المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متاع الحياة وخطره على الأخلاق


ألب أرسلان
12-06-2011, 06:37 PM
متاع الحياة وخطره على الأخلاقhttp://www.qaradawi.net/site/images/spacer.gif
http://www.qaradawi.net/mritems/images/2011/6/11/2_8285_1_11.jpg


د. يوسف القرضاوي


إن أخطر شيء على أخلاق الناس هو هذه الدنيا بمتاعها ومغرياتها، الدنيا بزخارفها وشهواتها من النساء والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة (تمثلها الآن السيارات الفارهة بمختلف أصنافها وألوانها) والأنعام والحرث.

إن الغلو في حب الدنيا هو رأس كل خطيئة، والتنافس عليها أساس كل بلية. من أجل متاع الدنيا يبيع الأخ أخاه. ومن أجل متاع الدنيا يقتل الابن أباه، ومن أجلها يخون الناس الأمانات وينكثون العهود، ومن أجلها يجحد الناس الحقوق، وينسون الواجبات، ومن أجلها يبغي الناس بعضهم على بعض ويعيشون كسباع الغابة أو أسماك البحار، يفترس القوي الضعيف، ويلتهم الكبير الصغير، من أجل شهوات الدنيا ومفاتنها يغش التجار ويطففون، ويتجبر الرؤساء ويستكبرون، ويجور القضاة ويرتشون، ويطغى الأغنياء ويترفون، وينافق ضعفاء النفوس ويتزلفون.
من أجل الدنيا يكتم العالم ما يعلم أنه الحق، ويفتى بما يعتقد أنه الباطل.
من أجل الدنيا يروِّج الصحفي الكذب والزور، ويخفي الحقائق وهي أوضح من فلق الصبح.
من أجل الدنيا يهجو الشاعر كل حليم رشيد، ويزف عرائس المديح إلى كل سكير وعربيد.
من أجل الدنيا تسفك الدماء، وتستباح الحومات، وتداس القيم، ويباع الدين والشرف والوطن والعرض وكل معنى أنساني كريم.
كل هذا من أجل الدنيا ومتاع الدنيا وشهوات الدنيا: من أجل امرأة أو كأس أو عمارة أو قطعة أرض أو منصب يصغر أو يكبر، أو دنانير تقل أو تكثر، أو حظوة لدى رئيس، أو شهرة بين الناس، أو غير ذلك من هم البطن، وشهوة الفرج، وحب الجاه والمال، وشهوة السيطرة والاستعلاء.

جل إن حب الحياة والأمل فيها جزء من فطرة الإنسان، ولولا ذلك ما عمرت الأرض، ولا ترعرعت شجرة الحياة، فلم يكن مما ينافي الحكمة أن يزين للناس حب الشهوات، ولكن الخطر كل الخطر أن يستغرق الناس في حب الدنيا وطول الأمل فيها، وأن تكون هذه الحياة القصيرة أكبر همهم، ومبلغ علمهم، ومنتهى آمالهم، شأن أولئك الذين لا يرجون لقاء الله ولا يؤمنون بيوم الحساب. وأولئك الذين يؤمنون بالآخرة ولكنهم عنها مشغولون ولها ناسون، ولهذا علمنا رسول الإسلام أن ندعو الله فنقول: "اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا".
إنه لابد من حب آخر وأمل آخر، أقوى من حب الحياة الدنيا ومن الأمل فيها، وليس ذلك إلا حب الآخرة والأمل في لقاء الله، والطمع في مثوبته ورضوانه، والخوف من حسابه وعذابه. إن هذه المعاني من الحب والأمل والطمع والخوف هي العواصم المنجية من أخطار المحبة للدنيا والحرص عليها والركون إليها. إنها "صمام الأمن" من خطر الإغراق والإسراف في الإقبال على شهوات الحياة.
وذلك هو دور الإيمان الذي يغمر قلب صاحبه يقينا بالآخرة ورجاء فيما عند الله. ومن هنا تكرر وصف المحسنين والمتقين في القرآن بقوله: (وهم بالآخرة هم يوقنون) (البقرة: 4 بلفظ (وبالآخرة هم يوقنون) والنمل: 3، ولقمان: 4) وفي مقابل ذلك قال في شأن الطغاة والمجرمين: (إنهم كانوا لا يرجون حساباً * وكذبوا بآياتنا كذاباً) (النبأ: 27، 28)، وفي مشهد من مشاهد الآخرة يقص علينا القرآن تساؤل المؤمنين في الجنة عن الجرمين في النار: (ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين) (المدثر: 42 - 46) وقال في شأن فرعون وملئه: (واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون) (القصص: 39). ولو ظنوا أنهم إلى ربهم راجعون، وعليه معروضون ما أقدموا على ما فعلوا، من الجرائم البشعة، والمذابح الرهيبة، والمظالم القاسية.

ألب أرسلان
12-06-2011, 06:38 PM
إن المؤمن بالله والآخرة هو الذي يستطيع أن يعلو على شهوات الدنيا، وأن يطرح مغرياتها وراء ظهره، وأن يركل متاعها بقدمه ويقول لها ما قال على بن أبي طالب، رضي الله عنه: "إليك عني. يا صفراء يا بيضاء، غري غيري .. إلي تعرضت أم إلي تشوقت؟ قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها"! بل يقول ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام حين دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال له: يا رسول الله: لو اتخذت فراشاً أوثر من هذا؟ فقال: "مالي وللدنيا؟ ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف؟ فاستظل تحت شجرة ساعة ثم راح وتركها" (رواه أحمد وابن حبان في صحيحة والبيهقي).
الإيمان وحده هو الذي يعطي المؤمن هدفاً أكبر من الدنيا، ويشده إلى قيم أرفع وأبقى من شهواتها.
الإيمان وحده هو الذي يعطي صاحبه القدرة على مقاومة إغراء الدنيا وفتنتها. إنه قد يملك الدنيا ولكنها لا تملكه، وقد تمتلئ بها يداه، ولكن لا يمتلئ بها قلبه، ذلك أنه يعيش في الدنيا بروح المرتحل: كأنه غريب أو عابر سبيل، ومن عاش في الدنيا بهذه الروح فلا خوف عليه من امتلاك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، إنه يحيا في الدنيا بقلب أهل الآخرة، ويمشي وقدمه في الأرض، وقلبه موصول بالسماء.
المؤمن وحده هو الذي امتلأ يقيناً بأن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضه، وأنها قنطرة عبور إلى الحياة الباقية، وأن ركعتين خاشعتين لله عند الله خير من الدنيا وما فيها، وأن غدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، وأن موضع قدم الإنسان في الجنة خير من الدنيا وما فيها. وحسب المؤمن أن يعلم أن أنبياء الله ورسله وأولياءه عاشوا في الدنيا معذبين مضطهدين وأن أعداءه وأعداء رسله من الكفرة والمكذبين والملحدين كثيراً ما عاشوا منعمين مترفين.
(ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون * ولبيوتهم أبواباً وسرراً عيها يتكئون * وزخرفاً، وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا، والآخرة عند ربك للمتقين) (الزخرف: 33 - 35).
ليس معنى هذا أن يقعد المؤمن عن السعي في الحياة، أو يحرم على نفسه طيباتها، أو يدع عجلتها لقيادة الكفار والفجار.
كلا، إنه مأمور أن يعمر الدنيا، وأن ينميها ويرقيها، مأمور أن يمشي في مناكب الأرض ويأكل من رزق الله فيها، وينعم بطيباتها، ويسخرها لخدمة رسالته وعقيدته. وأن يكون فيها سيداً لا عبداً.
إن الاستعلاء على متاع الدنيا والاستكبار على شهواتها ومغرياتها، ليس معناه أبداً تحريم طيباتها، أو تعطيل مصالحها، أو تعويق سيرها، إنما المقصود أن تكون الآخرة مراد المؤمن وغاية سعيه، فلا يكون ممن يريد حرث الدنيا، ممن يريد العاجلة ... ممن وصفه القرآن بأنه (طغى * وآثر الحياة الدنيا) (النازعات: 37، 38)، وخاطب الرسول في شأنه بقوله: (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا * ذلك مبلغهم من العلم) (النجم: 29، 30).
بل يجب أن يكون المؤمن ممن أراد الآخرة وسعى لها سعيها، واتخذ الدنيا وسيلة لا غاية، وممراً لا مقراً. إن الذي لا يوقن بالآخرة يقيناً جازماً، يصعب فطامه عن شهواته، وصرفه عن مجونه ولذاته، لأنه لا يرضى أن يبيع لذة حاضرة يقينية، من أجل لذة آجلة مشكوك في وقوعها عنده.
فلا نعجب إذا سمعنا مثل عمر الخيام يقول ما ترجمته بالعربية:
قالوا: امتنع عن شرب بنت الكروم فإنها تورث نار الجحيــم!
ولذتي في شـربهــا سـاعــة تعدل في عيني جنان النعيم!
ويقول:
أين النديم السمح؟ أين الصبوح؟ فقد أمض الهم قلبي الجريح!
ثـلاثـــة هـن أحب المنى كأس وأنغام ووجه صبيح!
وإنما قال هذا الرجل ما قال، لغلبة شكه على يقينه، ولو أيقن بالآخرة حقاً، لهانت الكأس والأنغام والوجه الصبيح وهانت الدنيا كلها، في جنب ثواب الله تعالى ورضوانه.
إن الإيمان قوة قاهرة غلابة، أقوى من الغرائز والشهوات، وأقوى من سلطان العادات، وأقوى من كل المؤثرات.
.................
- عن كتاب "الإيمان والحياة"، د. يوسف القرضاوي.

المحبه لرسول الله
13-06-2011, 04:04 PM
روي أن سيدنا سليمان عليه السلام كان على بساط في الفضاء مع العلماء والأولياء والجنود، فمرّ على فلاح يحرث أرضه، فنظر الفلاح إلى البساط في الفضاء، فقال: سبحان الله كم أوتي آل داود، فحملت الريحُ كلامَ الفلاح إلى سمْع سيدنا سليمان، فأمر البساط فنزل، ثم مشى إلى الفلاح وسلّم عليه وقال له: لقد مشيتُ إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه، واعلم أنه لَتسبيحة واحدة يقبلها الله منك خير من الدنيا وما فيها، فسُرّ الفلاح وقال: أذهبَ اللهُ همَّك كما أذهبتَ همّي

بارك الله فيكم علي هذه الكلمات الجميله والرائعة

ألب أرسلان
13-06-2011, 07:33 PM
جزاكم الله خيرا على طيب المرور والاضافة القيمة أختنا الفاضلة

بارك الله فيكم ..

ألب أرسلان
14-06-2011, 08:36 PM
جزاكم الله خيرا على طيب المرور والتعليق أختنا الفاضلة

جزاكم الله كل خير ..