المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التحرش الإلكتروني.. هل بالإمكان ردع مرتكبيه؟


المراقب العام
22-06-2011, 01:16 AM
كلمة قد تخدش حياء فتاة، أو تثير غرائز مراهق، فما بالنا بمقاطع فيديو أو صور أو عبارات نتعرض إليها يومياً على مواقع ومنتديات الإنترنت، في إطار ما يسميه الخبراء “قضايا التحرش الإلكتروني”. فكيف نفسر انتشار هذه الظاهرة في مجتمعاتنا الخليجية؟ وهل يمكننا فرض أحكام رادعة على المتحرشين الذين يبتزون أولادنا ورجالنا ونساءنا ليكونوا عبرة لغيرهم؟

يصنف الخبراء “التحرش الإلكتروني” بالظاهرة الناتجة عن الاستخدام المستمر لوسائل “التكنولوجيا”، والتي تتأطر في عدة أشكال؛ كالهاتف والبريد الإلكتروني والمواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى هواتف الآي فون المحمولة، والتي أتاحت للمراهقين نشر قصص الإيذاء البدني أو النفسي التي يتعرضون له، وتبادل آراءهم في هذه القصص!.

وكذلك المنتديات الخاصة بنشر الثقافة الجنسية والمواقع الإباحية التي تساعد على الانحراف، وغيرها من المواقع والمنتديات التي تسعى لإثارة الغرائز عن طريق الصور التعريفية أو المشاركات الصريحة والمبطنة، والتي تستقصد الفتيات والأطفال وكذلك بعض الرجال.

ويبرأ البعض ساحة “الفيس بوك” ومواقع التواصل الاجتماعي، من تهمة التحرش الإلكتروني، مؤكدين أنه يبدأ من غرف الشات التي عادة يديرها من يهدفون إلى زرع ثقافة “الجنس” ونشر الرذيلة، مؤكدين أن الإدمان عليها يؤدي في غالب الأمر إلى الأمراض النفسية الخطيرة، والعزوف عن الرغبات الطبيعية.

تعارف.. ثم..

جميع زوار مواقع الإنترنت والمنتديات، وخصوصاً من المراهقين والفتيات، إما أنهم يبحثون عن قضاء وقت الفراغ، أو التسلية، أو اللهو والدردشة، ومنهم من يسعى لاختراق الأجهزة أو سرقة المعلومات، وكذلك نجد الباحثين عن علاقات عاطفية أو زنا مع طرف آخر.. وفي جميع الأحوال ربما يقعون جميعاً كضحايا.. أو مجرمين.

ومن أكثر الفئات عرضة لهذه الجريمة الأطفال والفتيات حيث يصل الأذى بهم إلى الابتزاز والتهديد، بعد أن يصل “المجرم” إلى بيانات وصور الضحية أو “التهكير” على جهازه، كما أن هناك مواقع قد تكشف بعض خصوصيات الفتيات وهو ما يوقعهن في مصيدة “عناكب” الإنترنت.

وفي مواقع الإنترنت توضع صور ومعلومات لابتزاز الفتيات الخليجيات، للحصول على المال أو تسهيل صداقة أو تعارف، وفي هذا الإطار يقوم بعض ضعاف النفوس الولعين والمهووسين بالترويج لمواقع قاموا بتأسيسها لغرض جمع المال من الأعضاء، حيث يفضل الشباب في بعض المجتمعات العربية الزواج من الخليجيات بحثا عن العمل أو الإقامة.

ويؤكد علماء الطب النفسي والاجتماع أن البيوت المتصدعة التي يهرب فيها الآباء من أبناءهم أو تنقطع صلتهم بهم، تدفع الفتيات والأطفال، وربما الآباء أيضاً، إلى البحث عن الدفء العاطفي المفقود، والذي قد يبدأ بعلاقة “بريئة”، وينتهي بمآس وقصص محزنة حول علاقات جنسية مشوهة تدفع المتزوجين إلى الصدود عن زوجاتهم، والشباب إلى الصدود عن الزواج نفسه!.

كما أظهرت دراسة أمريكية أن التعرّض لسوء المعاملة في الطفولة, واستخدام هوية مثيرة على الإنترنت يزيد من احتمالات تعرّض الفتيات للتحرش الإلكتروني، وتنصح الدراسة أهالي المراهقات بمراقبة استخدامهن للشبكة, مشيرة إلى أن اللواتي وقعن في السابق ضحية تحرشات جنسية أو يستخدمن صورا مثيرة يزدن من مخاطر التعرض للأذى.

وتناولت الدراسة 104 فتيات تعرضن للاستغلال مقابل 69 لم يتعرضن لأي نوع من التحرش وتراوح أعمارهن بين 14 سنة و 17 سنة. وأظهرت أن 40% من الفتيات تعرضن للتحرش على الشبكة, موضحة أن طريقة عرض الذات من خلال الهوية والصورة على علاقة وثيقة بنظرة الفتاة إلى نفسها.

الأمن الأسري

يختلف تعامل الدول مع قضية فرض عقوبة على “المتحرشين” إلكترونياً، ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، صدرت قوانين محلية و”فيدرالية” تجرّم أفعال المتحرشين الذين اتخذوا من وسائط التقنية وسائل لمعاكسة الآخرين، بينما لازالت الصورة حيال فرض عقوبة المتحرشين إلكترونياً في عالمنا العربي مشوشة، تنظيماً وثقافة.

ومن الواضح أن المجتمعات الخليجية والعربية هي الأكثر تعرضاً لاستغلال التقنية، فهي تتعامل مع التقنية إما بأسلوب المنع أو الحرية التامة، مما يفرض على الأُسرة أن توفر كافة وسائل التقنية لأبنائها، ولكن شريطة أن تكون في مكان واضح ومرئي للجميع، وذلك لمحاولة منع الوقوع في الخطأ.

ويبدو أن انتشار جرائم التحرش بشكل عام والتحرش الإلكتروني بشكل خاص دفع المشرع البحريني إلى تعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالمرسوم رقم (15) لسنة 1976م، إذ أوصت إحدى لجان مجلس النواب بضرورة تعديل المادة 351 لتكون: “يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن خمسمئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو بالفعل في طريق عام أو مكان مطروق”، وتابعت “ويعاقب بالعقوبة ذاتها أياً كان التعرض عن طريق استخدام أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال”.

وذلك بدلا من نصها الحالي الذي تنص فيه المادة على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بالغرامة التي لا تجاوز عشرين دينارا من تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو بالفعل في طريق عام أو مكان مطروق. ويعاقب بالعقوبة ذاتها إذا كان التعرض بطريق التليفون”.

وقد برر عدد من النواب البحرينيون توجههم نحو تشديد هذه العقوبة نتيجة للتحديات التكنولوجية الجديدة التي فرضت واقعاً صعباً على الفتيات والنساء اللواتي يرتدن المواقع العامة، إذ أشار بعضهم إلى إساءة البعض استخدام تقنيات البلوتوث عبر الهاتف المحمول وبعض وسائل التكنولوجيا الحديثة الأخرى للتحرش بالنساء وخدش حيائهن.

ورغم الاعتراف بخطورة الظاهرة، إلا أن القوانين وحدها لا يمكنها فعل كل شيء، فما زال حوالي 30 بالمائة من الطلاب الأمريكيين يعانون من التحرش بهم إلكترونياً في ظل وجود القوانين الصارمة التي تؤكد عدم قانونية مثل ذلك الفعل.

لذا يطالب الخبراء النفسيون بالتعامل مع الأبناء والبنات بمستوى تربوي يناسب شخصية كل منهم، بحيث لا ننزع الثقة منهم، وأن نتابعهم بحذر شديد لا يخدش حياءهم، ولا يجرح كبرياءهم، حتى لا ينتكسوا وينقلبوا رأسا على عقب.

أما خبراء القانون فيؤكدون أن “التحرش الإلكتروني” تعتبر جريمة متكاملة الأركان، ويمكن إثباتها بالأدلة سواء بآليات الاتصال الهاتفية من “رسائل sms” و”البلوتوث”، ومفاهيم التواصل عبر “الإنترنت” والمحادثات واللقاءات عن طريق “الشات”.

لكنهم يعترفون بحاجتنا إلى دراسة بواسطة فريق علمي مكون من أهل الاختصاص في القانون، التقنية، علم الاجتماع، علم النفس، علم الجريمة والشريعة، بحيث تعمل على وضع ضوابط للحد من هذه المشكلة، وسن الأحكام القضائية واللوائح المنظمة والموحدة، وإيجاد طرق تحديد الجاني، وتتبع المخالف إلكترونيا وشرعيا وقانونيا، وتنظيم قوانين متفق عليها مع تقنية التبادل الإلكتروني، ومع القوانين والتشريعات، والنظام الاجتماعي بدول المجلس التعاون الخليجي.

وهذا يدفعنا للتساؤل: هل أصبح بالإمكان أن يصدر قانون جديد حول هذه الظاهرة اللأخلاقية ويكون رادعاً للجناة من خلال تضمينه الحبس والغرامة، أحدهما أو كليهما؟.

يجيب هؤلاء وهؤلاء بالقول إن الحد من هذه الظاهرة يتطلب، إلى جانب التفكير في إصدار قانون رادع ودور أسري فاعل، القيام بحملات إعلامية تعزز مفهوم الأمن الأسري والرقابة الذاتية عند الاستخدام الأمثل للتقنية، أي رفع الوعي بأهمية الرقابة الذاتية عند التعامل مع مفردات الاتصال والتقنية.
::::::::::::