المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف تكون عبدا صالحا :


محمد فراج عبد النعيم
23-09-2011, 12:47 AM
إن الله تعالي جعل للكون وخلقه نظام للعبادة ، منهج ينتهجونه في الحياة ، فهو سبحانه الصانع ، وهو الذي وضع نظام صنعته ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) فمن يصنع آلة يضع لها نظام = كتالوج = يرشد فيه إلي ما يحتاجه ، وما يصلحه ، ويحذر مما يفسده ، ولله تعالي المثل الأعلى ، فهو الخالق للبشر ، وهو الذي وضع لهم نظام صلاحهم ويلبي حاجاتهم ، ويبين لهم ما يفسد حياتهم ، وما ينفعهم ، وما يضرهم ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) والخروج عن هذا النظام فساد ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) .
الكون كله له نظام يسيّره . يقول الله تعالي : ( ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوْعا أو كرْها قالتا أتينا طائعين ) ( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ) ( إن الدين عند الله الإسلام ) ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) فالكون يسير بقانون ونظام لا يخرج عنه البتَّة وإلا لفسد نظام الكون ، والإنسان كذلك له نظام لا يتغير ، موافق لفطرته إن خرج عنه فسد وفسدت حياته ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) فالفطرة لا يوافقها إلا دين الإسلام الذي لا يتبدل لأنه سنة من سنن الله التي لا تتحول ولا تتبدل إلي يوم القيامة . إن الخير الذي ركّز في الإنسان لا ينمو ويظهر إلا مع دين الله تعالي ، والشر المركوز في الفطرة لا ينقلع منها إلا بالاستقامة علي الإسلام ( فأما من أعطي واتقي وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ، وأما من بخل واستغني وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) .
إن جميع أعمال الإنسان سوف يحاسبه الله عليها بناء علي الدين ، فكل ما سوف يُسْأل عنه الإنسان يوم الدين لابد أن يكون من الدين ( ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) فأعمال الإنسان من قول أو فعل مع زوجته أو أولاده أو خدمه أو جيرانه أو ضيوفه كلها محسوبة عليه ومحاسب عليها ولها نظام في الدين يجب السير عليه ، مثلها مثل الصلاة والصوم وسائر الشعائر التعبدية . كما أن أعمال الإنسان في اكتساب معايشه ومعاملاته مع غيره محصاة عليه وسوف يُسأل عنها يوم الدين ، لأن الدين قد وضع لذلك نظاما ما يلتزم به المؤمن والعلاقات بين سائر الخلق ، ما لهم وما عليهم قد يبّنها الدين ويجب الالتزام بها وسوف يحاسب كل إنسان عليها . وسياسة المجتمع لها نظام وضعه الشرع في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والسياسية لا يحق لأحد الخروج عليها ، وسوف يحاسب كل فرد في دائرة مسئولياته وما استرعاه الله فيه يود الدين . والقيم والمبادئ والآداب والعادات اعتبرها الشرع دنيا يجب أن يعتمده ويتبناه كل أفراد المجتمع ، وسوف يحاسب الناس جميعا طبقا لهذا الدين . وكل ذلك طاعة لدين الله تعالي ما بين أمر يجب فعله ، أو نهي يجب تجنبه ، أو مندوبا حبّب الشرع فعله وأثاب عليه ، أو أمر مكروه بغض الشرع إتيانه وأثاب علي تركه ، أو أمر أباحه الشرع بحيث لا يضر أو يضار به ، يستجلب به نفعا ، أو يدفع به ضارا .
شروط العبادة التي يكون بها المسلم مسلما صالحا :
لا يكون معتقدا البدعة في الدين ، ولا مصرا علي كبيرة ، ولا آكلا لحرام ، ولا طاعنا علي مسلم ، كافّ اللسان واليد عن أعراض المسلمين وأموالهم ، وأن يكون ناصحا لجميع المسلمين مشفقا عليهم لاسيّما لأئمتهم .
ومن علامات محبة الله تعالي لعبده الصالح : أن يكون محبا للخير وأهله ، مجانبا للشر وأهله ، مسارعا إلي ما أمُر به أو ندب إليه إذا قدر عليه ، حزينا علي ما فات من ذلك إذا أعجزه ، تاركا لما لا يعنيه من الأقوال والأفعال ، بريئا من التكلف وهو اجتناب ما لم يؤمر به ولم يندب إليه من ترك وفعل ، مصليا للخمس في جماعة إذا أمن الفتنة وسلم له دينه ، ومجتنبا للغيبة ولذكر الناس ، يحب للكافة ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه ، ومسارعا إلي الخيرات ، مسابقا إلي أعمال البرّ والقربات ، طويل الصمت ، ليّن الجانب ، ذليلا للمؤمنين ، عزيز علي المتكبرين ، لا يماري في الباطل ولا يداهن في الدين ، ولا يبغض علي شيء من الحق وإن كان عليه ، أو من أبعد الناس منه ، ولا يحب علي شيء من الباطل وإن كان له أو من أقرب الناس إليه ، كارها للمدح ممن يحبه ، قابلا للنصح ممن يبغضه ، يكون المدح والذين يجريان من قلبه مجري واحدا ، صدوقا فيما يضرّه ، غير متصنّع بما يستعجل نفعه ، سريرته أفضل من علانيته ، محتملا لأذى الخلق ، صابرا علي بلائهم ، منفردا بحاله عنهم ، تاركا الكثير من مجالسهم واجتماعهم خشية دخول الشبهات عليه ، وخوْفا من تغيّر قلبه له . انتهي منقولا من قوت القلوب لأبي طالب المكي .
وحق المسلم علي كل مسلم : أن يسلم عليه إذا لقيه ، ويجيبه إذا دعاه ، ويشمّته إذا عطس ، ويعوده إذا مرض ، ويشهد جنازته إذا مات ، ويبرّ قسمه إذا أقسم عليه ، وينصح له إذا استنصحه ، ويحفظه بظهر الغيب إذا غاب عنه ويرد غيبته ، ويحب له ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه ، ويحسن به الظن ، ويدعو له بالمغفرة والصلاح ، ويحفظ له سره ، ويعينه كلما احتاج ، ويأخذ بيده إذا عثر ، ويخلفه بخير في أهله إذا غاب ، ويرفق به إذا كلفه ، ويقبل منه عذره إذا اعتذر إليه ، ويقرضه إذا استقرضه ، ويوفي حقه ولا يماطله ، ويتواضع له ولا يحقره ، ويكافئه ويقدّره ، ويسمع له ولا يسفهه ، ولا يظلمه ولا يجهل عليه .
الإيمان عمل صالح :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : [ الإيمان بضع وسبعون ، أو بضع وستون شعبة ، فأفضلها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان .] رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه . قال الصديقي في دليل الفالحين شرح رياض الصالحين : هذا العدد المقصود به التكثير والمبالغة ، وعليه فهي ترجع إلي أصل واحد وهو تكميل النفس بصلاح المعاش المؤدّي إلي تحسين المعاد . وذلك بأن يعتقد الحق ويستقيم في العمل . قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح البخاري : وقد رأيت هذه الشعب تتفرّع عن أعمال القلب وأعمال اللسان وأعمال البدن .
فأما أعمال القلب : المعتقدات والنيات وتشمل علي أربع وعشرين خصلة : الإيمان بالله ويدخل فيه الإيمان بذاته وصفاته وتوحيده وأنه ليس كمثله شيء ، واعتقاد حدوث ما دونه ، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشرّه ، والإيمان باليوم الآخر ويدخل فيه المسألة في القبر والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط والجنة والنار ، ومحبة الله والبغض فيه ، ومحبة النبي صلي الله عليه وسلم واعتقاد تعظيمه ، ويدخل فيه الصلاة عليه وإتباع سنته ، والإخلاص ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق ، والتوبة والخوف والرجاء والشكر والصبر والرضا بالقضاء والتوكل والرحمة ، والتواضع ويدخل فيه توقير الكبير ورحمة الصغير وترك التكبر والعجب وترك الحسد وترك الحقد وترك الغضب .
وأعمال اللسان تشتمل علي سبع خصال : التلفظ بالتوحيد ، وتلاوة القرآن ، وتعلم العلم وتعليمه ، والدعاء والذكر ويدخل فيه الاستغفار واجتناب اللغو .
وأعمال البدن تشتمل علي ثمان وثلاثين خصلة : منها ما يختص بالأعيان وهي خمس عشرة : التطهر حسًّا وحكما ويدخل فيه اجتناب النجاسة وستر العورة والصلاة فرضا ونفلا ، والزكاة كذلك وفك الرقاب ، والجود ويدخل فيه إطعام الطعام وإكرام الضيف ، والصيام فرضا ونفلا ، والحج والعمرة كذلك والطواف والاعتكاف والتماس ليلة القدر ، والفرار بالدين ويدخل فيه الهجرة من دار الكفر ، والوفاء بالنذر والتحرَّي في الأيْمان وأداء الكفارات . ومنها ما يتعلق بالإتباع وهي ست خصال : التعفّف بالنكاح والقيام بحقوق العيال ، وبر الوالدين ومنه اجتناب العقوق وتربية الأولاد وصلة الرحم ، ومنها ما يتعلق بالعامة وهي سبع عشرة : القيام بالإمْرة مع العدل ، ومتابعة الجماعة ، وطاعة أولي الأمر ، والإصلاح بين الناس ويدخل فيه قتال البغاة ، والمعاونة علي البر ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الحدود ، والجهاد ومنه المرابطة ، وأداء الأمانة ومنه القرض مع وفائه ، وإكرام الجار وحسن معاملته ، ومنه جمع المال من حله وإنفاق المال في حقه ، وفيه ترك التبذير والإسراف ، ورد السلام ، وتشميت العاطس ، وكف الضرر عن الناس ، واجتناب اللهو ، وإماطة الأذى عن الطريق .
هذه الشمولية في الدين تستوعب جميع أعمال العبد في كل حياته ، لذا يجب أن تكون حياة المسلم كلها عبادة ( قل إن صلاتي ونسكى ومحيياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) وأن كل ما في حياة المسلم من وقت وقوة ومال عطاء من رب العالمين له ليعبده به ، وأنه سوف يسأل كل ذلك ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : [لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه ، وعن علمه فيم فعل فيه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن جسمه فيم أبلاه ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، ورواه البيهقي وغيره ، ويجب علي المسلم أن يجعل ذلك ثمنا للجنة .
يجب أن يعتقد المسلم أن الدنيا ملك لله رب العالمين وحده لا يشاركه في ذلك خلقا من خلقه ، وأن الله دبّر أمرها بالصلاح ، وأن الاستقامة علي شرع الله يصلح الحياة ، وأن الخروج عن شرعه ومنهجه يفسد الدنيا ، لذلك وجب علي إتباع دين الله ، وهم أمة محمد صلي الله عليه وسلم ألا يدعوا الكافرين والظالمين يفسدون في الأرض ، وأن عليهم أن يحوزوا قدرات الأرض دون الكافرين ليجعلونها في طاعته لا في معصية أمره . ( وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ترهبون به عدو الله وعدوكم ) .
لقد قام رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصحابه معه وبعده ، والخلفاء والصلحاء بانتزاع مقومات الدنيا من مال وأرض وسلطان وحكم من الكافرين ، ثم عبّدوها لله رب العالمين ، إن الزهد في الدنيا لا يكون بتركها للكافرين والظالمين ، ولكن الزهد في الدنيا أن تملك لعباد الله فيخضعونها لرب العالمين وحكمه وإتباع شرعه ، ولا يجعلونها لأنفسهم . لقد أخضع رسول الله صلي الله عليه وسلم في حياته كل الجزيرة العربية لحكم الله لا لحكم نفسه ، وعاش حياته زاهدا فيها وهو صلي الله عليه وسلم مالكا لها مخضعها لربه تعالي ولسان حاله ومقاله يقول : [ ما لي وللدنيا ، الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا بذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما ] رواه الترمذي . بل قام رسول الله صلي الله عليه وسلم بإرسال رسله إلي كل الممالك المعمورة يدعوهم إلي الإسلام ، وقام أتباعه بانتزاع هذه الممالك الكافرة وأخضعوها لله وحكمه ، ولاعتقادهم الصحيح أن الله تعالي يقول لهم ما معناه : الدنيا ملكي والخلق خلقي فلا تدعو الظالمين يتملكونها ويعصونني بها ، خذوها منهم وأطيعوني أنتم بها . لذلك قال قائلهم : [ إنما انتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة الناس إلي عبادة الله وحده ، ومن جوْر الأديان إلي عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة ] .
إتباع النبي صلي الله عليه وسلم في كل عصر ومصر عليهم فرض الجهاد في الأرض ، كل الأرض لتكون كلمة الله العليا ممالتي تسود الدنيا بعدلها وخيرها لأنها دعوة الحق . فالسلطان والحكم يجب أن يكون لله وحده ، ولا يتم ذلك إلا بإعداد القوى الممكنة وتملك أسباب الدنيا ، فإذا لم يقوموا بذلك أثمت كل أمة النبي صلي الله عليه وسلم ، وتملك أسباب الدنيا لا يكون لأشخاصهم ، بل لمالك الملك رب العالمين . لو افترض أن جميع المسلمين في كل الأرض أدُّوا شعائر الدين من صلاة وزكاة وصوم وحج وغيرها من الفروض ، وأنهم لا يقترفون الذنوب ، وتركوا الكافرين والظالمين يحكمون الأرض ومن فيها ، بما فيها بلاد المسلمين فهم آثمون جميعا إلا من عذره الله تعالي ، وتكون عبادته ناقصة أداء هذا الفرض وسوف يسأل عنه يوم الدين .
الصلاة الصحيحة :
ذكر فرائض الطهارة وسننها : وهي طهارة الإناء ، ثم الماء الطاهر ، والنيّة ، والترتيب كما جاء في القرآن ، وغسل الأعضاء الثلاثة المأمور بها ، ومسح الرأس ، فيغسل وجهه غسلا من أصول شعر رأسه إلي ما ظهر من لحيته وعلي ما استرسل منها ، ويدخل البياض الذي بين أذنه ولحيته في غسل وجهه ، ويدخل مرفقيْه في غسل ذراعيه . ومن السنن : التسمية ، وغسل الكفين ، والمضمضة والاستنشاق ، الاستنثار وهو إخراج الماء من الأفق ، وهو إخراج الماء من الأنف ، وتخليل اللحية ، ومسح الأذنين ، وغسل كل عضو ثلاثا ، وأن يبدأ بالميامن ، وتخليل أصابع القدمين .
صفة الغسل من الجنابة ونحوه : يسمي الله تعالي ، ويفرغ الماء علي يديه ثلاثا قبل إدْخالهما في الإناء ، ثم يغسل الفرج ويستنجي ، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة كاملا وله تأخير غسل قدميه ، ثم يفيض الماء علي سائر جسده ويبدأ بالجانب الأيمن ، ويخلل شعر رأسه ، ولا وضوء عليه بعد الغسل ، وإذا مسّ فرجه بباطن كفيه فليعد الوضوء .
فرائض الصلاة قبل الدخول فيها : طهارة الجسد ، وطهارة الثوب ، وطهارة المكان ، وستر العورة ، واستقبال القبلة ، ودخول الوقت
فرائض الصلاة في صلبها : النية ، وتكبيرة الإحرام ، ثم يقرأ الفاتحة ، وأن يكون ذلك من قيام إلا من عذر ، ثم الركوع ، ثم الطمأنينة في الركوع ، ثم الرفع من الركوع مع الطمأنينة فيه ، ثم السجود والطمأنينة فيه ، ثم الجلسة بين السجدتين ، ثم التشهد الأخير ، ثم الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم ، ثم التسليم . وسنن الصلاة منها : رفع اليدين بتكبيرة الإحرام بأن يكون كفّاه مع منكبيه ، وإبهامه عند شحمة أذنيه وأطراف أصابعه مع فروع أذنيه ، ووضع اليمين علي الشمال وليجعلهما تحت صدره ، ثم دعاء الاستفتاح ثم الاستعاذة ، ثم قراءة سورة من القرآن أو بعض ما تيسر بعد قراءة فاتحة الكتاب ، والتأمين بعد قراءة الفاتحة ، ورفع اليدين بالتكبير للركوع وللرفع منه ، والتسبيح في الركوع والسجدتين ، ثم التشهد الأول .
يكره صلاة الحاقن ، والحاقب ، والحازق : فالحاقن من البول ، والحاقب من وجود الغائط ، والحازق صاحب الخف الضيّق فيكره لهؤلاء الثلاثة لأنها تشغل القلب ، ويقاس عليها الغضبان ، والمهموم ، ومن شغل قلبه بطعام حاضر يراه . قال ابن عباس رضي الله عنهما : الخشوع في الصلاة أن لا يعرف المصلي مَن علي يمينه وعن شماله . وعن عثمان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : [ ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها ، وخشوعها ، وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة ، وكذلك الدهر كله ] رواه مسلم . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : [ قال الله عز وجل : إنما أتقبّل الصلاة مِمَّن تواضع بها لعظمتي ، ولم يستطل علي خلقي ، ولم يبِتْ مصرّاً علي معصيتي ، وقطع النهار في ذكري ، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب ، ذلك نوره كنور الشمس ، أكلؤه بعزتي ، وأستحفظه ملائكتي ، أجعل له في الظلمة نورا ، وفي الجهالة حلْما ، ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة .] رواه البزار والمنذري .
( ومما رزقناهم ينفقون ) :
أرزاق الله عظيمة وكثيرة ، منها الرزق في المال ، والخُلُق ، والدين ، والصحة ، والسلطان ، والوقت ، والولد والأهل . بل إن في المال حق غير الزكاة المفروضة ، وحقوق المسلم علي المسلم كثيرة لا تقتصر علي فرض الزكاة التي يأثم من لا يؤديها . يقول الله تعالي : ( وأنفقوا مما رزقناكم سرا وعلانية ) .
إنك عامل في واجب عليك لمعبودك أن توصل الأرزاق لمن استحقها من رازقه سبحانه ، فأنت واسطة وأجير عند ربك في توصيل الحقوق لأهلها وما قسمه الرازق لهم ( أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ) ( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : [ العامل علي الصدقة بالحق لوجه الله تعالي كالغازي في سبيل الله عز وجل حتى يرجع إلي أهله ] رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن خزيمة في صحيحه . وهو وإن ورد علي القائمين علي جمع الزكاة وأموال المسلمين العامة ، فكل المسلمين عمال يعملون عبيدا لمولاهم فيما أقامهم فيه من نِعَم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : [ ويْل للأمراء ، ويل للعرفاء ، ويل للأمناء ، ليتمنين أقواما يوم القيامة أن ذوائبهم معلقة بالثريا يتذبذبون بين السماء والأرض ، ولم يكونوا عملوا علي شيء ] رواه أحمد .
إن لله نِعماً ، وإن لله خَلْقا :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : [ مَن نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسْر علي معسر في الدنيا يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر علي مسلم علي في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة ، والله في عوْن العبد ما كان العبد في عوْن أخيه .] رواه مسلم وأبو داود ، والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : [ إن لله خلقا خلقهم لحوائج الناس ، يفزع الناس إليهم في حوائجهم ، أولئك الآمنون من عذاب الله . ] رواه الطبراني وأبو الشيخ ابن حبان وفي رواية [ إن لله عند أقواما نعما أقرّها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين ما لم يَمَلّوهم ، فإذا ملوهم نقلها إلي غيرهم .] وفي رواية [ إن لله أقواما اختصهم بالنعم لمنافع العباد ، يقرّهم فيها ما بذلوها ، فإذا منعوها نزعها منهم فحوّلها إلي غيرهم .] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : [ ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ، ثم جعل من حوائج الناس إليه ، فتبرّم ، فقد عرّض تلك النعمة للزوال ] رواه الطبراني إن نعم الله تعالي عند العباد لا تقتصر علي الأموال .
يمسك عن الشر فإنها صدقة :
عن أبي موسي رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : [ علي كل مسلم صدقة . قيل : أرأيت إن لم يجد ؟ قال : يعتمل بيديه ، فينفع نفسه ويتصدق ، قال : أرأيت إن لم يستطع ؟ قال : يعين ذا الحاجة الملهوف . قيل له : أرأيت إن لم يستطع ؟ قال : يأمر بالمعروف أو الخير . قال : أرأيت إن لم يفعل ؟ قال : يمسك عن الشر ، فإنها صدقة .] رواه البخاري ومسلم . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : [ أن رجلا جاء إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي الناس أحب إلي الله ؟ فقال : أحب الناس إلي الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلي الله عز وجل سرور تدخله علي مسلم ، تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ، أو تطرد عنه جوعا ، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في مسجدي هذا شهرا ، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضي ، ومن مشي مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ، ثبّت الله قدميْه يوم تزول الأقدام .] رواه الأصبهاني ، وابن أبي الدنيا .
عن بعض العلماء : لا يتم المعروف إلا بثلاث : تصغيره ، وتعجيله ، وستره ، وكانوا يدفعون في الزكاة المئين ، وفي التطوّع الألوف . وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لأن أصل أخاً من إخواني بدرهم أحب إليّ من أن أتصدّق بعشرين درهما . وعن أبي هريرة رضي الله عنه [ أن رجلا شكا إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم قسوة قلبه ، فقال : امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين .] رواه أحمد برجال الصحيح . عن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : [ ما هو بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه .] رواه أبو يعلي والأصبهاني ولفظه [ إن الرجل لا يكون مؤمنا حتى يأمن جاره بوائقه ، يبيت حين يبيت وهو آمن من شره ، فإن المؤمن الذي نفسه منه في عناء ، والناس منه في راحة .]
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : [ إن الله عز وجل قسّم بينكم أخلاقكم كما قسّم بينكم أرزاقكم ، وإن الله عز وجل يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الدين إلا من أحب ، فمن أعطاه الدين فقد أحبه ، والذي نفسي بيده لا يُسْلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه . قلت : يا رسول الله وما بوائقه ؟ قال : غشمه وظلمه ، ولا يكسب مالا من حرام فينفق منه فيبارك فيه ، ولا يتصدق به فيقبل منه ، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلي النار . إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ، ولكن يمحو السيئ الحسن . إن الخبيث لا يمحو الخبيث .] رواه أحمد وغيره .
عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : [ ثلاثة من الفواقر = الدواهي = إمام إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر ، وجار سوْء إن رأي خيرا دفنه ، وإن رأس شرا أذاعه ، وامرأة إن حضرْت آذتك ، وإن غبت عنها خانتك .] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : [ من عاد مريضا ، أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ بأن طبت وطاب ممشاك ، وتبوّأت من الجنة منزلا .] رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان في صحيحه . عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :[ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، قالها ثلاثا ، قال رجل : وما كرامته يا رسول الله ؟ قال : ثلاثة أيام ، فما زاد بعد ذلك فهو صدقة .] رواه أحمد . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : [ الملائكة تصلي علي أحدكم مادامت مائدته موضوعة .] رواه الأصبهاني . وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : [ الخير أسرع إلي البيت الذي يؤكل فيه من الشفرة إلي سنام البعير .] رواه ابن ماجه وابن أبي الدنيا . وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : [ لا خير فيمن لا يضيَّف .] رواه أحمد .
عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : [ ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أُكِل منه صدقة ، وما سرق منه له صدقة ، ولا يرزؤه أحد إلا كَان له صدقة إلي يوم القيامة .] رواه مسلم . عن عبادة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : [ ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان ، ويرفع به الدرجات ؟ قالوا : نعم يا رسول الله . قال : تحلم علي من جهل عليك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك .] رواه الطبراني ، والبزار . عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : [ مَن أحب أن يبسط له رزقه وينسَّأ له في أثره ، فليصل رحمه .] رواه البخاري ومسلم
هذه الأحاديث قليل من الفيض العظيم لبيان النبي صلي الله عليه وسلم علي ما اشتملت عليه الشريعة من العبادات في جميع مناحي حياة المسلم ، والحياة مع الناس لا تخلو من مخالفات ومعاصي يخالفون فيها ما شرع الله لهم من هداية ، فيخطئون عن قصد أو إهمال أو جهل ، وقد طالبهم الشرع بأن يعودوا للاستقامة علي الدين الصحيح ، فشرع التوبة لتصحّ أعمالهم وتقبل منهم ، فلا يصح إسلام العبد بلا توبة متجددة تمحو ما كان من أخطاء العبد ( توبوا إلي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) .
خير الخطائين التوّابون :
عن عائشة رضي الله عنه قالت : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : [ من سَرَّهُ أن يسبق الدَّائب المجتهد فليكف عن الذنوب .] رواه أبو يعلي ورواه رواة الصحيح . والدائب : هو المتعب نفسه في العبادة بالاجتهاد فيها . فدل الحديث علي فضل ترك المعاصي علي الإكثار من الطاعات . وقد روي جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : [ المؤمن وَاهٍ راقعٌ ، فسعيدٌ مَن هلك علي رقعه .] رواه البزار ، والطبراني في الصغير والأوسط ومعني واهٍ : أي مذنب ، ومعني راقع : يعني تائب مستغفر . فالمؤمن يسهو ثم يرجع ، فمن مات بعد توبة فقد سعد وفاز . وهو المعني الذي جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم : [ مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخِيَتِهِ يجول ثم يرجع إلي آخِيَتِهِ ، وإن المؤمن يسهو ثم يرجع ..] رواه ابن حبان في صحيحه والآخية : حبل يدفن في الأرض مثنيا ويبرز منه كالعروة تشد إليها الدابة .
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : [ كل ابن آدم خطَّاء ، وخيرُ الخطائين التوّابون .] رواه الترمذي ، وابن ماجه ، والحاكم وقال صحيح القاعدة أن كل ابن آدم يخطئ لأن في طبعه ذلك ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) فالتقوى تحجزه إما عن الذنب ، وإما عن الاستمرار فيه بالرجوع عنه والتوبة ، فخير الناس من لا يستمر علي المعصية . وقد بيّن ذلك النبي صلي الله عليه وسلم أحسن بيان فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقول :[ إن عبدا أصاب ذنبا ، فقال : يارب إني أذنبت ذنبا فاغفره ، فقال له ربه : عَلِمَ عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، فغفر له ، ثم مكث مَا شاء الله ثم أصاب ذنبا آخر ، فقال : يارب إني أذنبت ذنبا آخر فاغفره لي ، قال ربه : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، فغفر له ، ثم مكث ما شاء الله ، ثم أصاب ذنبا آخر ، فقال : يارب إني أذنبت ذنبا فاغفره لي ، فقال ربه : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ، ويأخذ به ، فقال ربه : غفرتُ لعبدي فليفعل ما يشاء .] رواه البخاري ومسلم ، ومعني : فليعمل ما يشاء : أنه مادام أذنب ذنبا واستغفر وتاب في كل مرة ، وكان هذه دأبه ما شاء فلا يضره الذنب الذي استغفر منه دائما . ولكن لابد من شروط التوبة في كل مرة ، ومنها ألا يصر عليها ويتركها ، فلا تكون التوبة بلسانه وهو مستمر في مقارنة الذنب . وقد روي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : [ إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.] رواه ابن ماجه والترمذي وقال : حديث حسن . ومعني يغرغر : ما لم تبلغ روحه حلقومه عند الموت . وقد قال صلي الله عليه وسلم : [ التائب من الذنب كمن لا ذنب له .] رواه ابن ماجه والطبراني .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : [ النادم ينتظر من الله الرحمة ، والمعْجب ينتظر المقْت ، واعلموا عباد الله أن كل عامل سيقدم علي عمله ، ولا يخرج من الدنيا حتى يري حسن عمله ، وسوءَ عمله ، وإنما الأعمال بخواتيمها ، والليل والنهار مطيَّتان ، فأحسنوا السيْر عليهما إلي الآخرة ، واحذروا التسويف ، فإن الموت يأتي بغتة ، ولا يغترَّنَّ أحدكم بحلم الله عز وجل ، فإن الجنة والنار أقرب إلي أحدكم من شراك نعله ، ثم قرأ رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) رواه الأصبهاني ، والمنذري .
الغفلة ، وكثرة الذنوب مهما بلغت ، يجب أن لا تقنط العبد من رحمة الله ، فقد فتح الله أبواب رحمته ، ومنها باب التوبة ، لكل خلقه حتى الكافر به منهم فقال عز وجل : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلي الله عليه وسلم قال : [ كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا ، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُّل علي راهب ، فأتاه ، فقال : إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة ؟ فقال : لا ، فقتله فكمل به المائة ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض ، فدُّل علي رجل عالم ، فقال : أنه قتل مائة نفس فهل له من توبة ؟ فقال : نعم من يحول بينه وبين التوبة ، انطلق إلي أرض كذا وكذا ، فإن بها أُناسا يعبدون الله ، فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلي أرضك فإنها أرض سوء ، فانطلق حتى إذا نصَّف الطريق فأتاه ملك الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقالت ملائكة الرحمة : جاء تائبا مقبلا بقلبه إلي الله تعالي ، وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيرا قط ، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم = أي حكما = فقال : قيسوا ما بين الأرضين ، فإلي آيتهما كان أدنى فهو له ، فقاسوا فوجدوه أدنى إلي الأرض التي أراد ، فقبضته ملائكة الرحمة .] وفي رواية [ فأوْحي إلي هذه أن تباعدي وإلي هذه أن تقرّبي ، وقال : قيسوا بينهما فوجدوه إلي هذه أقرب بشبر فغفر له .] رواه البخاري ومسلم وغيرهما . هذا الحديث أصل في هذا الأمر . وفي الحديث : أن اعتياد الذنب يحقره عند صاحبه فيسهل عليه فعله بلا اكتراث ، وفيه أن التائب ولو لم يكن فعل خيرا قط تقبل توبته من كل الذنوب ، وفيه أن التوفيق للتائب أن يسأل من عنده علم ، والخزلان أن لا يوفق لعالم ، وفيه أن العلم خلاف العبادة وأن الذي يس\ال العالم وليس العابد بغير علم . وفيه ما يجب علي التائب توبة نصوح ، إذ يجب عليه الابتعاد عن أهل السوء وصحبتهم والبقاء بعد التوبة معهم ، وألا يعود إليهم حتى لا يغلبه اعتياده ، وأنه لا يكفيه التوبة بترك الذنوب ولكن عليه العبادة مع الصالحين ، وفيه أثر ومساوئ الصحبة السيئة ، ومزايا وتعاون الصحبة الصالحة ، وفيه الإسراع في ترك الذنوب ووجوب الإنابة بالطاعة ، وفيه اختلاف الأرض بأهلها فمنها أرض سوء ، ومنها أرض خير ، وفيه أن التوبة لا يحول بين صاحبها وبين رحمة الله حائل ، وفيه أن الله عز وجل وكّل من ملائكته ومن شاء من خلقه لأهل الخير من يدافع عنهم ، ووكل لأهل الشر من يغضب لله منهم ، وفيه أن رحمة الله تغلب غضبه ، وفيه أن للتائبين كرامات منها طيُّ الأرض لهم ، ومنها حسن الخاتمة لا يعلمها إلا الله ، وفي الحديث أيضا عدم اليأس من المذنبين والمكثرين فأصل الخير في الفطرة لا تمحوه كثرة الذنوب ، وفيه أن الإيمان في القلب يكون معه كبائر الذنوب ، وفيه الإيمان بالقدر وأن علم الله يبديه للخلق ولا يبتديه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : [ والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون ، فيستغفرون الله ، فيغفر لهم .] رواه مسلم وغيره . فالحمد لله علي نعمة الإسلام ، ورحمته بكل الأنام ، فنسأله جل شأنه التوفيق ونعوذ به من الخزلان ، والصلاة والسلام علي هادي الخلق لسكني الجنان .

أم عمار
24-09-2011, 10:07 AM
جزاكم الله خيراً

اللهم أجعلنا من عبادك الصالحين يا رب

بارك الله فيك

محمد فراج عبد النعيم
24-09-2011, 06:27 PM
جزاك الله الخير والسعادة في الدنيا والآخرة .....
اللهم أدخلنا في عبادك الصالحين .....