المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تاريخ الثقافة العربية في روسيا


محمد الماجد
04-10-2011, 12:23 PM
إن الأهمية البارزة للثقافة العربية في التاريخ العالمي بعامة وفي تاريخ العلم بخاصة، أصبحت الآن أمراً معروفاً ومتفقاً عليه. فقد احتل التراث العربي، منذ زمن، مكانة مرموقة في الأدب العالمي، وأصبح جزءاً أساسياً من الثقافة الإنسانية العامة. كما أدت أبحاث العلماء في كثير من الدول والتي بدأت منذ بداية القرن العشرين إلى إلقاء الضوء على دور المؤلفين العرب في القرون الوسطى (الذين عاشوا وعملوا في مساحة واسعة ممتدة من أسبانيا وشمال افريقيا حتى الهند) في تطوير فروع كثيرة من العلم: التاريخ، الجغرافيا، الكيمياء، البيولوجيا، الطب، العلوم الرياضية والفيزيائية. وكان للعلماء الروس والسوفييت نصيباً وفيراً واسهاماً متميزاً في دراسة الثقافة والعلم العربيين وبما فيهم المستعربين والمتخصصين في بعض المجالات العلمية الدقيقة.
ونميز في تاريخ دراسة العلم العربي في روسيا والإتحاد السوفيتي (سابقاً) جانبين: فمن جهة- التسلسل الزمني لهذه الدراسة ومن جهة أخرى إشكالية الدراسة. وفي نفس الوقت فهما مرتبطتان بشكل قوي مع بعضهما البعض.
تتميز المرحلة الأولى من دراسة العلم العربي في روسيا بالبحوث في مجال الإستعراب في المعنى الضيق للكلمة: دراسة اللغة والأعمال الأدبية والدينية. واختتمت هذه المرحلة في أواسط القرن 19 م بنشوء مدرسة الإستعراب الروسية، والتي حظيت بتقدير عال من المستعربين في العالم بأجمعه. أما دراسة المؤلفات العلمية للعلماء العرب، فتعود إلى مرحلة متأخرة نسبياً وقد بلغت مستوى متقدماً من التطور في 50 سنة الأخيرة.
بدايات الاستعراب الروسي:
انطلاقاً من مبدأ الترتيب الزمني، نتوقف باختصار عند تاريخ الإستعراب الروسي ومن ثم ننتقل إلى تاريخ دراسة العلم العربي في روسيا والجمهوريات المستقلة. انتشرت الأخبار عن العرب والبلاد العربية في بلاد الروس في وقت مبكر- في تخوم القرن 9-10 للميلاد، وذلك مع تطور التجارة العالمية في القرون الوسطى. وتشهد على أبعاد هذه التجارة الكنوز المتعددة من العملة العربية المعدنية التي عثر عليها علماء الآثار وما زالوا يعثرون عليها بمحاذاة الطرق التجارية القروسطية. عرف العرب طريق التجارة عبر البلطيق وبحر قزوين بشكل جيد لدرجة أن الجغرافيين العرب مثل ابن حوقل أطلقوا على نهر الدون تسمية "نهر الروس". وكانت منطقة خوارزم إحدى مراكز الاتصالات النشطة بين العرب والروس على مفترق الطرق الهامة للتجارة العالمية التي تنطلق من بلاد الروس وحوض الفولغا إلى آسيا الوسطى ومنغوليا والصين. وقد قدم الجغرافي المعروف ابن فضلان من القرن 10 م معلومات قيمة عن شعوب حوض الفولغا والروس. وكان ابن فضلان أحد مبعوثي الخليفة بدعوة من البولغار في منطقة حوض الفولغا. وكان البولغار قد اعتنقوا الإسلام قبل ذلك (922 م).
إن عملية تبلور الأفكار العلمية في روسيا الموسكوفية، جرت ليس على أساس التقاليد العلمية اليونانية والبيزنطية فحسب وإنما لعبت هنا دوراً بارزاً التقاليد العلمية العربية. وانعكس ذلك بشكل خاص في مجال تشكل الأفكار والتصورات الفلكية والتنجيمية. ويرجع المؤلف الفلكي "شستوكريل" الذي انتشر في روسيا القروسطية إلى المصادر العربية، وبشكل أدق إلى النموذج (الموديل) الهندسي- الحركي للبتروجي (ق 12 م).
تسربت معلومات عن الطب العربي عبر أوروبا الغربية إلى روسيا الموسكوفية، ولقي انتشاراً واسعاً "كتاب العلاج للطبيب اسحاق" وهو مخطوطة للطبيب الفيلسوف إسحق بن سليمان (900 م). لكن روسيا الموسكوفية لم تؤسس بعد لتقليدها الخاص في الإستعراب العلمي ولم تبن قاعدة له من خلال تجميع المخطوطات العربية. علماً أن المصادر تتحدث عن مجموعة (من المخطوطات) كانت تشكل جزءاً من مكتبة، لم يعثر عليها حتى الآن، تعود للقيصر إيفان الرابع(الرهيب) ويبقى ذلك مجرد احتمال ممكن.

محمد فراج عبد النعيم
04-10-2011, 06:20 PM
جزاك الله خيرا يا أخي علي المجهود الرائع ...
بارك الله لك ورفع قدرك ...
واسمح لي باضافه حول رحلة بن فضلان الي بلاد الروسيا ...
وابن فضلان هو أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد مولى مجمد بن سليمان رسول الخليفة المقتدر بالله، كان على قدر كبير من الثقافة الدينية والأدبية مما جعل الخليفة يختاره ليكون رسوله إلى ملك الصقالبة.
و سبب هذه الرحلة أن ملك الصقالبة ألمش بن لطوار - وكان ملكهم يقع فيما يسمى بروسيا الآن - طلب إلى أمير المؤمنين المقتدر بالله أن يرسل إليه بعثة من قبله تفقهه في الدين وتبني له مسجدا وتنصب له منبرا، وسـأله كذلك أن يبني له حصنا يتحصن فيه من الملوك المخالفين له وهم ملوك الخرز من اليهود، وكانوا يعتدون على قومه ويفرضون عليهم الضرائب إلى غير ذلك من الأمور.
وقد وافق أمير المؤمنين على إرسال ما طلبه ملك الصقالبة ومساعدته، ووقع الاختيار على أحمد بن فضلان ليكون هو الرسول إليهم وقد رافقه في هذه الرحلة مجموعة من الأشخاص منهم - كما ذكر هو - الفقيه والمعلم وغيرهما من المعاونين لهم في هذه الرحلة.
وبدأت الرحلة من بغداد يوم ٢١ حزيران سنة ٩٢١م ووصل إلى ملك الصقالبة بعد أحد عشر شهرا.
وقد وصف ابن فضلان هذه الرحلة وصفا دقيقا، فذكر البلدان التي مروا عليها والمدة التي أقاموا فيها والأحداث المهمة في البلدان التي مر عليها دون أن يفصل فيه، فمما قاله مثلا وسرنا مجدين حتى وصلنا إلى نيسابور وقد قتل ليلى بن النعمان، ووجدنا بها حمويه كوسا صاحب جيش خراسان.
فكما ترى فإنه لم يفصل القول في طبيعة هذين الشخصين ولا أسباب خلافهما إلى غير ذلك بل يمر عليهما سريعا . ولم يقتصر ابن فضلان على ذكر الأحداث السياسية أثناء رحلته بل إنه يسجل كل ما يلفت الانتباه، فنجده يتعرض لذكر العملات التجارية وأنواعها واستخدام أهلها لها. ثم هو يذكر طرفا من مقابلاته مع حكام المناطق التي يمر عليها وبعض الحوار الذي دار بينه وبينهم وكيف كان استقبالهم له.
وابن فضلان لا يغفل الجانب الاجتماعي بل نجده يحرص على إظهاره بل يكاد يشغل كل اهتمامه، فنجده يصف طبائع بعض الأقوام الذين مر بهم وعقائدهم، بل حتى يصف طريقة كلامهم فهو عندما مر على خوارزم وصفهم بقوله: وهم أوحش الناس كلاما وطبعا، كلامهم أشبه بصياح الزرازير، وبها قرية يقال لها الكردلية كلامهم أشبه بنقيق الضفادع، وهم يتبرءون من أمير المؤمنين عليا دبر كل صلاة
وقد ذ كر عادات بعض الأقوام في تعاملهم مع المريض وعادات نسائهم مع الرجال وطريقتهم في لباسهم وأسلوبهم في التعامل مع ملوكهم وغنى القوم وفقرهم وتعاملهم مع الطبيعة .
هو عندما يتحدث عن عاداتهم يلاحظ أثر تلك العادات على الدين، ويحاول جاهدا أن ينصح من أمامه ويبين له الحق والصواب فتارة يستجاب له وتارة يلقى الجدال.
وعن الطقس وما يلحق به فنلاحظ عناية ابن فضلان به فهو يذكر في رحلته ما تتسم به بعض البلدان من برودة الجو برودة شديدة وكيف كانوا يواجهون مثل هذه البرودة ويربط ذلك بعادات القوم تجاه هذا الأمر، كل ذلك بأسلوب أدبي رفيع لا يمل قارئه بل يشده إلى قراءة الرسالة وأخذ فكرة واضحة عنها، فهو يذكر أنهم عندما وصلوا إلى الجرجانية وجدوا فيها من البرد ما منعهم من مواصلة السير، بل إن نهر جيحون من أوله إلى آخره قد جمد حتى إن البغال والحمير وغيرها لتمشي عليه وهو ثابت، ثم قال بعد ذلك فرأينا بلدا ما ظننا إلا أن بابا من الزمهرير قد فتح علينا منه، ولا يسقط فيه الثلج إلا ومعه ريح عاصف شديدة، وإذا أتحف الرجل صاحبه وأراد بره وصلته قال له تعال إلي حتى نتحدث فإن عندي أخبارا طيبة .
ومن جهة أخرى نجده يصف الطريق التي مشوا فيها وما فيها من جبال أو عدمها والعيون الموجودة وطول الطريق وما يتعلق بذلك، كما تعرض بأسلوب شيق لقضية اختلاف الليل والنهار في تلك البلدان الشاسعة.
إلا أن ابن فضلان مع هذا قد ذكر أشياء يستبعدها العقل ولا يقبلها، بعضها ذكرها حكاية عن غيره وبعضها ذكر أنه شاهدها بنفسه ونحن نستغرب هذا منه ولا ندري ما السبب في ذلك.
لكن مما لا شك فيه أن ابن فضلان استطاع من خلال رحلته هذه وما كتبه عنها أن يعطينا صورة كاملة عن الأقوام الذين مر عليهم سواء من الناحية الاجتماعية أو السياسية أو العقائدية أو الأخلاقية بأسلوب سهل ممتع يغلب عليه الطابع الأدبي.