محمد فراج عبد النعيم
08-10-2011, 03:00 AM
روى البخاري في الأدب المفرد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة من حديث عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين] قال صاحب الزوائد: هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات احتج مسلم بجميع رواته. وقال الشيخ الألباني: (صحيح) وهو في صحيح الجامع برقم 5613. وفي صحيح الترغيب برقم 515.
وحسد اليهود هنا ولا شك دليل على فضيلة شعيرة السلام والتأمين، ولذلك فإننا نعرض في هذا البحث إلى بعض أحكام السلام وفضائله، سائلين المولى العون والسداد.
أولاً: متى شرع السلام:
في صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لما خلق الله آدم قال: اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله. الفتح 11/5.
وفي هذا دليل على أن مشروعية السلام كانت من عهد أبينا آدم، وإنها التحية التي جعلها الله لخلقه من ذرية آدم وقد استمرت هذه التحية يعلمها الرسلُ لأممهم كما جاء ذلك واضحا في أكثر من آية في كتاب الله - تعالى -: مثل قوله - تعالى -: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هود: 69] وقوله - تعالى -: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان: 63].
ثم اندثرت مع الجاهلية المظلمة التي كانت قبل الإسلام، فإن أهل الجاهلية استبدلوا هذه التحية الإلهية بمثل [أنعم بك عينا] و[أنعم صبحا]أو [طاب صباحك] ونحوها. حتى جاء نبي الهدى - صلى الله عليه وسلم - فأحيى به الله ما أندثر من طيّب الأفعال وحسن الأخلاق. فكانت تحية أهل الإسلام " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " حتى أصبحت شعار أهل الإسلام، فكانت قذاه في أعين أهل الباطل ولذا كان حسد اليهود لأهل الإسلام على هذه النعمة التي أنعم الله بها عليهم، فهل يستشعر أهل الإسلام وأبناء المسلمين ما لهذه النعمة من فضل فيعملوا على إحيائها والاعتزاز بها.
ثانياً: مكانته:
هذه الشعيرة شعيرة عظيمة يدل على ذلك أنها اشتقت من اسم رب العزة جل شأنه " السلام " وسميت به أيضا دار كرامته الجنة، فهي " دار السلام " وهي أيضا تحية أهل الجنة، قال - تعالى -: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس: 10] ورتب الله عليها من الأجر العظيم ففي الحديث المتفق عليه أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الإسلام خير؟ قال: [تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف] فتح البارى 4015 مسلم 2961، مختصر صحيح البخاري للألباني (9)، صحيح الترغيب والترهيب للألباني برقم (944)، ا لآداب للبيهقي (167).
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: [كنّا جلوساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل فسلّم فقال: السلام عليكم، فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: عشر، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فردّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: عشرون. ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال ثلاثون] رواه أبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (صحيح)، الآداب للبيهقي (174).
ومعنى هذا أن من قال: [السلام عليكم] كان له من الأجر عشر حسنات، ومن قال: [السلام عليكم ورحمة الله] كان له عشرون ومن قال: [السلام عليكم ورحمة الله وبركاته] كان له ثلاثون حسنة. ولذلك كان ابن عمر يذهب إلى السوق وليس له حاجة إلا تحصيل الأجر، ففي الأدب المفرد عند البخاري أن الطفيل بن أبي بن كعب قال: كنت أغدو مع ابن عمر إلى السوق فلا يمر على بياع ولا أحد إلا سلم عليه فقلت: ما تصنع وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع؟ قال: إنما نغدوا من أجل السلام على من لقينا الفتح 11/22.
ثالثاً: غربة من يفشي السلام:
لاشك أن شعائر الإسلام تبرز وتتضح كلما كان العهد قريباً من عهد النبوة، وتضمحل وتتلاشى كلما تقدم الزمن وبعد الناس عن عهد النبوة، فترفع شعائر الإسلام شيئا فشيئا حتى لا يبقى على الأرض من يقول الله الله، إلا قلة من الغرباء الذين قال فيهم - صلى الله عليه وسلم -: " طوبى للغرباء، أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم " أخرجه أحمد (2 / 177 و 222)، وهو في صحيح الجامع للألباني برقم (3921) وقال): صحيح).
وهم الفرقة المنصورة التي وصفهم الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - عندما سئل عنهم قال: [هم من كان على ما أنا عليه وأصحابي] الترمذي: الإيمان (2640)، وأبو داود: السنة (4596)، وابن ماجه: الفتن (3991)، وأحمد (2/332) أعلام السنة المنشورة 354).
ولذلك جاء في الحديث الحسن: "أول ما يرفع من الناس الأمانة، وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة ورب مصل لا خلاق له عند الله - تعالى -" أخرجه الطبراني في الأوسط 11/321 صحيح الجامع (2575).
فلا غرابة أن ترى في هذا الزمن تحية الإسلام، قد اندثرت عند كثير من أهل الإسلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثانيا: من أشراط الساعة، وعلاماتها أن يكون السلام للمعرفة:
إن مما يلاحظ في هذا الزمن إن كثيراً من الناس لا يسلّم إلا على من يعرفه دون من لا يعرفه، والغالب والله أعلم أن سبب ذلك أن السلام عند هؤلاء أصبح عادة فقط، تعوّدها من المجتمع الذي يعيش فيه، فلا يخطر بباله أن هذه التحية عبادة يؤجر عليها ويثاب على فعلها، ولا يخطر بباله كذلك أنها شعيرة من شعائر دين الإسلام.
وهذا الفعل الذي أصبح ظاهرة في الناس، هو أحد المعجزات التي تدل على صدق نبوة الرحمة المهداة - صلى الله عليه وسلم -، فقد أخبر بأبي هو وأمي أن هذا سيكون في آخر الزمان وقد كان كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -، فقد أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ " مَرَّ بِرَجُلٍ فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن، فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَى النَّاس زَمَان يَكُون السَّلَام فِيهِ لِلْمَعْرِفَةِ " فتح الباري باب السلام للمعرفة وغير المعرفة 11/27.
وأخرج الطحاوي والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود مرفوعا ولفظه: [إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه، وأن لا يسلم إلا على من يعرفه] ولفظ الطحاوي: "إن من أشراط الساعة السلام للمعرفة" فتح الباري لأبن حجر باب السلام للمعرفة وغير المعرفة 11/27.
وهذا شبيه بمن لا يحسن إلا لمن يحسن إليه ولا يصل إلا من يصله والذي قال فيه رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - محذرا: (ليس الواصل بالمكافئ إنما الواصل من يصل من قطعه) وفي رواية: (إذا انقطعت رحمه وصلها) صحيح الجامع 5385.
فالسلام للمعرفة ضد إفشاء السلام، وإفشاء السلام هو إظهاره، والمراد نشرة بين الناس ليحيوا سنته. الفتح 11/23.
وفي الحديث: (أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وقوموا بالليل والناس نيام: تدخلوا الجنة بسلام). رواه أحمد وابن حبان والحاكم وهو في صحيح الجامع برقم 1085.
ثالثا: حكمه:
السلام سنة في الابتداء، وواجب في الرد: قال ابن حجر في الفتح: وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على أن الابتداء بالسلام سنة، ثم نقل عن المازري أنه قال ابتداء السلام سنة ورده واجب، وقال: هذا هو المشهور عند أصحابنا، وهو من عبادات الكفاية فأشار بقوله المشهور إلى الخلاف في وجوب الرد هل هو فرض عليه أو كفاية.
ونقل القاضي عياض عن القاضي عبد الوهاب إنه قال: لا خلاف أن ابتداء السلام سنة أو فرض على الكفاية، فإن سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم قال عياض: معنى قوله فرض على الكفاية مع نقل الإجماع على أنه سنة أن إقامة السنة وأحياءها فرض على الكفاية. الفتح 11/6.
وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي نقلا عن النووي: اعلم أن ابتداء السلام سنة ورده واجب، فإن كان المسلّم جماعة فهو سنة كفاية في حقهم إذا سلّم بعضهم حصلت سنة السلام في حق جميعهم، فإن كان المسلّم واحد تعين الرد، وإن كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم فإن رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، والأفضل أن يبتدئ الجميع بالسلام وأن يرد الجميع. تحفة الأحوذي 289/7.
ففي الحديث (يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلّم أحدهم ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم) والحديث رواه أبو داود عن علي وقال الألباني في صحيح الجامع صحيح 8023.
وللحديث بقيه
وحسد اليهود هنا ولا شك دليل على فضيلة شعيرة السلام والتأمين، ولذلك فإننا نعرض في هذا البحث إلى بعض أحكام السلام وفضائله، سائلين المولى العون والسداد.
أولاً: متى شرع السلام:
في صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لما خلق الله آدم قال: اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله. الفتح 11/5.
وفي هذا دليل على أن مشروعية السلام كانت من عهد أبينا آدم، وإنها التحية التي جعلها الله لخلقه من ذرية آدم وقد استمرت هذه التحية يعلمها الرسلُ لأممهم كما جاء ذلك واضحا في أكثر من آية في كتاب الله - تعالى -: مثل قوله - تعالى -: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هود: 69] وقوله - تعالى -: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان: 63].
ثم اندثرت مع الجاهلية المظلمة التي كانت قبل الإسلام، فإن أهل الجاهلية استبدلوا هذه التحية الإلهية بمثل [أنعم بك عينا] و[أنعم صبحا]أو [طاب صباحك] ونحوها. حتى جاء نبي الهدى - صلى الله عليه وسلم - فأحيى به الله ما أندثر من طيّب الأفعال وحسن الأخلاق. فكانت تحية أهل الإسلام " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " حتى أصبحت شعار أهل الإسلام، فكانت قذاه في أعين أهل الباطل ولذا كان حسد اليهود لأهل الإسلام على هذه النعمة التي أنعم الله بها عليهم، فهل يستشعر أهل الإسلام وأبناء المسلمين ما لهذه النعمة من فضل فيعملوا على إحيائها والاعتزاز بها.
ثانياً: مكانته:
هذه الشعيرة شعيرة عظيمة يدل على ذلك أنها اشتقت من اسم رب العزة جل شأنه " السلام " وسميت به أيضا دار كرامته الجنة، فهي " دار السلام " وهي أيضا تحية أهل الجنة، قال - تعالى -: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس: 10] ورتب الله عليها من الأجر العظيم ففي الحديث المتفق عليه أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الإسلام خير؟ قال: [تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف] فتح البارى 4015 مسلم 2961، مختصر صحيح البخاري للألباني (9)، صحيح الترغيب والترهيب للألباني برقم (944)، ا لآداب للبيهقي (167).
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: [كنّا جلوساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل فسلّم فقال: السلام عليكم، فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: عشر، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فردّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: عشرون. ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال ثلاثون] رواه أبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (صحيح)، الآداب للبيهقي (174).
ومعنى هذا أن من قال: [السلام عليكم] كان له من الأجر عشر حسنات، ومن قال: [السلام عليكم ورحمة الله] كان له عشرون ومن قال: [السلام عليكم ورحمة الله وبركاته] كان له ثلاثون حسنة. ولذلك كان ابن عمر يذهب إلى السوق وليس له حاجة إلا تحصيل الأجر، ففي الأدب المفرد عند البخاري أن الطفيل بن أبي بن كعب قال: كنت أغدو مع ابن عمر إلى السوق فلا يمر على بياع ولا أحد إلا سلم عليه فقلت: ما تصنع وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع؟ قال: إنما نغدوا من أجل السلام على من لقينا الفتح 11/22.
ثالثاً: غربة من يفشي السلام:
لاشك أن شعائر الإسلام تبرز وتتضح كلما كان العهد قريباً من عهد النبوة، وتضمحل وتتلاشى كلما تقدم الزمن وبعد الناس عن عهد النبوة، فترفع شعائر الإسلام شيئا فشيئا حتى لا يبقى على الأرض من يقول الله الله، إلا قلة من الغرباء الذين قال فيهم - صلى الله عليه وسلم -: " طوبى للغرباء، أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم " أخرجه أحمد (2 / 177 و 222)، وهو في صحيح الجامع للألباني برقم (3921) وقال): صحيح).
وهم الفرقة المنصورة التي وصفهم الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - عندما سئل عنهم قال: [هم من كان على ما أنا عليه وأصحابي] الترمذي: الإيمان (2640)، وأبو داود: السنة (4596)، وابن ماجه: الفتن (3991)، وأحمد (2/332) أعلام السنة المنشورة 354).
ولذلك جاء في الحديث الحسن: "أول ما يرفع من الناس الأمانة، وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة ورب مصل لا خلاق له عند الله - تعالى -" أخرجه الطبراني في الأوسط 11/321 صحيح الجامع (2575).
فلا غرابة أن ترى في هذا الزمن تحية الإسلام، قد اندثرت عند كثير من أهل الإسلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثانيا: من أشراط الساعة، وعلاماتها أن يكون السلام للمعرفة:
إن مما يلاحظ في هذا الزمن إن كثيراً من الناس لا يسلّم إلا على من يعرفه دون من لا يعرفه، والغالب والله أعلم أن سبب ذلك أن السلام عند هؤلاء أصبح عادة فقط، تعوّدها من المجتمع الذي يعيش فيه، فلا يخطر بباله أن هذه التحية عبادة يؤجر عليها ويثاب على فعلها، ولا يخطر بباله كذلك أنها شعيرة من شعائر دين الإسلام.
وهذا الفعل الذي أصبح ظاهرة في الناس، هو أحد المعجزات التي تدل على صدق نبوة الرحمة المهداة - صلى الله عليه وسلم -، فقد أخبر بأبي هو وأمي أن هذا سيكون في آخر الزمان وقد كان كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -، فقد أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ " مَرَّ بِرَجُلٍ فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن، فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَى النَّاس زَمَان يَكُون السَّلَام فِيهِ لِلْمَعْرِفَةِ " فتح الباري باب السلام للمعرفة وغير المعرفة 11/27.
وأخرج الطحاوي والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود مرفوعا ولفظه: [إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه، وأن لا يسلم إلا على من يعرفه] ولفظ الطحاوي: "إن من أشراط الساعة السلام للمعرفة" فتح الباري لأبن حجر باب السلام للمعرفة وغير المعرفة 11/27.
وهذا شبيه بمن لا يحسن إلا لمن يحسن إليه ولا يصل إلا من يصله والذي قال فيه رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - محذرا: (ليس الواصل بالمكافئ إنما الواصل من يصل من قطعه) وفي رواية: (إذا انقطعت رحمه وصلها) صحيح الجامع 5385.
فالسلام للمعرفة ضد إفشاء السلام، وإفشاء السلام هو إظهاره، والمراد نشرة بين الناس ليحيوا سنته. الفتح 11/23.
وفي الحديث: (أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وقوموا بالليل والناس نيام: تدخلوا الجنة بسلام). رواه أحمد وابن حبان والحاكم وهو في صحيح الجامع برقم 1085.
ثالثا: حكمه:
السلام سنة في الابتداء، وواجب في الرد: قال ابن حجر في الفتح: وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على أن الابتداء بالسلام سنة، ثم نقل عن المازري أنه قال ابتداء السلام سنة ورده واجب، وقال: هذا هو المشهور عند أصحابنا، وهو من عبادات الكفاية فأشار بقوله المشهور إلى الخلاف في وجوب الرد هل هو فرض عليه أو كفاية.
ونقل القاضي عياض عن القاضي عبد الوهاب إنه قال: لا خلاف أن ابتداء السلام سنة أو فرض على الكفاية، فإن سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم قال عياض: معنى قوله فرض على الكفاية مع نقل الإجماع على أنه سنة أن إقامة السنة وأحياءها فرض على الكفاية. الفتح 11/6.
وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي نقلا عن النووي: اعلم أن ابتداء السلام سنة ورده واجب، فإن كان المسلّم جماعة فهو سنة كفاية في حقهم إذا سلّم بعضهم حصلت سنة السلام في حق جميعهم، فإن كان المسلّم واحد تعين الرد، وإن كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم فإن رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، والأفضل أن يبتدئ الجميع بالسلام وأن يرد الجميع. تحفة الأحوذي 289/7.
ففي الحديث (يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلّم أحدهم ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم) والحديث رواه أبو داود عن علي وقال الألباني في صحيح الجامع صحيح 8023.
وللحديث بقيه