المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ ماءالعينين (1858- 1910)


محمد المامي
20-08-2009, 03:39 PM
بقلم : د. غالي الزبير


هو الشيخ سيدي المصطفى بن الشيخ محمد فاضل بن مامين، المشهور بلقبه "ماءالعينين" ولد بمنطقة الحوض الشرقي بموريتانيا في عائلة عرفت بالعلم والورع والاهتمام بالعلم تعلماً وتعليماً.

وحين بلغ 28 سنة من عمره سافر للحج، وبعد رجوعه من حجه أقام بتيندوف بزاوية آل بلعمش التي كانت إحدى أهم منارات العلم في المنطقة ثم غادرها ليقيم بتيرس زمناً ثم بالساقية الحمراء حيث تزوج واستقر وسط قبائل الصحراء الغربية ليمضي بقية عمره فيها ولم يغادرها إلا في ما ندر كما حدث في سنته الأخيرة حيث هاجر إلى تيزنيت بجنوب المغرب بعد التغلغل الفرنسي في شمال موريتانيا، أين توفى عن عمر ناهز 82 سنة أمضاها في نشر العلم تعليماً وتأليفا وتربية.

وقد خلف هذا العالم الجليل تراثاً موسوعياً من مؤلفاته التي لم تسلم كلها للأسف من عاديات الزمن، وقد تنوع ما وصلنا منها بين التفسير والحديث والتوحيد والفقه واللغة والنحو والصرف والأدب والتصوف والفلك والطب والجغرافيا وغيرها.

كما لعب الشيخ ماءالعينين دوراً محورياً في التصدي للاستعمار الأوروبي في شمال غرب أفريقيا من خلال تشجيع الجهاد ضد التغلغل الاستعماري في موريتانيا جنوباً والمغرب شمالاً بالكلمة والمال والسلاح والرجال من أبناءه وتلامذته ومريديه ومناصريه الذين كان معظمهم من الصحراويين والموريتانيين.

وللأسف الشديد سعت الدعاية المخزنية إلى رسم صورة نمطية لتاريخ العلامة المجاهد الشيخ ماءالعينين، تظهره كتابع لسلاطين المغرب وفي أفضل الأحوال ممثلا لهم في الصحراء الغربية وهذا التصور الكاذب كان أحد الدفوع الرئيسية التي قدمها المغرب لمحكمة العدل الدولية في محاولته إثبات السيادة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية.

الباحث الإنجليزي المتخصص في تاريخ الصحراء الغربية طوني هودجز يوضح في قراءته التحليلية للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول الصحراء الغربية أن محكمة العدل الدولية وبعد دراسة مستفيضة لما قدم لها من وثائق قد خلصت إلى أن الشيخ ماءالعينين لم يكن تابعاً لسلطان المغرب بل تعامل معه كحليف مسلم يشتركان في التصدي للمد الاستعماري الأوروبي في المنطقة. (1)

وبالرجوع إلى نص الرأي الاستشاري للمحكمة نطالع أنه وخلال مناقشات محكمة العدل الدولية لعلاقات المغرب وموريتانيا بالصحراء الغربية قبل استعمارها من طرف اسبانيا والذي حدد بتاريخ 26 ديسمبر 1884م تاريخ إصدار المرسوم الملكي الاسباني القاضي بضم منطقة وادي الذهب بناءً على الاتفاقيات الموقعة مع شيوخ القبائل المحلية، فإن موريتانيا – التي كانت حينها تنازع المغرب على السيادة على الصحراء الغربية- لا تعترف بالتوصيف المغربي القائل بأن "الشيخ ماءالعينين كان يمثل سلطة سلطان المغرب في الصحراء الغربية وبدلاً من ذلك تعتبره شخصية "شنقيطية" امتلكت نفوذاً وشهرة كزعيم لأحد الطرق الصوفية في بلاد "شنقيط"، كما أصبح شخصية سياسية في الساقية الحمراء في مرحلة لاحقة من حياته، وموريتانيا كما اسبانيا ترى أن الشيخ ماءالعينين كشخصية سياسية نظم وقاد المقاومة ضد التغلغل الفرنسي انطلق في تعاونه مع سلطان المغرب على أساس من التعاون بين متكافئين، وأن العلاقة بينهما ليست علاقة ولاء، بل علاقة تحالف دام فقط إلى الوقت الذي أعلن الشيخ فيه نفسه سلطاناً". (2)

وفي الفقرة الموالية تخلص المحكمة إلى أن "الوثائق المقدمة لها في مجملها ليست كافية لإقناعها بأن نشاطات الشيخ ماءالعينين تعتبر دليلا على ممارسة سلطان المغرب سلطته على الصحراء الغربية وقت استعمارها". (3)

هذا الرأي تدعمه الشواهد التاريخية، ففي سنة 1907 قدمت وفود القبائل "البيظانية" على الشيخ ماءالعينين طلباً للسلاح لمواجهة التمدد الاستعماري الفرنسي الذي استشرى في موريتانيا، وفي ذلك يقول الطالب أخيار بن الشيخ مامينا " بعد قدوم رؤساء الوفود إلى "السمارة" والاجتماع مع الشيخ ماءالعينين الذي أطلعهم على ما استجد على الساحة الجهادية، تحصل عند الشيخ أن يصحبهم معه لمقابلة السلطان وطلب المزيد من الأسلحة والعتاد، لجهاد القوات الفرنسية، المحتلة لبلادهم. وتم ذلك بعد أن اتفق رأيهم جميعاً على طلب العون العسكري من السلطان الذي هو اقرب قوة إسلامية يمكنها أن تنجدهم". ثم يضيف معلقاً "يذكر هذا الموقف بأمثلة مشابهة من التاريخ الإسلامي: استنجاد أهل الأندلس في عصر الطوائف بسلطان المسلمين يوسف بن تاشفين، وبخليفة المسلمين في الدولة العثمانية في أخريات أيام الأندلس الإسلامية قبل سقوطها، وهو حال مسلمي الشيشان عندما واجهوا بطش القياصرة، فطلبوا العون من الخليفة العثماني". (4)

ويتضح من سياق الفقرتين السابقتين أن ما دفع الشيخ ماءالعينين ورؤساء الوفود التي قدمت إليه إلى طلب مساعدة سلطان المغرب هو قرب هذا السلطان المسلم منهم وأنه لو كانت هناك دولة مسلمة أقرب أو حاكم مسلم قادر على المساعدة غير سلطان المغرب لكانوا قد التجئوا لطلب مساعدته مما ينفي مزاعم التبعية والولاء المطلق الذي يحاول الفكر التوسعي المغربي صياغة تاريخ تلك الحقبة من منظوره وهو الفكر الذي يجد من بعض أحفاد الشيخ ماءالعينين للأسف من يستثمر فيه طلباً لمكاسب دنيوية من مال أو مناصب، مختزلاً تاريخ الشيخ ماءالعينين وجهاده وعطاءاته الفكرية والدينية في تبعية دونية لسلطان المغرب بخلاف ما تشهد به الوقائع المثبتة.

ويذكر الطالب أخيار بن الشيخ مامينا أن الشيخ ماءالعينين قد عاصر خمساً من الملوك العلويين وأنه لم يزر احدا منهم بعد السلطان عبد الرحمن الذي قابله في رحلته للحج - إلا بدعوة منه، ثم يصف الحفاوة التي كانوا يتلقونه بها قائلاً: "وكانت مراسيم الاستقبال التي تخصص له عندما يفد عليهم تظهر مدى التقدير والاحترام الذين يحظى بهما عندهم وعند العامة: كان يستقبل عند مدخل المدينة التي بها السلطان، من طرف كبار رجال الدولة وفرق الجيش تقرع الطبول، وتعزف الموسيقى، وطوابير من العساكر جاءت لمرافقة وحراسة وفد الشيخ... ومع هذا يتم غلق الأسواق، وتخرج الجماهير الغفيرة احتفاء بمقدم الشيخ". (5)

صورة أخرى ننقلها عن ماءالعينين بن العتيق في "سحر البيان" تمثل كيفية استقبال ملوك المغرب للشيخ ماءالعينين في زياراته لعواصم السلطنة المغربية من خلال وصف الاستقبال الذي حظي به في إحدى زياراته لمراكش حين يقول:
".... كان يوماً مشهوداً، أمر السلطان وجوه الدولة وأعيان الرعية، وخواص العامة وعامتهم، وجميع العساكر بالتلقي على نحو ميلين من المدينة، ففعلوه له مع رفع البنود وضرب الطبول، وسائر أنواع الفرح". (6)

ولا ريب أن مثل هذه المراسيم الاحتفالية الضخمة لا تقام لتابع أو رعية من رعايا السلطان مهما عظم شأنه خاصة في المغرب الذي تعود الرعية فيه تقديس الحاكم، بل تعبر عن استقبال يليق بمقام أكبر لشخصية دينية وعلمية تحظى بالاستقلالية ويجمع ملوك المغرب لها بين التقدير والهيبة والخشية من قوة تأثيرها الديني والدنيوي كما يظهر في دعوة كل من السلطان عبد العزيز والسلطان عبد الحفيظ للشيخ ماءالعينين لزيارته عندما تنازعوا على الحكم 1908م باعتبار أن زيارة الشيخ لأي منهما تعد دعماً لشرعيته وتقوية لفريقه واعتراف بسلطته كما نراه الآن من سعي أي مجموعة انقلابية إلى التواصل مع العالم الخارجي طلباً للاعتراف بشرعيتها.

ونطالع إفادة لشاهد عيان كان على احتكاك مباشر بالعلاقات المغربية –الصحراوية في أواخر القرن التاسع عشر من خلال تسع سنوات قضاها في النقل البحري بالمغرب وهو القبطان الألماني اليونار كارو الذي كان قبطاناً لسفينة "السيد التركي" التي كانت تنقل البضائع والمؤن من الصويرة إلى الطرفاية لتنقل من هناك على الجمال إلى السمارة حين يقول واصفاً حمولة سفينته:
"لم يكن كل محتوى تلك الحمولة من المؤن الموجهة إلى الحامية الصغيرة المرابطة في الطرفاية، بل اشتملت تلك الحمولة كذلك على كمية كبيرة من الأموال كانت موجهة إلى الأمير الصحراوي الشيخ ماءالعينين وقد كان هذا الأخير رئيساً جليل القدر، لم تكن منطقته بالبعيدة جداً عن الطرفاية، وهو يشكل اقرب جوار للمغرب مع الجنوب، وقد كان سلاطين المغرب يطرون الشيخ ماءالعينين لكبير نفوذه ..." (7)

والنص هنا صريح في التأكيد على الوجود المستقل للشيخ ماءالعينين عن سلاطين المغرب حيث يسميه "الأمير الصحراوي" ويؤكد على أن بلاده هي أقرب بلاد تجاور المغرب من الجنوب، وهو من خلال هذه التعابير الواضحة ينقل بصدق ما كان يراه ويشاهده ويحسه كل من عايش تلك الفترة، فلو كان الشيخ ماءالعينين ممثلا لسلاطين المغرب أو تابعاً لهم لذكرها القبطان كارو بوضوح ولو كانت الصحراء الغربية حينها جزء من المغرب فهل كان من الجائز اعتبارها أقرب جوار للمغرب من الجنوب؟

ومن خلال هذه النصوص التاريخية والقانونية التي عرضنا لها في هذا المقال يتضح بلا مراء الاستقلالية التي كان الشيخ ماءالعينين يتصف بها كرجل علم ودعوة وجهاد مثل شخصية إسلامية تجاوزت الحدود وعلت على التبعية لسلاطين المغرب الذين كان بعضهم غارقاً في الملذات ومحكوماً بصورة مباشرة من قناصل الدول الأوروبية الذين أغرقوهم في الديون وحصلوا منهم تنازلات غير مسبوقة عجلت بسقوط المغرب تحت الحماية الأجنبية في الوقت الذي كانت المقاومة الوطنية الصحراوية والموريتانية تقف لوحدها في مواجهة التغلغل الاستعماري في شمال غرب إفريقيا.

كما يتبين بجلاء فجاجة الطرح المخزني القائم على تزوير التاريخ الصحراوي ومحاولة صياغته لخدمة السياسة التوسعية التي انخرط فيها المخزن المغربي وأزلامه من خلال قراءة مجتزأة للوثائق التاريخية التي تم تغييب الكثير منها والتركيز على رسم صورة نمطية متمناة للشخصيات التاريخية الصحراوية سرعان ما تتبدد بمجرد مراجعة النصوص التاريخية وكشف التزوير الذي يطال سير وتاريخ الشخصيات التاريخية الصحراوية التي يسعى المغرب لسرقة تاريخها سعياً لاستلاب الذاكرة الصحراوية التي تمثل الحرية والكبرياء قيمة محورية في تكوينها وتطورها عبر تاريخها المديد.
---------------------------
مراجع:

Tony Hodges, Western Sahara: The Roots of a Desert War, Lawrence Hill Books (1983).
International Court of Justice Advisory Opinion on Western Sahara , 16 October, 1975. paragraph no. 102.
المصدر السابق فقرة 103.
الطالب أخيار بن الشيخ مامينا: الشيخ ماءالعينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي- الجزء الثاني- مطبعة إزناسن، 2007، ص276.
المصدر السابق- الجزء الأول، ص 485.
ماءالعينين بن العتيق: سحر البيان في شمائل شيخنا الشيخ ماءالعينين الحسان - مخطوط.
ليونار كارو: تسع سنوات في خدمة المغرب. ترجمة عبد الرحيم حزل، الحلقة التاسعة، جريدة "العلم" المغربية، 14 ديسمبر 1999م.



====

منقول عن موقع اتحاد الصحافيين والكتاب الصحراويين

ياسر ابوزيد
20-08-2009, 03:49 PM
بارك الله فيكم

اسامة الاهلاوى
21-08-2009, 12:20 AM
جزاء الله كل خيرا

محمد المامي
27-08-2009, 05:14 PM
:1004::1004:الأخوان الفاضلان ياسر أبو زيد وأسامة الأهلاوي شرفني مروركما العطر ..تقبل الله طاعاتكم ويسر أموركم :1004::1004:

myyasser
29-08-2009, 10:11 PM
بارك الله فيكم

محمد المامي
31-08-2009, 07:22 AM
وفيكم بركة...شكراً على مرورك العطر