المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة النهاية للكاتب محمد عبدالولي


علي السقاف
14-01-2009, 04:02 PM
للكاتب اليمني المبدع محمد احمد عبد الولي
تسمية القصة وضعتها مجلة " الحكمة " وقد وجدت هذه القصة التي لم تنشر بين أوراق قاصنا الشهيد بوضعها هذا دون عنوان.
لم تكن لديه فكرة محددة وهو يغادر منزله في ذلك المساء كل ما فكر فيه هو أن الجو جميل.
كانت السماء قد أمطرت صباحا. وغسلت أحزانه التي قذف بها بعيداً بعدما فرغ من مضغ قاته.
هبت ريح ناعمه فهب يستنشق المزيد من الهواء. فكر أولاً في أن يذهب إلى المقهى لأخذ كوب من اللبن الساخن. لكنه عندما اقترب من المقهى رأى وجوها معروفة لديه. كره اللبن ومضى بعيداً.
-الأفضل أن يأخذ كأسا من الويسكي أن ذلك سوف ينعشه كثيراً.. وعندما استقر رأيه على ذلك قرر أن يأخذ تاكسي إلى أبعد نقطة في أديس أبابا، حيث لا أصدقاء ولا معاريف.
كلهم يشربون مثله تماما، ولكن كل واحد منهم يخاف أن يراه الآخر، لذلك يشرب كل منهم بعيدا عنهم وعن نفسه أحيانا بحكم الخوف أو المظهر.. مضى التاكسي بعيدا.. كان يشعر بفرح غامض ذلك المساء.
ولكن لم يقرر أن يذهب إلى " زينب " لأنه لا يراها إلا مرة واحدة في الأسبوع وعندما كان يمضغ القات شعر بحرارة في جسده وفكر فيها. ولكنه الآن لا يريدها ولم يسأل نفسه لماذا؟ لعله يريد شيئاً جديدا في هذا المساء لم يستغرب عندما رأى صاحب التاكسي يخوض شوارع لا يريدها. لديه اندفاع إلى شيء ما مجهول.
عندما توقف التاكسي، كانت الساعة قد اقتربت من الثامنة مساء نعم لديه حسابات كثيرة هذه الليلة ولكن سيدعها إلى الغد.
كان الشارع خالياً، ومضى فيه حتى النهاية. هناك " بارات " كثيرة ولكنها خالية أنه لا يحب مثل هذه الأحياء، فمضى بعيدا.. ربما جذبه لون الضوء المنعكس على الأرض وربما يكون السبب هو انعزال المكان. كان قد اجتاز نهرا صغيرا.، لذلك بقيت أطراف بنطاله مبللة بالماء عند قفز محاولا اجتياز النهر. لكن الرذاذا تطاير، لذلك كان منهكا بعد أن صعد التلة الصغيرة الكامنة في أحضان غابة من الكافور. لقد جذبته رائحة الكافور المغسولة بمياه الأمطار.
-مساء الخير.
واصطدمت عيناه بعجوز قابعة في منتصف الغرفة. منهوكة وذابلة العينين. نظرت إليه بلا مبالاة. ثم قادته إلى غرفة داخلية مخترقة ستارة جميلة المنظر، ذات أطراف مطرزة تنام بتكاسل على الأرض.
الغرفة عادية كمئات الغرف التي رآها، ولكن فيها شيئا ميزها عن غيرها – لم يكن " البار " بالطبع .. بالرغم من احتوائه كل أصناف الخمور وعلى آلة موسيقية حديثة يبيعها هو في دكانه بأكثر من خمسمائة دولار.. ربما ما جذبه إلى الغرفة هو لونها العصري ولم يكن ذلك موجودا في معظم منازل النساء، الصالون الجميل مع بساطة ألوانه الغامقة. خاصة بعد انعكاس الأضواء عليه. لون الزجاج الذي يتلون بصورة هندسية جميلة على الجدار. الصورة الرائعة المعلقة بسهولة منبسطة حتى النهاية، والرائحة العذبة التي تحتوي المكان.
لم يكن باستطاعته وصف المكان. رأى الكثير من ذلك في السينما وحلم بأن يصنع لنفسه صالونا كذلك، ولكنه لم يجد المنزل الملائم له.
-مساء الخير.
بدت مرحة طيبة بسمرتها، موسيقية الصوت والابتسامة.. مضت سريعة وجلست:-
-هل أقدم لك شيئاً؟
-نعم ويسكي بالصودا
-انني أفضل الجين مع التونك
-يمكنك شرب ذلك على حسابي ومضت تعد ذلك...
-أليست تلك خادمتك؟
وأشار إلى حيث مضت المرأة العجوزة.
-أوه .. كلا .. تلك والدتي.
وهز رأسه ببلاهة.
-إنها تعيش معي..
-أوه...........
أقبلت حاملة كأسها
-ألم تخدعني؟؟ اعتقد أن كأسك فيه ماء وليس جينا......
-يمكنك أن تتذوق لتتأكد.
-أذن صدقتك
وضحكت.
كانت صغيرة قد عمرها بستة عشر عاما أن لم يكن أقل من ذلك.
-ألست جديدة هنا؟
-أوه .. أشهر ستة.
-ولكنك فيما يبدو غنية.. وأشار إلى الغرفة.
-كلا .. أن عشيقي رجل يستطيع صنع ذلك..
-آه.....
وضحكت قائلة
أنه طيب .. لا يغضب..
-أعرف ذلك.
وراح يشرب كأسه ببطء، بينما قامت إلى جهاز الموسيقى..
-هل تحبها صاخبة..
-كلا.. هادئة.
وأدارت أغنية حبشية رقيقة.
-أنها أغنيتي المفضلة.
-وأغنيتي أيضاً.
-هل أنت مولد..؟
قالتها وهي تنظر إليه بعينيها السوداوين الواسعتين..
-نعم ... لماذا؟
-أنني أحب المولدين...
-آه ... أما أنا فأكرههم..
-لماذا؟
-لأنهم تافهين.
-أنا أيضاً مولدة.. فهل أنا تافهة؟
-ما دمت مولده.. فنعم.
ضحكت! أنك غريب.. أول مولد أراه يقول ذلك.
ولم يكن يبدو عليها مولدة.. أن أمي نفسها قد نسيته، مرة تقول أنه إيطالي ومرة أخرى تقول أنه يمني.
-قد تكون كاذبة...
-ذلك لا يهمني.
-إذن لماذا تقولين أنك مولدة ما دمت لا تعرفي ذلك؟
-مهما كان والدي فأنا مولدة.
شعر فجأة بإحساس غريب...
هل يمكن أن يكون ذلك؟ لا يهمك من يكون أباك؟.. ولكنك مولد لا... حقيقة لقد شعرت مرات بأنه منبوذ، وكذلك يشعر الكثيرون مثله، لكنه يعرف من هو أبوه.. ومن هي أمه.. ويعرف من أين أتى أبوه. بل ويعرف أسماء عائلة والده وقريته، كل ذلك مرسوم في أعماقه بالرغم أنه لم يرهم. كان يفكر مرات بزياراتهم ولكنه نبذ تلك الفكرة بعد ذلك، بعد أن مات والده الذي عاش هنا أكثر من خمسين عاما.. لقد بقى هو وحده.. ماتت أخته منذ أعوام قليلة وبقى هو. لا تزال الرسائل تصله باسم أبيه ويكتب لهم أيضاً بنفس الاسم. أنه يخاف من الوراثة. يقولون أنا أباه كان مزواجا في اليمن. قالها أبوه أكثر من مرة.. ويقولون أنه طلق.. ولكن هل لديه أطفال؟ لقد سمع أنهم ماتوا. ولكنه غير متأكد.. لذلك لم يكتب لهم بأن أباه قد مات حقيقة، لقد نسي أبوه أشياء كثيرة، هناك لن يتركوه، إذا علموا أن الرجل كان غنياً هنا.
***
-بماذا تفكر..؟
كان الكأس أمامه فارغا
-أوه لقد انشغلت.. أرجوك كأسا أخرى.
-كأسين .. تقصد
أوه .. نعم .. نعم.
(منقول)


علي السقاف جده

عاسف المهرة
25-02-2010, 07:50 AM
شكرا جزيلا لك ونتمنى المزيد