المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإسلام والجمال ..


حارسة لاقصى
21-06-2012, 11:45 AM
الإسلام والجمال (1 ـ2) ... د.عبدة زايد
12 /06 /2012 م 01:25 مساء http://www.iraq-amsi.com/Portal/news.php?action=image&id=46239
الجمال في التصور الإسلامي روح سارية في الوجود، إنه ليس مظهرا خارجيا مفارقا يظهر ويختفي، ولكنه روح تغلغل في نسيج الوجود كله، فلا يمكن تصور هذا الوجود بدون جمال.

إن الله جميل يحب الجمال كما ورد في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن مسعود، والملاحظ أن هذا الحديث أورده الإمام مسلم في كتابه الإيمان، باب الكبر، وليس في كتاب اللباس والزينة، أي أنه نظر فيه إلى الجوهر وليس إلى المظهر.

ونص الحديث كما رواه ابن مسعود: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنـًا ونعله حسنـًا، فقال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَرُ الحقِّ وغمط الناس" (رواه مسلم).

وحسن الثوب والنعل ودهان الرأس وجمال علاقة السوط كما في رواية الإمام أحمد زينة شكلية ظاهرة، وهي التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال"، فهي من الجمال الذي يحبه الله تعالى، وهو جمال يصطنعه الإنسان في خاصة نفسه ليشق مع الجمال الذي بثه الله في هذا الوجود كله.

غير أن هذا الجمال الظاهري هنا يجب أن يتناسق مع الجمال الباطني؛ حتى يحبه الله تعالى، فإذا كان الرجل الذي يصطنع الجمال في نفسه وحياته مؤمنا غير متكبر أحب الله فيه هذا الجمال، واستزاده منه ودعاه إليه وحثه عليه؛ قال الله تعالى:"يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون"سورة الأعراف.

أما إذا كان هذا الجمال مجرد شكل ظاهري فقط، تتوشح به نفس شائهة فما أبغضه إلى الله تعالى، قال جل شأنه في قصة قارون: "فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ* فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ" سورة القصص، فالرجل قد رزق المال الكثير، وهو في نفسه زينه "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"سورة الكهف، واصطنع لنفسه زينة تتناسب مع ثروته بهرت العيون إلا عيون أولى العلم. فهل هذه زينة يحبها الله تعالى؟! الزينة الظاهرة التي تتناسق مع الزينة الباطنة أمر يحبه الله تعالى.

والزينة الشكلية التي لا تتجاوز الظاهر لا يحبها الله، ولا يحب نعم لا يحب مصطنعها، فهذه الزينة مظهر لا جوهر له ولا فائدة فيه إلا خداع العيون، إنه مظهر يشبه إلى حد كبير حبال سحرة فرعون وعصيهم التي سحروا بها أعين الناس حتى موسى نبي الله خيل إليه من سحرهم أنها تسعى.

ونحن حينما نركز على هذا المعنى نريد أن نبين أن الجمال الظاهري ليس مقصودا لذاته، وأن حب الله للجمال لا يتوقف عند جمال الظاهر وزينة الشكل. فالتناسق بين الظاهر والباطن وبين الشكل والجوهر أمر لا بد منه؛ لكي يكون الجمال الذي يصطنعه الإنسان محبوبا من الله تعالى.

والناس تدرك التناسق الظاهري بفطرتها، تدرك التناسق بين الأشكال والألوان والمساحات، وتدرك التناسق بين الأصوات والأنغام، وتدرك التناسق بين الزينة وبين من يتزين بها، فهي تستحسن العقد في جيد الحسناء والقرط في أذنها، والأساور في يديها، ولا تستحسنها في كسيحة أو شوهاء أو في عجوز شمطاء، فما بالك إذا زينوا بهذه الحلي كلبا أجرب أو قردا أعمى؟!

أما التناسق بين الظاهر والباطن أو بين الشكل والجوهر فقلما يلتفت إليه الناس ويتنبهوا له، وكلنا لا نعدم من يدرك هذا من أولى العلم والفطنة، كما رأينا في قصة قارون التي سلفت.

والإسلام حينما وجه بصرنا إلى الجمال في هذا الوجود، أراد أن نتنبه إلى هذا التناسق العجيب في حقائق الأشياء، والتناسق العجيب في ظواهرها، والتناسق البديع بين ظواهرها وحقائها.

فإذا كان الله هو الحق، والجمال صفة من صفاته فإنه سبحانه خلق هذا الوجود بالحق، وجعل الجمال صفة ذاتية فيه لا صفة عارضة مفارقة "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ.."سورة الحجر، "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ"سورة السجدة، وفي الإنسان خاصة يقول الله تعالى:"لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم" سورة التين، "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ"سورة الانفطار، "وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ" سورة غافر.

فالوجود عامة والإنسان خاصة خلقه الله بالحق، وأحسن في خلقه، فجمع فيه بين الحق والحسن، والحسن هنا بلوغ الغاية في الإتقان، والإتقان تناسق أجزاء وإحكام صنعة تتناسب مع الغاية التي خلق هذا الشيء من أجلها. وكما أن الحق والجمال لا يفترقان في ذات الله تعالى فهما لا يفترقان في مخلوقات الله كذلك. وهل يصدر عن الحق إلا الحق وعن الجميل إلا الجمال؟

غير أن الجمال هنا قد يتركز في أصل الخلق والتكوين والإبداع الإلهي، وقد يضفي عليه الخالق من صفات الجمال الظاهرة ما يفتن الحواس ويخلب الألباب.

ففي خلق الإنسان ـ أيا كان ـ إتقان الخلق وإبداع التنسيق وحسن التصوير، ومن الناس من رزق فوق ذلك ملاحة الوجه، وتورد الخد، وزرقة العينين، ونعومة الشعر وطول العنق ودقة الخصر، ورشاقة الحركة، وسحر اللفتة، وحسن الصوت، وخفة الروح وحلاوة النطق، وما شئت من مظاهر الجمال التي تفتن الحواس.

وفي النبات ترى الإبداع في ميلاد الحياة من بذرة جافة في أرض هامدة نزل عليها ماء السماء أو سقيت بماء الأرض "وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ"سورة الحج، وقد يختص الله بعض أنواعه بما يبهج القلب ويسر العين كأنواع الزهور المختلفة.

غير أن هذا الجمال البادي للحواس إنما انبثق مما لا ترى فيه الحواس جمالا، إنه انبثق من طين الأرض. والقرآن الكريم يلفت نظرك في آية إحسان الخلق إلى هذا المعنى "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ" سورة السجدة، والإنسان الذي أبدع الله في حسنه البادي للحواس ما لم يستطع آيات الإبداع الفني أن تحيط به إنما تنشأ من طين الأرض، وأي جمال يبدو للحواس في مادة الطين؟! ولكن ما لا ترى الحواس فيه جمالا خلق الله منه أنواعا من الجمال الظاهر للعيون لا يحيط بها الوصف.

الجمال في خلق الله إذن ليس مقصورا على ما يظهر للحواس التي تدرك الجمال في بعض ما خلق الله، ولا تراه في بعضه الآخر، بل قد ترى فيه ما يضاد الجمال فتصفه بالقبح أو الدمامة.

إن الله الذي أحسن كل شيء خلقه جعل إحسان الخلق قاسما مشتركا بين جميع مخلوقاته، ولفت بصائرنا وقلوبنا وعقولنا إلى ما خفي عن أبصارنا وحواسنا من الإبداع الإلهي، فما لا تجد فيه متعة للبصر قد تجد فيه متعة للبصيرة، وإذا تأملت وأمعنت التأمل؛ بل إنك إذا أحسنت التأمل أدركت أن القبح في إدراك الحواس، مما يزيد في قيمة الجمال الظاهر، وتزداد بالتالي متعة الحواس به. فكأن وجود القبح هو الذي زاد إحساسك بالجمال الظاهري وضاعف استمتاعك به وإقبالك عليه.

والقبح هنا ليس قبح حقيقة، إنما هو قبح ظاهري كما يبدو للحواس. أما في الحقيقة فكل ما خلقه فقد أحسن خلقه.