المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إتق الله حيثما كنت


الشيخ محمد الزعبي
02-10-2009, 06:00 PM
‏14‏/10‏/1430/‏03‏/10‏/2009
إتق الله حيثما كنت
[ عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إتقِّ اللهَ حيثما كنتَ وأَتبعِ السيئةَ الحسنةَ تَـمحها وخالقِ الناسَ بِـخُلُقٍ حسنٍ ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن وفي بعض النسخ : حسن صحيح
مناقب أبي ذر كثيرة أسلم ورسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة وأمره أن يلحق بقومه فلما رأى حرصه على المقام معه بمكة وعلم أنه لا يقدر على ذلك قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها ] وهذا موافق لقوله تعالى { إن الحسنات يذهبن السيئات } وقوله [ وخالق الناس بخلق حسن ] معناه : عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به واعلم أن أثقل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ] وحُسْنُ الخُلُقِ من صفاتِ النبيين والمرسلين وخيارِ المؤمنين : لا يَـجزون بالسيئةِ السيئةَ بل يعفون ويصفحون ويُـحسنون مع الإساءة إليهم .


ويدخل في هذا المعنى حديث أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه سُئِلَ : ما أَكْثَرُ ما يُدخِلُ الناسَ الجنة ؟ قالَ : (( تقوى الله وحسنُ الخُلُقِ )) خرَّجه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه ، وابن حبان في " صحيحه ".فهذه الوصية وصيةٌ عظيمةٌ جامعة لحقوق الله وحقوق عباده ، فإنَّ حقَّ الله على عباده أنْ يتقوه حقَّ تقاته ، والتقوى وصيةُ الله للأوّلين والآخرين . قال تعالى : { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ } .وأصلُ التّقوى : أنْ يجعل العبدُ بينَه وبينَ ما يخافُه ويحذره وقايةً تقيه منه ، فتقوى العبد لربه أنْ يجعل بينه وبينَ ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقايةً تقيه من ذلك وهو فعلُ طاعته واجتنابُ معاصيه .
وتارة تُضافُ التقوى إلى اسم اللهِ - عز وجل - ، كقوله تعالى : { وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } ، وقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ، فإذا أضيفت التقوى إليه - سبحانه وتعالى -، فالمعنى : اتقوا سخطه وغضبه ، وهو أعظم ما يتقى ، وعن ذلك ينشأ عقابه الدنيوي والأخروي ، قال تعالى : { وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ } ، وقال تعالى : { هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } ، فهو سبحانه أهل أنْ يُخشى ويُهاب ويُجلَّ ويُعَظَّمَ في صدورِ عباده حتَّى يعبدوه ويُطيعوه ، لما يستحقُّه من الإجلالِ والإكرامِ ، وصفاتِ الكبرياءِ والعظمة وقوَّةِ البطش ، وشِدَّةِ البأس . وفي الترمذي عن أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية { هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } قال : (( قال الله تعالى : أنا أهل أنْ أُتَّقى، فمن اتَّقاني فلم يَجْعَل معي إلهاً آخر، فأنا أهْلٌ أنْ أغفِرَ له )). وتارةً تُضافُ التقوى إلى عقاب الله وإلى مكانه ، كالنار ، أو إلى زمانه ، كيوم القيامة ، كما قال تعالى : { وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ، وقال تعالى : { فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ، وقال تعالى : { وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ } ، وقال تعالى : { وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } ، { وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا }.ويدخل في التقوى الكاملة فعلُ الواجبات ، وتركُ المحرمات والشبهات ، وربما دَخَلَ فيها بعد ذلك فعلُ المندوبات ، وتركُ المكروهات ، وهي أعلى درجات التقوى، قال الله تعالى : { الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }. وقال تعالى : { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } .قال مُعاذُ بنُ جبل : يُنادى يوم القيامة : أين المتقون ؟ فيقومون في كَنَفٍ من الرحمان لا يحتجِبُ منهم ولا يستترُ ، قالوا له : مَنِ المتَّقون ؟ قال : قومٌ اتَّقوا الشِّركَ وعبادةَ الأوثان ، وأخلصوا للهِ بالعبادة.
وقال ابنُ عباس : المتَّقون الذين يَحْذَرون من الله عقوبتَه في ترك ما يعرفون من الهدى ، ويَرجون رحمَته في التصديق بما جاء به.وقال الحسن : المتقون اتَّقَوا ما حُرِّم عليهم ، وأدَّوا ما افْتُرِض عليهم.وقال عُمَر بن عبد العزيز : ليس تقوى الله بصيام النهار ، ولا بقيام الليل ، والتخليطِ فيما بَيْنَ ذلك ، ولكن تقوى اللهِ تركُ ما حرَّم الله ، وأداءُ ما افترضَ الله ،فمن رُزِقَ بعد ذلك خيراً ، فهو خيرٌ إلى خير. وقال طلقُ بنُ حبيب : التقوى أنْ تعملَ بطاعةِ الله ، على نورٍ من الله ، ترجو ثوابَ الله ، وأنْ تتركَ معصيةَ الله على نورٍ من الله تخافُ عقابَ الله.
وعن أبي الدرداء قال : تمامُ التقوى أنْ يتقي اللهَ العبدُ حتى يتقيه من مثقال
ذرَّةٍ ، حتى يتركَ بعضَ ما يرى أنَّه حلالٌ خشيةَ أنْ يكون حراماً يكون حجاباً بينه وبينَ الحرام ، فإنَّ الله قد بَيَّن للعباد الذي يُصيرهم إليه فقال : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } ، فلا تحقرن شيئاً من الخير أنْ تفعله ، ولا شيئاً من الشرِّ أنْ تتقيه .
وقال الحسنُ : ما زالت التقوى بالمتقين حتَّى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام .وقال الثوري : إنَّما سُمُّوا متقينَ ؛ لأنَّهم اتقوا ما لا يُتقى.
وقال موسى بنُ أَعْيَن : المتقون تنزَّهوا عن أشياء من الحلال مخافة أنْ يقعوا في الحرام ، فسماهم الله متقين .

وقد سبق حديثُ : (( لا يَبلغُ العبدُ أنْ يكونَ من المتقين حتَّى يدعَ ما لا بأس به حذراً مما به بأس )). وحديث : (( من اتَّقى الشُّبُهاتِ استبرأ لِدينه
وعِرْضِه)) .وقال ميمونُ بنُ مِهران : المُتَّقي أشدُّ محاسبةً لنفسه من الشريكِ الشحيحِ لِشريكه .وقال ابن مسعود في قوله تعالى : { اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } ، قال : أنْ يُطاع فلا يُعصى ، ويُذكر فلا ينسى ، وأن يُشكر فلا يُكفر . وخرَّجه الحاكم مرفوعاً والموقوف أصحّ، وشكرُه يدخلُ فيه جميعُ فعل الطاعات .ومعنى ذكره فلا ينسى : ذكر العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها ، ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها . وقد يغلِبُ استعمالُ التقوى على اجتناب المحرَّمات كما قال أبو هريرةَ وسئل عن التقوى، فقال : هل أخذتَ طريقاً ذا شوكٍ ؟ قالَ: نعم ، قالَ : فكيف صنعتَ ؟ قال : إذا رأيت الشوكَ عدلْتُ عنه ، أو جاوزته ، أو قصرت عنه ، قال : ذاك التقوى. وأخذ هذا المعنى ابنُ المعتز فقال :
خلِّ الذُّنوبَ صَغِيرَهاوكَبِيرَها فَهْوَ التُّقَى
واصْنَعْ كماشٍ فَوْقَ أَر---ْضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ ما يَرَى
لا تَحْقِرَنَّ صغيرةً ---إنَّ الجِبَالَ مِنَ الحَصَى *
وأصلُ التقوى : أنْ يعلم العبدُ ما يُتَّقى ثم يتقي ، قال عونُ بنُ عبد الله : تمامُ التقوى أنْ تبتغي علمَ ما لم يُعلم منها إلى ما عُلِمَ منها .
كان بعضُ السَّلف يقولُ لأصحابه : زهَّدنا الله وإيَّاكم في الحرام زهد مَنْ قَدَرَ عليه في الخلوة ، فَعَلِم أنَّ الله يراه ، فتركه من خشيته ،
.وقال الشافعي : أعزُّ الأشياء ثلاثة : الجودُ من قِلَّة ، والورعُ في خَلوة ، وكلمةُ الحقِّ عند من يُرجى ويُخاف .وكتب ابنُ السَّماك الواعظ إلى أخٍ له : أما بعدُ ، أُوصيكَ بتقوى الله الذي هو نَجِيُّكَ في سريرتك ورقيبُك في علانيتك ، فاجعلِ الله من بالك على كُلِّ حالك في ليلك ونـهارِكَ ، وخفِ اللهَ بقدرِ قُربِهِ منك ، وقُدرتِهِ عليك ، واعلم أنَّك بعينه ليس تَخرُجُ من سلطانه إلى سلطان غيره ولا من ملكه إلى مُلك غيره، فليعظم منه حَذَرُك، وليكثر منه وَجَلُكَ والسلام .
قال الحارثُ المحاسبي : المراقبةُ علمُ القلب بقرب الربِّ . وسُئِل الجنيدَ بما يُستعانُ على غضِّ البصر ، قال : بعلمك أنَّ نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما تنظره . وكان الإمامُ أحمد يُنشِدُ :
إذا ما خَلَوْتَ الدَّهرَ يوماً فلا تَقُلْ :خَلَوتُ ولكِنْ قُلْ : عَلَيَّ رَقِيبُ
ولا تَحْسَبَنَّ الله يَغْفُلُ سَاعةً ولا أنَّ ما يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ
وكان ابنُ السَّماك ينشد :
يا مُدمِنَ الذَّنْبِ أما تَستَحِي غَرَّكَ مِنْ رَبِّكَ إمْهَالُهُ
واللهُ في الخَلْوَةِ ثَانِيكَا وستْرُهُ طولَ مَساوِيكَا
والمقصود : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لما وصَّى معاذاً بتقوى الله سِرَّاً وعلانيةً ، أرشده إلى ما يُعينه على ذلك وهو أنْ يستحييَ من الله كما يستحيي من رجلٍ ذي هيبةٍ من قومه . ومعنى ذلك : أنْ يستشعِرَ دائماً بقلبه قُرْبَ الله منه واطلاعَهُ عليه فيستحيي من نَظَرِهِ إليهِ .
وقد امتثل معاذٌ ما وصَّاه به النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وكان عمر قد بعثه على عَمَلٍ ، فقدم وليس معه شيء، فعاتبته امرأتُه ، فقال : كان معي ضاغط ، يعني : من يُضيق عليَّ ، ويمنعني من أخذ شيءٍ ، وإنَّما أراد معاذ ربَّه - عز وجل - ، فظنت امرأتُه أنَّ عُمَر بعث معه رقيباً ، فقامت تشكوه إلى النَّاس .ومن صار له هذا المقام حالاً دائماً أو غالباً ، فهو من المحسنين الذين يعبدون الله كأنَّهم يرونه ، ومن المحسنين الذين يجتنبون كبائرَ الإثم والفواحِشَ إلا اللممَ .
ومِنْ أعجب ما رُوي في هذا ما رُوي عن أبي جعفر السائح قال : كان حبيبٌ أبو محمد تاجراً يَكْرِي الدراهمَ ، فمرَّ ذات يوم ، فإذا هو بصبيان يلعبون ، فقال بعضهم لبعض : قد جاء آكِلُ الربا ، فَنَكَّسَ رأسَهُ ، وقال : يا ربِّ ، أفشيت سرِّي إلى الصبيان ، فرجع فجمع ماله كُلَّه ، وقال : يا ربِّ إنِّي أسيرٌ ، وإني قد اشتريتُ نفسي منك بـهذا المال فاعتقني ، فلما أصبح ، تصدَّق بالمال كلِّهِ وأخذ في العبادة ، ثم مرَّ ذاتَ يومٍ بأولئك الصبيان ، فلما رأوه قال بعضُهم لِبَعْضٍ: اسكتوا فقدجاء حبيبٌ العابد ، فبكى وقال : يا ربّ أنتَ تذمُّ مرَّةً وتَحْمَدُ مرَّةً ، وكلُّهُ من عندك .

هاني درغام
07-10-2009, 03:45 PM
جزاكم الله خيرا كثيرا ورزقنا وإياكم تقواه وخشيته

ياسر ابوزيد
07-10-2009, 04:05 PM
بارك الله فيكم

عاسف المهرة
29-03-2010, 09:02 AM
جزاك الله خيرا