المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القبر.


محمدعبدالرحمن محمد
19-07-2012, 02:36 PM
القبر.

من الأمور التي تخص كل مسلم مسألة القبر.
فتعالوا بنا لنتوجه نحو المقبرة ونتأمل في حال المسلم حين يدفن في القبر.
القبر مرحلة من مراحل عالم البرزخ وعندما نصل إلى المقبرة نرى أمامنا هذه اللافتة التي كتب عليها:
السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون.
عندما نقول السلام عليكم أهل الديار فأولا هم يسكنون الديار كما نسكن ديارنا ولا فرق بيننا وبينهم سوى أننا فوق الأرض وهم تحت الأرض.
نحن لدينا بيوت وهم لديهم بيوت ونحن لدينا حياة وهم الآن في حياة فلا فرق بيننا وبينهم.
لذلك فإننا نقول السلام عليكم أهل الديار فنسلم ولأننا نسلم فهنالك من يرد السلام.
فنحن أحياء نسلم وهم أحياء في قبورهم يردون علينا السلام.
في يوم من الأيام كنت أمشي بين القبور وأنا في المقبرة رأيت رجلا وسلم علي وقال لي هل تعرف لماذا أنا هنا قلت له لا أعرف فقال لي إنني في الدنيا كلما اشتد علي أمر زرت المقابر وكلما شعرت أنني دخلت في مصيبة زرت المقابر وكلما كانت عندي أزمة مالية أو صحية زرت المقابر وكلما جاءني ابتلاء زرت المقابر.
فقلت له ولم قال من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته.
أزور المقابر فأرى القبور وأمشي بينهم وأتفكر في أنني في يوم من الأيام سأسكن في هذه الديار فتهون عندي مصيبتي.
وعندما أكون في الدنيا أشاهد الدنيا وكلها دنيا لكنني عندما أزور المقابر أشعر بأنني انتقلت إلى الدار الآخرة وكأنني ذهبت إلى ديار أخرى تماما.
فيرق قلبي لهذا المشهد.
نحن الآن أمام هذه القبور وهي قبور مخصصة للأطفال ولهذا فإن الموت لا يعرف صغيرا ولا كبيرا الموت لا يعرف أميرا أو من هو دونه الموت لا يعرف هذا.
فإنه إذا جاء فإنه لحظات وكل إنسان منا عندما يولد وعندما ينفخ فيه الروح يكتب له أجله وتاريخ الوفاة محدد وبالتالي ما على الإنسان إلى أن يعمل العمل الصالح.
ولهذا فإننا المسلمين لنا نظرة مختلفة عن نظرة أهل الغرب ونظرة غير المسلمين.
فالموت بالنسبة لنا راحة وحياة أخرى والموت مكان للثواب والجزاء الذي قدمه الإنسان وهو في الدنيا ولهذا قال العلماء إن الإنسان في هذا الوجود يمر في خمسة مراحل:
أما المرحلة الأولى التي ولد فيها فهي مرحلة عالم الذر وهذا العالم كان قبل آدم عليه السلام عندما خلق الله الخلق وأشهدهم على أنفسهم وقال لهم ألست بربكم قالوا بلى.
فنحن عندما كنا في عالم الذر أجبنا الله تعالى على سؤاله.
وكل إنسان يولد على الفطرة لكن أبواه يهوّذانه أو يمجّسانه أو ينصرانه أو يسلمانه.
ومعنى يولد على الفطرة أي كان في عالم الذر وقال هناك بلى أي أنت ربنا.
أما المرحلة الثانية فهي عند وجود الجنين في بطن أمه وعند نزول هذا الطفل على الدنيا.
أما المرحلة الثالثة فهي تحت الأرض وهي ما نشاهدها الآن.
والفرق الذي بيني وبين من تشاهدونه من خلفي أنني أعيش في المرحلة الثانية ومن هو خلفي يعيش في المرحلة الثالثة.
بعد ذلك المرحلة الرابعة وهي فوق الأرض يوم القيامة.
أما المرحلة الخامسة فهي الحياة السرمدية إما إلى النار ونسأل الله تعالى أن يعيذنا منها أو إلى الجنة ونسأل الله تعالى أن نكون من أهلها.
فخمسة أعمار للإنسان يمر فيها وهي عالم الذر وعالم الدنيا وعالم القبر والبرزخ ثم الحياة السرمدية في الجنة أو في النار.
فعندنا خمسة أنواع من الحياة ولهذا فإن الإنسان عندما يشعر بأن الدنيا هي دار الحياة تكون نظرته قاصرة وهو لم يشاهد الدنيا بالمعنى الذي علمنا إياه ربنا تعالى.
من السنة أن يدعو الإنسان بعد كل صلاة ويقول الهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وعذاب النار وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات.
سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما كان له فقه وكان من شدة حرصه على الدعاء يقول لا تقبل صلاة ما لم يدع المسلم في آخرها اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وعذاب النار وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات.
هذا القبر الذي نقف بقربه هو قبر طفل وهذا القسم هو قسم مدفن الأطفال وكما تلاحظون معي فإن طول القبر مترا وعرضه ستين سنتمتر وهذا البيت هو الذي سيسكن فيه الطفل بعد وفاته وهذه هي المرحلة الثالثة.
لقد ولد الطفل في عالم الذر ثم في الحياة الدنيا وهذه ه ي المرحلة الثالثة التي يسكن فيها الطفل.
لهذا فإنه ينفع الميت أن ندعو له ونستغفر له حتى لو كان طفلا وهو من طيور الجنة إن شاء الله تعالى ويشفع لأهله بإذن الله تعالى.
وهذه لاشك مرحلة نحن مقبلون عليها ونسأل الله تعالى أن ييسرها عليها.
ومن الأدعية الجميلة التي تقال في هذا الموقف اللهم نور لنا قبورنا اللهم خفف علينا من ضمة القبر اللهم احشرنا مع الأنبياء والصديقين والشهداء.
ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
إننا نترحم على أهل القبور وهم هنا الآن فنقول اللهم اغفر لهم وعافهم واعف عنهم واغفر اللهم لجميع موتى المسلمين والمسلمات.
إنه في مثل هذا المكان يمتحن الإنسان وأسئلة الامتحان معلنة وقد أخبرنا بها النبي عليه السلام وإنه أول ما يوضع الإنسان في قبره فإنه سيسأل عن ثلاثة أسئلة وهي في غاية السهولة والكل يعرف هذه الأسئلة الثلاثة وهذا يختلف عن امتحان الدنيا لأن امتحان الدنيا يتألف من ثلاثين إلى أربعين سؤالا وامتحان الماجستير خمسين سؤالا وامتحان الدكتوراه أسئلة كثيرة وصعبة.
بينما امتحان الآخرة يتألف من ثلاثة أسئلة وهذا يدل على بساطة هذه المرحلة وهي:
من هو ربك وما هو دينك ومن هو نبيك...........؟
إنها ثلاثة أسئلة بسيطة خفيفة لكن العبرة ليست في سهولة السؤال إنما العبرة بمن يجيب عن هذا السؤال.
رسولنا الكريم علمنا أن هذا القبر هو حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة ولهذا أعطانا رسول الله دليلا وأعلمنا كيف نتعامل مع هذه الدار إذا ما دخلنا فيها وكيف نتعامل مع هذه الدنيا وهي بداية حياة البرزخ.
ولهذا قال عليه السلام من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة.
إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له.
أنتم تلاحظون معي هذه الثلاث فقد ذكر الصدقة والمراد بأنواعها الكثيرة منها العينية ومنها النقدية ومنها المعنوية.
حتى الابتسامة صدقة ومنها علم ينتفع به والعلم أشكال وأنواع منه العلم الصوتي والمرئي وعلم مقروء وعلم مؤسساتي وعلم عبارة عن منتجات.
والثالث أو ولد صالح يدعو له والولد سواء كان ذكرا أو أنثى وهذا ما يفيد المسلم.
ولهذا فإن هذه الحفرة التي أقف فيها هي عبارة عن عالم آخر فأبو سعيد الخدري رضي الله عنه يقول:
عندما وضعنا سعد بن معاذ في هذه الحفرة اشتممنا رائحة المسك.
وهذا يعني أن هناك حياة أخرى وهذه الحياة ينورها الله تعالى على من يشاء.
امرأة سوداء كانت تقم المسجد ولما توفيت وصلوا عليه الصحابة لم يذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي عليه السلام افتقدها في المسجد ثم قال لصحابة أين هي قالوا يا رسول الله لقد توفيت فقال عليه السلام هلا أخبرتموني فذهب عليه السلام إلى المقبرة ثم ذهب إلى قبرها ووقف عند القبر ثم صلى عليها ودعا لها ثم قال عليه السلام:
إن لأهل المقابر ظلمة ينورها الصلاة والدعاء ونحن ندعو لكل من في القبور ونقول:
اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم.


الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا هكذا قال أحد الصالحين وصاحب القبر هذا نسأل الله تعالى أن ينير له قبره ويوسع له مدخله وأن يغفر له ويرحمه.
وقد سألنا عن صاحب هذا القبر فقيل لنا أنه قد توفي منذ شهر فنسأل الله تعالى أن يكرمه وأن ينور له قبره ولهذا فإننا الآن نستطيع أن نتفكر في قول الصالحين الدنيا ساعة فاجعلها طاعة.
ولو سألنا صاحب هذا القبر كم قضيت في الدنيا ليقولن ساعة.
نوح عليه السلام سئل بعد هذا العمر الطويل الذي عاشه كم مكثت في الأرض فقال والله كأني دخلت في دار لها بابان دخلت من أحدهما ثم خرجت من الآخر.
وهذا يعني سرعة جريان أيام الدنيا وساعاتها.
زهنا أذكر قصة حصلت معنا في الحي حيث كان لدين شخص يصلي معنا في المسجد أحيانا فمات وذهبنا إلى المقبرة نودعه ونشيعه وندعو له بالخير.
وكان أحد الأحباب من أهل المسجد الذي أصلي فيه يقف بجانب القبر ويقول دعوا هذا القبر لصاحبه ولم يمض على هذه العبارة إلا ثلاث ساعات حتى أتي بصاحب القبر هل علمتم من هو:
إنه الذي تكلم وهو في المقبرة.
إذن إن الإنسان لا يعرف القدر الذي أخفي له ولهذا نسأل الله تعالى أن يرحمنا ويرحم موتى المسلمين.
وهنا يقول أحد الشعراء وهو يصف لنا الحياة الدنيا وأنتم تعلمون المولود عندما يأتي إلى الدنيا لا بد من أن يؤذن في أذنه ثم نقول في أذنه حي على الصلاة وعلى الفلاح لماذا....؟
قال أحد الشعراء:
أذان المرء حين الطفل يأتي وتأخير الصلاة إلى الممات.
دليل على أن محياه يسير كما بين الأذان إلى الصلاة.
هذا يعني أن الدنيا لا تساوي شيئا إذا ما قورنت بالآخرة.
والحياة الحقيقية هي هذه الحياة التي سيذهب إليها المسلم ولا بد أن يستعد لها ويجهز لها.
هذه هي المرحلة التي يمر فيها كل إنسان منا حيث يوضع في النعش ثم يحمل على الأكتاف إلى الدار الحقيقية وبعض الأموات يزغرد أهلهم كالشهداء عندما يموتون في أرض المعركة لرفع راية الإسلام وبعض الأموات يحزن أهلهم لكن هذه اللحظة لا بد أن يمر فيها كل إنسان.
ولهذا فإنه لا بد من التخطيط لها تخطيطا جيدا ولن يفر منها أحد حتى لو عاش في أقصى الدنيا.
ومن القصص المروية عن سيدنا سليمان عليه السلام أنه جاءه ملك الموت وعنده رجل فاستغرب ملك الموت وبدأا الرجل يرتعد من رؤيته لملك الموت فاستأذن سليمان ليسافر إلى بلد بعيد فأذن له.
فلما مشى قال سليمان لملك الموت ما بالك قال لقد أمرت بأخذ روح هذا الرجل اليوم في مكان كذا ولما وجدته عندك استغربت فطلب منك الذهاب إلى المكان الذي سيقبض روحه فيه.
فالموت لا يفر منه أحد ولا بد لنا أن نقدم من الصالحات.
وإن أهم هدف يجب على الإنسان أن يضعه أمام عينيه هو كيف يعيش عمره مرتين وكيف يستثمر مفاهيم البركة والنية والإخلاص في العمل والصدق.
ويوفر كل هذا اتباعنا لكتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.