المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العمارة الإسلامية


أسامة هوادف
10-07-2011, 09:45 PM
المفهوم العام للبناء في الإسلام أمر الإسلام بتعمير الأرض بالبناء عليها، وحث عليه لحماية الإنسان من حرِّ الشمس وبرد الشتاء وأمطاره، وجعل اتخاذ المساكن نعمة من الله لمخلوقاته، قال تعالى: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنًا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتًا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثًا ومتاعًا إلى حين} [النحل: 80] .

ووضع الإسلام لبناء المساكن والمدن والقرى آدابًا منها:
- اختيار المكان الجيد؛ فيبني المسلم البيوت وغيرها في السهول أو الجبال حسبما تقتضي حاجته ومكان تواجده وراحته، وهذا ما تحدث به القرآن كثيرًا، قال تعالى: {وكانوا ينحتون من الجبال بيوتًا آمنين} [الحجر: 82]، وقال تعالى: {تتخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا} [الأعراف: 74].

- أن تتوفر في الدور والبيوت وسائل السكن والراحة والطمأنينة من تهوية جيدة، وسعة في المكان، ووجود الخضرة والزروع حول البيت، ووجود أماكن خاصة للنساء في البيوت.

وينبغي أن يكون في البيت مرحاض لقضاء الحاجة، وكان العرب قبل الإسلام لا يعرفون بناء المراحيض في البيوت، فلما جاء الإسلام اتخذ المسلمون المراحيض بجوار المسجد لقضاء الحاجة ثم الوضوء، وكان ذلك بعد غزوة خيبر واتخذوها في البيوت بعد ذلك، فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن النبي ( قال: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا).

قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قِبَلَ القبلة، فننحرف ونستغفر الله تعالى.

[البخاري]، ومن هنا اتخذ المسلمون المراحيض للمساجد والبيوت.

ومن أوجب الأمور في تخطيط وإنشاء البيت المسلم اتخاذ مسجد للصلاة في البيت، وهذا ما جاء عن رسول الله (، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (أمر رسول الله أن تتخذ المساجد في الدور وأن تطهَّر وتطيَّب) [ابن ماجه] وعن أبي هريرة: (أن رجلاً من الأنصار أرسل إلى رسول الله ( أن تعالَ فخط لي مسجدًا في داري أصلي فيه -وذلك بعدما عمي هذا الرجل- فجاء النبي ( ففعل) [ابن ماجه].

- البساطة، فينبغي أن تكون دار المسلم بسيطة، فلا يسرف في بنائها وتزيينها، فهذا بيت رسول الله ( كان حُجَرًا من جريد مطلي بالطين، وبعضها مبني بالطوب اللبن، وكانت منازل المسلمين في عهد رسول الله ( والخلفاء الراشدين غاية في البساطة. فالهدف من بناء المسلم للبيوت هو أن يبني ما يستره من المطر والحر ويستر عورة أهله.

ومع هذا فالبساطة في البناء على سبيل الاستحباب وليس فرضًا، فالإسلام لم يحرم تحسين بناء البيوت وتزيينها، ولكن ذلك يكون بشرط ألا يبعد هذا البناء المسلم عن هدفه الحقيقي وهو إرضاء الله، والفوز في الآخرة، وهذا هو ما حذَّر منه النبي (: (لا تتخذوا الضِّيَعَة، فترغبوا في الدنيا (والضيعة هي المنازل الفخمة)) [الترمذي].

- والمسلم لا يبني ما لا يسكن، لأنه لا يتعلق بالدنيا، وليست هي كل أمله؛ فلا يجوز له أن يبني بيتًا ويتركه بدون سكن بحجة أن له أولادًا صغارًا، كما لا يجوز له أن يبني عدة أدوار في بيت واحد إلا لغرض السكن، إما أن يسكنه هو وأهله من أقاربه، أو يسكنه المسلمون إجارة، قال رسول الله (: (إن العبد ليؤجر في نفقته كلها إلا في التراب -أو قال: في البناء- وذلك فيما لا يسكنه) [ابن ماجه].

- طهارة البيوت وشوارع القرى والمدن، قال رسول الله (: (بينما رجل يمشي بطريق، وجَدَ غصن شوك على الطريق، فأخذه فشكر الله له، فغفر له). [البخاري].

- سعة البيوت، وسعة شوارع المدينة والقرية، فعن أبي هريرة قال: قضى رسول الله ( إذا تشاجروا في الطريق المِيْتَاء (الطريق الواسعة التي يكثر دور الناس بها) بسبعة أذرع. [البخاري]، أي أن سعة الطريق تكون على الأقل إذا تشاجر الناس عليها سبعة أذرع.

- عدم اتخاذ التماثيل في ميادين القرى والمدن، أو في البيوت، لما ورد عن قيس بن جرير قال: كان بيت في الجاهلية يقال له: ذو الخَلَصَة والكعبة اليمانية، والكعبة الشامية، فقال لي النبي (: (ألا تريحني من ذي الخلصة؟).

فنفرتُ في مائة وخمسين راكبًا فكسرناه، وقتلنا من وجدنا عنده، فأتيت النبي(، فأخبرته؛ فبارك على خيل أحمس ورجالها. [البخاري]، و ذو الخلصة كان بنيانا باليمن به تماثيل تعبد، وأحمس هو الجد الأكبر للقبيلة التي سار إليها قيس بن جرير الذي قام بهذه المهمة.

- إنشاء المساجد في القرى والمدن بها، قال رسول الله (: (من بنى مسجدًا لله تعالى؛ بنى الله له في الجنة مثله) [مسلم].

وقد جعل الإسلام لمن يوسع مسجدًا، ويزيد في مساحته أجرًا عظيمًا، فهذا
عثمان -رضي الله عنه- يقول للمسلمين: أنشدكم الله، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله؛ فقال رسول الله (: (من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟) فاشتريتها من صُلب مالي، فزدتها في المسجد) [النسائي].

- تحصين المدن والقرى وحمايتها من هجمات المعتدين بإقامة الحصون حولها إذا كانت من مدن الثغور أو يظن هجوم العدو عليها، فكان المسلمون يبنون المدن ويقيمون بها الحصون.

- ألا يرفع المسلم بناءه عن بناء أخيه إلا بإذنه، وعن حق الجار قال رسول الله (: (ولا تستطيل عليه بالبنيان، فتحجبَ عنه الريح؛ إلا أن يأذن) [الطبراني] فالإسلام لم يحرم رفع البنيان وتشييده، ولكنه اشترط ذلك بإذن الجار حتى لا يحجب عنه الريح، وحتى لا يكشف عوراته.

فن العمارة الإسلامية
نشأت العمارة الإسلامية كحرفة بسيطة في البناء في أبسط أشكاله، ثم تطورت حتى كوَّنت مجموعة الفنون المعمارية المختلفة. وفن العمارة من أهم مظاهر الحضارة، لأنها مرآة تعكس آمال الشعوب وأمانيها، وقدراتها العلمية وذوقها وفلسفتها، ومن الحقائق الثابتة أن العمارة كانت دائمًا الصورة الصادقة لحضارة الإنسان وتطورها وانعكاسًا لمبادئه الروحية على حياته المادية، بما يكتب عليها -أي على العمارة- من كتابات وما ينقش عليها من نقوش.

وقد اشتمل الفن المعماري الإسلامي على عدة أنواعٍ منها: فن عمارة المساجد، وهو أرقى فن معماري عند المسلمين، وفن عمارة القصور، وفن عمارة البيوت، وفن عمارة المدارس، وقد برع المسلمون في فنون العمارة بكل أشكالها؛ لأنهم فهموا نماذج العمارة في الحضارات السابقة ثم طوروها بما يتناسب مع عقيدتهم ودينهم، ثم أبدعوا بعد ذلك نموذجًا إسلاميًّا خاصًّا بهم.

وسنأخذ أمثلة لفن العمارة الإسلامية في بعض العصور الإسلامية لنرى مدى محافظة المسلمين على أسس وقواعد البناء الإسلامي.

عصر النبوة والخلفاء الراشدين:
طبق المسلمون في عهد النبي (، والخلفاء الراشدين قواعد البناء في الإسلام أروع تطبيق.

المسجد النبوي:
فقد بنى النبي ( المسجد النبوي بالمدينة، وكان هذا المسجد بسيطًا، بما يتفق مع روح الدين الإسلامي، ومع قواعد وأسس البناء في الإسلام، وكان المسجد مربعًا، وصحنه الأوسط مكشوفًا، لا سقف عليه، أما جوانبه الأربعة فكانت مسقوفة، وكانت المساحة المسقوفة من الحائط المجاور للقبلة أكبر من غيرها، وجدير بالذكر الإشارة إلى أهمية وجود الصحن المكشوف في وسط المسجد للإضاءة والتهوية.

وقد تم توسيع المسجد بعد عهد رسول الله (، ففي عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سنة (17 هـ)، زيد في مساحة المسجد، ونتج عن هذه الزيادة زوال الجدران التي بناها الرسول الكريم (، ماعدا الجدار الشرقي التي كانت تلتصق به بيوت النبي (، وقد اتبع المسلمون التخطيط الذي وضعه الرسول (لمسجده).

المسجد الأقصى: أقام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مسجدًا خشبيًّا عند الصخرة المقدسة التي ذكرت في قصة الإسراء والمعراج، وإلى الجنوب من قبة الصخرة يوجد المسجد الأقصى، حيث أقصى مكان وصل إليه البراق برسول الله ( ليلة الإسراء.

البيوت: وكما كانت المساجد على عهد النبي ( والخلفاء الراشدين بسيطة البناء، كانت بيوتهم كذلك تتسم بالبساطة، وقد كانت بيوت النبي ( مبنية بالطوب اللَّبِن، وهي تسع حجرات، كان منها أربع حجرات من جريد عليها طبقة من الطين، والخمس الباقية مبنية بالطوب اللَّبِن، وكان سقفها في متناول اليد، وكذلك كانت بيوت الصحابة.

المدن: بنى المسلمون في عهد الراشدين المدن، ومنها مثلاً:
مدينة الفسطاط التي بناها عمرو بن العاص -رضي الله عنه- في مصر، بأمر الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، واختار لها موقعًا متميزًا على النيل، في الموضع الذي كان يشغله حصن بابليون، وقد كان بناء المدينة في بداية الأمر على غير نظام هندسي دقيق، برز فيه حرص المسلمين على الحفاظ على حرماتهم، بعدم بناء نوافذ كبيرة مطلة على الشوارع، وإنما كانوا يستمدون الضوء من فناء كبير بداخل المنزل، وكانت البيوت من طابق واحد في بداية إنشائها، ثم بدأت تتكون من أكثر من طابق في أواخر عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وبنى عمرو بن العاص.

-رضي الله عنه- مسجده بجوار مدينة الفسطاط، وكان بناء المسجد بسيطًا من الطوب اللبن ومغطى بالجريد، وكان في ذلك الوقت يطل على النيل.

عصر الخلافة الأموية:
مع كثرة الفتوحات في عصر الأمويين كثر الاتصال بالحضارات المختلفة والتأثر بها، ولم يقف المسلمون عند حد التأثر والاقتباس، فابتكروا وطوروا وأبدعوا ودخلوا مجال التنافس مع الحضارات الأخرى.

ومن أهم ما تركه لنا الأمويون:
مسجد قبة الصخرة: وتعد من أهم وأبدع آثار الأمويين، وهي آية في الجمال والبراعة المعمارية، وقد بناها عبد الملك بن مروان سنة (72 هـ)، ويلاحظ عليها المبالغة في الزخرفة، والتأنق في رسم الأشكال الجمالية، مما يوحي بدخول الفن الإسلامي مرحلة جديدة من الاهتمام بالزخرفة، والتفنن في إتقان الزخارف بشتى أنواعها مما يدل على تأثر الفن الإسلامي بالفنون المعمارية السائدة في
هذا الوقت.

المسجد الأموي بدمشق: ويعد هذا المسجد من أهم فنون العمارة الإسلامية، فقد بناه الوليد بن عبد الملك بين عامي (88-96 هـ)، ويعد مرحلة جديدة في دخول عنصر الزخرفة في بناء المساجد، والتي لم تعد تحتفظ ببساطتها المعهودة، ولعل هذا يعد تطورًا طبيعيًّا لتطور فن العمارة عند المسلمين.

قصور الأمويين: استحدث الأمويون نوعًا جديدًا من المباني وهو القصور، ومنها قصر عُميرة، وكان قصرًا صغيرًا على بعد خمسين كيلو مترًا من مدينة عمان عاصمة الأردن، وقد بناه الوليد ابن عبد الملك ليستريح فيه عند خروجه للصيد، ومنها قصر الشمال الذي بناه الخليفة هشام بن عبد الملك، ومنها قصر المشتى، وقد كانت هذه القصور على درجة عالية من البراعة في التصميم وجودة الزخرفة.

وكان عهد الوليد بن عبد الملك عهد دخول العمارة الإسلامية ميدان الزخرفة، والتأنق في البناء، وذلك بعد الاحتكاك بالحضارات الأخرى والتأثر بها، والأخذ بزينة الدنيا، التي لم يحرمها الإسلام، ولكنهم مع أخذهم بزينة الدنيا، لم ينسوا الاهتمام بأمور دينهم والعمل لآخرتهم.

عصر الخلافة العباسية:
وفي عهد العباسيين زاد الاتصال بالحضارات المختلفة، فزاد الاهتمام بالعمارة وزخرفتها، واشتد اهتمامهم ببناء القصور والمدن.

مدينة بغداد: فقد بنى الخليفة المنصور مدينة بغداد لتصير عاصمة العباسيين الجديدة، وفي بناء هذه المدينة برزت الدراسات الجيدة لاختيار الموقع والتخطيط قبل التنفيذ، فقد طلب الخليفة أبو جعفر المنصور رسم تخطيط لها على الأرض قبل إنشائها، وتخطيط مدينة بغداد دائري، ولها أربعة مداخل رئيسية محورية، واستمر بناء هذه المدينة من عام (145 هـ) حتى عام (147هـ) وكان للمدينة سوران خارجيان؛ الداخلي منهما أسمك وأعلى، وكان يحيط بسور المدينة من الخارج خندق عرضه ستة أمتار.

وكان يقع في قلب المدينة قصر المنصور، وكان يعرف باسم قصر الذهب، وهو قصر فخم لم يشهد المسلمون مثله من قبل، وبجوار القصر يوجد المسجد، وهو ملاصق لحائط القصر الشمالي الشرقي، وحول القصر توجد قصور الأمراء والمباني الحكومية، وفي المساحات التي بين المداخل الأربعة الرئيسية كانت توجد المناطق السكنية، وفي كل قسم شوارع رئيسية يتراوح عددها بين ثمانية واثني عشر شارعًا يتجه نحو وسط المدينة، وكان للمدينة ثمانية أبواب حديدية.

مدينة سامراء: وكانت تسمى (سُرَّ مَنْ رَأَى)، وكان مكانها قبل بنائها دير (مكان عبادة للنصارى) في الصحراء اشتراه الخليفة المعتصم من أصحابه وبناها مكانه، وكانت هذه الأرض تقع على الضفة اليمنى من نهر دجلة، وعلى بعد مائة وثلاثين كيلو مترًا، وأحضر المعتصم المهندسين فاختاروا له مواقع القصور، وبنى لكل واحد من أصحابه قصرًا، وتم تخطيط شوارع المدينة كأحسن ما تكون الشوارع من ناحية الاتساع والطول، وأحضر من كل بلد من يجيد فن العمارة والزراعة وهندسة البناء والصناعة.

وقد استخدم المهندسون والعمال ما بين أيديهم من المواد الخام، فمن الطين صنعوا اللبن والآجر، وقاموا بتزيين الجدران بالجِصِّ وغيره من موَاد البناء، وتفننوا في زخرفتها، فلهذه المدينة أهمية في فن العمارة الإسلامية، فقد تقدم الفن المعماري فيها خطوات واسعة متلاحقة، وأصبح تشييد المدن وتخطيطها أبعد ما يكون عن الاقتصاد والبساطة، وتجلى الإسراف والترف في بنائها بأوسع معانيه، وهذا ينافي روح الإسلام ومبادئه السامية الداعية إلى البعد عن الإسراف والتحذير منه.

وبنى بهذه المدينة مسجد سامراء الجامع، ويعد هذا المسجد أكبر المساجد القديمة في العالم الإسلامي، فقد بلغت مساحته بدون الزيادات مرة ونصف قدر مساحة المسجد الطولوني بمصر الإسلامية، وقد بدأ الخليفة المعتصم في بنائه وأتم بناءه الخليفة المتوكل، وهو مبني على مساحة مستطيلة الشكل، بلغ طول ضلعها الأكبر(260) مترًا والأصغر (180) مترًا فكان يتسع لأكثر من مائة ألف مصلٍّ.

مدينة القطائع: وقد بناها أحمد بن طولون في مصر على نمط مدينة سامراء، وقد اختار لها الفضاء الواسع الذي كان يقع إلى الشمال الشرقي من مدينة العسكر التي بناها العباسيون بالقرب من مدينة الفسطاط، وينتهي هذا الفضاء الذي بنيت فيه عند هضبة المقطم.

وبدأ ابن طولون عام (256 هـ) في بناء قصر رائع له، وجعل أمامه ميدانًا عظيمًا يمارس فيه أنواع الرياضة، وسمح لأصحابه وأتباعه ببناء مساكن
لهم، فاتصلت بمدينة العسكر والفسطاط، ويوجد في وسط القطائع هضبة سميت بجبل يشكر التي بنى عليها ابن طولون جامعه الكبير.

أما من حيث تخطيطها فلم يتبع تخطيط سامراء، بل سار على نمط الفسطاط والعسكر من حيث ضيق الشوارع وتعرجها وعدم نظامها، وكان بالمدينة الأسواق والحمامات والطواحين، وبنى ابن طولون أيضا قناطر للمياه تعرف الآن باسم مجرى الإمام، وذلك كي تمد قصره بالماء، وهذا القصر الذي كان وصفه يفوق الخيال، وقد أنفق عليه ابن طولون وعلى هذه القناطر أموالاً طائلة. وجاء بعد ابن طولون ابنه خمارويه فبالغ في الإسراف على هذا القصر مما أفسد ماليَّة الدولة وعرض ملكه للضياع بسرعة.

مسجد ابن طولون: وقد أنشأ ابن طولون هذا المسجد في مدينة القطائع التي بناها فوق هضبة جبل يشكر، وكان المسجد يتصل بالميدان الذي أنشأه أمام قصره ولذلك سمي جامع الميدان، ويتكون المسجد من صحن مربع في الوسط، وهو فناء مكشوف، وتحيط به أربعة أروقة، ويحيط بالمسجد من الخارج زيادات من ثلاث جهات ماعدا حائط القبلة التي كانت تلاصقها دار الإمارة التي أنشأها ابن طولون.

اهتم العباسيون كذلك ببناء القصور الفاخرة، مثل: قصر الخليفة المعتصم في مدينة سامراء، وقصر المأمون،وغير ذلك. وهكذا نجد تأثر العمارة الإسلامية في العصر العباسي بالعمارة في الحضارات الأخرى والاهتمام بالزخرفة والإسراف في بناء القصور وتشييدها، مما يعد تطورًا لا يتمشى مع روح الاعتدال والبعد عن الإسراف الذي نهى عنه الإسلام.

العمارة في الأندلس وبلاد المغرب:
كان للزهاد والصوفيين الذين كانوا مع المرابطين والموحدين بالمغرب آراؤهم في البذخ والترف في البناء، مما أدى إلى الاعتدال في البناء، بعد أن كان قد وصل إلى درجة كبيرة من الإسراف والترف في البناء والزخرفة، وقد بلغ الفن الإسلامي في الأندلس قمة ازدهاره، في قصر الحمراء الذي بني في القرن الثامن الهجري، ثم توقف تطور الفن الإسلامي في الأندلس بعد ذلك، بسبب الاضطرابات التي وقعت فيها قبل سقوطها.

وكانت أهم المراكز الفنية المعمارية في بلاد المغرب أشبيلية، وغرناطة، ومراكش، وفاس، وقد تركت لنا الحضارة الإسلامية في بلاد المغرب عدة آثار معمارية رائعة، نكتفي منها ببعض الأمثلة من بلاد الأندلس وهي:
المسجد الكبير بقرطبة: وقد بناه عبد الرحمن الداخل في قرطبة وقت استقراره، ثم أدخلت عليه بعد ذلك تعديلات كثيرة، وتضم المساحة الكلية للبناء -بما في ذلك الجدران- شكلاً يكاد يكون رباعيًّا، وينقسم إلى قطاعين من الشمال إلى الجنوب يتساويان فيما بينهما تقريبًا، ويبلغ ارتفاع المسجد تسعة أمتار، يرتكز على أعمدة رفيعة، تحمل أخرى أقل منها حجمًا، يربط بينها عقود متداخلة يعلو بعضها بعضًا.

وقد بنى الولاة في الأندلس مساجد أخرى كثيرة، غير أنها تهدمت، وتحول بعضها إلى كنائس بعد زوال الحكم الإسلامي من الأندلس، حتى مسجد قرطبة بُنِي في داخله هيكل كنسي، وترك لنا الأندلسيون عدة آثار أخرى كثيرة منها:
مدينة الزهراء: وقد بناها عبدالرحمن الناصر سنة (325 هـ)، وقد جلب لبنائها الرخام من إفريقية وروما والقسطنطينية، وبنى في قصر المؤنس بها حوضًا من الرخام زينه بنقوش مذهبة بها صور آدمية، وجعل عليه تماثيل من الذهب المرصَّع بالدر، وهذا تطور جديد حيث استعملت الصور والتماثيل التي حرَّمها الإسلام.

وجعل سقف قصر الخلافة وجدرانه من الرخام ذي الألوان الصافية، وأنشأ وسطه صهريجًا عظيمًا مملوءًا بالزئبق، وكان للقصر من كل جانب من جوانبه ثمانية أبواب، وكانت الشمس تدخل تلك الأبواب فيضرب شعاعها جدران القصر، فيصير من ذلك نور يأخذ بالأبصار، وكان في هذه المدينة محلات للوحش، ومسارح للطير، ودور لصناعة آلات الحرب، والحلي وغيرها من الصناعات، وكان بها مسجد صغير مزخرف بالرخام والذهب والفضة.

قصر الحمراء: بناه حكام بني الأحمر في غرناطة بعد زوال سلطان الموحدين من الأندلس، ويعد هذا القصر أعظم الآثار الإسلامية في روعة البناء والزخرفة والهندسة، فقد وضع فيه المهندسون خلاصة فنَّهم وجعلوه قصرًا خياليًّا، تبهر زخارفه وعقوده الأبصار، وتنطق الطبيعة بما حوله من خضرة وماء بأروع صور الجمال والبهاء.

وكان هذا الإسراف المادي في البناء والزخرفة على حساب التقدم الروحي للمسلمين في تلك البلاد؛ مما جعل الناس يركنون للراحة والكسل، مما أطمع أعداءهم، وألان شوكتهم، وأزال دولتهم، وخسرت البشرية خيرًا كثيرًا بزوال خلافة المسلمين في تلك البقاع.

عصر الفاطميين: لقد تميز فن العمارة الفاطمي بسمات خاصة وطابع جديد، وقد ترك لنا الفاطميون عددًا من الآثار المعمارية الرائعة نذكر لك أمثلة منها:
مدينة القاهرة:
بعد استيلاء جوهر الصقلي على الفسطاط عام (358 هـ)، وضع تخطيطًا لمدينة القاهرة، وكان تخطيطها على شكل مربع تقريبًا، يواجه أضلاعه الجهات الأربع الأصلية، ويتجه الجانب الشرقي نحو المقطم، والغربي يسير بمحاذاة النيل، والبحري نحو الفضاء الواقع في الشمال، والقبلي يواجه الفسطاط، وطول كل ضلع من أضلاع المدينة ألف ومائتا متر، ومساحة المدينة ثلاثمائة وأربعون فدانًا، وكان هذا السور مبنيًّا من الطوب اللبن، ويتوسط المدينة قصران هما: القصر الكبير الشرقي، والقصر الصغير الغربي، وبينهما ميدان لاستعراض الجند، وأصبحت القاهرة عاصمة للخلافة الفاطمية التي امتدت من المغرب إلى الشام، وكان بسور القاهرة عدة أبواب لم يَبْقَ منها الآن سوى بابي النصر والفتوح في الشمال، وباب زويلة في الجنوب، وهي تمثل العمارة الحربية في العصر الفاطمي.

الجامع الأزهر:
ومساحة المسجد الأزهر الأول الذي بناه القائد الفاطمي جوهر الصقلي بأمر الخليفة الفاطمي المعز لدين الله تقترب من نصف مساحته الحالية، ولقد أضيفت إليه زيادات كثيرة في أزمنة مختلفة حتى وصل إلى تصميمه الحالي، ويتوسطه صحن مكشوف تحيط به أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة، وليس بالجامع مئذنة ترجع إلى العصر الفاطمي، فالمآذن الحالية تنسب للسلطان قايتباي والسلطان الغوري، وللأمير عبدالرحمن كتخدا العثماني أحد أمراء القرن الثامن عشر الميلادي.

قصور الفاطميين:
وقد شيد الفاطميون عددًا من القصور أهمها: القصر الذي بناه جوهر الصقلي بالقاهرة للخليفة المعز، وكان في الفضاء الذي يقع فيه الآنخان الخليلي ومسجد الحسين، وقد أطلق عليه القصر الشرقي الكبير، كما أطلق عليه القصر المعزِّي، ويقال إنه كان به أربعة آلاف حجرة، وبه عدة أبواب، وكان في غرب هذا القصر، قصر آخر أصغر منه، هو القصر الغربي الذي بناه العزيز بالله، وموقعه مكان سوق النحاسين، وقبة الملك المنصور وما جاورها، وهكذا غلب طابع الإسراف على فن العمارة في عهد الفاطميين، وأسرفوا في النفقات على مبانيهم الخاصة بهم.

عصر الأيوبيين:
كان عصر الأيوبيين بداية ظهور خط النسخ على العمائر وغيرها من التحف، واستعمل الخط الكوفي في كتابة الآيات القرآنية وغيرها. ومن مميزات فن العمارة الأيوبي تطور بناء المآذن كما ظهر بناء الخوانق، وهي دور كانت تبنى لإقامة الصوفية، كما كثر إنشاء المدارس، وأهم هذه المدارس: المدرسة الناصرية: وكان إنشاؤها بجوار جامع عمرو، فحين أصبح صلاح الدين سلطانًا بنى المدرسة الصلاحية عام (572 هـ) بجوار قبر الإمام الشافعي.

مدرسة وضريح السلطان نجم الدين أيوب: وتتكون من جزأين رئيسين يفصلهما ممر، وتعلو مدخله مئذنة، وملحق بالمدرسة ضريح، وتعلوه قبة من الطوب وحوائط الضريح من الحجر، وهنا تطور جديد وهو وجود الأضرحة والاهتمام بها، وهذا أمر مخالف لسنة رسول الله (، وكان أول من أدخل هذه الأضرحة السلاجقة. عصر المماليك:
ينقسم عصر دولة المماليك إلى عصرين، دولة المماليك البحرية، ودولة المماليك الجراكسة، ومن أهم العمائر الإسلامية في عهد المماليك البحرية: جامع الظاهر بيبرس، ومدرسة وضريح ومستشفى السلطان قلاوون ومسجد المارداني.