المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفراسة وحسن التصرف في الحوار


المراقب العام
02-08-2013, 03:40 PM
http://www.up-aa.com/upfiles/2vi78923.jpg


الفراسة وحسن التصرف

(تأملات في الحوار من خلال سورة يوسف)





الفراسة تعني: اختلاس العارف النظر في الشخص والتصرف على حاله.


أو هي القدرة على التنبؤ والنظر في البواطن، بقوة الذكاء والفطرة. ينظر: ابن الجوزي، غريب الحديث (2/184)؛ والحازمي، فراسة المؤمن (ص9)؛ والودعان، ضوابط الرؤيا (ص195).


وعلى هذا فمن أدب الحوار أن يكون المحاور سريع البديهة، حسن التصرف، ذكيًا فطنًا، متفرسًا في الطرف الآخر؛ لأن ذلك قد يؤثر على نجاح الحوار أو فشله.


ومن الشواهد على هذا الأدب في سورة يوسف - عليه السلام -:
1- قول يعقوب ليوسف - عليهما السلام - عندما قص عليه رؤياه: ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يوسف: 5].


في الآية حسن تصرف يعقوب - عليه السلام - حينما حذَّره من قص رؤياه على إخوته، وفيها عبرة بتوسم يعقوب - عليه السلام - أحوال أبنائه وارتيائه أن يكف كيد بعضهم لبعض. وفيها أيضًا الاحتراز من كل احتمال يخشى ضرره.


2- قوله تعالى: ﴿ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18].


معنى الآية أن إخوة يوسف - عليه السلام - جاءؤوا بقميصه ملطخًا بدم غير دم يوسف؛ ليشهد على صدقهم، فكان دليلًا على كذبهم؛ لأن القميص لم يُمزَّق.


فهنا نبي الله يعقوب - عليه السلام - واجه أبناءه بأن ما فعلوه من أمرٍ قبيحٍ، إنما هو من أنفسهم الأمارة بالسوء، وبالتالي فهو من فطنته وذكائه تفرس بوصفهم ومراوغتهم، وواجه قولهم - في هذا الحوار - بدحضه والرد عليه؛ ذلك أن الذئب لو كان أكل يوسف - كما يزعمون - لمزَّق وشقّ قميصه !ولهذا قال: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ [يوسف: 18]، وفي قوله تعالى-على لسان يعقوب، - عليه السلام -–: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].


3- قول عزيز مصر لامرأته في يوسف: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 21].


قال ابن مسعود[1] - رضي الله عنه -: "أفرس الناس ثلاثة: العزيز في يوسف، حين قال لامرأته: ﴿ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ [يوسف: 21]، وابنة شعيب حين قالت لأبيها في موسى: ﴿ اسْتَأْجِرْهُ ﴾ [القصص: 26]، وأبو بكر في عمر - رضي الله عنه - حين استخلفه".


وفي رواية أخرى: "وامرأة فرعون حين قالت: ﴿ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ [القصص: 9].


4- أن يوسف - عليه السلام - بشرهم بعد فراغه من تأويل رؤيا الملك بمجئ العام الثامن مباركًا خصيبًا كثير الخير، غزير النعم، وذلك بقوله: ﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ [يوسف: 49].


وذلك من جهة الوحي، أو من جهة الفهم والذكاء وكمال الرأي والتفرس، إذْ من المعلوم أن بانتهاء السبع الشداد مجيء الخصب، والله أعلم.


5- قال تعالى عن يوسف: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 50].


فيوسف - قبل خروجه من السجن- طلب من الرسول أن يرجع إلى الملك؛ ليسأل النسوة اللاتي جرحن أيديهن عن حقيقة أمرهن معه؛ وفي هذا حسن التصرف، وبعد نظر من يوسف -عليه السلام -؛ لتظهر الحقيقة للجميع، وتتضح براءته، وبهذا قطع أقاويلهم وما هم عليه من الخطأ والتشكيك.

[1] أثر ابن مسعود- رضي الله عنه- أخرجه: ابن أبي شيبة، في المصنف (14/574) رقم (18904)؛ والطبراني، في المعجم الكبير (9/167) رقم (8829)؛ والحاكم، في المستدرك (2/345-346) وغيرهم، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبدالله بن مسعود موقوفاً، وهو صحيح على شرط مسلم.





د. محمد بن فهد بن إبراهيم الودعان

المراقب العام
02-08-2013, 03:41 PM
مراعاة الأفهام والعقول في الحوار

(تأملات في الحوار من خلال سورة يوسف)


أو بمعنى آخر إنزال الناس منازلهم في الحوار ومخاطبة الناس على قدر عقولهم وأفهامهم، فلا يتكلف المحاور في علم لا يبلغه عقل محاوره، كما أن عليه أن يختار لكل محاور الأدلة التي تناسبه وتقنعه، والطريقة التي تقربه من الحق، وهذا لا يمكن إلا إذا عرف المحاور مستوى الطرف الآخر وحجم علمه ومقدار فهمه، فمخاطبة عالم تختلف عن مخاطبة طالب، ومحاورة الكبير غير محاورة الصغير. ينظر: زمزمي، الحوار آدابه وضوابطه (ص494-495)؛ والندوة العالمية للشباب الإسلامي، أصول الحوار (ص24).


وشواهد هذا الأدب في هذه السورة العظيمة في الآتي:
1- عندما دخل السجن مع يوسف - عليه السلام - الفتيان، فهما سألاه حينما رأيا أنه من الذين يحسنون تعبير الرؤيا، ومن العالمين بالتأويل، فقد عرفا مستوى يوسف - عليه السلام - تأكدا من علمه، وأنزلاه منزلته في المحاورة.


2- حوار يوسف - عليه السلام - مع السجينين، حيث راعى نفسية وعقلية كل واحد منهما، وفهم مرادهما ولهذا رتب لهما الاستدلال بوجه خطابي قريب من أفهام العامة فقال: ﴿ أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ ﴾ [يوسف: 39]، ولهذا شرع في دعوتهما، وذكر لهما الأدلة والبراهين على وحدانية الله - عز وجل -، ثم عبر رؤياهما.


3- حوار يوسف - عليه السلام - مع الملك، فقد خاطبه بما يناسبه، وبالطريقة التي تقربه من الحق، ولهذا قربه الملك، وجعله من خلصائه وأهل مشورته، وأنزله منزلته، وراعى مكانته كما ينبغي له.


4- حوار يوسف - عليه السلام - مع إخوته، عندما اتهموه بالسرقة: ﴿ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 77].


فأخفى يوسف - عليه السلام - في نفسه ما سمعه من اتهام إخوته له بالسرقة، وحدث نفسه مراعاة لأفهامهم، وأحوالهم، ونفسياتهم قائلا: أنتم أسوأ منزلة ممن ذكرتم، حيث دبرتم لي ما كان منكم، والله أعلم بما تصفون من الكذب والافتراء.


فما أحوج المربين في زمننا - سواء في حقل التدريس، أو في مجال التربية بصفة عامة - إلى مراعاة أفهام الناس، ومخاطبتهم على قدر عقولهم، وهذا ما نجده - عند التأمل - في ثنايا القرآن الكريم، وكذا السنَّة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.

المراقب العام
02-08-2013, 03:42 PM
الوصول إلى أخف الأضرار في الحوار

(تأملات في الحوار من خلال سورة يوسف)


تقدم أن من الآداب المهمة في الحوار البدء بالنقاط المشتركة، وتحديد مواضع الاتفاق بين المتحاورين؛ لأن البدء بالأمور المتفق عليها من المسلمات والبدهيات، كما أن لها الأثر الإيجابي بين المتحاورين.


لكن قد يعترض ذلك ويكدره التنافس في غلبته بعضهم على بعض، وتخطي الهدف الذي أقيم من أجله الحوار ابتداءً، وبالتالي يحصل الاختلاف والتباعد بين المتحاورين.


ولكن يمكن أن نقلل الفجوة، ونجعل فرص الخير أفضل، واحتمال الشرِّ أقل وأهون وذلك بالوصول إلى أخف الأضرار للطرفين.


ونلاحظ أن هذا الأدب جاء جليًّا في حوار إخوة يوسف - عليه السلام - فيما بينهم؛ فحين اتفقوا على التفريق بين يوسف وأبيه، ورأى أكثرهم أن القتل يحصل به الإبعاد الأبدي: ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ [يوسف: 10].


فخفف به الشَّر عنهم؛ ولهذا لما وردت السيارةُ الماء، وأدلى واردهم دَلْوَه تَبَشَّر بوجوده وقال: ﴿ هَذَا غُلَامٌ ﴾ [يوسف: 19].


وكان إخوته حوله، فقالوا: إنه غُلامٌ أبِقَ منَّا، وتبايعوا معهم: ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ﴾ [يوسف: 20]. السعدي، فوائد مستنبطة من قصة يوسف (ص33).


قال السعدي - رحمه الله - في "تيسير الكريم الرحمن" (ص408) في ذكر شيء من العبر والفوائد التي اشتملت عليها هذه القصة-:


"ومنها أن بعض الشر أهون من بعض، وارتكاب أخف الضررين أولى من ارتكاب أعظمهما، فإن إخوة يوسف، لما اتفقوا على قتل يوسف أو إلقائه أرضاً، وقال قائل منهم: ﴿ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ﴾ [يوسف: 10] كان قوله أحسن منهم وأخف، وبسببه خف عن إخوته الإثم الكبير" ا. هـ.

نبيل القيسي
03-08-2013, 01:08 PM
بارك الله بك ....ونفعنا بكم

المراقب العام
03-08-2013, 05:44 PM
طبتم وطاب مروركم الكريم