المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التطرف أسهل من الإعتدال


elyasihsan
09-01-2013, 02:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


يقول سبحانه و تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}

[البقرة:143].

قال الإمام الطبري رحمه الله: وأنا أرى أن (الوسط) في هذا الموضع، هو(الوسط) الذي بمعنى: الجزء الذي هو بين الطرفين، مثل (وسط الدار)...إنما وصفهم بأنهم (وسط)؛ لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلوٍّ فيه، غلو النصارى الذين غلوا بالترهب، وقولهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه، تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به؛ ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه. فوصفهم الله بذلك؛ إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها.

وإلى هذا القول ذهب السعدي حيث قال: فجعل الله هذه الأمة (وسطاً) في كل أمور الدين، (وسطاً) في الأنبياء، بين من غلا فيهم، كالنصارى، وبين من جفاهم، كاليهود، بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك، و(وسطاً) في الشريعة، لا تشديدات اليهود وآصارهم، ولا تهاون النصارى.

وقال سيدنا رسول الله محمد عليه الصلاةوالسلام:

( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ) رواه البخاري (39) ومسلم (2816).

بقليل من التفكر و التأمل في الآية و الحديث

نجد أن البارئ عز و جل يوجهنا

نحو التوسط و الإعتدال في جميع أمورنا

الدينية و الدنيوية ليكون هذا هو منهجنا

في الدعوة إلى الله.

الداعي إلى الله هو سراج أو مصباح ينير

الطريق للضالين و التائهين كما كان الحبيب

عليه أزكى الصلاة والسلام،كان يرحم

الصغير والكبير،المسلم والكافر يدعو إلى

الله بحب و طيبة لا نجدها إلا في الأنبياء

والرسل عليهم الصلاة والسلام و كذلك

في ورثتهم العلماء كما قال رسول الله عليهالصلاة و السلام :

من سلك طريقا يطلب فيه علما ، سلك الله به طريقا من طرق الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض ، والحيتان في جوف الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
الراوي: أبو الدرداء المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 3641

خلاصة حكم المحدث: صحيح.

رسول الله عليه الصلاة و السلام هو قدوتنا

في التوسط لم يقنط و لم يستسلم في

دعوته لعمه أبي طالب حتى وهذا الأخير

على فراش الموت و الحبيب صلوات ربي و

سلامه عليه يقول له : "يا عماه قل لا إله

إلا الله، أشهد لك بها يوم القيامة".

وفي العبادات بين لنا المعصوم عليه الصلاة والسلام

المنهاج الأقوم حين اجتمع نفر فقال بعضهم : أنا أقوم ولا أنام , وقال : الآخر أنا أصوم ولا أفطر, وقال الثالث أنا لا أتزوج النساء , فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام : ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا أنا أصوم وأفطر , وأنام وأتزوج النساء , فمن رغب عن سنتي فليس مني ) فهؤلاء غلو في الدين فتبرأ منهم الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم رغبوا عن سنته صلى الله عليه وسلم التي فيها صوم وإفطار , وقيام ونوم , وتزوج نساء .

قال تعالى : ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/185.

كان رسول الله صلى الله عليه و سلم

إذا خير بين أمرين يختار أيسرهما ما لم

يكن إثما.

فما بال بعض الناس يميلون للتعسير

والتنفير؟!لا نشكك في نياتهم لكنهم سلكوا

الطريق الخاطئ في الدعوة إلى الله.

يقول سبحانه:{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس 99]

ويقول أيضا:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} [يونس 100].

الدعوة إلى الله بحكمة مع الكافرين و بإحسان مع المسلمين.

قال تعالى:{( ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( 45 ) وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ( 46 )}

سورة الأحزاب.

الداعي إلى الله

-شاهد و الشاهد يشهد بعلم.

-مبشر و المبشر مبتسم يحبب لك الدين.

-نذير والنذير رفيق و حكيم.

-داعي بإذن الله، لا إكراه في الدين.

-وسراجا منيرا،نوره من إيمانه و ذكره و

طاعاته و إلا كيف ينير؟!

أينير ببعض الكلمات حفظها أم بخطب

نسقها؟

المنير وارث للنبي صلى الله عليه وسلم

وارث لعلمه،لحبه خلق الله،لحكمته ولينه

و طاعته لربه.

يجب أن يكون سباقا في طريق الله

لأن السراج و المصباح دائما في الأمام

و الناس وراءه.

يجب أن يكون في الوسط لكي يراه القاصي

على اليمين و البعيد على اليسار.

إذا تطرفت لن يراك إلا من هم حولك

الذين أصلا هم متطرفون مثلك،وحتى إن

أصبت بعض الحق فإنك لم تصب سنة نبيك

عليه الصلاة و السلام الذي قال:

( إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم

أيسره ) – " مسند أحمد " (3/479)

وحسنه المحققون -.

قال تعالى : ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/185.

وقال صلّى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ) .

وقال أيضا:في حديث آخر : ( يسِّروا ، ولا تعسروا ، وبَشِّروا ، ولا تنفروا ) .

ما كان هذا التأكيد على التوسط من الله عز

و جل و رسوله صلى الله عليه وسلم إلا

لأهميته و ضرورته في ديننا و كذلك لعلم

الله بخلقه و نفوسهم.

قال ابن القيم بعد أن ذكر تتبع المفتي الرخص لمن أراد نفعه: «فإن حسن قصد المفتي في حيلة جائزة لا شبهة فيها، ولا مفسدة لتخليص المستفتي بها من حرج جاز ذلك، بل استحب، وقد أرشد اللَّـه نبيه أيوب عليه السلام إلى التخلص من الحنث: بأن يأخذ بيده ضغثا فيضرب به المرأة ضربة واحدة» ثم قال: «فأحسن المخارج ما خلص من المآثم، وأقبحها ما أوقع في المحارم» اه.([13])

إن منهج الوسطية في كل الأمور منهج شرعي بعث اللَّـه به سائر الرسل عليهم الصلاة والسلام سياجًا قويًا ضد الوقوع في مهاوي الغلو والإفراط، والوسطية ليست محصورة في جزئية من الجزئيات ولا في ركن من الأركان وإنما هي منهج متكامل شامل لا ينفصل بعضه عن بعض فالإسلام هو دين الوسطية.

يقول الشاطبي: «المفتى البالغ ذِروة الدرجة هو الذي يَحمِلُ الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهبَ الشِّدَّة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال» انتهى.

وقال أيضا: «وأيضا: فإن الخروج إلى الأطراف خروج عن العدل، ولا تقوم به مصلحة الخلق.أما في طرف التشديد فإنه مهلكة، وأما في طرف الانحلال فكذلك أيضا؛ لأن المستفتي إذا ذهب به مذهب العنت والحرج بغض إليه الدين، وأدّى إلى الانقطاع عن سلوك طريق الآخرة وهو مشاهد، وأما إذا ذهب به مذهب الانحلال كان مظنة للمشي مع الهوى والشهوة، و الشرع إنما جاء بالنهي عن الهوى، وإتباع الهوى مهلكة. والأدلة كثيرة»([17]).

وصلى الله على حبيبنا محمد الرحمة

المهداة وسلم تسليما.