المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيعود خالد


المراقب العام
08-05-2012, 02:33 AM
اتصلت بى منذ قليل تبكى
لم أفهم فى البداية لصوت اختنق بالعبرات و بللته الدمعات و أثقلته السنوات
خالد هيرجع يا دكتور ؟؟

هذه هى العبارة التى استطعت تبينها من بين العبرات
و فهمت فى تلك اللحظة أنها تلك الأم البطلة التى طالما سمعت أخى حازم شومان يحكى عن جلدها و صبرها و هى تمسك بزمام أسرة بسيطة تولت مسئوليتها و تحملت أثقال رعايتها بعد وفاة زوجها و ترك الأبناء للتتولاهم وحدها
صبرت و تجلدت على ابتلاء أبنائها المتكرر أيام النظام القديم و أمن الدولة قد اعتاد طريق بيتها ليأخذ خالد مرة و محمد أخرى كلما أراد الضابط أن يقفل ملفات أو يظهر لسيده أنه "شغال "
تحاكى إخواننا دوما عن صبر تلك المرأة و حبها لدينها و احتسابها لابتلاء أبنائها
تحاكوا عن ثوريتها .... نعم ثوريتها
أم عجوز تسعى على أيتامها و رغم ذلك ثورية ؟؟!!
نعم فرحت عند قيام الثورة و ظنت أن عهد الاعتقال قد مضى و أن أبناءها سيبقوا بجوارها و يحيوا كراما فى بلد كريمة
فرحت و شاركت بدعواتها و أبنائها
أذكر مزاحها مع خالد فى الهاتف و نحن فى سيارة الأجرة فى طريقنا من المنصورة للعباسية قائلة كدة تروح العباسية من غيرى كان نفسى أكون معاكم
لكن يبدو أنها كانت مخطئة
يبدو أن ظنها لم يكن فى محله
و لذا لمست انكسارا فى صوتها و هى تكلمنى و تسألنى ماذا ستفعل لخالد ؟؟
هالنى أن ألمس ذلك الانكسار و الحزن فى نبرة تلك الأم الأبية لكننى ما لبثت أن شاركتها فيه و أنا أكاد أسمع صوت قلبى يتهشم بينما هى تحدثنى عن أنباء مكالمتها القصيرة مع خالد و تقول من بين دموعها أنه لم يذق طعاما منذ أمس و تطلب منى أن أبحث عن واسطة ليدخلوا له الطعام فى الحبس الاحتياطى
ألهذه الدرجة صار للقسوة قدما فى قلوب عسكرنا ؟
حتى بضعة شطائر من الفول تركها له أخوه مع جندى الحراسة بخلوا أن يطعموه إياه
تألم قلبى حين تذكرت أن آخر ما ذاقه كان " كيسا من الشيبسى " تقاسمناه أنا و هو و الشيخ عادل لطفى – المعتقل معه - بينما نحن فى طريقنا
كتمت ألمى و حاولت تثبيتها لكن يبدو أن الأمر يكن سهلا عليها هذه المرة .... بعد الثورة !!
ذكرت لها كل اتصالاتى اليوم و بالأمس و الطمأنات التى حصلت عليها ممن تواصلت معهم من أعضاء مجلس الشعب و المحامين و أصحاب الوجاهات فتصبرت المرأة و استبشرت و قالت بيقين راسخ و قلب مطمئن الحمد لله
قلت لها تريدين شيئا يا أمى و ألححت
فقالت لا أريد إلا أن أرى خالد ...................
أنهيت المكالمة و أنا أكتم عبراتى كى لا تجزع المرأة الصالحة كما أحسبها ثم مر بخاطرى شريط لذكرياتى مع صديقى خالد
بل الشيخ خالد
ذلكم الدرعمى العتيد الذى تعرفت عليه منذ سنوات
عرفنى عليه أخى و صديق عمرى حازم شومان و قبل أن أراه بينما كان فى بلاء من الجهاز اللعين المسمى أمن الدولة و الدكتور حازم ذاهب ليطمئن على أمه و أنا معه فعرفته من صورة موضوعة على منضدة بسيطة و رأيت وجهه لأول مرة
وجه وسيم باسم تبدو رغم بسمه أمارات العزة على قسماته
أحببته قبل أن أراه لما حكاه لى أخى حازم عن خصاله و أخلاقه و علمه و أدبه ثم ازددت له حبا بعدما عرفته
خرج خالد و توطدت علاقتنا أكثر و نمت بيننا علاقة أخوة و صداقة
رأيت فيه توازنا بديعا بين العلم الشرعى الراسخ و الثقافة المبهرة و الأدب الرفيع
دمث الخلق حلو المعشر لا تسأم من حديثه
شخصية نادرة شكلتها قراءات مهولة لكل ما يصل إلى يديه تقريبا من كتب فى شتى العلوم و الفنون و الآداب و متنتها علميا سنين المكث فى طلب العلم لدى الشيخ مصطفى العدوى حفظه الله و أصقلت معدنها سنوات الابتلاء
تجلس معه فلا تعدم فائدة أو أثر بين جملة و أخرى و تتكلم معه فى الواقع فتجد متابعا فذا و إذا ذكرت الثورية تجد أمامك رجلا ثائرا من الطراز الأول كيف لا و الرجل يكاد يحفظ كتب سيد قطب عن ظهر قلب و قد تشرب حب الجهر بكلمة الحق و الصدع بها فى وجوه الطواغيت
و مع كل تلك الثورية تجد طالب حديث من طراز نادر يحفظ كتب العلامة المحدث محمد عمرو عبد اللطيف رحمه الله و قد مزجها بدراسته عند الشيخ المحدث مصطفى العدوى لسنوات و تمم ذلك بدراسة الفقه فى المملكة أثناء عمله بها لفترة قصيرة على يد الفقيه الحنبلى الثبت الشيخ الفوزان حفظه الله
عرفته كذلك كاتبا ماهرا و أديبا أريبا فهو إلى جوار التصنيف العلمى و الردود العقدية على الروافض و غيرهم من فرق الضلال تجده يكتب القصة القصيرة و الطويلة و حتى المسرحيات الأدبية له العديد منها بنكهة إسلامية بديعة و قد نشر له بعضا من ذلك فى مجلة البيان
و عرفته كذلك خطيبا مفوها و داعية مجتهدا و رجلا حريصا على استغلال كل وقت فى تدريس الحديث و الأصول التى من الله عليه بتعلمها مؤديا زكاة هذا العلم
هذا هو خالد الذى عرفت
بل الشيخ و الأديب و الكاتب و الثائر و المدرس و اللغوى خالد عبد الله سالم

تذكرت كل ذلك و تحسرت على حال بلدنا
أهذا من يقال عنه الآن بلطجى أو مخرب ؟؟
أهذا و رفاقه من الأطباء و المهندسين و الصحفيين و الدعاة هم البلطجية و المخربون
الشيخان خالد و عادل محبوسان لأن جريمتهما كما أشهد الله أنهما صليا العصر فى مسجد النور بمجرد وصولهما و لم يسعفهما الوقت حتى أن يهتفا يسقط حكم العسكر و لو أسعفهما لفعلا ؟
هل هذه هى مصر بعد الثورة ؟؟
لا يا أم خالد
هذه ليست مصر التى نريدها و لا التى نتمناها
اطمئنى يا أم خالد
و اطمئنى يا حبيبة يا ابنة أخى خالد ذات الأعوام الأربعة
يا من فقدت أمك منذ شهور أربعة
بإذن الله لن تفقدى أباك خالد و فى صدر عمك قلب ينبض
سيعود خالد و يعود عادل و يعود كل مظلوم اعتقل من العباسية أمس
و ستعود مصر
إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا

بقلم
د. محمد على يوسف
https://mail.google.com/mail/images/cleardot.gif