المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عذاب القبر ونعيمه


سيف الامه
08-06-2011, 07:36 AM
عذاب القبر ونعيمه



كان عثمان إذا وقف على قبر يبكى حتى يبل لحيته ، فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا! ، فقال : إن رسول الله ، قال :
( القبر أول منازل الآخرة ، فإن ينج منه فما بعده أيسرُ منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشدُّ منه . قال : وقال رسول الله :والله ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه )
رواه أحمد والترمذي وحسنه الشيخ الألباني .



وهذا الموقف من عثمان وما ينتابه من خوف وفزع من رؤية القبر ، نابع عن تصور صحيح لذلك المكان الموحش ، فبعد أن كان الإنسان يحيا حياة الأنس والسرور ، إذا به يأوي إلى مكان ليس فيه أنيس ولا جليس ، وبعد أن كان مبجَّلاً معظماً في هذه الحياة إذا به يهال عليه التراب ، ويرمى في قعر بعيد ، إنه أمرٌ لو تفكر فيه المتفكرون ، واعتبر به المعتبرون ، ما التذوا بعيش ، ولا هنئوا بسعادة .

أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر
وأين المذلُّ بسلطانه وأين القوي إذا ما قدر
تفانوا جميعا فما مخبر وماتوا جميعا ومات الخبر


ومما يروى في هذا المعنى أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله وعظ يوماً أصحابه في حال أهل القبور ، فقال : إذا مررت بهم فنادهم إن كنت منادياً ، وادعهم إن كنت داعياً، ومر بعسكرهم، وانظر إلى تقارب منازلهم .. سل غنيهم ، ما بقي من غناه ؟ .. واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون .. واسألهم عن الجلود الرقيقة ، والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة، ما صنع بها الديدان تحت الأكفان؟! .. أكلت الألسن، وغفرت الوجوه، ومحيت المحاسن، وكسرت الفقار، وبانت الأعضاء ، ومزقت الأشلاء ، فأين حجابهم وقبابهم ؟ وأين خدمهم وعبيدهم ؟ وجمعهم وكنوزهم ؟ أليسوا في منازل الخلوات ؟ أليس الليل والنهار عليهم سواء ؟ أليسوا في مدلهمة ظلماء ؟ قد حيل بينهم وبين العمل، وفارقوا الأحبة والمال والأهل.

فيا ساكن القبر غداً ! ما الذي غرك من الدنيا ؟ أين دارك الفيحاء ونهرك المطرد؟ وأين ثمارك اليانعة؟ وأين رقاق ثيابك؟ وأين طيبك وبخورك؟ وأين كسوتك لصيفك وشتائك؟ .. ليت شعري بأي خديك بدأ البلى .. يا مجاور الهلكات صرت في محلة الموت .. ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا ..وما يأتيني به من رسالة ربي .. ثم انصرف رحمه الله فما عاش بعد ذلك إلا أسبوعا واحداً .


إن القبر هو أول منازل الآخرة وهو إما أن يكون روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ، فإن العبد إذا أدخل في قبره ضمه القبر ضمة تتداخل معها أضلاعه ، وهذه الضمة لا ينجو منها أحد ، سواء أكان مؤمنا تقياً أم كافرا شقياً ، ففي الحديث عنه أنه قال :
( إن للقبر ضغطة ، ولو كان أحدٌ ناجياً منها نجا منها
سعد بن معاذ ) رواه أحمد .
حتى إذا فُرِّج عن العبد من ضمة القبر أقعد للسؤال - مؤمناً كان
أم كافراً - فيسأل عن ربه ودينه والرجل الذي بعث فيهم ، فأما المؤمن فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، والرجل هو رسول الله ، فينادي منادٍ من السماء ، أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، وألبسوه من الجنة ، فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفتح له فيها مد بصره ، وأما
الكافر فيأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان : من ربك ؟ فيقول : هاه ، هاه ، هاه لا أدري ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه ، هاه لا أدري ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بُعثَ فيكم ؟ فيقول : هاه ، هاه لا أدري ، فينادي منادٍ من السماء أن كذب ، فافرشوه من النار ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويُضيَّق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ثم
يُوكل له أعمى أبكم ، معه مطرقة من حديد لو ضُرب بها جبل لصار تراباً ، فيضربه بها ضربةً يسمعها ما بين المشرق والمغرب
إلا الثقلين فيصير تراباً ، ثم تعاد فيه الروح .
كما روى ذلك أبو داود وصححه الشيخ الألباني .



والفتنة في القبر بالسؤال وإن كانت عامة إلا أن الله اختصبعض عباده فنجاهم منها ، وممن اختصهم الله بالنجاة منهذه الفتنة الأنبياء والشهداء فقد ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال :كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ) رواه النسائي وصححه الألباني . وممن ينجيه الله عز وجل من فتنة القبر من مات مرابطاً في
سبيله ، فقد روى فضالةُ بنُ عبيدٍ رضي الله عنه عن النبي
أنه قال :
(كل ميت يُختم على عمله إلا الذي مات مرابطاً في سبيل اللهفإنه يُنْمَي -أي يزيد- له عمله يوم القيامة ، ويأمن منفتنة القبر)
رواه الترمذي وأبو داود .

فهذا هو القبر بما فيه عذاباً وجحيماً سرورا ونعيماً عذابا وجحيما على الكافرين ، وسرورا ونعيما للمؤمنين ،فينبغي
للمسلم أن يسارع إلى ما ينجيه من القبر ووحشته ، كي
لا تكون حاله - والعياذ بالله - كحال الذي فرَّط في فعل
الصالحات حتى إذا جاءه الموت صاح بعد فوات الأوان
{ حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي
أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ }المؤمنون 99 :100
فيأتيه رد المولى سبحانه وتعالى قاطعا ً :
{كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}المؤمنون100

ولتحرص - أخي الكريم - على الاستعاذة من عذاب القبر ،فقد
كان : يدعو في الصلاة فيقول :
( اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر .. ) رواه البخاري ،
وكان يأمر الصحابة ( أن يتعوذوا من عذاب القبر )
كما رواه البخاري

ولتجتهد - أخي المسلم - أن تجتنب المعاصي ما ظهر منها
وما بطن فإنها من أسباب عذاب القبر ، فقد : مر النبي
بقبرين فقال :
أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان
يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستبرأ من بوله)
متفق عليه.