المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خاطرة حول الفتوحات الاسلامية


محب الصالحين
08-11-2013, 06:37 AM
خاطرة حول الفتوحات الاسلامية :
8-11-2013







- كانت نشأة الدولة الاسلامية فى المدينة المنورة ولم تمض أكثر من عشر سنوات حتى كانت الجزيرة العربية تدين بالاسلام وتخضع لسلطة الدولة الاسلامية فى المدينة وذلك بعد 29 غزوة قادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه منها 20 غزوة لم يحدث فيها قتال بينما دار القتال فى 9 غزوات فقط ... وكان مجموع القتلى من الجانبين فى تلك الغزوات التسع هو 1012 فقط ...

- توسعت الدولة الاسلامية خلال العصر الأموى والعباسى حتى وصلت الى الصين شرقا والى الأندلس غربا ... وانتشر العمران وتوالت الفتوحات العلمية فى مختلف المجالات وازدهر الاقتصاد والزراعة والصناعة فى فترة وجيزة بالمقارنة مع القرون التى سادت فيها حضارات أخرى ...

- الملحوظة الأساسية فى هذه الخاطرة هى أن تلك الحضارة العظيمة التى نقلت البشرية من ظلمات الجهل والتخلف الى أنوار المعرفة والتحضر وتوسعت بسرعة مذهلة حتى شملت حوالى نصف المعمورة فى ذلك الزمن القياسى لم تنقل تلك الحركة العمرانية الى المدينة المنورة مهد الدولة الاسلامية فظلت الحياة فيها على بساطتها بلا قصور مشيدة ولا حدائق غَنَّاء ولا صناعات مزدهرة ...

- لو أن المسلمون خرجوا من أجل الدنيا لكان من البديهى أن تتحول المدينة المنورة الى تحفة معمارية أو قلعة صناعية فتسخر لذلك كل الامكانات المادية والحرفية .. لكن الشئ الوحيد الذى ازدهر فى المدينة هو العلوم الاسلامية دون العلوم التطبيقية أو الفلسفية ... فهل كان السبب فى ذلك هو الزهد أم العجز عن اعمارها ؟

- قد يقول قائل ان الطبيعة البدوية التى غلبت على أهلها البسطاء لم تسمح لهم بالتوسع فى التشييد العمرانى أو الدراسات الفلسفية ... وهذا غير صحيح لأن الكثير من أهلها الذين خرجوا فى تلك الفتوحات وأبنائهم وأحفادهم كان بوسعهم نقل تلك العلوم والثقافات والمهارات الحديثة الى جزيرة العرب لكن الله عز وجل أراد للمدينة أن تبقى منارة للعلوم الشرعية وأن تنأى بنفسها عن المنافسة على المصالح والمغانم الدنيوية وبذلك تكون المدينة المنورة قد مهدت للحضارة المدنية وزهدت فيها لتحتفظ بمكانتها وهيبتها وقدسيتها ...

- هناك ملحوطة أخرى وهى أن أحكام الشريعة الاسلامية ظلت مهيمنة على كل من مجتمع المدينة البدوى البسيط والمجتمعات التى كانت منارة للحضارة والعلوم الدنيوية فى ذلك الزمان فلم يخرج متعالم جهول ليدعى أن أحكام الشريعة الاسلامية لا تناسب التقدم الحضارى الذى وصلت اليه بغداد أو قرطبة التى كانت تستقبل وفود الطلاب الجامعيين من مختلف أنحاء أوربا لتلقى العلم وتدرس اللغة العربية حتى تنقل تلك العلوم الى بلادها ...

- لقد كانت أحكام الشريعة الاسلامية تتسم بالثراء والمرونة والتوازن والواقعية التى استوعبت جميع المدن والحواضر التى دخلت فى الاسلام وتفاعلت مع الموروثات الثقافية لتلك الشعوب فلم تُلْغِهَا ولم تَذُبْ فيها وانما هذبتها واحتوتها لتصنع منها نسيجا حضاريا يناسب كل الثقافات ...

- وتميزت الفتوحات الاسلامية عن غيرها بالبعد الانسانى فلم تتعالى على أبناء البلاد التى فتحتها ولم توغر صدورهم أو تعمق جراحاتهم كما فعلت جيوش الفاتحين من الفرس أو الرومان الذين كانوا يستعبدون أهل البلاد التى فتحوها ويسرفون فى اساءة معاملتهم ... وبذلك نرى أن الفتوحات الاسلامية قد صنعت حضارة للانسانية وحافظت على موروثات الشعوب الثقافية وعلى الكرامة الانسانية ... ولولا ذلك ما دخل الناس فى دين الله أفواجا فى زمن قياسى جعل العلماء والمؤرخين المنصفين يحتارون ويختلفون فى تفسير أسباب ذلك الانتشار السريع فى زمن الخيول البغال والحمير ...