدسي عن عبادة بن الصامت: "قال الله تعالى: حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين في، وحقت محبتي للمتناصحين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في، المتحابون في على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء".

ألب أرسلان
23-05-2011, 05:38 AM
ومن ذلك: الأحاديث التي تنوه بالمغمورين الذين لا يتبوؤن المراكز الاجتماعية المرموقة، ولا يتمتعون بصيت ولا شهرة.
كما في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: "رب أشعث مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره" وفي رواية الحاكم: "رب أشعث أغبر ذي طمرين، لا يؤبه له، تنبو عنه أعين الناس، لو أقسم على الله لأبره".
وحديث سهل بن سعد عند البخاري، قال: "مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل عنده جالس: "ما رأيك في هذا"؟ قال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن ينكح (أي يزوج)، وإن شفع أن يشفع! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما رأيك في هذا"؟ قال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا أحرى إن خطب ألا ينكح، وإن شفع إلا يشفع، وإن قال ألا يسمع لقوله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا خير من ملء الأرض مثل هذا".
وحديث ثوبان: أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن من أمتي من لو أتى أحدكم يسأله دينارا لم يعطه إياه، ولو سأله درهما لم يعطه إياه، ولو سأله فلسا لم يعطه إياه، ولو سأل الله الجنة لأعطاه إياها".
ومن الآثار في ذلك: ما كتب به عمر بن الخطاب إلى أبي موسى يقول: من خلصت نيته لله، كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس.
وكان مطرف يقول: من صفا صفى له، ومن خلط خلط عليه.
وكان معروف الكرخي يضرب نفسه، ويقول: يا نفس أخلصي تتخلصي!
وكتب بعض الصالحين إلى أخ له: أخلص النية في أعمالك يكفك منها القليل.
وقال الجنيد: إن لله عبادا عقلوا، فلما عقلوا عملوا، فلما عملوا أخلصوا، فاستدعاهم الإخلاص إلى أبواب البر أجمع.
___________
عن كتاب "النية والإخلاص"، د. يوسف القرضاوي.