المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبادة الأمل .. د/ راغب السرجاني


المراقب العام
13-08-2013, 04:58 AM
http://islamstory.com/sites/default/files/styles/300px_node_fullcontent_img/public/13/08/33/198832_275043122600972_882679247_n.jpg

ما الحياة في الواقع إلا سلسلة متتالية من الاختبارات، والله عز وجل يراقب أعمالنا وأقوالنا وردود أفعالنا في هذه الاختبارات، ومن هذا المنطلق فكل أحوال الدنيا ما هي إلا اختبار، فالعبادات اختبار، والمعاملات اختبار، والمواقف المختلفة التي نمر بها اختبار، ولا تمر لحظة واحدة من لحظات الدنيا إلا وهي اختبار!


ومن هذه الاختبارت المهمة اختبار خطير أسميه "عبادة الأمل"، وهو يكمن في قناعة المؤمن بالأمل في نصر الله وتأييده للمؤمنين، فإن الله عز وجل وعد في مواطن كثيرة من القرآن الكريم، وكذلك من السنة المطهرة بأنه ينصر عباده الصالحين، فقال على سبيل المثال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]، فهو سبحانه في الآية الكريمة يعد بأنه لا ينصر الرسول فقط ولكن ينصر {الَّذِينَ آمَنُوا} كذلك، ولا ينصرهم في يوم القيامة فقط إنما ينصرهم في {الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، فمن الذي يصدق هذه الآية؟ ومن الذي يشك في تحقيقها؟


إن المسألة مسألة اختبار..

الذي يوقن بقدرة الله، وقوته، وإحاطته بكل شئ، وروعة تدبيره للأمور، يوقن يقينًا جازمًا بتحقق الآية، والذي يشك في هذه القدرة، وغير مطمئن إليها، لا يرى النصر ممكنًا، وبين درجة اليقين الكامل في النصر، والشك الكامل فيه، مئات والآف الدرجات حسب درجة الإيمان، فصارت مسألة الثقة في نصر الله من هذا المنظور اختبارا مهمًا يمر به الناس جميعًا..


وحتى يكون الاختبار حقيقيًا فإن الله عز وجل ينزع من المؤمنين أسباب النصر واحدًا تلو الآخر، ثم يعيد اختبار ثقتهم فيه سبحانه، لأن المؤمن إذا كان يمتلك كل الأسباب فإنه يعتمد عليها، ويطمئن إليها، ومن ثم لا يكون اختبار الثقة في الله كاملاً، ولكن إذا نُزعت الأسباب، وهو ما زال على نفس درجة الثقة في الله، فهذا يعني أنه يؤمن إيمانًا حقيقيًا لا يتزعزع مع النوازل والكوارث..


من هنا نفهم بعض الأحداث العجيبة في السيرة النبوية..


لقد أيَّد الله عز وجل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بعمه أبي طالب فترة من الزمن بلغت عشر سنوات كاملة، وكان عمه يحوطه ويمنعه من بطش قريش، وكان المسلمون "يطمئنون" إلى وجود عم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جواره، فإذا بالله عز وجل "ينزع" عمه من الدنيا، فيموت أبو طالب، ويترك رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا إجارة ولا حماية من البشر، فهنا ترتفع وتيرة الاختبار لدى المؤمنين..


هل تطمئنون إلى نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم حتى لو غاب عمه أبو طالب؟
نعم نطمئن.. هذه علامة إيمان..


ولكن قد يكون اطمئنانًا راجعًا لقناعتنا بوجود قوى أخرى في الجزيرة العربية قد تساعدنا، وتقف إلى جوار قضيتنا..


فلنذهب إلى الطائف، فلعل ثقيف تساعدنا، وهي إحدى القبائل العظيمة في الجزيرة، وكانت تنافس قريشًا في الشرف، وقد تؤمن بالإسلام لإحداث شئ من التوازن في المنطقة مع قريش..
قد تكون هذه حسابات بعض السياسيين، ولكنها لم تكن في ذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أنه يريد الوصول بالدعوة إلى كل البشر، بصرف النظر عن الأوضاع السياسية المختلفة، ولكنه في النهاية اختبار للمؤمنين..


ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وهناك قابلوه بما نعرف جميعًا.. لقد كذبوه ورفضوا دعوته، بل وطردوه ورجموه وصاحبه زيد بن حارثة رضي الله عنه بالحجارة، وصارت
المصيبة مصيبتين، فالخبر سيطير إلى مكة، وسيتهم أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخابر مع قبيلة أجنبية، وخاصة أنه يطلب النصرة صراحة على قريش الظالمة..


هنا نزع الله عز وجل سببًا آخر من أسباب نصر التي حاول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتلكها.. لقد بذل الجهد، وسار أكثر من مائة كيلو متر سيرًا على الأقدام، وأبدع إبداعًا عظيمًا في إيصال الدعوة بأفضل الطرق، لكن شاء الله عز وجل أن يمنع هذا السبب من مساعدة المسلمين..


فلنحاول إذن اخفاء الأمر عن قريش لكي لا تعرف أنه كان ينوي الاستغاثة بثقيف عليها.. يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حديقة بالقرب من الطائف يحتمي فيها من السفهاء الذين يقذفون عليه الحجارة، ويستريح فيها قليلاً، وقد غطته وصاحبه الدماء، وظهرت عليه مظاهر التعب والإعياء، فإذا بالحديقة مملوكة لاثنين من كبار مشركي قريش: عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وإذا هما موجودان في الحديقة، ورأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفا القصة بحذافيرها، وطار الخبر عن طريقهما إلى مكة بأسرع مما يتخيل أحد!


لقد نزع كذلك سبب "الحذر الأمني" الذي كان يرتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن العودة إلى مكة الآن صارت مستحيلة، فلقد أغلقت كل الأبواب، وغاب كل المناصرين، وصار المسلمون وحدهم أمام مدفع المشركين..


هذا اختبار عظيم للثقة في نصر الله.. فليس في أيدينا ما يجعلنا نقول أننا بهذا السبب من المحتمل أن نحقق النصر، فهذا هو الاختبار في قمته!


في هذا الموقف يسأل زيد بن حارثة رضي الله عنه سؤالاً يطمئن فيه على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمانه في الأيام القادمة الخطيرة.. يقول زيد: "كَيفَ تدخُل عَلَيْهِم وهم أَخرجوك؟!"، إن أسباب الأمان كلها منزوعة، واحتمال القتل أكبر من احتمال النجاة، فماذا تعتقد؟ وفيم تفكر؟ وماذا ستفعل؟


يقول صلى الله عليه وسلم: "يَا زيد، إنَّ الله جاعلٌ لِما ترى فَرَجَاً ومَخْرَجاً، وإنَّ الله ناصرُ دينه، ومُظهر نبيّه"


الله أكبر!!


هذا ما نعنيه بعبادة الأمل.. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد اللهَ عز وجل بالثقة في نصره، فكما اختبرنا اللهُ عز وجل بالإيمان باليوم الآخر، ونحن لم نره، واختبرنا بالإيمان بالرسل السابقين ونحن لا نعرفهم، واختبرنا بالتصديق بوجود الملائكة ونحن لم نر واحدًا منهم، كذلك اختبرنا بالثقة في نصره مع عدم وجود سبب واحد يدعم هذه الثقة، إلا أننا فقط نصدق ما قاله الله، وما بلغ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.


هذه الثقة المتناهية في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تمنعه من العمل، فراسل الأخنس بن شريق، ليدخل في جواره ليحميه من بطش القرشيين، ولكنه رفض، فراسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً آخر هو سهيل بن عمرو، فرفض هو الآخر، فراسل ثالثًا هو المطعم بن عدي فقبل، ومن ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارته، وأكمل دعوته..
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف من أين ستأتي النجدة، بدليل أنه راسل في البداية رجلين لم يستجيبا له، فراسل الثالث فاستجاب، ولو رفض الثالث لراسل غيرهم وغيرهم، ولو رفضوا جميعًا لفتح الله عز وجل له بابًا جديدًا من أبواب النصرة..


إن النصر محقق لا محالة، ولكن المسألة مسألة اختبار.. فإذا اطمئن المؤمنون إلى وعد الله جاءهم النصر من عنده، وإن تشككوا واعتمدوا على قوى الأرض، وظنوا أن النصر يأتي بدعم فلان أو غيره من البشر والهيئات والدول، تأخر النصر وقد يضيع بالكلية..


إننا في اختبار خطير أيها المؤمنون..

ووجه الخطورة أن معظم البشر للأسف يفشلون في اختبار عبادة الأمل، فقد قال الله تعالى: {...وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21]، فأكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة، وكلما نزع الله عز وجل سببًا من أسبابا النصر ظنوا أن الأمل في نصر الله صار غير واقعي، ومن هنا تحدث الكارثة، بينما الواجب عليهم أنهم إذا رأوا الأسباب تُنزع علموا أنهم في عمق الاختبار، وأن عليهم أن يرفعوا درجة يقينهم أكثر وأكثر، وعندها سيجدون أن نصر الله صار قريبًا أكثر مما يتصورون..


{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]
ونسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين.





عبادة الأمل (http://islamstory.com/ar/%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%84)

bassant565
25-08-2013, 04:39 AM
انا برفع قبعتي احتراما لك

Ou anis
29-08-2013, 09:46 PM
جزاكم الله كل خير على التنوير

mec training
08-09-2013, 05:57 AM
مشكوووووووووووووووووور

فارس الخطابي
12-10-2013, 05:39 AM
بارك الله فيك

sudaboy12
17-11-2013, 12:03 PM
وما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم