المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صانعة المجتمعات


الدكتور عادل عامر
03-07-2009, 03:27 AM
صانعة المجتمعات
الدكتور عادل عامر
نسغ الحياة في الأرض، هي اليُخضُور في البشر بما تمثله من تربية وتنشئة للأجيال، وبالتالي من حقنا تسميتها صانعة المجتمعات. ومن هنا تصبح قضية المرأة، بكافة اتجاهاتها، قضية إنسانية ومجتمعية خالصة، وبالتالي فإن أية قضية تتعلق باضطهاد المرأة تغدو قضية عامة تخصُّ الرجال والنساء معاً، وأيّ ظلم أو اضطهاد يقع عليها، هو ظلم للحياة البشرية برمتها، وظلم لمستقبل الشعوب والأجيال. ولطالما اعترفنا بأن العنف ضد المرأة هو عنف ضدّ المجتمع، نجد أنّ هناك مؤشراً خطيراً ينذر بهلاك المجتمع ذاته على المدى البعيد. فعلى الرغم من بعض الامتيازات التي حصلت عليها المرأة وبعد نضال مرير في العقود الماضية من القرن المنصرم، نرى اليوم بوادر انحسارٍ لا تَشيْ بالخير تجاه ما نالته هذه الإنسانة، نتيجة ارتفاع وتيرة التطرف الديني بشكل واضح داعياً إلى حجب المرأة عن الحياة العامة والمشاركة فيها بحجج بعيدة عن روح الدين الحقيقة، وهذا من جهة أحد أوجه الرّد على ما يُسمى بمحاربة الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها، إضافة إلى الخيبات والخواء الفكري والعملي الذي تعيشه قوى العلمانية عامة واليسار خاصةً، لا سيما بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى بفعل استشراء ويلات جرّتها علينا مخلفات العولمة المقيتة من استلاب واستهلاك يفضي لتعزيز أرباح الرأسمال الذي يستغل أيّ أمر في سبيل مصلحته، فانتشرت البطالة في كل أرجاء الأرض، حتى في الدول التي كانت تُعتبر مثالاً يُحتذى من حيث فرص العمل والضمان الاجتماعي( فرنسا مثلاً) وجرّاء هذه البطالة انتشرت أمراضاً اجتماعية كثيرة أهمها الفقر والتسرب الدراسي الذي أدى لتدني مستويات المعيشة إلى حدودها ما تحت الدنيا لدى غالبية الشرائح الاجتماعية، وهذا بدوره أدى إلى ازدياد موجات من العنف على المستوى العام، أصاب أول ما أصاب الحلقة الأضعف في المجتمعات كافة ألا وهي المرأة، فازدادت الدعارة وتجارة الرقيق الأبيض تحت مسميات عدة، وهذا بحد ذاته عنف أخلاقي ونفسي يضغط على إنسانية المرأة وكيانها فيقتلها روحاً، ويُبقي عليها جسداً مستَهلَكاً تارة عبر الدعارة والدعاية والإعلان والفن الهابط، إضافة لكونها جسداً مستهلِكاً لكل ما تعرضه وتروّج له دور الأزياء والتجميل والرشاقة ومسابقات ملكات الجمال التي ترعاها شركات معروفة غاياتها ومراميها. كل هذا قد يبدو لأول وهلة أنه اعتراف بأحقية المرأة في ممارسة حريتها الشخصية ككائن بشري، لكن هل تَبيّنَ لنا إلى ما تُفضي إليه هذه الحرية للمرأة من استلاب..؟ ثمّ، لماذا لا تعمل هذه الجهات على تعزيز حرية فكرية ثقافية تحترم إنسانية المرأة ودورها في الحياة كصانعة للأجيال...؟؟!!!! غير أنّ هناك عنفاً نفسياً روحياً وعاطفياً أشد ضراوة يُمارس على المرأة من قبل أقرب الناس وأكثرهم مشاركة لها في الحياة- الزوج- هو عنف الاغتصاب الزوجي، وهل هناك أقسى من هكذا عنف، لما له من صلة وثيقة بأكثر العلاقات الإنسانية حميمية وعاطفية..؟؟ حيث المرأة في هذه العلاقة وفي كثير من المجتمعات، بدل أن تكون فاعلة ومشاركة في صوغ أجمل الترانيمات لأنشودة الحب الزوجي، تكون متلقية سلبية أو مُرغَمة(وأحياناً بالضرب بفعل سادية الزوج) على ما تأباه روحها في كثير من الأحيان، وهذا الاغتصاب لا تُحاكم عليه لا الأعراف ولا القوانين ولا الشرائع، لا بل ويكون حقاً للرجل تُحاسبُ عليه المرأة دينياً في الآخرة إذا لم تُطِعْ زوجها، وربما من أهلها أيضاً.!!!!؟؟؟؟ ولو حاولنا إجراء استبيان نسأل الزوجات من خلاله: ما هي المرات التي شعرت فيها بحاجتها هي لممارسة العلاقة الجنسية الزوجية وكانت صاحبة المبادرة.. أو المرات التي بلغت فيها فرحتها..؟ قد نصل لنتائج مرعبة إذ أن الكثيرات اعترفن بأنهن لم يشعرن بشيء( ربما طيلة عمر زوجي مديد)، المهم أن تلبي رغبات الزوج وحاجته لها. نُضيف إلى هذا العنف الروحي النفسي عنفاً آخر في المجتمعات الإسلامية، وهو تعدد الزوجات دون مبرر مقنع وواقعي، فهل شعر أحد بما تُحسّهُ المرأة من قهر نفسي واجتماعي عندما يُقدم الزوج على الزواج بامرأة أخرى تشاركها عواطفه وحياته..؟؟؟ هذا في حال أبقى على الزوجة الأولى في حياته، ولم يقذف بها إلى متاهات دروب الحياة القاسية هي وأولادها بعد أن تكون قد أسست معه أسرة متكاملة، وساعدته على تكوين ثروة ربما هي- الثروة- من قادته لزواج آخر.. فأي عنف أقسى من هذا العنف..؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ولنبقَ في هذا الحيّزِ من العنف الزوجي، إذ يلجأ بعض الأزواج أحياناً إلى التعرض لأخلاق الزوجة واتهامها بالخيانة جهراً وذلك تمهيداً لقتلها نفسياً واجتماعياً وأخلاقياً، وبالتالي أحقيته في طلاقها خالية الوفاض من مهرٍ اعتقدت وأهلها أنه حماية لها، بينما في واقع الأمر هو مصيبة وكمين يُوقع بها للتخلي عنه لا سيما إذا كان مهراً لا يستطيع الزوج الوفاء به. ومن جهة أخرى يدفع بها هذا الزوج( الشهم) للتخلي عن أمومتها مرغمة بحجة أنها ليست أهلاً لتربية أولاده بحكم ما اتهمها به، وبالمناسبة هذه من أكثر القضايا التي يُصدّقها المجتمع وربما أهل الزوجة بالدرجة الأولى، لما للعامل الأخلاقي من تأثير كبير في حياة المرأة والمجتمع، وهذا عنفٌ آخر تفرضه القيم الأخلاقية الزائفة. فهل بعد هذا العنف الروحي والنفسي والأخلاقي والاجتماعي من عنف وظلم أقسى يطال كرامة المرأة وأمومتها وأنوثتها، وللأسف فقد استشرت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة، لكنها ولحساسيتها تبقى في حيّز الكتمان حتى من المرأة ذاتها، فلا تلجأ للدفاع عن نفسها ولا للإدعاء القضائي وهذا بفعل جهل المرأة للكثير من حقوقها القانونية والشرعية من جهة، ولأنها تفضل الصمت خوفا من الفضيحة الاجتماعية التي ستلحقها جرّاء خروجها عن صمتها،حيث أن العائلة والأسرة هما هدفها، فتعمل جاهدة للحفاظ على كيانهما وتنسى كيانها الخاص وكرامتها الإنسانية ..فيمعن الرجل في إيذائها ضاربا عرض الحائط بوجودها كإنسانة لها حق العيش المحترم. إن أشد أنواع العنف الممارس على المرأة، هو ما يُسمى بالعنف الرمزي الذي وصفه عالم الاجتماع الفرنسي ( بيار بورديو ) قائلاً: (( هو عنف هادئ لا مرئي ولا محسوس حتى بالنسبة إلى ضحاياه، ويتمثل أن تشترك الضحية و جلادها بالتصورات نفسها عن العالم والمقولات التصنيفية نفسها، وأن يعتبرا معاً بنى الهيمنة من المسلمات والثوابت، فالعنف الرمزي هو الذي يفرض المسلّمات التي إذا انتهينا إليها و فكرنا بها بدت لنا غير مسلّمٍ بها، وهي مسلّمات تجعلنا نعتبر الظواهر التاريخية الثقافية طبيعة سرمدية أو نظاماً عابراً للأزمنة وأشدُّ أنواع العنف الثقافي هو الرمزي)) إنّ العقل والفكر العربي مرتهن للعقلية الشعبية وموروثها من أمثال ومقولات، لما لها من تأثير أكبر في بعض الأحيان من تأثير الدين والثقافة على العقلية العربية( جرائم الشرف مثلاً) مترافق هذا أيضاً مع حالة اللاّ حوار داخل المجتمع في كل الأمور إذ تبقى الكلمة الفصل إلى صاحب السطوة ، لقد صوّرت ورسخت السير والقصص والأمثال الشعبية التراثية كثيراً من المفاهيم الاجتماعية الخاطئة حول المرأة بأنها ( مصدر كل إغواء وسبب كل بلاء ). إن أعرافنا الاجتماعية أباحت للرجل الكثير من التصرفات السيئة تحت مسمى الرجولة، وحرمت المرأة من أبسط حقوقها. إذاً هي حالة وظاهرة اجتماعية يمكن لها أن تتصاعد أو تقل حسب المستوى الأخلاقي والفكري للمجتمع، إضافة إلى المستوى الأهم وهو الاقتصادي، لأن الاقتصاد هو المحرك الرئيسي في حياة الناس والدول، وطالما كان الاقتصاد منتعشاً انتعشت المفاهيم وارتقت لمستويات يتطور معها وعي الإنسان بإنسانيته. وهنا تبرز أهمية التثقيف ونشر المعلومات عبر وسائل الإعلام والمنظمات غير الرسمية والحكومية لرفع الوعي لدى جميع قطاعات المجتمع من خلال إشراك قادة الرأي والمربين والزعماء الدينين المتنورين والمثقفين والمنظمات المعنية بصحة المرأة وتنظيم الأسرة للقيام بحملات إعلامية لخلق وعي جماعي وفردي بحقوق المرأة، لا من خلال تعاطف وعطف، وإنما من خلال ممارسة عملية وقناعة حقيقية تحت طائلة المساءلة القانونية والأخلاقية. خلصت دراسة حديثة أعدتها منظمة الأمم المتحدة مؤخراً، إلى أن العنف ضد المرأة بات يستشري على الأقل في /71/ دولة من أنحاء العالم، وأن أكثر أشكال هذا العنف انتشاراً هو العنف الجسدي الذي يلحقه الأزواج بزوجاتهم. كما أشارت الدراسة إلى تعرض أكثر من/ 130 / مليون فتاة إلى بتر أو تشويه الأعضاء التناسلية، وهذه العادة الأكثر شيوعاً في إفريقيا وبعض بلدان الشرق الأوسط، كما تنتشر في أوساط المهاجرين في أوربا وأمريكا. كما أوضحت الدراسة أن ما بين/ 40- 50 / بالمائة من النساء في دول الاتحاد الأوربي قد تعرضن لشكل ما من التحرش الجنسي في العمل، مؤكدة أهمية مشاركة المجتمع المدني في إعداد القوانين لمنع العنف ضد المرأة، حيث أن هناك/102/ دولة في العالم لا توجد فيها أحكام قانونية محددة عن العنف المنزلي، ولا يعد الاغتصاب في الزواج جريمة يعاقب عليها القانون في ما لا يقل عن /53/ دولة، كما لا يوجد سوى/93/ دولة من أصل/191/ دولة لديها أحكام تشريعية تحظر الاتجار بالبشر. وطالبت الدراسة توفير خطوط الهاتف لحالات الطوارئ والمساعدة، والذي أصبح أمراً معتاداً في كثير من الدول إضافة لبعض الخدمات القانونية مجاناً. أين نحن من هذه الإحصائيات، أين نحن من التشريعات والقوانين التي يفترض أن توضع لحماية المرأة من العنف الواقع عليها بكل أشكاله( جسدي، نفسي، قانوني،....الخ) ثمَ، أين أعرافنا وتقاليدنا التي مازالت متشبثة بموروث قيمي ديني- اجتماعي لا يُعنى لا بالقوانين ولا بالإحصائيات، ولا حتى بإنسانية المرأة، لأنها الحلقة الأضعف في محيط سيطرته، وبالتالي هي من يبسط سطوته عليها، مفرغاً فيها عقده وضعفه ، أليست ضلعاً قاصراً معوجاً خرجت من داخله، وعليه تقويمها وإعادتها إلى الطريق والشكل السوي...!!!؟؟