المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الابتلاء والامتحان ( 3)


الشيخ محمد الزعبي
25-10-2012, 07:24 AM
الابتلاء والامتحان ( 3)
مع نبي الله يوسف بن يعقوب عليهما السلام
يوسف بنُ يعقوبَ بنِ إسحاق، نبيٌّ من أنبياء الله، ابتُلي بما ابتُلي به، ابتُلي بصدودِ إخوته عنه، ومحاولتهم إلحاقَ الأذى به، وأُلقي في البئر، فاشتُري وبيع، وصار عند عزيز مصر رقيقًا وهو الكريم بنُ الكريم بنِ الكريم بن الكريم، فابتُلي بامرأة العزيز، كما ابتُلي بإخوته، ولكن الصبرُ والثبات على الحقّ حال بينه وبين ما أُريد، كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوء وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }يوسف:24.
ونزلت سورة كاملة سميت باسمه إنها سورة يوسف ,
إن هذه السورة الكريمة تتعلق بشخصية كريمة لنبي من الأنبياء وما واجهه في حياته من حوادث ووقائع وابتلاءات ومحن فمنذ أن رأى الرؤيا ثم ألقي في الجب ثم تقلب في الرق ثم وهو يواجه محنة الإغراء والفتنة ثم وهو يعاني من محنة السجن ثم وقد خرج من الشدة إلى الرخاء فإذا بالسلطان بين يديه وإذا به المتحكم في الرقاب وفي الأرزاق في رقاب العباد وأرزاقهم.
إنها قصة نبي كريم منذ رأى الرؤيا إلى أن تحقق له تأويلها فرفع أبويه على العرش ورفع التثريب عن اخوته الذين كادوا له.
إنها قصة الصديق نبي الله يوسف عليه السلام. وكيف ثبت بعقيدته وبنقاء نفسه وبطهارة ثوبه أمام مختلف المحن والابتلاءات التي مرت به فإذا به يخرج منتصراً بصلابة عقيدته وثبات إيمانه ونقاء نفسه وطهارة ثوبه.
إنها قصة تتحدث عن مجموعة من الغرائز والطبائع البشرية والمواقف البشرية وتأثير هذه الطبائع والغرائز في الحياة الاجتماعية وتأثير الدعوة الربانية في إصلاحها في إصلاح هذه الغرائز والطبائع وتهذيبها وتوجيهها.
تتحدث عن الغيرة وعن الحسد الذي قد ينهش قلوب أقرب الأقربين وعن المؤامرات والمناورات التي تنبع من هذه الغريزة المدمرة وتنشأ عنها.
تتحدث عن الفساد والخراب الخلقي والانحلال الذي يعتلي الحياة الاجتماعية المترفة والظلم الذي يتفشى عادة بأسباب أولئك المترفين. تتحدث عن الصراع؛ صراع الشهوة والغريزة الجنسية بين ثبات وصمود الأنقياء الأتقياء من الشباب الصالحين وعباد الله المخلصين وبين المتدهورين المنحطين من المترفين الفاسدين.
تتحدث عن عاقبة الصبر والثبات في الشدائد والمحن والابتلاءات وهذه العاقبة هي التمكين في الأرض.
فصبرا ياأهلنا في سورية فإن عاقبتكم النصر والتمكين كما قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}سورة النور.
فأبشروا بالأمن والآمان والتمكين في الأرض بعد كل هذه الشدائد والمحن والابتلاءات.
ولنبتعد عن الحقد والحسد الذي يؤدي الى التنازعات والخصومات والى المكر والخداع كما فعل إخوة يوسف بيوسف .
بدأت هذه السورة العظيمة سورة يوسف وهي أروع مثال وأطول مثال للقصص القرآني بدأت بقول الله تعالى في الآية الثالثة منها: { نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين} [يوسف:3]. وختمت هذه السورة بقوله تعالى في آخر آية منها: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [يوسف:111].
فإن الدعوة والإصلاح يحتاجان إلى تنوع الأساليب فالنفوس البشرية تملّ وها هو القرآن في هذه السورة العظيمة يعلمنا أول درس إنه درس للموجهين والمصلحين بل هو درس للعلماء المربين كأنما القرآن يهتف بهم جميعا: لا تجمدوا على وسيلة واحدة أو وسيلتين فالمنبر على عظم أهميته ,وحده لا يكفي وحلقة الدرس على عظم نفعها وبركتها وأهميتها وحدها لا تكفي.
لابُدَّ من تنوعِ الأساليب لابد من تنوع الأساليب لابد من استغلال سائر الوسائل المتاحة التي يأذن لنا الشرع باستغلالها, وهذه الوسيلة الفعالة الشديدة الأثر هي من هذه الوسائل المباحة والمتاحة للقصة.
القصة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية مسموعة إنها من أشد الوسائل تأثيرا في النفوس وها هو القرآن الكريم يقدم لنا أروع مثل لهذا اللون من ألوان البيان وهذا الأسلوب من أساليب الإصلاح.
النفوس تمل ولذلك لابد من استخدام جميع الوسائل المتاحة والأساليب المباحة.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة - أي اعتراهم الملل في يوم من الأيام - فقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: حدثنا فأنزل الله تعالى قوله: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها }[الزمر:23].
و عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: هلا حدثتنا فأنزل الله تعالى قوله: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها }فقالوا: هلا قصصت علينا فأنزل الله: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن }فقالوا: هلا ذكرتنا. فأنزل الله تعالى قوله: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق }[الحديد:16].
فهذه ثلاثة أساليب: الحديث والقصة والتذكير كلها من ألوان البيان وأساليب البيان وقد استخدمها القرآن واستخدم غيرها من الأساليب.
فهذا هو أول درس قرآني في هذه السورة فيا حملة الأقلام ويا أرباب التوجيه والإصلاح هذا الدرس لكم ويا شباب الإسلام يا أهل الأدب يا أهل الأقلام الأدبية هلا اقتحمتم هذا المجال, هذا المجال الشديد التأثير مجال القصة هلا خرجتم لنا بالقصة الإسلامية الهادفة التي تبني ولا تهدم وتصلح ولا تخرب وتعلم ولا تفسد.
لقد امتلأت ساحاتنا بغثاء بركام من إفراز الخبيثين والخبيثات من إنتاج أتباع الشهوات الذين يريدون من المؤمنين أن يميلوا ميلا عظيما.
ما أكثر القصص المفسدة المخربة في ساحاتنا في أسواقنا على صفحات مجلاتنا وجرائدنا, فهذه قصص نجيب محفوظ وهذه قصص يوسف إدريس وأمثالهما من العلمانيين والزنادقة واليساريين والبعثيين فتحنا لها أبوابنا فملئت ساحاتنا ودخلت بيوتنا وقد تترجم إلى قصص مسموعة أو مسموعة مرئية حتى يزداد تأثيرها في الهدم والتخريب.
فهيا يا شباب الإسلام يا أصحاب الأقلام يا أصحاب المواهب الأدبية اقتحموا هذا المجال فإن هذا المجال لكم لا تتركوه لأولئك المفسدين القذرين من اليساريين والبعثيين والحداثيين أتباع الشهوات الذين يريدون أن يميل المؤمنين ميلا عظيما: فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض [الرعد:17].