المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوما ما.. كنتُ إسلاميا


greenfresh
02-06-2012, 06:47 AM
يوما ما.. كنتُ إسلاميا
الكاتب : متنوع (http://www.wathakker.info/articles/writer.php?id=1)


شاب جامعي ضعيف البنية تسبح يداه في لحيته السلفية مسندا رأسه إلى حافة شباك المسجد تختلف عيناه إلى مطويته الصغيرة الخضراء ويتمتم "اللهم إني أصبحت منك في نعمة وعافية وستر.. فأتم علي نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة".. في الحلقة كان يحب أن يرددها بالرواية الأخرى "فاتمم اللهم علي نعمتك وعافيتك".. كانت الأذكار مكررة لكن ما يقلق الفتى ذي العشر سنوات هل ينجو من "ربع الوالدات" أم يعيده مرة أخرى في الغد!!..

مسرح كبير وكراس مكسوة بقطائف حمراء وطلبة وطالبات جاءوا من كل المدارس، الكل يتدرب على فقرته، لأول مرة يجد نفسه في مكان واحد مع كل هؤلاء الطالبات منذ آخر فسحة ضرب جرسها في حوش مدرسته الابتدائية، طالبات مدارس اللغات يثرن حفيظته ربما جئن لمسابقة رقص لا مسابقة إلقاء شعري!.. شيئا فشيئا مع الوقت بدأ الانسجام بين الطلبة والطالبات أكثر.. ذهب الفتى ذو الخمسة عشر عاما إلى مشرفه: أريد تغيير القصيدة.. -الآن بعد أن تدربنا عليها كل هذا الوقت-..نعم، قصيدتي تتكلم عن القدس والانتفاضة وكل هؤلاء سيتكلمون عنها أيضا.. أريد أن أتحدث عن شيء أهم.. عن طريقنا للقدس والانتفاضة.. عن الاختلاط.. التبرج.. الحياء.. قصيدتي عن: الصحوة الإسلامية.

......

لهيب الشمس من فوقنا وصهد الإسفلت الأسود من تحتنا وعلى اليمين والشمائل تلف الطريق المتثني بين العريش ورفح كثبان رمال هائلة، ونفر من الفتية يحث الخطى خلف قائد معسكرهم ألإخواني في مشية منتظمة، نافرة عروقهم ينشد الفتى ذو الثمان عشرة عاما ويرددون خلفه "أعداؤنا يخططون.. يدبرون وينفذون، يا أمتي.. ودائما نقول كنا.. ودائما نقول كنا.. يا أمتي نريد أن نكون نريد أن نكون".

......

الرمال البيضاء مترامية ببذخ على الساحل الشمالي، والأمواج الصافية تتشابك وتتعالى، وضع السماعات الصغيرة في أذنه متلهفا لسماع ذلك اللون الجديد من الطرب، دارت برأسه ألحان "أفراح الندى" و "سبح الطير" و "أطياف الاستشهاد" و "درة الجهاد" و "البواسل".. ودارت الأنشودة في الجهاز الذي لا تزيد مساحته عن الوسطى والسبابة إذا ضممتهما فتفتق له في الأفق حلم جديد.. عدى الشاب العشريني إلى خالد أبو شادي، قطع عليه خاطرته بين الشباب.. دكتور: هل يستخدم هذا المنشد الجديد أحمد بو خاطر آلات موسيقية.. في الخلفية ما يشبه الموسيقى لكن لا أدرى ربما ليست كذلك.. كانت الأنشودة شجية رائعة رغم كل شيء "ألا كل ما هو آت قريب وفي الأرض من كل حي نصيب".

......

في تلك الأيام كان الإخوان يحلقون لحاهم خوفا من الاعتقال، ويؤكدون أنه في ظل الحرية لن يكون هناك إسلاميا وحليقا في نفس الوقت.. في تلك الأيام كنا نستمع إلى الإيقاعات الموسيقية الجديدة التي دخلت على بعض الأناشيد على استحياء.. في تلك الأيام كان الحديث عن حلم الخلافة كأنه قاب قوسين أو أدنى.. كان الحديث عن الأمة لا الدولة.. في تلك الأيام كانت الخمُر زيا رسميا للأخوات، وتستطيع بسهولة أن تميز الأخت المنتقبة إذا كانت سلفية أو إخوانية، فالمنتقبات الإخوانيات يلبسن النقاب الملون لا الأسود.. وكنت تسطيع أن تفرق بين أخت وأخت يقفون للضرورة في حديث خاطف بالجامعة وبين الآخرين، كأنهما يحدثان شخصا ثالثا، ينصبان عمودا وهميا ينظران إليه حال الحديث، فلا تقع عينعه في عينها إلا لماما.. في تلك الأيام كان التلفاز يفتح في بيوتنا ساعة في الصباح لبرامج الأطفال، وساعة في المساء لنشرة الأخبار.. وساعة إضافية في يوم الجمعة للشيخ الشعراوي.. كانت مشاهدة الأفلام لا تصلح إلا أن تكون وحدك، وحدك تماما، فكل أمتي معا في إلا المجاهرون.. كان السهر معيبا.. والفجر في المسجد سمتا.. والجلوس للشروق عزيمة.. وشارب الدخان ولابسة البنطال لا تخيل لوجود هؤلاء بيننا!.

جاءت الحرية ولم يطلق الإخوان لحاهم.. تعرفت على أصدقاء –إسلاميين- جدد نجلس على المقهى ويدخن بعضهم الشيشة.. لم تعد تسعنا الحسبنة على الفاسدين يذكرني أحدهم بقول أبي بكر: "امصص بظر اللات"، ويفتح في سب أولاد الزواني أعداء الدين!.. يذكرني آخر بأنه "لا غيبة لا فاجر" وننطلق في سير الأولين والآخرين.. يخبرني مطلعٌ على الفقه أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) جمع في غير سفر ولا مطر فيصبح المغرب والعشاء سواء مجموعين أم في أوقاتهما.. يمتلأ هاتفي بأرقام الأخوات.. يغنى حمزة نمرة للأمل والإنسان وأبلة عطيات.. لا أعثر على أغنية واحدة بالفصحى.. ولا واحدة عن الحجاب أو الأمة أو الجهاد في أفغانستان.. ولا حتى في أي مكان آخر.. نتوافق على وضع "فيروز" ضمن قائمة المفضلات في تعريف أكثرنا على الفيسبوك.. ترفض أختي الصغرى أن تلبس الخمار وتعتبره موضة قديمة لم تعد أي من الأخوات ترتديه.. ندمن السهر ويصبح الفجر في المسجد مسألة ظروف.. يختفي الشباب الذي يُربي الناشيء الصغير من المسجد.. يشترك في الأعمال التطوعية والمشاريع الثقافية والحملات الانتخابية.. لا يقطع أحدهم اجتماعات أي هذه الكيانات العظيمة قبل المغرب بدقائق لأذكار المساء.. ولا قبل البدء لتجديد النية.. أحن لمن يصارحني أو أصارحه في رسالة قصيرة: "إني أحبك في الله".

لا تنال سوريا منا معشار ما نالته كوسفا أيام الحرب.. نطمئن أهلنا في النوبة وسيناء وننسى أن لنا أهلا من الأساس في غزة أو الشيشان.. نتحدث عن التنمية الاقتصادية والتجربة التربوية الرائعة في تركيا وماليزيا ونتجاهل منظومة الأوقاف أو توظيف الأموال.. نسلم بكل أوراق اللعبة.. الانتخابات والسينما.. الحدود والجنسيات.. البرلمان والقوانين وبدون إلحاق كلمة "الوضعية".. كل ذلك اتفقنا عليه.. اختلفنا في شيء واحد.. هل نستمر بمسمى "إسلاميين" أم أنه أصبح مصطلحا إقصائيا فكلنا مسلم مصري وسطي ووطني.. يحب السلام ويسعى للنهضة!.

أحمد أبو خليل


المصدر :موقع وذكر