المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الداعية « السميط».. يحمل راية الإسلام لإفريقيا


نبيل القيسي
07-02-2014, 01:49 PM
في أدغال أفريقيا، وأهوال التنقل بين غاباتها المحفوفة بالمخاطر، وتعريض نفسه للموت، اختار الشيخ عبدالرحمن السميط أن يحمل راية الإسلام لأفريقيا بيد فيها رغيف ويد فيها مصباح وتعاليم الإسلام، تعرض خلالها لمحاولات قتل مرات عديدة من قبل المليشيات المسلحة لحضوره الطاغي في أوساط الفقراء والمحتاجين، بالإضافة الأمراض التي يمكن أن تصيبه من لسع البعوض في تلك القرى وشح الماء وانقطاع الكهرباء.
جبال كلمنجارو بأفريقيا كانت أصعب المحطات التي واجهته في سبيل الدعوة إلى الله وعرضت حياته لمحن السجون، ولكنه أبى إلا أن يعمل في مجال الدعوة، حتى بعد أن طعن في السن وثقلت حركته وأقدامه رغم إصابته بالسكر وبآلام في قدمه وظهره إلى أن توفي يوم الخميس 15 أغسطس 2013.
مولدة ونشأته
ولد الشيخ عبدالرحمن السميط، في 15 أكتوبر عام 1947 بالكويت، وبعد المرحلة الثانوية ابتعث في يوليو عام 1972 إلى جامعة بغداد للحصول على بكالوريوس الطب والجراحة ثم غادر بعدها إلى جامعة ليفربول في المملكة المتحدة للحصول على دبلوم أمراض المناطق الحارة في أبريل 1974 ثم سافر إلى كندا ليتخصص في مجال الجهاز الهضمي والأمراض الباطنية.
أسس “السميط” جمعية العون المباشر - لجنة مسلمي أفريقيا سابقاً – وتولى رئاسة مجلس إدارتها، كما تولى رئاسة مجلس البحوث والدراسات الإسلامية، وأسلم على يديه أكثر من 11 مليون شخص في إفريقيا بعد أن قضى أكثر من 29عاما ينشر الإسلام في القارة السمراء بما يقرب حوالي 972 مسلماً يومياً في المعدل.
بداية حبه للعمل الخيري
بدأ السميط من الصفر وكانت أمنيته أن يعمل بإفريقيا منذ أن كان بمرحلة الدراسة الثانوية، فقد كان يتمنى أن ينتهي من الطب، ثم يذهب إلى هناك وتحقق له هذا الحلم بسبب تبرع زوجة الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت السابق - والتي طلبت من السميط أن يبني لها مسجدا خارج الكويت، وفي بلد يحتاج ذلك، فبنى لها مسجد في جمهورية ملاوي في أفريقيا، وهناك رأى المبشرين الأوروبيين متمكنين بعملهم، وأقاموا عدّة كنائس للسكان، أما المساجد فإن وجد أحدها يكون غالبًا صغير الحجم مبني من القش يتعرض في بعض الأحيان لنهش الأبقار من شدة جوعها، والإمام لا يقرأ الفاتحة، والناس عراة، وهناك أناس لا تجد شيئا تأكله، الوجبة الرئيسية عندهم تسمى “السيما” وهى عبارة عن ذرة، واستمر “السميط” هو وزوجته في جمهورية ملاوي ثم رحلا إلى أربعين دولة في أفريقيا، وبنيا فيها المساجد والمراكز ودور الأيتام والمستوصفات.
كان سبب اهتمام “السميط” بإفريقيا هو دراسة ميدانية للجنة أكدت أن ملايين المسلمين في القارة السوداء لا يعرفون عن الإسلام إلا خرافات، وأساطير، لا أساس لها من الصحة، وبالتالي فغالبيتهم - خاصة أطفالهم في المدارس - عرضة للتنصير، وقد نتج عن ذلك أن عشرات الآلاف في تنزانيا، وملاوي، ومدغشقر، وجنوب السودان، وكينيا، والنيجر، وغيرها من الدول الأفريقية اعتنقوا المسيحية، بينما بقي آباؤهم وأمهاتهم على الإسلام.
مساعدة المحتاجين
في المرحلة الثانوية وحينما كان طالبا في الكويت كانت بداية رحلته مع العطف على الفقراء، فعندما كان يرى العمال الفقراء ينتظرون في الحر الشديد حتى تأتي المواصلات ما كان منه إلا أنه جمع هو وأصدقائه المال واشترى سيارة قديمة وكان كل يوم يوصل هؤلاء العمال مجاناً رحمة بهم.
وفي الجامعة كان يخصص الجزء الأكبر من مصروفه لشراء الكتيبات الإسلامية ليقوم بتوزيعها على المساجد، وعندما حصل على منحة دراسية قدرها 42 دينارًا كان لا يأكل إلا وجبة واحدة، وكان يستكثر على نفسه أن ينام على سرير، رغم أن ثمنه لا يتجاوز دينارين، معتبراً ذلك نوعا من الرفاهية، وأثناء دراساته العليا في الغرب كان يجمع من كل طالب مسلم دولارًا شهرياً، ثم يقوم بطباعة الكتيبات ويقوم بتوصيلها إلى جنوب شرق آسيا وأفريقيا وغير ذلك من أعمال البر والتقوى.
واستمرت معه عادته وحرصه على الوقوف إلى جانب المعوزين وأصحاب الحاجة، حينما شعر صاحبها بخطر المجاعة يهدد المسلمين في أفريقيا، وأدرك انتشار حملات “التبشير” التي تجتاح صفوف فقرائهم في أدغال القارة السوداء، وعلى إثر ذلك آثر أن يترك عمله الطبي طواعية، ليجسد مشروعاً خيرياً رائداً في مواجهة غول الفقر، واستقطب معه فريقاً من المتطوعين، الذين انخرطوا في تدشين هذا المشروع الإنساني، الذي تتمثل معالمه في مداواة المرضى، وتضميد جراح المنكوبين، ومواساة الفقراء والمحتاجين، والمسح على رأس اليتيم، وإطعام الجائعين، وإغاثة الملهوفين.
محطات في حياته
محاولات قتل عديدة تعرض الشيخ “السميط” في أفريقيا من قبل المليشيات المسلحة بسبب حضوره الطاغي في أوساط الفقراء والمحتاجين، كما حاصرته أفعى الكوبرا في موزمبيق وكينيا وملاوي أكثر من مرة لكنه نجا، بالإضافة إلى لسع البعوض في تلك القرى وشح الماء وانقطاع الكهرباء، وتسلق جبال كلمنجارو في سبيل الدعوة إلى الله، وتعرض في حياته لمحن السجون وكان أقساها أسره على يد البعثيين.
قضى ربع قرن في أفريقيا وكان يأتي للكويت فقط للزيارة أو العلاج كما مارس الدعوة في كل من الإسكيمو والعراق وكانت سلسلة رحلاته في أدغال أفريقيا وأهوال التنقل في غاباتها محفوفة بالمخاطر، وذلك بتعريض نفسه للخطر لأجل أن يحمل السلام والغوث لأفريقيا بيد فيها رغيف ويد فيها مصباح نور، وكتاب، وسلاحه المادي جسده المثخن بالضغط والسكر والجلطات، وأما سلاحه الإيماني الذي حسم دعوة الحق في سبيل الله والمستضعفين فكانت آيات استقرت في قلبه.
جوائز حصل عليها نتيجة عمل الخير
نال السميط عدداً من الأوسمة والجوائز والدروع والشهادات التقديرية مكافأة له على جهوده في الأعمال الخيرية ومن أرفع هذه الجوائز جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، والتي تبرع بمكافأتها - 750 ألف ريال سعودي - لتكون نواة للوقف التعليمي لأبناء أفريقيا، ومن عائد هذا الوقف تلقت أعداد كبيرة من أبناء أفريقيا تعليمها في الجامعات المختلفة.
أواخر أيامه
أصيب “السميط” بثلاث جلطات بالقلب مرتين وبالمخ مرة، إضافة إلى أنه مصاب بداء السكري وعاني منه فترة طويلة، واستخدم إبر الأنسولين خمس مرات في اليوم ولديه أدوية لابد من وضعها في الثلاجة، كما أصيب بالملاريا مرتين عندما كان في الكويت، ومصاب بجلطة في القلب عندما كان في الصومال، وأجريت له عملية في الرياض، وكسرت فخذه، وأضلاعه، والجمجمة، أثناء قيامه بأعمال إغاثة ومساعدة للمحتاجين في العراق، فضلاً عن آلام التي يعاني منها في قدمه وظهره، وتناوله لأكثر من عشرة أنواع من الأدوية يومياً ومع ذلك لم تثنيه تلك المعوقات عن السفر والترحال والبذل في عمله، ومشروعه الضخم في تقديم الهداية، ودين الإسلام، والعيش الكريم، ومشاريع التنمية لأناس نسيهم العالم خلف الأدغال.
إضافة إلى ذلك أصيب بالشلل وارتفاع في ضغط الدم وجلطات في الساق وتخشن في الركبة كان يمنعه من الصلاة دون كرسي وارتفاع في الكولسترول ونزيف في العين، وكان دائماً يقول ” من ينقذني من الحساب يوم يشكوني الناس في أفريقيا بأنني لم أسع إلى هدايتهم.
وفاته بعد معاناة مع المرض
بعد مُعاناة طويلة مع المرض، ومسيرة حافلة في مجال الدعوة الإسلاميَّة والأعمال الخيريَّة، توفي عبد الرحمن السميط يوم الخميس 8 شوال 1434 هـ الموافق 15 أغسطس 2013م، وتم تشييع جثمانه في الكويت ظهر الجمعة الموافق 16 أغسطس.رحمك الله