المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم


الشيخ محمد الزعبي
21-12-2011, 09:20 AM
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8) }
جاء في سورة التين :"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ". قالوا في التقويم إنّه جعل الشيء ذا قوام، وقوام الشيء ما يقوم به ويثبت، وتصرح الآية الكريمة بأن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، وَالتَّقْوِيمُ التَّعْدِيلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا [18 \ 1 - 2] ، وَأَحْسَنُ تَقْوِيمٍ شَامِلٌ لِخَلْقِ الْإِنْسَانِ حِسًّا وَمَعْنًى أَيْ شَكْلًا وَصُورَةً وَإِنْسَانِيَّةً، وَكُلُّهَا مِنْ آيَاتِ الْقُدْرَةِ وَدَلَالَةِ الْبَعْثِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
دَوَاؤُكَ مِنْكَ وَلَا تَشْعُرُ ... وَدَاؤُكَ مِنْكَ وَلَا تُبْصِرُُُ
وَتَزْعُمُ أَنَّكَ جِرْمٌ صَغِيرُ ... وَفِيكَ انْطَوَى الْعَالَمُ الْكَبِيرُ
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى خَلْقَهُ ابْتِدَاءً مِنْ نُطْفَةٍ فَعَلَقَةٍ إِلَى آخِرِهِ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ:{ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة\ 34 - 40] .
ويذهب بعض أهل التفسير إلى أن المقصود هنا القوام الجسدي، وهذا بعيد عن سياق النص القرآني، وإن كان اللفظ يحتمله. والراجح أن المقصود هنا – والله أعلم- هو تعديل القوى الظاهرة والباطنة معا، أي المادّية والمعنويّة، وعلى وجه الخصوص القوى المعنوية من مثل العقل والإدراك.
واضح من الآية الكريمة أنّ تقويم الإنسان خاص به، وهو يتميز في ذلك عن باقي الكائنات، كيف لا والله قد سخّر للإنسان ما في السماوات وما في الأرض. وقد يستشكل البعض قوله تعالى :" في أحسن تقويم" إذ على المستوى المادي يمكن أن يكون الإنسان أشد تحصيناً من الأمراض الجسدية، وعلى المستوى المعنوي محفوظاً من الأمراض النفسية، وبذلك يكون في تقويم أحسن. ويزول الإشكال عندما ندرك أن " أحسن" تتعلق بخلق الإنسان على ضوء وظيفته في الأرض، ومن هنا لا يلزم مثلاً أن يكون قوام الإنسان يؤدّي به إلى الخلود في الدنيا، لأن هذا ما سيكون في الآخرة، الأصل في النّاس الخير، والعدالة، وأمّا الشّر فهو طارئ على الكيان الإنساني، ففي الوقت الذي خلق فيه الإنسان في أحسن تقويم بحيث يحقق وظيفته في الأرض، خلق فيه أيضاً قابلية الانتكاس والارتكاس، والارتداد إلى الأسوأ :"ثم رددناه أسفل سافلين" وهذا يعني أن التقويم المعنوي المنسجم مع وظيفة الإنسان في الأرض يمكن أن يتحول إلى النقيض، وحتى لا يكون هذا الارتداد، لا بد من العمل الصالح، القائم على أساس من الإيمان الصحيح :"إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات .. "فكل مولود يولد على الفطرة،كما جاء في الحديث المتفق عليه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ تُنْتَجُ البَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ» أي في أحسن تقويم. ويمكن المحافظة على هذه الفطرة وتوظيفها في تحقيق الخلافة في الأرض إذا ما كانت التربية تستند إلى الإيمان الداعي إلى العمل الصالح، ومن هنا ندرك أن الدين ضرورة بشرية، وليس بخيار يُضاف إلى خيارات الإنسان.
هل استطاع العلم في القرن الحادي والعشرين أن يخلق في الأمم الغربية الإنسان الصالح الذي يقوم بواجب الخلافة ؟! والإجابة تجدها واضحة في واقع البشرية اليوم، ليكتشف النّاس أن الظلم والتجبّر، والغطرسة والفجور هي من أهم مميزات الدول التي تقع في أعلى سُلّم العلم والتكنولوجيا، إنّه إفلاس الغني، وضعف القوي، إنّه العلو الذي هو في حقيقته أسفل سافلين. وتبقى مشيئة الله تعالى فوق الجميع :" فأمّا الزبد فيذهب جفاء، وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض " ولا ينفع الناس إلا ما كان ينسجم مع فطرتهم السّوية.
إن مهمة المصلحين تستند إلى فطرة الإنسان، ومن هنا تكون احتمالات النجاح كبيرة، وهذا ما نلحظه اليوم من سقوط الكثير من الطروحات المتناقضة مع الفطرة، حيث أنه لم يكد يغادرنا القرن العشرون إلا وقد أخذ معهم الكثير من العقائد والأفكار والأوهام، وظهر ذلك جليا في البيئات الاجتماعية التي ظهر فيها مصلحون، ولا نزعم أبدا أن الصورة الآن جميلة ومشرقة بما فيه الكفاية، ولكن مسار الأمور يشير إلى أن الخلاص هو مستقبل الإنسان في المدى غير البعيد.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
والله أعلم وأجل وأكرم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين الحمد لله رب العالمين.

ناصرة الزهراء
06-01-2012, 06:38 AM
بارك الله بك