المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخليفة الراشد والمصلح الكبير عمر بن عبد العزيز


محمد فراج عبد النعيم
24-09-2011, 07:14 PM
http://www.islamdor.com/vb/images/bsm-allah3.gif
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
__
إن ظهور عمر بن عبد العزيز في تلك المرحلة التاريخية الحرجة من تاريخ الأمة ومحاولته العظيمة للعودة بالحياة إلى تحكيم الشريعة وآفاق الخلافة الراشدة الملتزمة بمعطيات القرآن والسنة، ظاهرة فذة تحمل في دلالتها ليس على بطولة القائد فحسب، وإنما على قدرة الإسلام نفسه على العودة باستمرار لقيادة الحياة السياسية والتشريعية والحضارية في نهاية الأمر وصياغتها بما ينسجم ومبادئه الأساسية.


إن خلافة عمر بن عبد العزيز حجة تاريخية على من لا يزال يردد الكلمات والأصوات القائلة: إن الدولة التي تقوم على الأحكام الإسلامية والشريعة عرضة للمشاكل والأزمات وعرضة للإنهيار في كل ساعة، وإنها ليست إلا حُلماً من الأحلام ولا يزال التاريخ يتحدى هؤلاء ويقول

لهم: ((قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)) (البقرة ، الآية :111

إن الإصلاح ـ كما يفهمه المسلمون الصادقون لا كما يروّج أعداء الإسلام ـ هو الغاية من

إرسال الله تعالى الرسل إلى الناس قال شعيب عليه السلام لقومه الغارقين في الضلال والفساد في العقيدة والسلوك: ((قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)) (هود ، الآية : 88).


وقد اضطلع بمهمة الإصلاح لشؤون البشر ـ بعد مصلح الإنسانية الأعظم محمد ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ وسار على منهاج النبوة خلفاؤه الراشدون، وعلماء الأمة الأبرار كعمر بن عبد العزيز، والأمة الآن في أشد الحاجة لمعرفة هدي المصلحين ابتداء من النبي الكريم http://www.islamdor.com/vb/images/smilies/sala.gif، فقد اصابها التخلف والتيه والتفرق والضعف والاستكانة،


إن فقه حركة التاريخ الإسلامي يرشدنا إلى أن عوامل النهوض وأسباب النصر كثيرة منها صفاء العقيدة، ووضح المنهج، وتحكيم شرع الله في الدولة، ووجود القيادة الربانية التي تنظر بنور الله وقدرتها في التعامل مع سنن الله في تربية الأمم وبناء الدول وسقوطها، ومعرفة علل المجتمعات وأطوار الأمم، وأسرار التاريخ، ومخططات اليهود والملاحدة والفرق الباطنية، والمبتدعة وإعطاء كل عامل حقه الطبيعي في التعامل معه،


فقضايا فقه النهوض، والمشاريع النهضوية البعيدة المدى متداخلة متشابكة لا يستطيع استيعابها إلا من فهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله http://www.islamdor.com/vb/images/smilies/sala.gif، وارتبط بالفقه الراشدي المحفوظ عن سلفنا العظيم، فعلم معالمه وخصائصه وأسباب وجوده وعوامل زواله واستفاد من التاريخ الإسلامي وتجارب النهوض، فأيقن بأن هذه الأمة ما فقدت الصدارة قط وهي وفية لربها ونبيها http://www.islamdor.com/vb/images/smilies/sala.gif وعلم بأن الهزائم العسكرية عرض يزول، أما الهزائم الثقافية فجرح مميت، والثقافة الصحيحة تبني الإنسان المسلم، والأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، والدولة المسلمة، على قواعدها المتينة من كتاب الله وسنة رسوله، وهدى الخلفاء الراشدين، ومن سار على نهجهم، وعبقرية البناء الحضاري الصحيح هي التي أبقت صرح الإسلام إلى يومنا هذا بعد توفيق الله وحفظه

إن سيرة عمر بن عبد العزيز تمدنا بالمفهوم الصحيح لكلمة الإصلاح للمفهوم القرآني الأصيل الذي فهمه علماؤنا المصلحون فهماً صحيحاً وطبّقوه تطبيقاً، سليماً، لا المفهوم الغربي الحديث الذي تسرَّب إلى أذهان بعض المفكرين السياسيين المقلدين للغرب في حقّه وباطله حتى أصبح من المسلم به عند كثير من أبنائنا اليوم أن الثورة أعمّ وأشمل وأعمق من الإصلاح الذي يرادف في الغرب معنى التغيير الخفيف الذي يحدث بتدرج ومن دون عنف، بينما الثورة هي عندهم انقلاب جذري دون تدرّج، عنيف ومفاجيء، وما دروا أن الإصلاح بالمفهوم القرآني الصحيح له معنى أشمل وأعمّ وأكبر من الثورة، فهو دائماً نحو الأحسن والأكمل، بينما الثورة قد تكون من الصالح إلى الفاسد أصلاً، ويتم ذلك بتغيير سلطة بسلطة وحاكم بحاكم.

إن عمر بن عبد العزيز نموذج إصلاحي لمن يريد السير على منهاج النبوة وعهد الخلافة الراشدة، ولقد أخلص لله تعالى في مشروعه الإصلاحي فتولى الله توفيقه وأطلق ألسنة الناس بمدحه والثناء عليه، قال الشاعر أحمد رفيق المهدوي الليبـي:

فإذا أحب الله باطن عبده

ظهرت عليه مواهب الفتاح

وإذا صفت لله نية مصلح

مال العباد عليـه بالأرواح
____

الخليفة الراشد والمصلح الكبير عمر بن عبد العزيز

ومعالم التجديد والإصلاح الراشدي على منهاج النبوة

للدكتور \ علي محمد الصّلاّبي