المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بلقيس المرأة الحكيمة ( منقول )


السمراء أم شامة
05-03-2009, 07:31 AM
هذا موضوع نقلته من أحد المنتديات ... أعجبني أسلوب كاتبته جزاها الله خيرًا :)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه القصة ذكرها الله في سورة النمل وهي قصة ملكة سبأ (بلقيس)

وبداية القصة كما في كتاب الله تعالى :

{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ(20)لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لاذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ(21)فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ(22)إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ(23)وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ(24)أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ(25)اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(26)قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ(27) اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ(28)}.



في ذلك الزمان زمن سليمان نبي الله عليه الصلاة والسلام كان قد أعطاه الله ملك عظيم دانت له فيه الإنس والجن وكل مخلوقات الأرض وقد كان في إحدى اوقات حربه عطش جيشه ولم يجد الماء
وكان الهدهد يعرف بإذن الله أماكن الماء فبحث عنه فلم يجده وغضب سليمان غضبا شديد اذ كيف يذهب الهدهد دون إذن فالكل كان يهاب سليمان لما أعطاه الله من القوة وتسخير المخلوقات له
فقال اذا عاد سوف اعذبه عذابا شديدا حيث قال المفسرون أنه سوف ينتف ريشه ويتركه ملقى تأكله الذر والنمل او يقتله اذا لم يأت بحجة وسلطان بليغ يشفع له في غيابه

وعندما عاد الهدهد قال له الطير ما خلفك عن سليمان فقد توعد لك بالوعيد الشديد اذا لم تأتي بما ينجيك فقال لهم لقد نجوت وظل زمن يسيرا ثم جاء الى سليمان وقال له أطلعت على مالم تتطلع عليه أنت وجنودك وجئت اليك من سبأ بنبأ يقين اي خبر صادق لاكذب فيه

وسبأ: هم: حمير، وهم ملوك اليمن.
ثم قال: إني وجدت امرأة تملكهم، قال الحسن البصري: وهي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ.
وقال قتادة: كانت أمها جنية، وكان مؤخر قدميها مثل حافر الدابة، من بيت مملكة.
وقال زهير بن محمد: وهي بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان، وأمها فارعة الجنية.
وقال ابن جريج: بلقيس بنت ذي شرخ، وأمها يلتقة.وهذه من الروايات الإسرائلية التى لاتصدق ولاتكذب ولكن لم يأتي في شرعنا دليل على جواز زواج الأنس من الجن

وأوتيت من كل شيء أي: من متاع الدنيا ما يحتاج إليه الملك المتمكن ، ولها عرش عظيم يعني: سرير تجلس عليه عظيم هائل مزخرف بالذهب، وأنواع الجواهر واللآلئ.

قال علماء التاريخ: وكان هذا السرير في قصر عظيم مشيد رفيع البناء محكم، كان فيه ثلاثمائة وستون طاقة من شرقه ومثلها من غربه ، قد وضع بناؤه على أن تدخل الشمس كل يوم من طاقة، وتغرب من مقابلتها، فيسجدون لها صباحا ومساء

وأني وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله خالق السموات والأرض
قال له سليمان الآن سوف نتحرى صدقك من كذبك وكتب سليمان كتابا الى بلقيس وكان نصه
ففف إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ققق
وطلب من الهدهد أن يحمله ويلقيه على بلقيس وحمله في جناحه وقيل بمنقاره

وذهب إلى بلادهم فجاء إلى قصر بلقيس، إلى الخلوة التي كانت تختلي فيها بنفسها، فألقاه إليها من كوة هنالك بين يديها، ثم تولى ناحية أدبا ورياسة، فتحيرت مما رأت، وهالها ذلك، ثم عمدت إلى الكتاب فأخذته، ففتحت ختمه وقرأته، فإذا فيه: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ننن أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } فجمعت عند ذلك أمراءها ووزراءها وكبراء دولتها ومملكتها، ثم قالت لهم: { يَا أَيُّهَا المَلؤا إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} تعني بكرمه: ما رأته من عجيب أمره، كون طائر أتى به فألقاه إليها، ثم تولى عنها أدبا. وهذا أمر لا يقدر عليه أحد من الملوك، ولا سبيل لهم إلى ذلك، وهنا تتجلى حكمة بلقيس أنها عرفت أن هذا الكتاب كريم وانها أمام أمر عظيم


ومن حكمتها هنا أنها قرأت الكتاب مليّاً ولكنها لم تتعجل الرد وهي صاحبة الكلمة الأولى في المملكة ، فلم تكن ملكة مستبدّة تستأثر بالقرارات المصيرية كهذا القرار .

إنّها تمثِّل النموذج الشورويّ في الحكم (مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ ) فهي تستمزج الآراء وتقلّبها على وجوهها حتّى تدرك الصواب ، ذلك أنّ من شاور الناس شاركها عقولها .

فجمعوا أمرهم وقالوا لها : نحن أصحاب حرب ولسنا أصحاب رأي فانظري ماذا تأمرين ونحن رهن إشارتك (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّة وَأُولُو بَأْس شَدِيد وَا لاْمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ )

لقد طلبت عقولهم فأعطوها عضلاتهم ، كما يقال .

أدارت بلقيس نظرها في الوجوه الصارمة فرأت أ نّها مزمعة على القتال ، ولكنّها فاجأتهم بالرأي المخالف لرأيهم .. رفضت الحرب بعدما درست كتاب سليمان دراسة وافية واعية لمراميه .. قرأت ما بين السطور ورأت أنّ دعوته سلمية والتهديد فيها تهديدٌ في حال الرفض للإستجابة لأمر الله، ورأت أنّ سليمان لا يدعو لنفسه وإنّما لإله لم تؤمن به ، فأرادت أن تتبع معه سياسة الاختبار لنواياه :

تُرى ماذا فعلت بلقيس ،،،،،،،،،،،،يتبع إن شاء الله

السمراء أم شامة
05-03-2009, 07:37 AM
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)

في هذه الأيات كماقلنا سابقا أستشارت قومها لأنها لاتريد أن تفعل أي شي الا بمشورتهم واشاروا عليها بالحرب والقتال ..وأنهم أصحاب بأس شديد .. وتركوا الأمر لها فردت عليهم بمنطق غير منطقهم ..وهنا تتجلى حكمتها أيضا حينما ردت عليها كما جاء في هذه الأيات ..

قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)

كانت هي أحزم رأياً منهم وأعلم بأمر سليمان وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس والطير وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمراً عجيباً بديعاً فقالت لهم :
إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه ، فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه ، ويخلص إليّ وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا

لهذا قالت : { إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا }

قال ابن عباس : أي إذا دخلوا بلداً عنوة أفسدوه أي خربوه ، { وجعلوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } أي وقصدوا من فيها من الولاة والجنود فأهانوهم غاية الهوان إما بالقتل أو بالأسر ، قال ابن عباس ، قالت بلقيس : { إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجعلوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } ، قال الرب عزَّ وجلَّ : { وكذلك يَفْعَلُونَ }

ثم عدلت إلى المصالحة والمهادنة والمسالمة فقالت : { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون } أي سأبعث إليه بهدية تليق بمثله ، وأنظر ماذا يكون جوابه بعد ذلك فلعله يقبل ذلك منا ويكف عنا أو يضرب علينا خراجاً نحمله إليه في كل عام ونلتزم له بذلك ويترك قتالنا ومحاربتنا

قال قتادة :
ما كان أعقلها في إسلامها وشركها ، علمت أن الهدية تقع موقعاً من الناس

وقال ابن عباس : قالت لقومها : إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه ، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه .

وهنا نرى ايضا مدى حكمتها وأنها صاحبة سياسة وعقل ودهاء
فسوف ترى ماذا تصنع الهدية فإذا كان من ملوك الدنيا سوف يطمع بقبول الهدية وقد يطلب المزيد
وإذا كان نبي فسوف يرفض تلك الهدية ولن يرضى الا أن يتبعونه او يقاتلهم ..

فهل سيقبل سليمان عليه السلام الهدية أم سيرفضها ...؟؟

يتبع إن شاء الله

السمراء أم شامة
05-03-2009, 07:44 AM
بعدما استشارت بلقيس قومها قررت أن ترسل هدية إلى سليمان عليه السلام حتى تنظر ماذا سيكون رد سليمان عليه السلام عليها رضى الله عنها


{ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) }
قال بعض المفسرين أنها بعثت بهدية عظيمة من جواهر ولآلئ وغير ذلك
والصحيح أنها بعثت إليه بآنية من ذهب فلم ينظر سليمان إلى ما جاءوا به بالكلية ولا أعتنى به بل أعرض عنه وقال لهم مستنكرا { أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ }
أي أتصانعونني بمال لأترككم على شركم وملككم؟
{ فَمَآ آتَانِيَ الله خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ أي الذي أعطاني الله من الملك والمال والجنود ، خير مما أنتم فيه بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ }
أي أنتم الذين تنقادون للهدايا والتحف ، وأما أنا فلا أقبل منكم إلاّ الإسلام أو السيف .

قال ابن عباس رضي الله عنه : أمر سليمان الشياطين فموهوا له ألف قصر من ذهب وفضة

فلما رأت رسلها ذلك قالوا : ما يصنع هذا بهديتنا الى جانب هذا الملك العظيم ؟

( وفي هذا جواز تهيؤ الملوك وإظهارهم الزينة للرسل والقصاد ..)

وهنا كان التهديد والوعيد من سليمان عليه السلام لرسل بلقيس {ارجع إِلَيْهِمْ } أي بهديتهم ،
{فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } أي لا طاقة لهم بقتالهم

{وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً } أي ولنخرجنهم من بلدتهم أذلة ، { وَهُمْ صَاغِرُونَ } أي مهانون مدحورون ، فلما رجعت إليها رسلها بهديتها وبما قال سليمان سمعت وأطاعت هي وقومها ، وقررت أن تسير إليه في جنودها خاضعة ذليلة معظمة لسليمان ناوية متابعته في الإسلام .

قال محمد بن إسحاق : فلما رجعت إليها الرسل بما قال سليمان قالت : قد والله عرفت ما هذا بملك وما لنا به من طاقة ، وما نصنع بمكابرته شيئاً ، وبعثت إليه إني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما أمرك وما توعدنا إليه من دينك

ثم أمرت بسرير ملكها الذي كانت تجلس عليه ، وكان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ فجعل في سبعة أبيات ، ثم أقفلت عليه الأبواب . ثم قالت : لمان خلفت على سلطانها احتفظ بما قبلك وسرير ملكي ، فلا يخلص إليه أحد من عباد الله ، ولا يرينه أحد حتى آتيك ، ثم شخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف من جنودها...فجعل سلميان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة ، حتى إذا دنت وقربت منه جمع من عنده من الجن والإنس وطلب منهم طلب ..

ترى ماهو الطلب الذي طلبه سليمان عليه السلام وماهي المفاجأة التى سوف تراها بقليس رضى الله عنها وأرضاها ؟

....
يتبع إن شاء الله ..

السمراء أم شامة
05-03-2009, 07:52 AM
ونتابع بقية القصة ...

قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)


بعد أن تأكد لسليمان عليه السلام أن ملكة سبأ وقومها قادمين اليه فرح بذلك وسر سرورا عظيما
وكان يتابع مسيرها كل يوم وليلة ..
وعندما اقتربت هي وقومها طلب سليمان من الملأ حيث كان يجلس للقضاء من الصباح الى غروب الشمس ان يأتوا بعرشها قبل أن يصلوا اليه مسلمين فتحرم عليه اموالهم..
فقال عفريت من الجن انا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك أي مجلسك أو مقعدك وإني عليه لقوي أمين اي استطيع حمله والمحافظة عليه بما فيه من الجواهر..
و قال سليمان عليه السلام أريد أعجل من ذلك ، وهنا يريد إظهار عظمة ما وهبه الله له من الملك
وما سخر له من الجنود الذي لا يعطه أحد قبله ، ولا يكون لأحد من بعده ، وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها ، لأن هذا خارق عظيم ، أن يأتي بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يقدموا عليه ، هذا وقد حجبته بالأغلاق والأقفال والحفظة ..

فلما قال سليمان أريد أعجل من ذلك ، { قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب } قال ابن عباس : وهو ( آصف ) كاتب سليمان عليه السلام .
وكذا روي عن يزيد بن رومان أنه ( آصف بن برخياء ) وكان صدّيقاً يعلم الاسم الأعظم
وقال قتادة : كان مؤمناً من الإنس واسمه آصف من بني إسرائيل ، وقال بعضهم أن سليمان عليه السلام هو نفسه من قال هذا القول لأنه كان النبي الذي عنده علم من الكتاب ولا يوجد أعلم منه بالكتاب
وقوله : { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } أي ارفع بصرك وانظر فإنه لا يكل بصرك إلاّ وهو حاضر عندك


وقال وهب بن منبه : امدد بصرك فلا يبلغ مداه حت آتيك به ، ثم قام فتوضأ ودعا الله تعالى ، قال مجاهد : قال يا ذا الجلال والإكرام .

فما أطرف حتى جاءه به فوضعه بين يديه . وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن عساكر ، عن ابن عباس قال : لم يجر عرش صاحبة سبأ بين الأرض والسماء ، ولكن انشقت به الأرض ، فجرى تحت الأرض حتى ظهر بين يدي سليمان .

وقال الزهري قال : يا إلهنا وإلأه كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلاّ أنت ائتني بعرشها ، قال : فمثل بين يديه ، فلما عاين سليمان وملؤه ذلك ورآه مستقراً عنده { قَالَ هذا مِن فَضْلِ رَبِّي }
أي هذا من نعم الله علي { ليبلوني } أي ليختبرني { أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ }


وفي « صحيح مسلم » : « يقول الله تعالى : يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلاّ نفسه » .


قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)

لما جيء سليمان عليه السلام بعرش بلقيس قبل قدومها ، أمر به أن يغير بعض صفاته ليختبر معرفتها وثباتها عند رؤيته ، هل تقدم على أنه عرشها أو أنه ليس بعرشها ، فقال : { نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أتهتدي أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ }

قال مجاهد : أمر به فغير ما كان فيه أحمر جعل أصفر ، وما كان أصفر جعل أحمر ، وما كان أخضر جعل أحمر ، وغير كل شيء عن حاله ، وقال عكرمة : زادوا فيه ونقصوا

ولما وصلت بقيس كما في قوله تعالى { فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ } ( وهنا اراد أن يختبر عقلها )أي عرض عليها عرشها وقد غير ونكر وزيد فيه ونقص منه وهنا يتضح ثباتها وعقلها ، ودهاءها وحزمها
فلم تقدم على أنه هو لبعد مسافته عنها ولا أنه غيره لما رأت من أثاره وصفاته وإن غير وبدل ونكر ، فقالت { كَأَنَّهُ هُوَ } أي يشبهه ويقاربه وهذا غاية في الذكاء والحزم .
وقال عكرمة : كانت حكيمة ، قالت : إن قلت : هو هو خشيت أن أكذب ، وإن قلت : لا ، خشيت أن أكذب ، فقالت : كأنه هو
وقوله : { وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } قال مجاهد : يقوله سليمان ، وقوله تعالى : { مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } ، وهذا من تمام كلام سليمان عليه السلام في قول مجاهد أي قال سليمان { وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } ، وهي كانت قد صدها أي منعها من عبادة الله وحده { مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } .

ثم أن سليمان عليه السلام أمر الشياطين فبنوا لها قصراً عظيماً من قوارير أي من زجاج ، وأجرى تحته الماء ، فالذي لا يعرف أمره يحسب أنه ماء ، ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه ، قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان : ثم قال لها ادخلي الصرح ليريها ملكاً هو أعز من ملكها ، وسلطاناً هو أعظم من سلطانها ، فلما رأته حسبته لجة ، وكشفت عن ساقيها لا تشك أنه ماء ماء تخوضه

فقيل لها { إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ } فلما وقفت على سليمان ، دعاها إلى عبادة الله وحده وعاتبها في عبادة الشمس من دون الله

قالت : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العالمين } فأسلمت وحسن إسلامها .

والصرح قصر في اليمن عالي البناء ، والممرد المبني بناء محكماً أملس { مِّن قَوارِيرَ } أي زجاج ، والغرض أن سليمان عليه السلام اتخذ قصراً عظيماً منيفاً من زجاج ، لهذه الملكة ليريها عظمة سلطانه وتمكنه ، فلما رأت ما آتاه الله وجلالة ما هو فيه ، وتبصرت في أمره انقادت لأمر الله تعالى وعرفت أنه نبي كريم ، وملك عظيم ، وأسلمت لله عزَّ وجلَّ ، وقالت : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } أي بما سلف من كفرها وشركها وعبادتها وقومها للشمس من دون الله { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العالمين } أي متابعة لدين سليمان في عبادته للهوحده لا شريك له ، الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً .

وهنا انتهت قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس ملكة سبأ وقد أسلمت وحسن إسلامها رضى الله عنها وأرضاها ..

ألب أرسلان
27-04-2009, 05:10 PM
جزاكم الله خيرا ....