المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأخلاق طريق السعادة


المراقب العام
08-09-2013, 02:05 PM
http://www.up-aa.com/upfiles/j0j70702.jpg

لقد افتقدنا كثيرًا من الأخلاق الحميدة، فأين الحب والوفاء؟! أين الصدق والإخاء مع الخدم والضعفاء؟! أين العدل مع العمال والفقراء؟! أين بر الوالدين؟! أين حقوق الأقارب والجيران؟! أين معاشرة الناس بالحفاوة والوفاء؟! أين صدق الحديث؟! أين أداء الأمانة؟! أين معاشرة الزوجة بالإكرام والاحترام؟! أين بشاشة الوجه؟! أين طيب الكلام؟! أين إفشاء السلام؟! وأين، وأين، وأين؟!

أيها المسلمون، إن الأخلاقَ في ديننا تكاليفُ مطلوبَة كسائر العباداتِ والمطلوباتِ الشرعيّة فمنها الفرض والسنّة، ومنها المذموم والمنهيّ عنه تحريمًا وكراهة.

والحديث عن الأخلاق -ياعباد الله- ليس ترفًا علميًا، وليس نافلة في درجات العمل، بل هو طريق إلى السعادة لمن حسّن خلقه، وطريق إلى الشقاوة لمن أساء تعامله.

أيها المسلمون، إن من أخطر ما يضر الأخلاق ويفسد السلوك ويدمّر الفضائل حب الدنيا، فهو رأس كل بليّة، من أجلها يغشّ التجار، ومن أجلها يخون الناس الأمانات، بسبب حبّ الدنيا تُنكث العهود، وتجحد الحقوق، بسببها تنسَى الواجبات، وتستباح المحرمات، من أجل حب الدنيا يكذب العباد ويزوّرون، ومن أجلها تداس القيم ويباع الدين والشرف والعرض.

إن للأخلاق -يا عباد الله- ميزانًا واحدًا لا يتغير بتغير الأزمان والأماكن أو الأشخاص، لا يتغير بتغير الأشخاص ومواقعهم ومناصبهم، فالأخلاق مع الأغنياء والفقراء والضعفاء والكبراء، وكذا مع الحشم ومع الخدم، في حالة الفرح وفي حالة الألم، كما هي مع الزوجة والولد، بحب وصدق وصفاء، على قدم سواء، بما يرضي ربّ الأرض والسماء. فليس مع الأغنياء التزلّف والمديح، ومع الفقراء الاحتقار والتوبيخ.

ولا تنعدم الأخلاق حتى مع الأشرار، فمن الناس من تحسن إليه، وتتخلق معه اتقاء شره، ولو اشتغلت بتأديب كلّ جهول أعيتك الحيل.، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: (بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة)، فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له: كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة، متى عهدتني فَحّاشًا؟! إن شر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شرّه) رواه البخاري. قال الله تعالى: ﴿ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾.

أيها المسلمون، إن ميزان الخلق لا يتغير مع اختلاف الزمان، فالخير يبقى خيرًا أبدًا، والشر يبقى شرًا أبدًا، والفضيلة تبقى فضيلة إلى يوم القيامة. فالسفور والتبرج مثلاً شر أبدًا، وهو دنس ورذيلة، ولا يتغير في زمن آخر على أنه تقدّم ورقيّ وفضيلة، وإلا اختلّ ميزان الأخلاق، وتعرضنا لسخط العليم الخلاّق. والوفاء بالوعود والانضباط بالمواعيد خير أبدًا، وسيبقى خيرًا إلى يوم القيامة مهما تغير الزمان.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ*وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ*وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾.

إنّ دروسَ التاريخ وعبَر الزمن لتبيِّن أنّ كلَّ أمّة نهضت وكلّ حضارة ازدَهرت كان ذلك كلُّه بإذن الله وأمره بفضل أبنائِها الذين ملكوا نفوسًا قويّة وعزائمَ مضّاءة وهِممًا عالية وأخلاقًا زاكية وسِيَرًا فاضلة، يحكم ذلك سياجٌ الدّين الحقّ والعقيدة الراسخة، ابتعدوا عن سفاسِف الأمور ومحقَّرات الأعمال ورذائلِ الأفعال، لم يقَعوا فريسةً للفساد أو أسرَى الملذّات والشّهوات والاشتغال بعيوب الآخرين.
وليس سعادة الأمّة وعزّة ديارها بكثرةِ أموالها ولا بجمَال مبانيها ولكن سعادتها وعزّتها برجالٍ تثقّفت عقولهم وحسُنت أخلاقهم وصحّت عقائدُهم واستقامت تربيّتهم واستنارت بصائرُهم، أولئك هم رجالُ الأخلاقِ والقوّة، وذلكم هو بإذن الله مصدرُ العزّة.

عباد الله: طوبى لمن شغَله عيبُه عن عيوبِ النّاس، وإيّاك أن تُسرَّ حين تمدَح بما ليس فيك، فهذا سخريةٌ منك وهُزء بك، وأنت أعرَف بنفسِك فلا تغترَّ بمَدح، ومن ابتُلي بالعجب فليفكِّر في عيوبه، وتعرَّف على أخلاقك بالنّظر في أحوالك في غضبِك وإذا خلوتَ وإذا احتجتَ وإذا استغنيتَ وإذا قدرتَ وإذا عجزتَ، واعلم أنّ النمامَ يفسِد في ساعة ما لا يفسِده الساحر في سنة، والحرّ عبدٌ ما طمِع، والعبدُ حرٌّ ما قنِع، ولا مروءةَ لمن لا دين له، وإهمالُ ساعة يفسِد رياضةَ سَنة، وإذا ذهَب حظّ النفس حضَر الإخلاص، وإذا انضمّ إلى الإخلاص الصوابُ كمُل النّصاب، والنفس غيرُ السّويّة تثير الفوضى في أحكمِ النُّظُم، والنّفس الكريمَة ترقع الفتوقَ في الأحوالِ المضطَربة، فتحِسن المسيرَ في أجواء الأعاصير، وإذا لم تصلُحِ النّفوس أظلمتِ الآفاق وبرزَت الفِتن.

ألا فاتّقوا الله رحمكم الله، واستقيموا على الدّين، واستمسِكوا بكريم الخلُق، فكمال العقول مقدّم على كمال الرّياضات والأجسام، فهل يتفكّر في ذلك المتفكّرون، وينظر في ذلك المربّون؟.

ثم صلّوا وسلّموا على صاحبِ الخلق العظيم نبيّكم محمّد الكريم، فقد أمركم بذلك الحكيم العليم فقال عزّ شأنه قولاً كريمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ....... ﴾.



الأخلاق طريق السعادة