المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة ... " هو النبي لا كذب " (4) (شهادة هرقل بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم )


محمد سعد
19-03-2009, 11:43 AM
سلسلة ... " هو النبي لا كذب "


- دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم -



"فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"


- بسم الله الرحمن الرحيم -



(4)


(شهادة هرقل بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم )


(والحق ما شهدت به الأعداء)


تمتلئ كتب السير والتاريخ والتراجم, بمواقف عديدة لأقوام من الكفار سمعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم, فبحثوا عن أدلة صدقه, فلما سطعت أمام أعينهم كالشمس في رابعة النهار, آمنوا به, وانخلعوا مما كانوا عليه من الكفر.
فما من أحد أسلم، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, إلا ولإسلامه قصة مؤثرة, تحكي كيف عرف أن محمد صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله, بمعجزات ودلائل حسية أو عقلية.
ويمثل إسلام هذا الجم الغفير ـ وبعضهم كان معاندا للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومنهم من كان معاديا له أشد العداء ـ يمثل إسلام هؤلاء جميعا, وما ساقوه كأسباب لإسلامهم من أدلة ملموسة ومعجزات صادقة, وحجة دامغة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم, وصحة نبوته.
فإن من المحال ـ عقلا ـ أن يترك هذا العدد العظيم دياناتهم, وثنية كانت أو يهودية أو مسيحية, وخاصة من كان منهم معاندا معاديا لصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم, أو كان سيدا مطاعا في قومه, أو كان حبرا مقدما في أهل ملته, أقول من المحال أن يترك هؤلاء ديانتهم, ويقبلوا على الإسلام, إلا بعد أن يتأكد لهم بالدليل القاطع، والبرهان الساطع، الذي لا يحتمل شكا, ولا يقبل تشكيكا, أن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله حقا وصدقا, ولو استمع منصف ـ أيا كانت ديانته ـ إلى قصة إسلام بعض الصحابة, واطلع على سبب إسلامه, متأملا في الدليل الذي استدل به على صدق النبي صلى الله عليه وسلم, لو استمع منصف إلى شيء من ذلك لوجد نفسه تقر بأن محمدا رسول الله حقا وصدقا.

§ قصة فريدة.
لكننا هنا لن نستدل بقصة بعض من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم واتبعه, بل سوف نستدل ـ ويا للعجب ـ بقصة رجل أبى أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم, رغم أنه عَلِمَ عِلْمَ اليقين أنه رسول الله, وفي ثنايا هذه القصة الفريدة سنرى كيف استدل هذا الرجل على أن محمدا رسول الله, وتأتي أهمية هذا الاستدلال وهذه الشهادة بصدق نبينا صلى الله عليه وسلم, من كونها صدرت من رجل أبى أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم, وأصر أن يبقى على كفره, ولم يدخل في الإسلام, وبالتالي لا يمكن لأحد أن يزعم أنه قد جامل النبي في شهادته هذه.
وتزداد الإثارة، ويزيد العجب, عندما نعلم أن هذا الرجل كان ملكا متوجا, على أكبر مملكة عرفتها الأرض آنذاك, وتمضي الإثارة إلى غايتها, وينتهي العجب إلى أشده, إذا علمنا أنه كان أحد رجال الدين في قومه.
إنه هرقل!! ملك الروم!!
فلسنا إذن أمام رجل ساذج, ولا هو بالغر الجاهل, بل هو ملك متوج, ذو حنكة ودراية وعلم وخبرة.
هذا هو بطل قصتنا الأول.
فمن بطلها الثاني؟!
إنه ـ ويا للعجب أيضاً ـ أحد أكبر كفار قريش وقتئذ, بل هو قائد قريش الأول في معاركها الكبرى ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم, إنه صاحب القافلة التي نشبت بسببها غزوة بدر, وهو قائد جيوش الكفار يوم أحد, وقائدها أيضا يوم الخندق, إنه الرجل الذي كانت وظيفته الأولى, ومهمته الأهم, هي قتل محمد صلى الله عليه وسلم ومحو دعوته.
إنه أبو سفيان ابن حرب.. وقد كان وقت حدوث هذه القصة, لا يزال كافرا بالله ورسوله, محاربا لله ورسوله.
وفيما عدا الترجمان ـ أي المترجم ـ الذي كان ينقل الحديث بين الرجلين, فإن أحدا من الخلق لم يشارك الرجلين الحوار, وأحدهما ـ كما قدمنا ـ ملك نصراني, والثاني قائد وثني.
ثم كانت نتيجة الحوار ـ ويا للعجب ـ هي إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم, وإعلان هرقل أن هذا الرجل هو الرسول الذي تنتظره البشرية, وإحساس أبي سفيان, بأن الله تعالى سيظهر محمدا على العالمين!! ولنذكر القصة بتمامها.

§ سياق الحديث برواية البخاري.
حدثنا أبو اليمان ـ الحكم بن نافع ـ قال: أخبرنا شعيب, عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود, أن عبد الله بن عباس, أخبره أن أبا سفيان بن حرب, أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش, وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش, فأتوه وهم بإيلياء, فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم, ثم عداهم ودعى بترجمانه..
فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟
فقال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسبا,
فقال: أدنوه مني وقرِّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره,
ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا الرجل, فإن كذبني فكذبّوه,
فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذبا لكذبت عنه,
ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟,
قلت: هو فينا ذو نسب,
قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟
قلت: لا,
قال: فهل كان من آبائه من ملك؟
قلت: لا,
قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟
قلت: ضعفاؤهم,
قال: أيزيدون أم ينقصون؟
قلت: بل يزيدون,
قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟
قلت: لا,
قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
قلت:لا,
قال: فهل يغدر؟
قلت: لا, ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها, قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة,
قال: فهل قاتلتموه؟
قلت: نعم,
قال: فكيف كان قتالكم إياه؟
قلت: الحرب بيننا وبينه سجال, ينال منا وننال منه,
قال: ماذا يأمركم؟
قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا, واتركوا ما يقول آباؤكم, ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة,
فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب, فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها, وسألتك هل قال أحد هذا القول؟ فذكرت أن لا, فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يأتسي بقول قيل قبله, وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا, قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه, وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله, وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه, وهم أتباع الرسل, وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون, وكذلك أمر الإيمان حتى يتم وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا, وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب, وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا, وكذلك الأنبياء لا تغدر, وسألتك بما يأمر؟ فذكرت أنه يأمرك أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا, وينهاكم عن عبادة الأوثان, ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف, فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين, وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم, فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه, ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه.
ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل, فقرأه فإذا فيه:


بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد عبد الله ورسوله, إلى هرقل عظيم الروم, سلام على من اتبع الهدى, أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام, أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين, فإن توليت فإن عليك إثم الإريسيين و (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)[آل عمران:64].
قال أبو سفيان: فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب, كثر عنده الصخب, وارتفعت الأصوات, وأخرجنا, فقلت لأصحابي حين أخرجنا, لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كبشة, إنه يخافه ملك بني الأصفر, فمازلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله عليَّ الإسلام.

§ صدق و إنصاف.
انتهت القصة.. وقد كان يجمل بنا أن ننهي الحديث بنهاية القصة, لأن أي حديث منا ـ بعد ما قدمناه ـ لن يضيف جديدا, ولكننا نجد أنفسنا مدفوعين لطرح تساؤل واحد ومحاولة الإجابة عليه.
التساؤل يقول: كيف توصل هذا الملك إلى هذه النتيجة رغم أنه لا هو ولا محاوره ـ أبو سفيان ـ يريدان هذه الحقيقة؟
أما أن هرقل ما كان يريدها, فلأنه سيوضع بسببها أمام اختبار صعب, فإما أن يؤمن بهذا النبي ويتبعه وفي ذلك ما فيه من خلاف قومه وذهاب ملكه, وإما أن يظل على ديانته وفي ذلك ذهاب آخرته وخلوده في النار.. وقد وقع ما يخافه هرقل وأبى قومه أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم, واختار هو موافقة قومه حفاظا على كرسي الملك فآثر الدنيا على الآخرة.
وأما أن أبا سفيان لا يريدها فلأنه كان آنذاك من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم, وما كان يسره بحال من الأحوال أن يقال إن محمدا ـ عدوه الأكبر ـ رسول من عند الله.
وباختصار شديد نجيب عن التساؤل السابق, وسنوجز إجابتنا في كلمتين اثنتين فقط..
الصدق والإنصاف ..
صِدْقُ أبي سفيان فيما أخبر به عن محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته وأصحابه, وإنصاف هرقل بإقراره بالحق الذي سطعت دلائله .. فأين الإنصاف يا كفار هذا الزمان؟!.

فاروق ابوعيانه
23-03-2009, 01:35 AM
أخى الفاضل .. محمد سعد
صدقت - والله - أين إنصاف كفار هذا الزمان ؟
ولكن ماذا يضير الشمس من هؤلاء الأقزام
من يجب أن ينصفه وينصره هو نحن المسلمون فمذا فعلنا ؟
جزاك الله خيرا

ألب أرسلان
29-04-2009, 07:22 AM
جزاك الله خيرا ...