المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف نفهم أردوغان ؟


محمد فراج عبد النعيم
09-10-2011, 08:08 PM
http://almoslim.net/files/images/thumb/Erdogan_2-thumb2.jpg


أثارت زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان إلى دول الربيع العربي، الكثير من ردود الأفعال، وأسالت الكثير من الحبر، ولكن هذه المرة بأقلام اسلامية، قبل أي شئ آخر. وقد غاب عن الكثير ممن تناول تلك الزيارة الظروف السياسية المحلية والإقليمية والدولية التي يجد فيها قائد فذ مثل إردوغان نفسه فيها. ففي ظل محيط يعد على الانسان أنفاسه لا ينبغي أن يكون المرء غبيا، فيحرق طبخته في بداية المشوار أو منتصفه أو نهايته، لا سيما وأن قوى لها وزنها على الأصعدة المذكورة تتربص بالإسلاميين الدوائر، ويمكنها أن تعرقل مشروعهم التحرري وتأجيله عقودا أخرى. إذ أن إردوغان يتحرك في حيز ضيق، ولكنه يعمل على توسيعه داخل تركيا وخارجها. وعندما يتحدث إردوغان عن دولة تركية علمانية، فإنه يتحدث عن تلك القيود التي تكبل الكثير من تصريحاته وتحركاته، بما في ذلك تلك التصريحات التي أثارت ردود البعض( الهادئة ) ولكنها لا تدرك حقيقة الأوضاع التي يواجهها إردوغان.

القوة الناعمة:
من المعروف عن إردوغان أنه يستخدم أسلوب القوة الناعمة، في تحقيق أهدافه داخل تركيا وخارجها، وقد نجح بشكل كبير في ذلك. فمن مغادرة مقعده في أوسلو احتجاجا على العدوان في غزة، إلى طرد السفير الصهيوني من أنقرة نلمس أن الرجل يتصرف بنظام هندسي محكم، فهو يتلمس مواضع قدمه قبل أن يضعها على الأرض. وقد ساهمت التجارب التركية الإسلامية المجهضة من قبل العلمانية المتطرفة من أندريس حتى أربكان في انضاج الحركة الإسلامية في تركيا، وحسابها ألف حساب لكل كلمة وحركة تقوم بها. لكن" الشاطر يحصل" كما يقول المثل الشعبي، فقد غلب الحماس على إردوغان، فأعلن قصيدته الشهيرة، التي دفعت به للسجن سنة 2002 م ، والحرمان من كرسي رئاسة الوزراء فترة من الزمن. ولكننا عوض أن نستفيد من التجربة التركية في التعاطي مع القوى التي تخنق شعوبنا وبلداننا، ولا تزال متمركزة بشكل قوي في مفاصل ( دولنا ) يعمل البعض على تكرار نفس الأخطاء بحسن نية وكما يقال " في جهنم كثير من أصحاب النوايا الحسنة" وفي آي الذكر الحكيم" الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" وهم الذين خالفوا الاتباع في الدين بالابتداع، وخالفوا الحكمة في الدنيا بالتهور، وعدم قراءة موازين القوى بطريقة صحيحة على منهج سددوا وقاربوا.


وفي ظل أوضاع كهذه تعلي ( ظاهريا ) من قيمة الإرادة الشعبية، وتضمر الشر للإسلام والمسلمين، فلا بد من مجاراة ذلك، لأننا لا نملك القوة التي يمكننا بها إنزال خياراتنا على المجتمع.
وفي تجربة الثورة التونسية نجد أن أحزابا اسلامية أعلنت برامجها بدون دراسة عميقة للواقع، فحرمت من تأشيرة العمل القانوني، وألغيت مطالبها، وهي الآن لا تستطيع أن تبلغ صوتها للشعب سوى عبر وسائط تقليدية وضعيفة جدا، ولا تؤتي الثمار المرجوة في تونس. حتى التجربة التركية في ظل حكم العدالة والتنمية، لا تزال هناك الكثير من العقبات. وعندما يتحدث إردوغان عن دولة علمانية في تركيا فهو يصف الواقع الذي يستحيل تغيره في لحظة واحدة، ولا يزال العدالة والتنمية يحاول اختراق جدار الفولاذ العلماني المتطرف، فينجح مرة ويخفق مرات ولكن المحاولات متواصلة، ومنها محاولة رفع حظر الحجاب في الجامعات التركية، وبناء المساجد في ثكنات الجيش وغيرها، فقد فرضت العلمانية في تركيا وتونس الإطار الذي لا يمكن للأحزاب السياسية تجاوزه. وفي حالة عملت أحزاب على ذلك قولا أو عملا تعرض نفسها لتهديد الحل وإغلاق مكاتبها. والجملة الأخيرة هي ما يجب على المسلمين دراسته بتمعن لفهم الأوضاع في تركيا وتونس.


دراسة موازين القوى :
ربما تكون تونس أفضل حالا، لذلك تعمل قوى معادية للإسلام ولتعاليمه، على وضع قيود على البرلمان القادم حتى لا يكون له الحق كبقية الدول ( الديمقراطية ) في تعديل الدستور إذا ملك النصاب الذي يخول له ذلك. أما في تركيا فإن الأمر يحتاج لوقت، حتى يتم تذويب الحواجز العلمانية، وفي مقدمتها " الجيش والقضاء" فالجيش والقضاء في تركيا هما ما تبقى من قلاع العلمانية المتوحشة في تركيا، والعمل جار لتغيير التصورات الذهنية التي تملي على هاتين المؤسستين توجهاتهما المعادية للإسلام، والمبنية على الجهل المطبق بالدين الحنيف، والتصورات الخاطئة عنه. وحتى تتغير التركيبة في هاتين المؤسستين، أو لا يصبح فرض تطبيق الشريعة الاسلامية مطلبا شعبيا، لا يمكن لإردوغان أو غيره في تونس وحتى مصر، أن يستخدم الأسلوب والخطاب الذي يعتمده البعض في عدد من الدول الاسلامية بما فيها العربية.

وفي تونس يمكن للمطالب الشعبية أن تحقق أهداف الاسلاميين في تحكيم الاسلام، ولكن في تركيا الأمر لا يقبل العودة للشعب في هذه المسألة بالذات، وتحاول فلول العلمانيين اللائكيين في تونس النسج على منواله باعتبار ما حققوه بالقمع والاستبداد على مدى أكثر من نصف قرن من حكم الحزب الواحد ( مكاسب) وهي في أحسن الأحوال مكاسب من وجهة نظرهم، ويحاولون مصادرة حق الشعب في الحكم على تلك ( المكاسب) وما إذا كان يراها كذلك.
وهكذا نجد أن العلمانية المتوحشة تفرض وصاية على الشعوب باسم ( المكاسب) وتفكر نيابة عن الشعب ( القاصر ) من وجهة نظرها في حال لم يعتبر تلك المفاسد ( مكاسب) .
إن الاسلاميين في تركيا، ورجب طيب إردوغان واحد منهم، من أحرص المسلمين في العالم على إرساء تعاليم الاسلام، وهم لا يقلون غيرة عن أي مسلم غيور، ولا يمكن الحكم على تصريحاتهم وتحركاتهم وأعمالهم إلا من خلال الظروف التي يعيشونها، وهم حريصون على التخلص منها خطوة بخطوة ولكن العقبة كؤود.

خطاب المصالح يوحدنا:
هناك مجالات واسعة للعمل من أجل التقريب بين المسلمين، وتوحيد كلمتهم وتبادل المنافع بينهم، وهي فروض أعيان تدخل في رحاب تطبيق الشريعة الإسلامية التي أمرت بذلك. وزيارة إردوغان إلى مصر ومن ثم تونس وليبيا تصب في هذا الاتجاه ، وهو فرض عين . ففي زيارة إردوغان لمصر وتونس وليبيا لم يتحدث الرجل عن المشاعر فحسب، ولم يدغدغ العواطف وإن كان ذلك مطلوبا، فمن لا يملك عاطفة ليس كائنا حيا فضلا عن أن يكون انسانا. وإنما تحدث أيضا عن المصالح، فبالمصالح تتوطد العلاقات وتقوى الروابط، وأذكر أن علمانيا ذكر مرة أن ما يربط بلاده بإيطاليا أكثر مما يربطها بإندونيسيا فالعلاقات التجارية قائمة بين البلدين ولا ينطبق ذلك على إندونيسيا؛ فإردوغان هنا يدرك أن "الدين المعاملة" ويعرف أن الذي فرض الصلاة وهي عمل تعبدي روحي، فرض الزكاة التي هي عمل تعبدي مادي، والذي أمر بالصيام أمر بإطعام المساكين والصدقة، والذي نعبده بأداء الفرائض نعبده بالكسب المادي والتحصيل المعرفي. ونجد في الحديث أنه إذا ، قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها. لذلك كان أكثر رفقة إردوغان في زيارته التاريخية لدول الربيع العربي العشرات من المسؤولين بينهم وزير الخارجية ونائبه المكلف بالعلاقات الدولية ووزراء الدفاع والاقتصاد والتنمية و200 رجل أعمال.

وفي الدول التي زارها عرض مساعدة تركيا في مختلف المجالات ووضع امكانياتها والخبرات التي تتمتع بها تحت تصرف هذه الدول، وأكد على أنه عرض على الرئيس المخلوع في مصر إلغاء تأشيرات الدخول ولكن ذلك العميل رفض الاقتراح الذي يخدم شعب مصر من خلال التواصل مع أشقائهم الأتراك وزيادة التعاون معهم.

وفي تونس عرض إقامة خطوط بحرية مستغربا من عدم وجودها رغم أن تونس وتركيا تطلان على البحر الأبيض المتوسط، كما عرض التعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية، والسياحة، وتبادل الخبرات ، ووعد بزيادة التبادل التجاري ليصل لـ5 مليارات دولار بدل مليار دولار في الوقت الحالي.

وفي ليبيا دعا الفرقاء السياسيين إلى الاجتماع على كلمة سواء ، وترك ونبذ الخلافات بين الأشقاء وهو ما لم يدع إليه أي مسؤول دولي بل وجدنا فرنسيين وأمريكيين عرضوا تقديم خدمات أمنية لصالح طرف ضد طرف ليبي آخر. وأعلن إردوغان في طرابلس وبن غازي عن عزم تركيا إعادة بناء المدارس والمستشفيات ودور الأيتام في ليبيا، وهو موقف لم نجد له نظير لدى من يمنون أنفسهم بعقود النفط الليبي الذي يسيل له لعابهم، بل إن البعض قالها جهارا بأنه يريد حصة من النفط الليبي ومن العقود القادمة لأنهم شاركوا بقوة في الضربات التي طالت قوات كتائب القذافي .

إن رجب طيب إردوغان يخوض معركة شرسة ضد الفقر والاستبداد والوصاية في بلاده والوصاية المفروضة داخليا وخارجيا على العالم الاسلامي، وهو ونحن والجميع في حاجة لرجال تؤازر هذه المواقف حتى نعيد أمتنا تحت الشمس، والخطوة الأولى تبدأ بفهم أنفسنا ثم بعضنا البعض، ثم واقعنا وما فيه من تعقيدات وسبل مواجهتها والتعاطي معها، والله في عوننا ..والزمن بعون الله في صالحنا .

greenfresh
10-10-2011, 10:07 AM
جزاكم الله خيراً

محمد فراج عبد النعيم
18-10-2011, 08:36 PM
مشكور أخي : greenfresh (http://forum.islamstory.com/member.php?u=7980)
علي مرورك العطر الطيب وكلامك الأطيب ..
أسأل الله أن يرضي عنك رضاءا لا يغضب بعده ابدا ....

محمد فراج عبد النعيم
19-10-2011, 12:46 AM
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه
وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه