المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإسلام والعلمانية.......سؤال وجواب


ادم
13-01-2009, 03:03 PM
فيما يلي بعض النقاط الهامة التي وردت في كتاب ( الإسلام والعلمانية وجها لوجه) للدكتور يوسف القرضاوي على هيئة سؤال وجواب حتى تسهل الاستفادة منها .

ما هو تعريف العلمانية؟

تقول دائرة المعارف البريطانية مادة (secularism) : وهي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها وذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا و التأمل في الله واليوم الآخر وفي مقاومة هذه الرغبة طفقت ال(secularism) تعرض نفسها من خلال تنمية النزعة الإنسانية حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية والبشرية وبإمكانية تحقيق مطامحهم في هذه الدنيا القريبة
ويقول معجم أكسفورد شرحا لكلمة (secular) :
1- دنيوي أو مادي ليس دينيا ولا روحيا مثل التربية اللادينية الفن أو الموسيقى اللادينية السلطة اللادينية الحكومة المناقضة للكنيسة
2- الرأي الذي يقول : أنه لا ينبغي أن يكون الدين أساسا للأخلاق والتربية .

ما هي مبررات ظهور العلمانية في الغرب المسيحي؟

1- المسيحية تقبل قسمة الحياة بين الله وبين قيصر :
إن المسيحية –نفسها- تحتوي من النصوص ما يؤيد فكرة العلمانية أي الفصل بين الدين والدولة أو بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية .
وهذا واضح في قول المسيح (عليه السلام ) كما يرويه الإنجيل : أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله

2- المسيحية ليس فيها تشريع لشئون الحياة :
ومن ناحية أخرى لا تملك المسيحية تشريعا مفصلا لشئون الحياة يضبط معاملاتها وينظم علاقاتها ويضع الأصول والموازين القسط لتصرفاتها إنما هي روحانيات وأخلاقيات تضمنتها مواعظ الإنجيل وكلمة المسيح فيه على خلاف الإسلام الذي جاء عقيدة وشريعة و وضع الأصول لحياة الإنسان من المهد إلى اللحد (( ونزلنا عليك الكتاب ، تبيانا لكل شئ ، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ))
وهذا ما تضمنه (الفقه الإسلامي) الذي ضم في جنباته كل ما يتعلق بحياة الفرد المسلم والمجتمع المسلم من كتاب ( الطهارة) إلى كتاب (الجهاد) ومن آداب الأكل والشرب إلى بناء الدولة .
أما المسيحي فليس عنده مثل هذا التشريع يرجع إليه ويحكم به أو يحتكم إليه. فالمسيحي إذا حكمه قانون مدني وضعي لا ينزعج كثيرا ولا قليلا لأنه لا يعطل قانونا فرضه عليه دينه ولا يشعر بالتناقض بين عقيدته وواقعه كما يشعر به المسلم الذي يوجب عليه إيمانه بالله ورسوله الاحتكام إليهما فيما شرعا والسمع والطاعة لما أمرا به أو نهيا عنه (( إنما كان قول المؤمنين ، إذا دعوا إلى الله ورسوله ، ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ، وأولئك هم المفلحون ))

3-ليس للإسلام سلطة دينية بابوية :
على أن العلمانية إذا فصلت دين المسيحي عن دولته لا يضيع دينه ولا يزول سلطانه لأن لدينه سلطة بالفعل قائمة لها قوتها وخطرها ومالها ورجالها .
فهناك سلطتان بالفعل في المسيحية : السلطة الدينية ويمثلها البابا ورجال (الإكليروس) والسلطة الدنيوية ويمثلها الملك أو رئيس الجمهورية ورجال حكومته وأعوان سلطته .
فإذا انفصلت الدولة عن الدين هناك بقى الدين قائما في ظل سلطته القوية الغنية المتمكنة وبقيت جيوشها (من الرهبان والراهبات والمبشرين والمبشرات) تعمل في مجالاتها المختلفة دون أن يكون للدولة عليهم سلطان بخلاف ما لو فعلت ذلك دولة إسلامية فإن النتيجة أن يبقى الدين بغير سلطان يؤيده ولا قوة تسنده حيث لا بابوية له ولا كهنوت ولا (إكليروس) وهذا ما حدث في تركيا المسلمة حين أعلن كما أتاتورك علمانية الدولة وفصلها عن الدين وفصل الدين عنها كما فصل ذلك الكاتب المغربي المسلم الأستاذ إدريس الكتاني في كتابه (المغرب المسلم ضد اللادينية) يقول الأستاذ : إن التجربة التركية خلال 30 عاما (أكثر من 60 عاما الآن) أقامت الدليل على أن تطبيق هذا النظام في دولة إسلامية معناه القضاء على الإسلام كعقيدة حية مزدهرة ورسالة إنسانية خالدة ذلك أن تجريد الحكومة من السلطة الدينية ومن صبغة الدين – مع العلم أنه لا يوجد في المجتمع الإسلامي من يمثل هذه السلطة كما هو الشأن في المسيحية –لا يعني إلا انقراض سلطة الدين بالمرة وهذا عين ما حدث في تركيا فإن الكماليين عندما فصلوا دولتهم عن كل سلطة( دينية) لم يكونوا راغبين فعلا في وجودها ولذلك عمدوا إلى إنشاء إدارة صغيرة للشئون الدينية تشرف على المساجد وهي المظهر الوحيد الذي بقي للإسلام في تركيا .
ومن البديهي أن هذه الإدارة لم تكن لها أية سلطة دينية لأنها في الواقع مصلحة دينية صرفة ولا يمكن – بحال من الأحوال – مقارنة نفوذ هذه الإدارة بسلطة (البابا) الروحية العظيمة في العالم المسيحي وسلطاته المستقلة –تماما- في إدارة الكنائس والمؤسسات والمصالح المسيحية كلها .
ومن هذا يتضح لنا أن نظام (لا دينية الدولة) إذا كان ينسجم مع المسيحية ولا يقضي على سلطتها وإنما يحدد اختصاصاتها بالنسبة للسلطة الدنيوية فإن هذا النظام يتعارض –تماما- مع طبيعة الإسلام ويكون خطرا مباشرا عليه كشريعة كاملة للحياة ويحيله إلى عاطفة وجدانية نائمة في قلوب الناس.

4-تاريخ الكنيسة غير تاريخ الإسلام:
تاريخ الكنيسة في ذهن الإنسان الغربي المسيحي يعني الاضطهاد والقتل ومحاكم التفتيش والمذابح المستمرة بين الطوائف المتنازعة بعضها وبعض وعودة السلطة إليها تعني عودة هذه المآسي فلا غرو أن ينفر الإنسان الغربي منها ويقف في سبيل حكمها وتسلطها

هل نجحت العلمانية في ديار الإسلام؟

فشل العلمانية في ديار الإسلام
من أجل هذا لا يتصور للعلمانية أن تنجح في بلد إسلامي لأنها مناقضة لطبيعة الإسلام.
كل ما تفعله العلمانية أنها تحاول تغيير طبيعة الأمة واتجاهها والأمة لا تستجيب لها حيث ترفض أجهزة المناعة في كيانها زرع هذا الجسم الغريب في داخلها وتقاومه بكل قوة فينشأ بين الحكم العلماني وبين الأمة المسلمة صراع يظهر حينا ويختفي أحيانا ويمتد يوما وينكمش يوما آخر ولكنه صراع باقي مستمر .

والاتجاه العلماني على كل حال يعوق انطلاق الأمة بكل طاقاتها لأنه غريب عنها دخيل عليها

وأبرز بلد إسلامي حكمته العلمانية هو تركيا بلد الخلافة الإسلامية الأخيرة ...فهل استطاع أتاتورك وخلفاؤه من بعده ومعهم الدستور والقوانين والتعليم والإعلام والجيش والشرطة ومن ورائهم الغرب بكل جبروته وقوته أن يجتثوا جذور الأفكار الإسلامية والمشاعر الإسلامية والتطلعات الإسلامية والقيم الإسلامية من حياة الشعب التركي المسلم؟
الواقع الذي يشهده كل من زار تركيا في السنين الأخيرة تشهد به المساجد المزدحمة بالمصلين من كل الأجيال وتشهد به المدارس القرآنية التي تعد بالآلاف وتشهد به معاهد الأئمة والخطباء ويشهد به انتشار الكتب الإسلامية .

هل تعني العلمانية استخدام العلم والعقل ؟

العلمانية والعلمية
انتهز بعض العلمانيين فرصة الترجمة الخاطئة لكلمة ( العلمانية) محاولين أن يجعلوها مرادف ل( العلمية ) وقالوا أن العلمانية تعني استخدام العلم والعقل موهمين بذلك أو مصرحين بأن الإسلام ضد العقل والعلم.

ما هو الدليل على أن الإسلام يهتم بالعلم ويقدره ؟
ونحن المسلمين أولى الناس باحترام العلم وتبني العلمية في كل أمورنا فالدين عندنا علم والعلم عندنا دين
ولم يعرف تراثنا صراعا بين الدين والعلم كما عرفه الغرب .

1- وحسبنا أن أول سورة نزلت في القرآن بدأت بقوله تعالى (( اقرأ باسم ربك الذي خلق ))

وثاني سورة نزلت بدأت بقوله (( ن ، والقلم وما يسطرون ))

والقرآن ينشئ ( العقلية العلمية ) التي تعتبر التفكر عبادة والعلم فريضة وترى الإنسان والتاريخ والكون كله مسرحا للنظر والتأمل (( وفى الأرض آيات للموقنين ، وفى أنفسكم ، أفلا تبصرون ))
(( قل سيروا فى الأرض ، فانظروا كيف بدأ الخلق ))
(( أو لم يسيروا في الأرض ، فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ))
(( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ، أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور))

العقلية التي لا تقبل دعوى بغير برهان يثبت صحتها و إلا فدعواه مردودة عليه كائنا ما كان (( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ))

إنها العقلية العلمية التي تطلب البرهان اليقيني في العقليات وصدق التجربة في الحسيات وصحة النقل في المرويات (( ائتوني بكتاب من قبل هذا ، أو أثارة من علم ، إن كنتم صادقين ))

وحسبنا أن القرآن نوه بالعلم وأشاد بآثاره في عدد من قصص الأنبياء الكرام فهو في قصة آدم المرشح الأول لخلافة الإنسان في الأرض وبه أثبت آدم تفوقه على الملائكة المقربين .

وهو في قصة يوسف الذي أنقذ الله به مصر وما حولها من المجاعة الماحقة نتيجة التخطيط الاقتصادي الزراعي الحكيم

وهو في قصة سليمان الذي استطاع به صاحبه (( الذي عنده علم من الكتاب )) أن يحضر به عرش ملكة سبأ من اليمن إلى الشام قبل أن يرتد إليه طرفه .

2- وفي السنة نرى النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على الأوهام والخرافات التي يعتمد عليها الكهنة و العرافون في الجو الوثني

كما أنكر بشدة الاعتماد على التمائم و الأحجبة ونحوها دون أن يبحث عن الدواء المناسب له معلنا : أن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه ، جهله من جهله .

ونرى الرسول الكريم ينزل عن رأيه الخاص إلى رأي الخبراء كما في موقعة بدر ونزوله إلى رأى الحباب بن المنذر .

ونراه عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة إلى المدينة يبادر بعمل ( إحصاء ) للمؤمنين به ليعرف منه مدى القوة الضاربة لديه فقال ( أحصوا لي عدد من يلفظ بالإسلام ) فأحصوا له فكانوا ألفا وخمسمائة رجل كما رواه البخاري .

3- والاتجاه العلمي أو العقلانية في الإسلام أمر واضح ثابت اعترف به كل منصف ممن اطلع على شيء من تعاليم الإسلام الأصيلة في مصادرها النقية ولو من غير المسلمين بل من بعض من اتخذوا موقفا ضد الإسلام.

* فهذا الكاتب الماركسي ( مسكيم رودنسون) يقول في حديثه عن العقيدة القرآنية :
القرآن كتاب مقدس تحتل فيه العقلانية مكانا جد كبير فالله لا ينفك فيه يناقش ويقيم البراهين بل إن أكثر ما يلفت النظر هو أن الوحي نفسه - هذه الظاهرة الأقل اتساما بالعقلانية في أي دين ، الوحي الذي أنزله الله على مختلف الرسل عبر العصور وعلى خاتمهم محمد – يعتبره القرآن هو نفسه أداة للبرهان فهو في مناسبات عديدة يكرر لنا أن الرسل قد جاءوا بالبينات وهو لا يألو يتحدى معارضيه أن يأتوا بمثله .

والقرآن ما ينفك يقدم البراهين العقلانية على القدرة الإلهية ففي خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار وتوالد الحيوان ودوران الكواكب والأفلاك وتنوع خيرات الحياة الحيوانية والنباتية تنوعا رائع التطابق مع حاجات البشر آيات لأولى الألباب.

وفعل (عقل) ( بمعنى ربط الأفكار بعضها ببعض ... حاكم البرهان العقلي ) يتكرر في القرآن حوالي خمسين مرة ويتكرر ثلاث عشرة مرة هذا السؤال الاستنكاري وكأنه لازمة (( أفلا تعقلون))

ويستمر الكاتب في بيان عقلانية الإسلام مقارنا هذا بما جاء في العهدين القديم والجديد لليهود والمسيحيين إلى أن يقول ( في مقابل هذا تبدو العقلانية القرآنية صلبة كأنها الصخر).

* يقول العلامة رينيه ميليه :
لقد جاء المسلمون جميعا في البحث بجديد : مبدأ يتفرع من الدين نفسه وهو مبدأ التأمل والبحث وقد مالوا إلى العلوم وبرعوا فيها وهم الذي وضعوا أساس علم الكيمياء وقد وجد منهم كبار الأطباء .

* ويقول المؤرخ الفيلسوف الاجتماعي الشهير جوستاف لوبون :
إن العرب هم الذين علموا العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين.

ادم
13-01-2009, 03:05 PM
ما هي سمات الروح العلمية؟

وللروح العلمية سمات أبرزها:
1- النظرة الموضوعية إلى المواقف والأشياء والأقوال بغض النظر عن الأشخاص كما قال علي بن أبي طالب ( لا تعرف الحق بالرجال اعرف الحق تعرف أهله)

2- احترام الاختصاصات كما قال القرآن (( فاسألوا أهل الذكر ))
(( فاسأل به خبيرا))
(( ولا ينبئك مثل خبير )) فللدين أهله وللاقتصاد أهله وللعسكرية أهلها ولكل فن رجاله وخاصة في عصرنا عصر التخصص الدقيق أما الذي يعرف في الدين والسياسة والعلوم والفنون والشئون الاقتصادية والعسكرية ويفتي في كل شيء فهو في الحقيقة لا يعرف شيئا .

3- القدرة على نقد الذات والاعتراف بالخطأ والاستفادة منه وتقويم تجارب الماضي تقويما عادلا بعيدا عن النظرة المنقبية التي تنظر إلى الماضي على أنه كله مناقب وأمجاد

4- استخدام أحدث الأساليب وأقدرها على تحقيق الغاية والاستفادة من تجارب الغير حتى من الخصوم فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها .

5- إخضاع كل شيء – فيما عدا المسلمات الدينية والعقلية- للفحص والاختبار والرضا بالنتائج كانت للإنسان أو عليه .

6- عدم التحكم في إصدار الأحكام والقرارات وتبني المواقف إلا بعد دراسة متأنية مبنية على الاستقراء والإحصاء وبعد حوار بناء تظهر معه المزايا وتنكشف المآخذ والعيوب.

7- تقدير وجهات النظر الأخرى واحترام آراء المخالفين في القضايا ذات الوجوه المتعددة في الفقه وغيره مادام لكل دليله ووجهته ومادامت المسألة لم يثبت فيها نص حاسم يقطع النزاع ومن المقرر عند علمائنا : أن لا إنكار في المسائل الاجتهادية إذ لا فضل لمجتهد على آخر ولا يمنع هذا الحوار البناء .

هل تعني العلمانية الإلحاد؟

العلمانية والإلحاد:
العمانية - حسب مفهومها - لا تعني بالضرورة الإلحاد
قد يوجد من العلمانيين من يجحد وجود الله تعالى أو رسالاته أو يجحد لقاؤه وحسابه في الآخرة ولكن هذا ليس من اللوازم الذاتية لفكرة العلمانية كما نشأت في الغرب فإن الذين نادوا بها لم يكونوا ملاحدة ينكرون وجود الله بل هم ينكرون تسلط الكنيسة على شؤون العلم والحياة فحسب
ولكن يجب أن نعترف بأن ثمة فرقا واضحا بين الإسلام والمسيحية في هذا الموضوع
فالمسيحي يمكن أن يقبل العلمانية حاكما أو محكوما ويبقى مع هذا مسيحيا غير مخدوش ولا مقهور في عقيدته ولا شريعته .
فالعلمانية لا تمنعه من أن يمارس شعائره الدينية الشخصية متى يشاء .
والمسيحية نفسها لا تطالبه بشيء أكثر من ذلك فليس فيها شريعة تلزمه الحكم بها أو الاحتكام إليها
ولم تجيء المسيحية نظاما كاملا للحياة يقودها بتشريعاته ووصاياه
فإذا نظرنا إلى العلمانية مع الإسلام وجدنا الأمر مختلف تمام الاختلاف ذلك أن الإسلام جاء نظاما كاملا للحياة لا يقبل أن تشاركه أية أديولوجية أخرى في توجيهها
ولهذا يكون المسلم الذي يقبل العلمانية – مهما تكن علمانيته متساهلة –في جبهة المعارضة للإسلام وخصوصا فيما يتعلق بتحكيم الشريعة التي جاء بها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
بل إن العلماني الذي يرفض (( مبدأ )) تحكيم الشريعة من الأساس ليس له من الإسلام إلا اسمه وهو مرتد عن الإسلام بيقين يجب أن يستتاب وتزاح عنه الشبهة وتقام عليه الحجة و إلا حكم عليه القضاء بالردة وجُرد من انتمائه إلى الإسلام أو سحبت منه( الجنسية الإسلامية) .


كيف يمكن أن تؤثر العلمانية على عقيدة الإسلام ؟ ما هي المواضع التي لا تتفق فيها العلمانية مع العقيدة؟

العلمانية والعقيدة
العلمانية لا تجحد الجانب العقدي ولا تنكر على الناس أن يؤمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر انطلاقا من مبدأ مسلم به عندها وهو تقرير الحرية الدينية لكل إنسان
ولكن الإسلام في داره (دار الإسلام ) لا يكتفي بأن تكون عقيدته شيء مسموح به إنه يريد أن تكون عقيدته روح الحياة وأن تكون أساس التكوين النفسي والفكري لأفراد الأمة وبعبارة أخرى تكون محور التربية والثقافة والفن والإعلام والتشريع و التقاليد في المجتمع كله.

ومن ناحية أخرى نرى العلمانية وإن قبلت عقيدة الإسلام نظريا أو كلاميا ترفض ما تستلزمه العقيدة من معتنقيها وذلك واضح في أمرين أساسيين:
الأول:رفضها اتخاذ العقيدة أساسا للانتماء والولاء فهي لا تقيم للرابطة الدينية وزنا بل تقد عليها رابطة الدم والعنصر ورابطة التراب والطين وأي رابطة أخرى.
وهذا مناقض تماما لتوجيه القرآن الذي يقيم الأخوة على أساس الإيمان والعقيدة (( إنما المؤمنون إخوة))
ويلغي كل رابطة إذا تعارضت مع رابطة الإيمان حتى رابطة الأبوة والبنوة والأخوة (( يا أيها الذين آمنوا ، لا تتخذوا آباءكم و إخوانكم ، أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ، ومن يتولهم ، فأولئك هم الظالمون ))
ويحذر المؤمنين من اتخاذ أعداء الله أولياء ويشدد في ذلك حتى يكاد يعتبره ردة عن دين الله (( ومن يتولهم منكم فإنه منهم))
ولا يرخص في شيء من ذلك إلا في حالة الضعف التي لا تجد فيها جماعة المؤمنين بدا من إظهار التقية للكافرين وذلك استثناء من القاعدة العامة يقول القرآن (( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شئ ، إلا أن تتقوا منهم تقاة ، ويحذركم الله نفسه ، وإلى الله المصير )) والآية تدل على أن الولاية تعني الانتصار لهم والوقوف في صفهم من دون المؤمنين وليس المراد المودة القلبية فلو كان هذا المراد ما رخص فيه لأن الضعيف يمكنه أن يضمر الكراهية في قلبه ولا يطلع عليه أحد.
الأمر الثاني:
أن العلمانية ترفض ما توجبه العقيدة الإسلامية على أبنائها من النزول على حكم الله ورسوله والتسليم لهما
وهذا هو موجب الإيمان وهو ما نطق به القرآن في بيان محكم صريح لا لبس فيه ولا تشويه
يقول الله تعالى (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ، إذا قضى الله ورسوله أمرا ، أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله ، فقد ضل ضلالا مبينا ))
(( إنما كان قول المؤمنين ، إذا دعوا إلى الله ورسوله ، ليحكم بينهم ، أن يقولوا سمعنا وأطعنا ، وأولئك هم المفلحون ))
(( فلا وربك ، لا يؤمنون ، حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ، ويسلموا تسليما ))

هل يمكن القول بأن العلمانية قد تضر بالعبادة؟

العلمانية والعبادة
والعلمانية قد لا ترفض الإسلام باعتباره عبادة وشعائر يتقرب بها الإنسان إلى ربه بناء على أن ذلك جزء من الحرية الدينية

1-ولكنها لا تجعل لهذه العبادة أهميتها باعتبارها غاية الحياة (( وما خلقت الجن والإنس ، إلا ليعبدون ))

2-ولا تقيم نظامها التربوي والثقافي والإعلامي على غرس ذلك المعنى .

3-ولا تنظم الحياة الاجتماعية والاقتصادية بحيث لا تتعارض أنظمة العمل والدراسة وغيرها ومواقيتها مع مواقيت العمل المفروضة.

4-وهي لا تجعل للالتزام بفرائض العبادات أو إهمالها مكانا في تقديم الناس وتأخيرهم وخصوصا عند الترشيح لمناصب القيادة على أساس مقولة خاطئة : هي التفرقة بين السلوك الشخصي و السلوك الاجتماعي وهو ما لا يقول به الإسلام .

5-وهي كذلك لا ترى المجاهرة بترك العبادات التي هي من أركان الإسلام العملية شيئا يوجب المحاسبة أو المؤاخذة.

6-وهي كذلك لا تعتبر الزكاة - التي هي الركن المالي الاجتماعي من أركان الإسلام – جزءا من نظامها المالي والاقتصادي و الاجتماعي تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء بل تعتبرها عبادة شخصية من شاء أداها ومن شاء أعرض عنها ولا حرج عليه ولا ملامة !

ما هي مواضع الخلاف بين الإسلام والعلمانية في ما يخص الأخلاق؟

العلمانية و الأخلاق
ربما يبدو لأول وهلة أن العلمانية لا اعتراض لها على الجانب الأخلاقي في الإسلام باعتبار أن الأخلاق هي قوام المجتمعات وعماد النهضات هذا ما لا خلاف عليه – على وجه العموم – بين الإسلام والعلمانية
ولكن عند التأمل نجد بينهما خلافا أكيدا في موضعين:
أولا: في مجال العلاقة بين الجنسين حيث تتميز الأخلاق الإسلامية هنا عن أخلاقيات الحضارة الغربية التي يتبع سننها العلمانيون شبرا بشبر وذراع بذراع .
فالإسلام - وإن كان لا يصادر هذه الغريزة أو يعتبرها في ذاتها قذارة ورجسا - يصر على تصريفها في نطاق الزواج .
ويحرم الإسلام أي اتصال جنسي خارج هذه الدائرة
كما يحرم كل الوسائل التي تيسر وقوع الفاحشة أو تجرئ عليها ولهذا يربي المؤمنون والمؤمنات على العفاف وغض البصر كما يوجب على المسلمة التزام الحشمة والوقار في الزى والكلام والمشي
(( فلا تخضعن بالقول ، فيطمع الذي في قلبه مرض ، وقلن قولا معروفا ))
(( ولا يبدين زينتهن ، إلا ما ظهر منها ، وليضربن بخمرهن على جيوبهن .... ولا يضربن بأرجلهن ، ليعلم ما يخفين من زينتهن ... ))
كما حرم الإسلام خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه وحرم عليها السفر بغير زوج ولا محرم وخصوصا مع عدم الأمن.
هذه الأحكام والتوجيهات لا ترحب بها العلمانية المستغربة .
وهذا الموضوع من المحكات الأساسية التي تصطرع فيها العلمانية والإسلام فالإسلام يغلق بقوة الأبواب التي تهب منها رياح الفتنة من الأغنية الخليعة والصورة المثيرة و الأزياء المغرية ويجتهد في حل مشكلات الزواج حتى يستغني الناس بالحلال عن الحرام .
والعلمانية لا تنظر للأمر على أنه مشكلة تتطلب حلا ولا ترى حرجا من إتاحة الفرصة لاستمتاع أحد الجنسين بالآخر كما تفعل المجتمعات المتقدمة اليوم ! وتنظر لموقف الإسلام هنا على أنه موقف متزمت وللدعاة على أنهم قوم معقدون .
و الموضع الثاني : أنهم لا يحبون أن يربطوا الأخلاق بالدين (( فالأخلاق الدينية )) عندهم في موضع الاتهام أما (( الأخلاق المدنية)) فهي أقوم قيلا و أهدى سبيلا.

ما هو موقف العلمانية من الشريعة الإسلامية؟

العلمانية والشريعة
أما الجانب الذي تقف العلمانية ضده من تعاليم الإسلام بصراحة وقوة فهو الشريعة أعني الجانب القانوني في الإسلام .
وقد يتساهل بعض العلمانيين فيدعون للإسلام التشريع المتعلق بالأسرة أو ما يسمى ( الأحوال الشخصية )
على اعتبار أن هذه متعلقة بالحرية الدينية .
العلمانية الأصلية لا تسمح للإسلام بأي مساحة في التشريع فالدين مكانه –عندها- الضمير أو المسجد فحسب
وقد رأينا علمانية أتاتورك وهي أم العلمانيات في البلاد الإسلامية تطرد التشريع الإسلامي في كل المجالات لهذا حرمت الطلاق وتعدد الزوجات وسوت بين الأبناء والبنات في الميراث مخالفة بذلك قطعيات الشريعة .
قد تعترف العلمانية لله في هذا الكون بالخلق ولا تعترف له بالأمر والإسلام يقوم على أن لله الخلق والأمر جميعا (( ألا له الخلق والأمر ، تبارك الله ، رب العالمين ))
وإذا تسامحت العلمانية واعترفت لله بحق التشريع فإننا نجدها تعطي الإنسان حق النسخ لما شرع الله بدعاوى باطلة ما أنزل الله بها من سلطان .
إنها في قرارة نفسها لا تقدر الله حق قدره حين تستبعد أن يحيط الله تعالى شأنه بما يحدث للبشر برغم تغير الزمان وتبدل المكان وتطور الإنسان .
إن الشريعة هي العدو الأول للعلمانيين في البلاد الإسلامية لأنها هي التي تنقل الإسلام من عالم النظريات والمثاليات إلى دنيا الواقع وهي التي تردع من لم يرتدع بوازع الإيمان .
وأشد ما تكون عداوة العلمانيين للشريعة فيما كان مضادا لاتجاه الحضارة الغربية وذلك مثل تحريم الربا في القانون المدني أو تحريم الزنى والسكر في القانون الجنائي أو تحديد الجزاء على الجرائم بعقوبات بدنية مثل الجلد والقطع ونحو ذلك.

ادم
24-01-2009, 07:20 PM
هناك بعض العلماء من قال بأن الشورى معلمة وليست ملزمة للحاكم( وهو ما قد يتخذه العلمانيون حجة تعضد موقفهم الرامي إلى إقصاء الشريعة عن الحكم والسياسة ) فما هو الدليل على أن الشورى ملزمة للحاكم؟
وفي كتابي "الحل الإسلامي فريضة وضرورة" رددت على الذين يقولون بأن الشورى غير ملزمة لأولي الأمر، مرجحا الإلزام بأدلة واعتبارات، أظهرها:
1.أن هذا يتفق مع ما قرره فقهاء الأمة من تسمية أعضاء شورى المسلمين "أهل الحل والعقد" فإذا كان رأيهم غير ملزم، ويمكن أن يضرب به عرض الحائط، فماذا يحلون ويعقدون؟! وقدفسر "أولو الأمر" في قوله تعالى: (وأولى الأمر منكم) بهؤلاء، فهم الذين يختارونالحاكم أو الأمير، وهم الذين يراقبونه وهم الذين يعزلونه.
2.ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد من الخروج إلى المشركين، نزولا على رأيالأغلبية المتحمسة، وما فعله عمر في قضية الستة أصحاب الشورى، من التزام رأيالأكثرية العددية، واعتبار عبدالله بن عمر مرجحا إذا افترقوا إلى ثلاثةوثلاثة..الخ، وإقرار الصحابة لذلك، كل ذلك دليل على أن الشورى ملزمة، وأن رأيالأغلبية معتبر.
3.ما ذكره ابن كثير في تفسيره، نقلا عن ابن مردويه، عن علي مرفوعا، في تفسير العزم فيقوله تعالى(وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل علىالله) (آل عمران:159) قال: العزم مشاورة أهل الرأي، ثم اتباعهم".
4.إن الاستشارة من غير التزام برأي المشيرين، ولو كانوا جمهور الأمة، أو أهل الحل والعقدفيها، يجعل الشورى شبه "مسرحية" يضحك الحاكم المتسلط بها على الناس، ثم ينفذ ما فيرأسه هو!
5.أن تاريخ الإسلام في الماضي البعيد والحاضر القريب، ينطق بأن الاستبداد بالرأي هو الذيقوض دعائم القوة والخير، في حياة المسلمين، وجرأ الطغاة على أن يبعثوا بمقدراتالأمة، كما يشاءون، دون أن يخشوا شيئا، أو توجه إليهم كلمة، لأنهم غير ملزمينبمشورة أحد أو رأيه!
6.أن الإنسان ـ بطبيعته ـ ظلوم جهول، ورأي الفرد لا يؤمن انحرافه، لغلبة الهوى، فيظلم،أو غلبة الجهل فيضل، ولهذا كان رأي الاثنين أقرب إلى الصواب، وإلى العدل والعلم، منرأي واحد، وإن كان الخطأ من الجميع محتملا.
7.أن الأغلبية التي تشير بالرأي، تتحمل مسئوليته، وتتقبل نتائجه أيا كانت، وهذا ما يجعلالأمة شريكة الحاكم، في الصواب والخطأ، والخير والشر، ويغرس فيها معاني القوةوالكرامة، والإحساس بالذات، ويدربها على أن تقول: "لا" بملء فيها، وتلزمبها.
8.أن الالتزام بشورى الأغلبية، وإن كان فيه خلاف، ينبغي أن يكون موضع اتفاق اليوم، إذاتراضت عليه جماعة ما، وتشارطوا على الأخذ بهذا الرأي، فهنا يرتفع الخلاف، ويصبحواجبا على الجميع أن ينفذوه، لأنه نوع من الوفاء بالعهود، التي أمر الله برعايتها،وفي الحديث"المسلمون عند شروطهم".

ادم
24-01-2009, 07:23 PM
لماذا لم يضع النبي صلى الله عليه وسلم نظاما مفصلا للشورى؟

أما عدم وضع الصيغ التفصيلية، فذلك لحكمة، ذكرها حكماء الإسلام في هذا العصر، يقول العلامة رشيد رضا (رحمه الله) في تفسير آية (وشاورهم في الأمر) من سورة آل عمران، "الحكم والأسباب التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم لم يضع نظاما مفصلا للشورى، جملة أسباب:
منها أن هذا الأمر يختلف باختلاف أحوال الأمة الاجتماعية، في الزمان والمكان، وكانت تلك المدة القليلة، التي عاشها صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة، مبدأ دخول الناس في دين الله أفواجا، وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أن هذا الأمر سينمو ويزيد، وأن الله سيفتح لأمته الممالك، ويخضع لهم الأمم وقد بشرها بذلك، فكل هذا كان مانعا من وضع قاعدة للشورى، تصلح للأمة الإسلامية في عام الفتح، وما بعده من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي العصر الذي يتلو عصره، إذ تفتح الممالك الواسعة، وتدخل الشعوب التي سبقت لها المدنية في الإسلام، أو في سلطان الإسلام، إذ لا يمكن أن تكون القواعد الموافقة لذلك الزمن صالحة لكل زمن، والمنطبقة على حال العرب في سذاجتهم، منطبقة على حالهم بعد ذلك، وعلى حال غيرهم، فكان الأحكم أن يترك صلى الله عليه وسلم وضع قواعد الشورى للأمة، تضع منها، في كل حال، ما يليق بها بالشورى.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لو وضع قواعد مؤقتة للشورى ـ بحسب حاجة ذلك الزمن ـ لاتخذها المسلمون دينا، وحاولوا العمل بها في كل زمان ومكان، وما هي من أمر الدين. ولذلك قال الصحابة في اختيار أبي بكر حاكما: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، أفلا نرضاه لدنيانا؟! فإن قيل: كان يمكن أن يذكر فيها أنه يجوز للأمة أن تتصرف فيها عند الحاجة بالنسخ أو التغيير والتبديل، نقول: إن الناس قد اتخذوا كلامه صلى الله عليه وسلم في كثير من أمور الدنيا دينا، مع قوله: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" رواه مسلم. وقوله "ما كان من أمر دينكم فإلي، وما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به" رواه أحمد. وإذا تأمل المنصف المسألة حق التأمل، وكان ممن يعرف حقيقة شعور طبقات المؤمنين من العامة والخاصة في مثل ذلك، يتجلى له أنه يصعب على أكثر الناس أن يرضوا بتغيير، وضع النبي صلى الله عليه وسلم للأمة، وإن أجاز لها تغييره، بل يقولون: إنه أجاز ذلك تواضعا منه، وتهذيبا لنا، حتى لا يصعب علينا الرجوع عن آرائنا، ورأيه هو الرأي الأعلى في كل حال".

ادم
24-01-2009, 07:32 PM
هل الشريعة لا تصلح لكل زمان و مكان نظرا لأن جوهر الإنسان التغير وجوهر الشريعة ثابت ؟

أما الإنسان فليس صحيحا أن جوهره التغير،إن من يقول ذلك ينظر إلى الإنسان نظرة العوام،الذين يكتفون من الأمور بما يطفو على السطح، قد ينظر هؤلاء إلى إنسان اليوم، وقد قرب البعيد، وانطق الحديد، وحطم الذرة، ووصل إلى القمر، وزرع القلوب التي في الصدور، وصنع العقل الإلكتروني "الكمبيوتر" ويوازنون بينه وبين الإنسان، الذي لم يكن يملك غير رجليه يمشي عليهما، أو دابة يركبها، أجل، قد ينظر هؤلاء إلى إنسان الأمس وإنسان اليوم، ويقولون: ما أعظم ما تغير الإنسان!
ولكن بالرغم من هذا التغير الهائل، الذي حدث في دنيا الإنسان، هل تغيرت ماهيته؟ هل تبدلت حقيقته؟
أسأل عن جوهر الإنسان، لا عما يأكله الإنسان، أو عما يلبسه الإنسان،
لقد تغير ـ بالفعل ـ أكبر التغير مأكل الإنسان، وملبسه، ومسكنه، ومركبه، وآلاته، وسلاحه، كما تغيرت معرفته للطبيعة،
ولكن الواقع أن الإنسان في جوهره وحقيقته بقي هو الإنسان، منذ عهد أبي البشر آدم إلى اليوم، لم تتبدل فطرته، ولم تتغير دوافعه الأصلية، ولم تبطل حاجاته الأساسية، التي كانت مكفولة له في الجنة، وأصبح عليه بعد هبوطه منها أن يسعى لإشباعها، وهي التي أشار إليها القرآن في قصة آدم: (أن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) (سورة طه:119).
إن إنسان القرن العشرين أو الحادي والعشرين، أو ما بعد ذلك، لا يستغنى عن هداية الله المتمثلة في وصاياه وأحكامه، التي تضبط سيره، وتحفظ عليه خصائصه، وتحميه من نفسه وأهوائها.




أما ما ذكره الكاتب عن الشريعة الإسلامية وأن جوهرها الثبات، فقد أخطأ فيه الحق أيضا، فإن الإسلام الذي ختم الله به الشرائع و الرسالاتالسماوية، أودع الله فيه عنصر الثبات والخلود، وعنصر المرونة والتطور معا،

ونستطيع أن نحدد مجال الثبات، ومجال المرونة في شريعة الإسلام، ورسالته الشاملة الخالدة، فنقول:



إنه الثبات على الأهداف والغايات، والمرونة في الوسائل والأساليب.



الثبات على الأصول والكليات، والمرونة في الفروع والجزئيات.



الثبات على القيم الدينية والأخلاقية، والمرونة في الشئون الدنيوية والعلمية.



وربما سأل سائل: لماذا كان هذا هو شأن الإسلام؟! لماذا لم يودعه الله المرونة المطلقة أو الثبات المطلق؟


والجواب: أن الإسلام بهذا، يتسق مع طبيعة الحياة الإنسانية خاصة، ومع طبيعة الكون الكبير عامة، فقد جاء هذا الدين مسايرا لفطرة الإنسان وفطرة الوجود.


أما طبيعة الحياة الإنسانية نفسها، ففيها عناصر ثابتة باقية ما بقي الإنسان، وعناصر مرنة ثابتة للتغير والتطور، كما أشرنا إلى ذلك من قبل.


وإذا نظرنا إلى الكون من حولنا، وجدناه يحوي أشياء ثابتة، تمضي ألوف السنين وألوف الألوف، وهي هي: أرض وسماء، وجبال وبحار، وليل ونهار، وشمس وقمر، ونجوم مسخرات بأمر الله، كل في فلك يسبحون.


وفيه ـ أيضا ـ عناصر جزئية متغيرة، جزر تنشأ، وبحيرات تجف، وأنهار تحفر، وماء يطغى على اليابسة، ويبس يزحف على الماء، وأرض ميتة تحيا، وصحار قفر تخضر،


هذا هو شأن الإنسان، وشأن الكون، ثبات وتغير في آن واحد، ولكنه ثبات في الكليات والجوهر، وتغير في الجزئيات والمظهر.


فإذا كان التطور قانونا في الكون في الحياة، فالثبات قانون قائم فيهما ـ كذلك ـ بلا مراء.




ومن أحكام الشريعة نجدها تنقسم إلى قسمين بارزين:


قسم يمثل الثبات والخلود


وقسم يمثل المرونة والتطور



نجد الثبات يتمثل في:


1-العقائد الأساسية الخمس، من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسوله، واليوم الآخر، وهي التي ذكرها القرآن في غير موضع كقوله: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والملائكة والكتاب، والنبيين) (سورة البقرة:177)، (ومن يكفر بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فقد ضل ضلالا بعيدا) (سورة النساء:136).


2-وفي الأركان العملية الخمسة، من الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام، وهي التي صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإسلام بني عليها.


3-وفي المحرمات اليقينية، من السحر، وقتل النفس، والزنا، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، والتولي يوم الزحف، والغصب، والسرقة، والغيبة، والنميمة، وغيرها مما يثبت بقطعي القرآن والسنة.


4-ومن أمهات الفضائل، من الصدق، والأمانة، والعفة، والصبر، والوفاء بالعهد، والحياء، وغيرها من مكارم الأخلاق، التي اعتبرها القرآن والسنة من شعب الإيمان.


5-وفي شرائع الإسلام القطعية، في شئون الزواج، والطلاق، والميراث، والحدود، والقصاص، ونحوها من نظم الإسلام، التي ثبت بنصوص قطعية الثبوت، قطعية الدلالة،

ونجد ـ في مقابل ذلك ـ القسم الآخر، الذي يتمثل فيه المرونة، وهو ما يتعلق بجزئيات الأحكام وفروعها العملية، وخصوصا في مجال السياسة الشرعية.
يقول الإمام ابن القيم في كتابه "إغاثة اللهفان":
الأحكام نوعان:
نوع: لا يتغير عن حالة واحدة مر عليها، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم، ونحو ذلك. فهذا لا يتطرق إليه تغيير، ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.
والنوع الثاني: ما يتميز بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا، كمقادير التعزيزات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها حسب المصلحة، وقد ضرب ابن القيم لذلك عدة أمثلة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين المهديين من بعده، ثم قال:
"وهذا باب واسع، اشتبه فيه ـ على كثير من الناس ـ الأحكام الثابتة اللازمة، التي لا تتغير، بالتعزيزات التابعة للمصالح وجودا وعدما".
والمجال هنا واسع، ولا يتسع المقام لأكثر من هذا، ومن أراد الاستزادة، فليرجع إلى ما كتبناه في مؤلفاتنا، التي تعرضت لهذا الموضوع بإفاضة وتفصيل.

ألب أرسلان
27-04-2009, 11:53 AM
جزاكم الله خيرا ...

ادم
09-05-2009, 05:38 PM
شكرا على مرورك

وجزاك الله خيرا

ادم
25-06-2011, 07:18 AM
اعتقد اننا بحاجة لقراءة هذا الموضوع من جديد