المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كل يؤخد ويرد عليه


زمن الفتن
17-01-2013, 04:44 PM
ومن أنواع الخلل الأخرى التي وقع بها المسلمون هو التعلق بالأشخاص ونسب الكمال لبعضهم , والسير خلف البعض منهم ولو كانوا قد زلت بهم القدم وضلوا عن الطريق المستقيم .
يقول د . الكيلاني في كتابه هكذا ظهر جيل صلاح الدين :
" كل مجتمع يتكون من ثلاثة عناصر رئيسة الأفكار والأشخاص والأشياء ويكون المجتمع في أعلى درجات الصحة حين يكون الولاء للأفكار هو المحور الذي يتمركز حوله سلوك الأفراد وعلاقاتهم وسياسات المجتمع , ويدور الأشخاص والأشياء في فلك الأفكار "
هذا ماكتبه د. الكيلاني يمثل القمة في طريقة التعامل التي أرادها الإسلام .

فالإسلام يريد منا أن نقتنع بالمبادئ الصحيحة والسليمة دون أن نتأثر بطارحيها وتخلفهم عنها
ولذلك حذر الإسلام الانقياد وراء الأشخاص دون علم ودون بصيرة قال تعالى : " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين " (108) يوسف
أي لست أنا العالم ( أو القائدأو الشيخ ) فقط على بصيرة إنما كذلك من يتبعني ويجعلني قدوة أمامه .

وقال سبحانه " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون(23) الجاثية
قال ابن كثير وأضله الله بعد بلوغه العلم .
وأكد النبي عليه السلام هذا المعنى فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا "
وهنا دور المسلم مهم جدا في عدم الانقياد لهؤلاء الرؤوس الجهال.
وخشية أن ينقاد المسلم خلف هؤلاء الجهال وينحرف عن الصراط المستقيم , وضع الإسلام ميزانا واضحا وبيننا , لا يحيد عنه إلا ضال , إنه ميزان الكتاب والسنة قال عليه السلام
" تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه " مالك

ومهما علت رتبة الإنسان فلا يمكن أن ينسف هذا الميزان , فقد روى الإمام الترمذي نقاشا جرى بين رجل نقل علما بخلاف ما كان عليه رسول الله واحتج بقول إبراهيم النخعي فقال وكيع " أقول لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول قال إبراهيم ؟؟ ما أحقك بأن تحبس ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا "
لذلك كان الميزان دائما هو قياس الأمر على الكتاب والسنة لا على الأشخاص , ومن هنا ندرك أهمية قول علي رضي الله عنه : " اعرف الحق تعرف رجاله " .

إن الإسلام على الرغم من تعظيمه لشخصية النبي العظيم عليه السلام طلب منا أن نتعلق به كونه القالب الذي سكب الله فيه الإسلام ,حتى لا تؤثر وفاته في مسيرة الحق والهداية فقال تعالى : "إنك ميت وإنهم ميتون " (30)الزمر
وقد كان أبو بكر رضي الله عنه أول من أدرك هذه النقطة عند وفاته عليه السلام حتى أن عمرا الذي هو عمر في حزمه استل سيفه و أعلن أنه قاتل لمن يدعي وفاة النبي عليه السلام لكن أبا بكر رضي الله عنه كان قد أدرك أن الأمر لا يتعلق بشخص النبي إنما يتعلق بالإسلام فصعد المنبر وقال كلمته المشهورة : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا قوله تعالى :
" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين(144) آل عمران

وعلى مر العصور جاء من يؤكد فكرة عدم الافتتان بالأشخاص , وضرورة العودة دائما إلى المصادر الرئيسة في الإسلام والمبادئ الثابتة فيه , وما فعله عمر في عزل خالد بن الوليد مثلا عن قيادة الجيش في اليرموك إلا لأن الناس بدؤوا يفتنون بجيش فيه خالد فكانت نظرة عمر هو تصحيح المسار بأن النصر من عند الله لا من عند خالد بن الوليد رضي الله عنهم .
ثم جاء من بعد ذلك العصور المختلفة والتي كان يؤكد فيها العلماء على أهمية عدم اعتبار الأشخاص هم الميزان فمثلا كان يقول أحدهم : " لو رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في السماء فاعرضوا أعماله على الكتاب والسنة " وما هذا العرض إلا لعدم الافتتان بهذا الرجل أو غيره .

إن الغرب اليوم يحاول أن يربطنا بالأشخاص أكثر من الأفكار والمبادئ رغبة منه في تحجيم الإسلام وتهميشه ورغبة منه في موت المبدئ بموت حامله , وهذا ما نلاحظه في كلام أحد المستشرقين الذي يقول : " لو أن محمدا حي لحل مشاكل العالم وهو يشرب فنجان قهوة "
إنها من أخطر العبارات التي قيلت وإن حملت في ظاهرها مدحا للنبي عليه السلام لكنها تحمل في ثناياها سما قاتلا إنه إعلان موت المبادئ التي جاء من أجلها محمد أو باختصار إعلان موت الإسلام .

إن الافتتان بالأشخاص والتعلق بهم دون ضابط وتقييد أدى إلى مشاكل كبيرة , و تراجعات أكثر في العمل الإسلامي ومن هذه المشاكل :

1- ظهور الإقـطـاعات الدينية : " إن قيم العصبية الأسرية تسللت إلى مدارس الإصلاح إذ أن الأبناء والأحفاد تسلموا مشيخات المدارس الإصلاحية بعد وفاة الآباء دون أن يكون لهم المؤهلات العلمية والدينية والخلقية " د. الكيلاني المرجع السابق
وهذا الذي حصل في المدارس الإصلاحية في القرون الوسطى لم يكن ليحصل لولا افتتان الناس بشخصية المصلحين أمثال الجيلاني و الرافعي وغيرهم فاحتراما لهم ووفاء لهم دون الوفاء للمبادئ قدموا الأبناء والأحفاد وبالتالي انحدرت هذه المدارس بالمجتمع بدلا من الارتقاء به .

2 – الافتتان بشخصية صلاح الدين الأيوبي رحمه الله :
حيث يعتبر العديد من المسلمين أن حل مشاكلنا لا تكون إلا برجل مثل صلاح الدين دون أن يعلموا أن صلاح الدين لم يكن مجرد طفرة في المجتمع المسلم إنما كان نتيجة جهود طويلة من العمل الإسلامي الجاد , فهو حلقة من سلسلة حلقات طويلة ساهم فيها العلماء والحكام وعامة الناس و استغرق ذلك زمنا دام أكثر من أربعين سنة .
إن اعتماد المسلمين على الطفرات في تغيير أحوالهم , تهرب من المسؤولية , وإلقاء لكاهل الأمانة عن الأكتاف , وإضعاف للهمم في تهيئة أجواء مناسبة لظهور مجدد للدين يحمل فكر صلاح الدين .

3 – الاحتكام لوجود الأشخاص : إن الرجل الوحيد الذي يكون وجوده وسكوته إقرار بشرعية أي أمر هو النبي عليه السلام , فلا ينبغي للمسلم إذا شاهد أمرا مخالفا أن يكون وجود بعض الأشخاص بمثابة شرعية هذا الأمر او غيره
إن الاحتكام لوجود الأشخاص في بعض الأمور ليس دليلا لشرعية هذا الأمر أو غيره وإنما الأصل في الأدلة هي الأدلة التي اعتمدها الإسلام وهي القرآن والسنة والإجماع وغيرها وليس في واحدة منها وجود الأشخاص.

وإنه على الرغم من أهمية عدم الافتتان بالأشخاص فيجب أن يعلم الإنسان المسلم أهمية العلماء الذين هم ورثة الأنبياء, وضرورة احترامهم والذب عنهم , معتمدين القاعدة الذهبية " الحب والاحترام لا يمنع النقد " والحمد لله رب العالمين