المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عواصم مصر الإسلامية الأربع ...


فاطمة الفهرية
02-07-2013, 02:11 PM
أولاً الفسطاط:
"العاصمة الأولي لمصر الإسلامية":






كان من عادة القادة العرب تأسيس مدن جديدة في البلدان التي فتحوها كمركز لدخولها الإسلام أو لاتخاذها عاصمة للولاية الإسلامية كما فعلوا في تأسيس البصرة سنة 14هـوالكوفة سنة 36هـ
وما أن فرغ عمرو بن العاص من فتح مصر وتأمين هذا الفتح حتى شرع سنة 21هـ تأسيس مدينة جديدة قريبة من حصن بابليون، وكان موقع المدينة الجديدة أفضل من موقع مدينة الإسكندرية المتطرف والمطل علي البحر المتوسط مما يجعله عرضه لغارات الأساطيل الرومية فضلاً عما تزدحم بهم الإسكندرية من عناصر يونانية ورومانية لا يتناسب معها إقامة العرب بينهم وداخل مدينتهم التي ظلت عاصمة لمصر اليونانية والرومانية والبيزنطية علي مدي قرون عديدة ، في حين كان موقع الفسطاط يتوسط أقاليم موالية للعرب رأت فيهم مخلصاً لهم من ظلم الرومان. ويدل استمرار هذا الموقع كعاصمة حتى اليوم علي فطنة القائد عمرو بن العاص وحسن اختياره.




وقد اختلفت آراء وتفسيرات المؤرخين واللغويين حول اسم مدينة الفسطاط ، فمن قائل بأنها تعني المخيم وذلك نسبة إلي المخيم أو الفسطاط الذي كان يتخذه عمرو بن العاص في نفس المطاف الذي أنشأ فيه مدينته الجديدة عند حصاره لحصن بابليون ، وهناك رأي آخر يقول به بعض المستشرقين ويرجع الاسم إلي أصل يوناني بأنه مشتق من الكلمة اليونانية فستاتوم أو فسطاطوم بمعني المدينة أو الحصن ، وأن العرب حرفوا الاسم إلي فسطاط ، وهو تفسير لا يستند إلي أساس تاريخي أو لغوي ، وإنما يعبر فقط عن حرص بعض المستشرقين علي نسبة كثير من إنجازات المسلمين إلي أصول أوربية ، ولعله من المفيد الرد علي هذا الرأي بأن كلمة فسطاط لها جذور ومعاني عربية فهي تعني المدينة أو مجتمع المدينة بدليل ورودها في حديث نبوي شريف يقول "عليكم بالجماعة فإن يد الله علي الفسطاط" أي علي المدينة ومجتمع الناس ، كما كان يقال للبصرة عند إنشائها الفسطاط ، ومن هنا أطلق علي المدينة الجديدة بمصر اسم الفسطاط بمعني المدينة كما أطلق من قبل علي البصرة.







وكانت مساحة الفسطاط عند إنشائها تتخذ هيئة مستطيلة يبلغ طول ضلعها من الشمال إلي الجنوب حوالي خمسة آلاف متر ، وعرضها من الشرق إلي الغرب حوالي ألف متر .







وكعادة القادة العرب الفاتحين عند إنشائهم مدناً جديدة كانوا يحرصون علي توسط المسجد للمدينة ومن حوله تتوزع مرافق المدينة وبيوتها وأسواقها ، وكان المسجد هو مركز المدينة الذي تلتف حوله وتنتشر سائر المرافق والمنشآت ، وكان مسجد المدينة الجامع عند إنشائه بتاج الجوامع ، وجامع الفتح ، وبالجامع العتيق ، وعرف فيما بعد بجامع عمرو ، وكان المسجد عند إنشائه يقع علي شاطئ النيل الشرقي وكان يشغل مساحة صغيرة لم تزد عن خمسة وعشرين متراً طولاً وخمسة عشر متراً عرضاً ، وبني المسجد علي نمط مسجد النبي "صلي الله عليه وسلم"بالمدينة المنورة من حيث التخطيط المكون من مساحة وسطي مكشوفة غير مسقوفة عرفت فيما بعد بالصحن ، وتحيط بها مساحات مسقوفة من الجهات الأربع عرفت فيما بعد بالأروقة ، وقد حددت جهة القبلة ببعض الأعمدة القائمة بصدر جدار القبلة ، فلم يكن المحراب المجوف معروفاً في ذلك الوقت ولم يكن للمسجد مئذنة أيضاً وكان للمسجد بابان في كل جوانبه الثلاثة "فيما عدا جدار القبلة" وتقول بعض الروايات أن عمرو بن العاص زود المسجد بمنبر علي غرار منبر الرسول بمسجده ، غير أن الخليفة عمر بن الخطاب أمره بكسره وكتب إليه يقول " أما يكفيك أن تكون قائماً والناس جلوس عند قدمك " فاستجاب عمرو لذلك وإن كان قد أضاف المنبر ثانية للمسجد بعد ذلك .







كما اقتدي عمرو بن العاص بالنبي " صلي الله عليه وسلم " في بناء دار للإمارة في الجبهة الشرقية من المسجد علي غرار دار النبوة التي كانت تحف بشرق المسجد النبوي بالمدينة ، وكان يفصل بين دار الإمارة والمسجد ممر بلغ عرضه نحو ثلاثة أمتار ونصف ، وقد حظي مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط بعناية جميع حكام مصر ورعايتهم علي مر العصور ، وتمثلت هذه العناية في زيادة مساحته وإضافة مرافق جديدة إليه لدرجة أن المسجد الحالي " ستة أفدنة تقريبا" لا يمت للمسجد الأصلي الذي أنشأه عمرو بن العاص بأية صلة سوي الموقع الذي يقوم فيه .







وبالإضافة إلي المسجد ودار الإمارة انتشرت بيوت الفسطاط من حوله فيما عدا الضالع الغربي منه حيث كان يجري ماء النيل وقتها ، ولما كانت مساحة المدينة أوسع كثيراً من أن تقتصر علي الجند المصاحب لعمرو بن العاص عند فتح مصر وإنشاء الفسطاط " حوالي أثني عشر ألفاً" فإن هذا يعني أن بيوت الفسطاط كانت علي درجة كبيرة من الاتساع في مساحة كل منها ، وأنها كانت منفصلة عن بعضها ، أي أنها لم تكن متلاصقة إلا في تلك التي تحف بالمسجد أو تقرب منه ، وإن كانت روايات تاريخية أخري تؤكد إقامة سكان مصر من الأقباط داخل الفسطاط أيضاً وأن خططها كانت تتسع لذلك بدليل الكنائس التي كانت تضمها المدينة الجديدة تلبية لأداء طقوسهم .
وكشفت الحفائر الأثرية أن بيوت الفسطاط كانت مبنية من الطوب اللبن أو الطين وبعضها كان مشيداً من الحجر .









وكانت الفسطاط مقسمة إلي خطط أي أحياء عديدة ، خصصت كل خطة منها لإقامة قبيلة من القبائل العربية المصاحبة للفتح أو تلك التي جاءت لمصر بعد الفتح ، وقد خلفت القبائل أسمائها علي الخطط التي سكنتها فعرفت خطط تجيب ومزحج وجذام وثقيف وغامق ومهرة ولخم ، كما كانت هناك خطة للفارسيين ، وخطة للحمراوت كان يسكنها الروم . كما ضمت الفسطاط عدداً من الدور التي عرفت بأسماء أصحابها من الرعيل الأول من الصحابة الذين شاركوا في فتح مصر كدار الزبير بن العوام ، ودار مسلمة بن مخلد الأنصاري ، ودار عبادة بن الصامت ، ودار خارجة بن حذافة .









وامتد عمران الفسطاط شمالاً حتى المكان الذي يشغله مسجد أحمد بن طولون علي جبل يشكر ، وشرقاً حتى المكان الذي يشغله حي عين الصيرة حالياً ، وجنوباً حتى بركة الحبش عند المكان الذي تشغله دار السلام حالياً من جهة أخري اختارت بعض القبائل العربية الإقامة علي الضفة الغربية للنيل مثل قبائل همدان ويافع ، فبني لهم عمرو بن العاص بعد استشارة الخليفة عمر بن الخطاب حصناً لتأمينهم عرف بالجيزة وذلك سنة "21هـ - 22هـ " ، وبالإضافة إلي بيوت الفسطاط كانت المدينة تضم عدة أسواق وميادين وبساتين تحدثت عنها ووصفتها المصادر التاريخية ، كما كان للمدينة ميناء علي النيل زادت أهميته بعد حفر خليج أمير المؤمنين الذي وصل النيل بالبحر الأحمر عند القلزم ، كما أنشئت فيما بعد علي الجانب الآخر من نهر النيل قبالة الفسطاط دار لصناعة السفن عرفت بجزيرة الصناعة ، ثم عرفت ولا تزال تعرف حتى الآن بجزيرة الروضة ، وكان يصل بينها وبين الفسطاط جسر ممتد من المراكب النيلية ،وعلي طول التاريخ الإسلامي لمصر شهدت الفسطاط امتداد ً عمرانياً كبيراً ومتصلاً ساعد علي أن تظل المدينة مأهولة بالسكان والصناع والحرف المختلفة حتى إنشاء العواصم التالية لها.






وتعرضت الفسطاط لكثير من أحداث التدمير والحرائق التي أصابتها علي مر تاريخها الطويل ، كما حدث عند مطاردة الجيوش العباسية لفلول الجيش الأموي بقيادة آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد سنة "123هـ" ،فقد دمرتها قوات الأمويين حتى لا ينعم بعمرانها العباسيون من بعدهم ،
كما أصابتها جيوش العباسيين بالدمار والحرق أيضاً عند قدومها سنة "292هـ " للقضاء علي بقايا الدولة الطولونية ، ونكبت الفسطاط في العصر الفاطمي أثناء سنوات الشدة المستنصرية "457- 464هـ " ، كما تأثرت الفسطاط كثيراً بالحريق الذي فعله الوزير الفاطمي شاور سنة "565هـ" في نزاعه مع منافسه الوزير ضرغام وحتى لاتقع المدينة في يد عموري ملك مملكة بيت المقدس الصليبية الذي استنجد به ضرغام .

فاطمة الفهرية
02-07-2013, 02:14 PM
ثانياً العسكر:
"العاصمة الثانية لمصر الإسلامية":




نزلت الجيوش العباسية التي طارت مروان بن محمد " آخر خلفاء بني أمية " بقيادة صالح بن علي ، وأبي عون عبد الملك بن يزيد في منطقة تعرف بــ " الحمراء القصوي " إلي الشمال الشرقي من الفسطاط وكانت تشغلها خطة الروم ، فأمر القائد العباسي أبو عون جنوده بالبناء في هذا المكان سنة " 135هـ " فبنيت العسكر إلي الشمال من الفسطاط واتخذت اسمها من كونها بنايات خصصت للعسكر العباسي الذي قدم إلي مصر متعقباً مروان بن محمد ، كما أمر صالح بن علي ببناء دار الإمارة إلي جانب المسجد الجامع لمدينته الجديدة والذي تم بناؤه سنة " 169هـ" في عهد الوالي العباسي الفضل بن صالح فأصبح ثاني المساجد الجامعة بمصر جامع عمرو ، كما ضمت المدينة الجديدة مقراً للشرطة بالإضافة إلي شرطة الفسطاط ، وأطلق علي شرطة العسكر اسم الشرطة العليا تمييزاً لها عن شرطة الفسطاط التي أصبحت تعرف بالشرطة السفلي كما انتشرت في المدينة الجديدة المحال والأسواق والمنازل والحدائق .







وقد تعددت الأسباب والتفسيرات لبناء العباسيين للعسكر وعدم اتخاذهم الفسطاط مقراً لهم أو عاصمة لولاية مصر في عهدهم ، فيري بعض المؤرخين أن كره العباسيين للأمويين جعلهم يعرضون عن الإقامة بالمدينة التي كانوا يتخذونها مقراً لولاتهم ، وأنهم فضلوا بناء مدينة جديدة تخلد ذكرهم ، وهناك آخر يفسر بناء العسكر بأن الفسطاط لم تعد صالحة للإقامة بها بعد الحريق الذي أضرمه فيها مروان بن محمد سنة " 132هـ" ، والذي أودي بدار الإمارة بها كما أودي بكثير من مرافق المدينة ، وهناك رأي آخر وهو أن الفسطاط كانت تزدحم بأهلها وتضيق بالوافدين الجدد وأن بناء مدينة جديدة كان مناسباً ولازماً لإقامة الجند العباسي الذي وفد علي مصر مع القائدين صالح بن علي وأبي عون .







واتخذ ولاة العسكر مقراً لهم ودرج الولاة علي الإنشاء والتعمير بالعسكر ، فها هو الوالي موسي بن عيسي الهاشمي يبني بها داراً لحاشيته عمر الناس من حولها ، كما شهدت العسكر كثرة البناء في عهد الوالي السري بن الحكم وبلغ من كثرة المباني أن اتصل عمرانها بعمران الفسطاط وظلت العسكر العاصمة الثانية لمصر الإسلامية تقوم بهذا الدور حتى أ نشأ أحمد بن طولون مدينة القطائع سنة " 256هـ " ، بل أنه سكنها فترة حتى تم بناء القطائع كما بني بها بيمارستانه الكبير الذي يعد أقدم بيمارستان ينشأ في مصر الإسلامية ، كما بني كافور الإخشيدي بالعسكر داراً كبيرة بالإضافة إلي البستان الكافوري الشهير ، ويدلنا هذا علي بقاء العسكر عامرة بالسكان والمنشآت بعد إنشاء مدينة القطائع التي اتخذت عاصمة للدولة الطولونية ، بل إن العسكر ظلت عامرة أيضاً لفترة طويلة في العصر الفاطمي ، وتشير المصادر التاريخية إلي تخصيص الخليفة الفاطمي المعز لدين الله لدار الإمارة بالعسكر لإقامة عمه أبي علي مما يدل علي بقائها حتى ذلك التاريخ ، وتضيف المصادر التاريخية أيضاً أنها ظلت عامرة بأهلها ودورها العديدة وبساتينها الواسعة حتى خربت في سنوات الشدة المستنصرية "447- 454هـ" .







وقد حدد المقريزي حدود مدينة العسكر فيما بين قناطر السباع شمالاً وكوم الجارح جنوباً أي المنطقة الممتدة "حالياً" من فم الخليج جنوباً وحي ومسجد السيدة زينب شمالاً، وهي منطقة كما نري تلي الحد الشمالي للفسطاط ، أما الحد الشرقي فكان محدوداً بصحراء مصر الشرقية وتلالها ، في حين كان النيل يحد الجانب الغربي من المدينة ، ومما يؤسف له أن جميع منشآت العسكر قد اندثرت ولم يبقي منها سوي إشارات المؤرخين الأقدمين لها نقلاً من كتابات تاريخية أقدم أو وصفاً لبقايا وأطلال أدركوها ولم تصلنا نحن .

فاطمة الفهرية
02-07-2013, 02:30 PM
ثالثاً القطائع:
"العاصمة الثالثة لمصر الإسلامية":




ارتبطت الدولة الطولونية بإنشاء العاصمة الثالثة لمصر الإسلامية ، وهي مدينة القطائع التي أنشأها أحمد بن طولون إلي الشمال الشرقي من العسكر سنة "256هـ" ، بدأ أحمد بن طولون في إنشاء مدينة جديدة يتخذها عاصمة لدولته ومقراً لجنده خاصة وأن العسكر أصبحت مزدحمة ولا تتحمل سكان جدد ، واختار موقع مدينته الجديدة إلي الشمال من الفسطاط والعسكر في منطقة كانت تشغلها المقابر فأمر بحرثها وتسويتها وبني عليها القطائع ، وبلغت مساحتها ميل مربع واحد ، وكانت تمتد من قبة الهواء التي بنيت علي أنقاضها فيما بعد قلعة الجبل ، وحتى الجامع الطولوني بحي السيدة زينب الحالي ، ومن الرملية أسفل القلعة وحتى مسجد زين العابدين الحالي.






واتخذت القطائع اسمها نسبة إلي تقسيمها إلي قطائع كانت كل قطيعة منها مخصصة لسكن فئة معينة من الجند ، كما خصص بعضها لأرباب الحرف والصناعات فعرفت قطيعة للبزازين "صناع الحرير" والجزارين وغيرهما ، وكانت هناك قطيعة لأهل النوبة وأخري للروم وغيرهما ، وكانت القطائع تضم معالم كثيرة اندثرت ولم يبق منها إلا الجامع فقد بني ابن طولون قصره وميدانه في وسط القطائع ، وكانت تحف بالقصر والميدان قصور الأمراء والغلمان ، وضم القصر عدة أبواب لكل منها اسم يميزه ، كباب الخاص لدخول الخصوص ، وباب الميدان لدخول الجند ، وباب الصلاة وكان يؤدي من القصر إلي الجامع ، وباب الحريم ، وباب الساج لصنعه من خشب الساج ،وباب الجبل حيث كان يطل علي تلال المقطم ، وباب السباع لوجود تمثالين لسبعين علي جانبيه ، وازدحمت المدينة بالأسواق العديدة التي تخصص كل سوق منها في صنع أو بيع سلعة بعينها كسوق البزازين ، وسوق العيارين ، وسوق العطارين وغيرها .









كما ازدحمت المدينة بالسكك والأزقة والشوارع ، وبنيت فيها المرافق اللازمة لمدينة جديدة كالمساجد والطواحين والحمامات والأفران ، بالإضافة إلي المنازل والدور والمتنزهات والميادين
وبلغ من كثرة العمران بالمدينة الجديدة أن اتصل عمرانها بعمران الفسطاط والعسكر ، حتى أصبحت المدن الثلاث كأنهامدينة واحدة لاتصال عمرانها .









ولم يبن بالمدينة الجديدة مسجد جامع عند إنشائها ،اعتماداً علي مسجد العسكر الجامع ، ولكن عندما ضاق بالمصلين وحتى يستكمل أحمد بن طولون المعالم الرئيسية لمدينته الجديدة قام ببناء المسجد الجامع سنة" 265هـ" والذي عرف ولا يزال يعرف باسم جامع أحمد بن طولون ، وتم بناؤه علي هضبة مرتفعة تعرف بجبل يشكر نسبة إلي اسم أحد الصالحين ، ويقال أن مهندساً نصرانياً وضع تصميمه ، وأغلب الظن أنه كان عراقياً جاء مع ابن طولون ، أو مع بقية الصناع والفنانين الذين استقدمهم ، ويعد المسجد من مظاهر العمارة الإسلامية لاتساعه الشديد وبنائه علي نمط المساجد الجامعة معه بسامرا عاصمة الخلافة العباسية في ذلك الوقت ولما يتميز به من خصائص معمارية وفنية ينفرد بها ، فمساحته تبلغ "26281" متراً مربعاً ،وأضيفت إلي مساحته ثلاث زيادات من جهاته الثلاث " عدا جهة القبلة " ويتخذ المسجد هيئة مربعة طول ضلعها "162 متراً " تقريباً ، كما زود الجامع بمئذنة فريدة في شكلها إذ يدور سلمها حول بدنها بعكس المآذن الأخرى التي تضم سلمها بداخلها ، كما استخدم " الطوب المحروق " في البناء مع كسوته بطبقة من الجص الزخرف ، كما استخدمت العقود المدببة الشكل بدلا من الأعمدة الرخامية التي رفض أحمد بن طولون الحصول عليها من المعابد أو الكنائس القديمة .وإن كانت بعض الروايات تفسر البناء بهذا الأسلوب بأن أحمد بن طولون كان قد طلب مهندسيه أن يكون مسجده محصناً لا يغرق ولا يحترق .









كان يضم المسجد ستة محاريب يقع كلها في رواق القبلة ، أحدها وهو الأصلي يتوسط جدار القبلة إلا جوار المنبر وهو محراب مجوف ، أما المحاريب الخمسة الأخرى فأضيفت إلي المسجد في العصرين الفاطمي والمملوكي علي سبيل التذكار ولهذا تعرف" بالمحاريب التذكارية" وكلها مستوي السطح أي غير مجوفة كالمحراب الأصلي للمسجد .







ومن المنشآت الأخرى الهامة التي شيدها أحمد بن طولون قناطر المياه التي عرفت باسمه أيضاً ، وتقع في الجهة الجنوبية الشرقية من القطائع ، ولا تزال بعض عقودها باقية حتى الآن ، وكانت وظيفتها نقل المياه إلي الصحراء من بئر جديد أمر بحفرها ، وقد بنيت القناطر بالطوب المحروق
وتكلفت أموالاً ضخمة وجهداً كبيراً ، وأغلب الظن أن المهندس الذي أشرف علي بناء الجامع تولي الإشراف علي بناء القناطر أيضاً .









وقد تابع خمارويه بن احمد بن طولون تعمير القطائع والزيادة في مبانيها وميادينها ، فزرع الميدان بالزهور والورد حتى تحول إلي بستان كبير ، كما زاد في قصر والده ، وحفر بركة كبيرة في قصره عرفت ببركة الزئبق ، كما بني قبة الدكة في قصره وكانت وأعظم ما بناه خمارويه ، كما أنشأ بجانب قصره حديقة للحيوان كانت تضم الأسود والنمور والفيلة والزرافات وأنواع الطيور المختلفة ،كما وسع خمارويه في اصطبلاته لكثرة دوابه ، فخصص لكل نوع منها اصطبلاً ، وفي عهده عاد الاهتمام بسباق الخيل في ميدان السباق عما كان عليه في عهد أبيه وبلغت حلبات السباق حداً من الروعة جعل المؤرخ" القضاعي" يعتبرها من عجائب الإسلام .

فاطمة الفهرية
02-07-2013, 02:43 PM
رابعاً القاهرة :
"العاصمة الرابعة لمصر الإسلامية ":






حرص جوهر الصقلي علي إنشاء مدينة جديدة تكون مقراً للخليفة المعز والخلافة ، ومركزاً لنشر الدعوة الشيعية وحصناً يحمي الفاطميين بمصر من هجمات القرامطة ، واختار موقعها إلي الشمال من العواصم الثلاث السابقة " الفسطاط والعسكر والقطائع" وأحاط مدينته الجديدة ولأول مرة في عواصم مصر بسور سميك من اللبن ، وجعل في كل من أضلاع السور الأربعة بابان يفتحان نهاراً ويغلقان ليلاً ،وخصصت القاهرة لسكن الجند المصاحب للفاطميين " الجند البربر والمغاربة" ولهذا اتخذت المدينة شكلاً ووظيفة أقرب إلي الحصن منها إلي المدينة أو العاصمة .








واتخذت المدينة الجديدة شكلاً مربعاً بلغ طول ضلعه ألف ومائتا متر تقريباً ، ومساحته نحو ثلاثمائة وأربعين فداناً ، وكان يحد القاهرة من الجنوب عواصم مصر الثلاث السابقة ، ومن الغرب مياه خليج أمير المؤمنين ، ومن الشرق تلال المقطم وصحراء مصر الشرقية ، أما الضلع الشمالي فلم يكن يحده حد ، وإنما كان أرضاً خلاء سمحت في العهود التالية بامتداد القاهرة واتساعها ، وهو الأمر الذي لم تسمح به الأضلاع أو الحدود الثلاثة الأخرى ، واقتصرت الإقامة بالمدينة الجديدة علي الجند الفاطمي وأنصارهم من الشيعة ، وقسمت المدينة إلي أقسام وخطط سميت بأسماء فرق الجيش الفاطمي .








وكان للقاهرة ثمانية أبواب تم توزيعها بواقع بابين في كل ضلع أو جهة من جهات مربع المدينة ، ففي الشمال كان باب النصر وباب الفتوح ، وفي الجنوب باب زويلة وباب الفرج ، وفي الشرق باب البرقية وباب القراطين" الذي عرف فيما بعد بالباب المحروق " وفي الغرب باب سعادة وباب القنطرة . ولا يزال ثلاثة من هذه الأبواب الأخيرة باقية حتى الآن وتعرف بأسمائها الأولي وهي باب زويلة ، وباب النصر ، وباب الفتوح .








وبني جوهر بداخل مدينته الجديدة المسجد الجامع والقصر الشرقي ، أو القصر الكبير ليكون سكناً للخليفة المعز لدين الله عند قدومه إلي مصر وكان الجامع الأزهر أول مسجد جامع ينشأ بالقاهرة ، وبناه جوهر الصقلي عند إنشائه المدينة نفسها ، وبدأ في بنائه يوم" السبت الرابع والعشرين من جمادي الأولي سنة 359هـ " وكمل بناؤه في "التاسع من رمضان سنة 361هـ" كما جاء بخطط المقريزي .









وقد بني الجامع الأزهر وفق التخطيط التقليدي لمساجد القرون الخمسة الأولي فكان يتكون عند إنشائه من صحن أو فناء أو وسط مكشوف ، تحيط به أربعة أروقة مسقوفة من جهاته الأربع وكان أكبرها وأعمقها رواق القبلة ويتوسط جدار القبلة محراب كبير مجوف تعلوه قبة صغيرة ، وكان يدخل إلي الجامع من ثلاثة أبواب ، أحدها في وسط الجانب الشمالي الغربي ، والثاني والثالث في منتصف الجانبيين الأيمن والأيسر من جدار الجامع ، وترتكز عقود الجامع علي أعمدة رخام .








ولم تكن مساحة المسجد عند إنشائه تزيد عن نصف مساحته الحالية ،وذلك لإضافة زيادات جديدة إليه بعد إنشائه وحتى الآن ، وأهمها رواق القبلة الثاني الذي يقع خلف رواق القبلة الأصلي ، ويحتفظ الجامع الأزهر حالياً بثلاث مآذن ، اثنتان منها تطل علي واجهة المدخل الرئيسي للجامع علي ميدان الأزهر ، أما المئذنة الثالثة فتعلو باب الصعايدة في الجهة الجنوبية الشرقية من المسجد .










أما القصر الكبير أو القصر المعزي كما عرف أحياناً فأنشأه جوهر الصقلي لسيده المعز فيعرف أيضاً بالقصر الشرقي الكبير لوقوعه إلي الشرق من سور المدينة ولتمييزه عن القصر الغربي الصغير الذي بني للخليفة الثاني العزيز بالله ، وقد بدأ جوهر الصقلي في بناء القصر الشرقي في " 18 شعبان سنة 358هـ" ولم يتبق شئ من القصر الشرقي الكبير ، وبالإضافة إلي الجامع الأزهر والقصر الكبير بني جوهر داخل القاهرة العديد من الدور والمرافق والفنادق والثكنات لإقامة الجند والحرس الخاص بالخليفة ، وبالإضافة لما ضمته حاضرة الخلافة من منتزهات ، وأسواق ، ودور ، وحمامات ، وحوانيت ، ومدارس ، ومساجد أخري غير الجامع الأزهر كما اختطت بها الشوارع والأزقة والدروب والحارات وقد أطلق جوهر علي المدينة الجديدة اسم المنصورية نسبة إلي المنصور والد الخليفة المعز ، وعندما قدم المعز إلي مصر أطلق عليها اسم القاهرة تيمناً بقهرها لكل من يقصدها بسوء، وبذلك قامت الخلافة الفاطمية الشيعية بمصر وظلت القاهرة عاصمة الفاطميين حتى سقط الفاطميين سنة " 567هـ " علي يد القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي " رحمه الله " وقامت دولة الأيوبيين السنية.

فاطمة الفهرية
02-07-2013, 02:44 PM
المصادر:

· ابن الأثير : الكامل في التاريخ .
· البلاذري: فتوح البلدان.
· الطبري : تاريخ الأمم والملوك.
· ابن عبد الحكم : فتوح مصر وأخبارها.
· المقريزي : النجوم الزاهرة في ملوك كصر والقاهرة .
· جمال الدين الشيال : تاريخ مصر الإسلامية .
· الفريد بتلر " ترجمة محمد فريد أبو حديد " : فتح العرب لمصر.
· محمد عبد الله عنان : مصر الإسلامية وتاريخ الخطط المصرية.