المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفاؤل في الأسوأ


المراقب العام
17-07-2014, 05:05 PM
http://islamstory.com/sites/default/files/styles/300px_node_fullcontent_img/public/14/07/29/shapetf.jpg

(1)


العالم الإسلامي قبيل هجمات التتار


لكي تهون عليك مصيبة المسلمين الآن تخيل معي كم كانت مصيبة المسلمين في ذلك الزمان ؟!!

لكي نقرب لك المسافة أكثر، تساءل: كم كانت مساحة المسلمين في ذلك الحين (القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي)، وكم كان يسكنها من البشر ؟!

ربما يصيبك العجب والانبهار إذا علمت أن حدود الدولة الإسلامية وقت هجمات المغول (http://islamstory.com/ar/%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86) تمتد من غرب الصين (http://islamstory.com/ar/%D9%82%D8%B5%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84% D8%A7%D9%85_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A% D9%86) عبر آسيا وأفريقيا إلى بلاد الأندلس (http://islamstory.com/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AF%D9%84%D8%B3/) جنوب وغرب أوروبا.

تخيَّل معي هذه الأعداد الهائلة وهذه الإمكانيات البشرية والمادية والعلمية، غير أنها ما أغنت عنهم شيئا أمام جحافل همجية أكلت الأخضر واليابس !!


فأما الخلافة العباسية (http://islamstory.com/ar/%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9) في بغداد (http://islamstory.com/ar/%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D8%AF%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AF-%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%87-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF) فوصلت إلى مرحلة من الضعف والهوان ما لا يخفى على ناظر، ولم يكن بوسع الخليفة المستعصم (640 ـ 656هـ 1242 ـ 1258م) آخر خلفاء بني العباس -وهو الرجل الضعيف الذي سيطر عليه رجال السوء- أن يفعل شيئاً ضد هذا الخطر الجارف. وأما الأيوبيون (http://islamstory.com/ar/%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A9) في مصر (http://www.islamstory.com/ar/%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D9%85%D8%B5%D8%B1) والشام (http://islamstory.com/ar/%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85) والحجاز واليمن (http://islamstory.com/es/node/5216) فقد تفككت أملاكهم بعد وفاة صلاح الدين (http://islamstory.com/ar/%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1-%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87)، وصار النزاع بين أبناء البيت الأيوبي على أشده، وكثيراً ما كان يحتدم النزاع بين حكام هذه البلاد فيستعين الواحد منهم على الآخر، بعدو ثالث، بل وصل الأمر إلى استعانة بعضهم بالصليبيين على أقاربهم من الأيوبيين، وعلى هذا فإن بلاد الشام أيضاً كانت في حالة من الانقسام والتباغض والشحناء أشد مما كانت عليه إيران، وخراسان (http://islamstory.com/ar/%D9%81%D8%AA%D8%AD_%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7% D9%86) والعراق (http://www.islamstory.com/%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%88%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%B3/).



shape1.jpg (http://islamstory.com/sites/default/files/14/07/29/shape1_0.jpg)

http://islamstory.com/sites/default/files/styles/300px_node_fullcontent_img/public/14/07/29/shape1_0.jpg





(2)


التتار .. جيوش تهلك الحرث والنسل !!

في الحقيقة ليس غرضنا في هذه السطور أن نستعرض تاريخ الغزو التتري على بلاد المسلمين، بقدر ما نهدف إلى إبراز تلك الحالة النفسية التي كان عليها حكام المسلمين ومحكوميهم، تلك الحالة التي ربما تتشابه كثيرا إلى حد قريب مع حالتنا الآن، بل ربما –-يما أرى- هي الأبشع والأكثر سوءًا لقد كانت حالة مستفزة نفسيًا وسياسيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا !

ففي أوائل القرن السابع الهجري ظهرت دولة التتار (http://islamstory.com/ar/%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D8%B1) (في سنة 603 هـ تقريبًا)، وكان ظهورها الأول في "منغوليا" في شمال الصين، وكان أول زعمائها هو جنكيز خان (http://en.islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%BA%D9%8A%D8%A9-%D8%AC%D9%86%D9%83%D9%8A%D8%B2-%D8%AE%D8%A7%D9%86) (قاهر العالم، أو ملك ملوك العالم).


بدأ جنكيزخان في التوسع تدريجيًّا في المناطق المحيطة به، وسرعان ما اتسعت مملكته حتى بلغت حدودها من كوريا شرقًا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غربًا، ومن سهول سيبريا شمالًا إلى بحر الصين جنوبًا .. أي أنها كانت تضم من دول العالم حاليًا: (الصين ومنغوليا وفيتنام وكوريا وتايلاند وأجزاء من سيبيريا.. إلى جانب مملكة لاوس وميانمار ونيبال وبوتان)!!
هذا هو ملخص للقوى الموجودة على الساحة في أوائل القرن السابع الهجري، إذ كانت هناك ثلاث قوى رئيسية: قوة الأمة الإسلامية والصليبيين والتتار، ومن سنة الله تعالى أن الباطل -مهما تعددت صوره– لا بد أن يجتمع لحرب الحق .. ومن سنة الله تعالى كذلك أن الحرب بين الحق والباطل لا بد أن تستمر إلى يوم القيامة.


تخيل معي أخي الكريم .. انظر ماذا حدث !

أرسل الصليبيون وفدًا رفيع المستوى من أوربا إلى منغوليا (مسافة تزيد على اثني عشر ألف كيلو متر ذهابًا فقط!!) يحفزونهم على غزو بلاد المسلمين، وعلى إسقاط الخلافة العباسية (http://islamstory.com/ar/%D8%B3%D9%82%D9%88%D8%B7-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9)و اقتحام بغداد، وأنهم سيكونون لهم خير معين. لا تتعجب بعد ذلك عندما ترى ذلك التحالف العجيب بين أمريكا وروسيا والكيان الصهيوني وإيران ودول الكفر جميعا ضد المشروع الإسلامي سواء في مصر أو سوريا على الخصوص، فها نحن رأيناه في القديم !!
وهكذا بدأ التتار يأخذون جديًّا في إسقاط الخلافة العباسية !!
بدأت الهجمة التترية الأولى على الدولة الخوارزمية سنة 616هـ، والتقى الفريقان على مقربة من مدينة أترار، وذلك شرق نهر سيحون (وهو يعرف الآن بنهر سرداريا، ويقع في دولة كازاخستان المسلمة)، وقتل من الفريقين خلق كثير .. لقد استُشهد من المسلمين في هذه الموقعة عشرون ألفاً، وذلك بعد حصار دام خمسة أشهر !!


ماذا فعل التتار في بلدان العالم الإسلامي ؟ تعالوا نتتبع خطواتهم في البلاد المسلمة!! تعالوا لنتتبع حجم المأساة التي كان يعيشها المسلمون حكاما ومحكومين !!
لنرى !!

بدأت هجمات التتار الأولى على العالم الإسلامي منذ سنة 616هـ، وفيها أسقطوا أقاليم خوارزم جميعها (بخارى وسمرقند وبلاد ما وراء النهر (http://islamstory.com/ar/%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%AF-%D9%85%D8%A7-%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B1-%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%B7%D9%89)) وأقاليم خراسان (مرو ونيسابور وهراة) وأذربيجان (مراغة وقزوين) وأقاليم إيران (همذان وأردويل وتبريز).


وبعد أن تملك التتار إقليم خوارزم وخراسان بكاملهما، استحوذوا على إقليم أذربيجان المسلم ومملكتي أرمينية وجورجيا النصرانيتين. ثم توجهوا صوب أوروبا الشرقية، فاستولوا على روسيا بكاملها وأحرق مدينة موسكو، ومع أن مساحة روسيا (http://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%89-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7) سبعة عشر مليون كيلومتر مربع .. إلى جانب أعداد سكانها الهائلة وأحوالها المناخية القاسية إلا أن التتار احتلوها بالكامل في عامين فقط، وذلك في سنتي 635 و 636هـ!! ثم أسقطوا مملكة أوكرانيا وبولندا والمجر، وتقدموا في أوروبا حتى مدينة برلين، بعد أنزلوا بالسكان الفناء والهلاك وبالمدن الخراب والدمار وفي هذا الإقليم وحده، جمعوا أكياساً ملأوها بآذان ضحاياهم وقتلاهم فبلغ مجموعها 270000 أذن أخذوها معهم دليلاً على ما كانوا يفخرون به من بأس وسطوة.


ولم تأت سنة 639هـ حتى وصلت حدود دولة التتار في هذه السنةمن كوريا شرقًا إلى بولندا غربًا، ومن سيبيريا شمالًا إلى بحر الصين جنوبًا .. وهو اتساع رهيب في وقت محدود .. وأصبحت قوة التتار في ذلك الوقت هي القوة الأولى في العالم بلا منازع !!


سأسرد لكم بعض الأرقام المفزعة لتعرفوا حجم المأساة التي عاشتها الأمة حينًا من الدهر !!

مأساة بخارى

لقد جهَّز جنكيزخان جيشه واخترق كل إقليم كازاخستان الكبير، ووصل في تقدمه إلى مدينة بخارى (http://islamstory.com/ar/%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A9?q t-most_commentd_viewed_and_liked=0) المسلمة (في دولة أوزبكستان الآن)، وذلك في أواخر عام 616هـ/1219م، واستمر الهجوم على بخارى ثلاثة أيام، ودخل جنكيز خان المدينة ومر أمام مسجد هاشم دخله ممتطياً جواده، وأحضر الفقهاء الأجلاء ليسوسوا البغال، يقول ابن كثير (http://islamstory.com/ar/%D8%A7%D8%A8%D9%86_%D9%83%D8%AB%D9%8A%D8%B1_%D8%A7 %D9%84%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%B8_%D8%A7%D9%84%D9%85% D9%81%D8%B3%D8%B1): "فقتلوا من أهلها خلقاً لا يعلمهم إلا الله عز وجل وأسروا الذرية، والنساء، وفعلوا مع النساء الفواحش في حضرة أهلهن، فمن الناس من قاتل دون حريمه حتى قتل، ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذاب وكثر البكاء والضجيج بالبلد".
تصبَّر يا أخي ! لم تكن تلك آخر المآسي .. بل كانت بداية الطوفان وأول الإعصار .. نحن في مبتدأ القصة !!

مأساة سمرقند

لقد دخلت سنة 617هـ، وفيها اجتاح التتار سمرقند (http://islamstory.com/ar/%D8%BA%D8%B2%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%88%D9%84-%D8%B3%D9%85%D8%B1%D9%82%D9%86%D8%AF) (في أوزباكستان حاليًا) فخرج 70 ألفا من المسلمين لقتالهم، ودارت المعركة، ويا ويح قلبي !! يقول ابن الأثير: "وأخذهم السيف من كل جانب، فلم يسلم منهم أحد، قتلوا عن آخرهم شهداء، رضي الله عنهم، وكانوا سبعين ألفا على ما قيل".


مأساة خراسان ومرو

ثم توالت مذابح التتار الشنيعة في بلاد المسلمين، فقتلوا في خراسان سنة 617هـ جميع النساء والرجال والأطفال حتى قيل إن عدد من قتل من سكان هذه المدينة بلغ أكثر من سبعين ألفاً، وأما مدينة مرو (تقع الآن في دولة تركمنستان المسلمة) فدخلها التتار في المحرم سنة 618هـ وأصبحت أثراً بعد عين وهلك سكانها أجمعين الذين قدرهم ابن الأثير بسبعمائة ألف، وأما الجويني فقدر هذا العدد في كتابه تاريخ جهان كشاي فذكر أنه بلغ مليوناً وثلاثمائة ألف رجل، عدا الجثث التي كانت في أماكن خفية.


مأساة نيسابور وهراة

وأما نيسابور (شمال شرقي إيران) فلما دخلها التتار سنة 618هـ قتلوا كل من صادفهم من رجال ونساء وأطفال، ولم يتركوا حتى القطط والكلاب، وأما مدينة هراة (شمال غربي أفغانستان) فلم تسلم من التتار وقتلوا من أهلها نحو اثني عشر ألف مسلم.


مأساة أقاليم إيران

ثم بدأت جحافل التتار في غزو أقاليم إيران، فتم اجتياح همذان وأردويل وتبريز، وقتلوا في قزوين -حيث إقليم أذربيجان المسلم- أربعين ألف نفس. ثم دخل التتار بيلقان، يقول ابن الأثير (http://islamstory.com/ar/%D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE): "ووضعوا فيهم السيف، فلم يبقوا على صغير ولا كبير، ولا امرأة، حتى إنهم كانوا يشقون بطون الحبالى، ويقتلون الأجنة، وكانوا يفجرون بالمرأة ثم يقتلونها، وكان الإنسان منهم يدخل الدرب فيه الجماعة، فيقتلهم واحدا بعد واحد حتى يفرغ من الجميع لا يمد أحد منهم إليه يدا".
وهكذا دواليك من المذابح والمجازر الفظيعة في كل بلد مسلم، والغريب في حال المسلمين حكاما ومحكومين كما يقول ابن الأثير رحمه الله: "فما نرى في ملوك الإسلام من له رغبة في الجهاد، ولا في نصرة الدين، بل كل منهم مقبل على لهوه ولعبه وظلم رعيته، وهذا أخوف عندي من العدو، وقال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25]".


(3)


صور مخزية وواقع مرير


ونتيجة سوء التربية، وغياب الفهم الصحيح للإسلام، والتمسك بالدنيا إلى أقصى درجة، وعدم وضوح الرؤية عند الناس، فلا يعلمون العدو من الصديق، ونتيجة الحروب التترية السابقة، والتاريخ الأسود في كل مدينة وقرية مر عليها التتار .. نتيجة كل هذه العوامل فقد دبت الهزيمة النفسية الرهيبة في داخل قلوب المسلمين، فما استطاعوا أن يحملوا سيفًا، ولا أن يركبوا خيلًا، بل ذهب عن أذهانهم أصلًا التفكير في المقاومة .. وهذا ولا شك سهّل جدًا من مهمة التتار الذين وجدوا أبوابًا مفتوحة، ورقابًا جاهزة للقطع!!


وهذه صور يرويها لك مؤرخو الإسلام، صور مخزية تصور واقع مرير، ولن أجد أبلغ حديثًا من ابن الأثير في تصوير تلك الحالة، يقول: "ولقد حكي لي عنهم حكايات يكاد سامعها يكذب بها من الخوف الذي ألقى الله سبحانه وتعالى في قلوب الناس منهم".


تخيل معي هذه الحالة النفسية لمسلمي مدينة مراغة بأذربيجان المسلمة عندما دخلها التتار في الرابع صفر سنة 618هـ، ووضعوا السيف في أهلها، يذكر ابن الأثير مأساة الخنوع والذلة والمهانة وانعدام الرجولة، فيقول: "وبلغني أن امرأة من التتر دخلت دارا وقتلت جماعة من أهلها وهم يظنونها رجلا، فوضعت السلاح وإذا هي امرأة، فقتلها رجل أخذته أسيرا، وسمعت من بعض أهلها أن رجلا من التتر دخل دربا فيه مائة رجل، فما زال يقتلهم واحدا واحدا حتى أفناهم، ولم يمد أحد يده إليه بسوء، ووضعت الذلة على الناس فلا يدفعون عن نفوسهم قليلا ولا كثيرا، نعوذ بالله من الخذلان".


لا تعقيب !!!

ويروي ابن الأثير بعض الصور التي استمع إليها بأذنه من بعض الذين كُتبت لهم نجاة أثناء حملات التتار على المدن الإسلامية خاصة في ديار بكر والجزيرة الفراتية بالعراق، وكان قريبا منها لأنها من أهل الموصل، فيقول: - إن الرجل الواحد منهم كان يدخل القرية أو الدرب وبه جمع كثير من الناس، فلا يزال يقتلهم واحدا بعد واحد، لا يتجاسر أحد أن يمد يده إلى ذلك الفارس بهجوم أو بدفاع!!. - ولقد بلغني أن إنسانا منهم أخذ رجلا، ولم يكن مع التتري ما يقتله به، فقال له: ضع رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه على الأرض، ومضى التتري فأحضر سيفا وقتله به. ويحكي رجل من المسلمين لابن الأثير فيقول: كنت أنا ومعي سبعة عشر رجلًا في طريق، فجاءنا فارس واحد من التتر، وأمرنا أن يقيد بعضنا بعضًا، فشرع أصحابي يفعلون ما أمرهم، فقلت لهم: هذا واحد فلم لا نقتله ونهرب؟!! فقالوا: نخاف، فقلت: هذا يريد قتلكم الساعة فنحن نقتله، فلعل الله يخلصنا، فوالله ما جسر أحد أن يفعل ذلك، فأخذت سكينًا وقتلته، وهربنا فنجونا، وأمثال هذا كثير !! - ويذكر ابن كثير فيقول: "كان كل مسلم قبل أن يُقتل يستحلف التتري بالله ألا يقتله .. يقول له: "لا بالله لا تقتلني"، فمن كثرة ما سمعها التتار، أخذوا يتغنون بكلمة "لا بالله".. يقول رجل من المسلمين اختبأ في دار مهجورة ولم يظفر به التتار: إني كنت أرى التتر من نافذة البيت بعد أن يقتلوا الرجال ويسبوا النساء، يركبون على خيولهم وهم يلعبون ويضحكون يغنون قائلين: "لا بالله .. لا بالله، وهذه طامة عظمى وداهية كبرى فإنا لله وإنا إليه راجعون".








shape2.jpg (http://islamstory.com/sites/default/files/14/07/29/shape2.jpg)

http://islamstory.com/sites/default/files/styles/300px_node_fullcontent_img/public/14/07/29/shape2.jpg




(4)


سقوط بغداد .. الفجيعة الكبرى

هذه المآسـي الموجعة وهذه الأحداث المزلزلة لم تكن نهاية المطاف لمصائب التتار في بلاد المسلمين؛ فقد أعقبتها الكارثـة الكبرى والفتنة العظمى بوصول التتار إلى بغداد وسقوطها في أيديهم وقتل الخليفة العباسي المستعصم بالله.


ويحيط بنا الأسى ويكاد الألم يقطع قلبي وأنا أذكر لك أحداث هذه الفترة بآلامها وكوارثها وآثارها ونتائجها. وسأترك لك أخي الكريم لتقرأ كلام ابن الأثير رحمه الله، لتتخيل حجم المأساة التي عاشتها الأمة في تلك المحنة، يقول: "لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها، كارها لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلا وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسيا منسيا، إلا أنني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعا، فنقول: هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقت الأيام والليالي عن مثلها، عمت الخلائق، وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم، إلى الآن، لم يبتلوا بمثلها، لكان صادقا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها".


نسوا الله فنسيهم


وفي يوم الثلاثاء 22 من المحرم 656هـ/1258م أحكم الحصار حول مدينة بغداد، وبدأ القصف التتري في الأول من صفر سنة 656هـ، واستمر أربعة أيام متصلة.. ولم تكن هناك مقاومة تذكر !!
ولما رأى الخليفة حرج موقفه، خرج بوفد تعداده سبعمائة من أكابر بغداد، وكان فيه بالطبع وزيره الرافضي مؤيد الدين ابن العلقمي، وهنا كانت الفاجعة، لقد قُتل الوفد بكامله، وقُتل ولديِّ الخليفة أمام عينيه، وقُيِّد الخليفة وسيق إلى بغداد يرسف في أغلاله، فأمر هولاكو أن يداس بأرجل الخيل، ففعل به ذلك حتى مات. وكان ذلك في يوم 14 صفر سنة 656هـ. ثم
أمر هولاكو جنوده باستباحة بغداد، واستمر القتل في المدينة أربعين يوماً كاملة منذ سقوطها، وتخيلوا كم قتل في بغداد من المسلمين؟!

لقد قتل هناك ألف ألف مسلم (مليون مسلم ..!!) ما بين رجال ونساء وأطفال!!! .. وتخيل أمة فقدت من أهلها مليوناً في غضون أربعين يوماً فقط!!! لقد وصل هولاكو في تحالفاته إلى كبير الوزراء في الخلافة العباسية مؤيد الدين ابن العلقمي الشيعي وكان رجلاً فاسدًا خبيثًا رافضيًّا، وقد قام الوزير الفاسد بدوره على أكمل ما يكون، وكان له أثر بارز على قرارات الخليفة، وعلى الأحداث التي مرت بالمنطقة في تلك الأوقات.


ثم كانت الطامة الكبرى حرق مكتبة بغداد (http://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%88%D9%84-%D9%88%D8%AD%D8%B1%D9%82-%D9%85%D9%83%D8%AA%D8%A8%D8%A9-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF)، فقد حمل التتار الكتب الثمينة، ملايين الكتب القيمة، وألقوا بها جميعاً في نهر دجلة، وألقى المغول بمجهود القرون الماضية في نهر دجلة، وتحول لون المياه إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب حتى قيل الفارس المغولي كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى ضفة أخرى.


(5)


تلك كانت مراحل المأساة الكبرى التي مرت بالأمة خلال محنة التتار، وهي مأساة بلا شك تظهر فيها حالة الأمة الخواء أخلاقيًا وسياسيًا واجتماعيًا وعسكريًا، وهي حالة لا تختلف كثيرًا عما نحن فيه، وإن كانت هي الأسوأ، غير أن الأمة خرجت منها منتصرة مظفرة، فمن رحم تلك الأزمة الكبرى كان ظهور المماليك، ومن بينهم كان المظفر سيف الدين قطز (http://islamstory.com/ar/%D9%82%D8%B7%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B8%D9%81%D8%B1)، وركن الدين بيبرس (http://islamstory.com/ar/%D8%A8%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D9%83%D9%85-%D8%AD%D9%8A%D9%86-%D9%8A%D8%B9%D8%B4%D9%82%D9%87-%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%87)، وكان حامل لواء الجهاد وإيقاظ ضمير الأمة في تلك الفترة سلطان العلماء العز بن عبد السلام (http://islamstory.com/ar/%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B9% D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B2_% D8%A8%D9%86_%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3% D9%84%D8%A7%D9%85)، الذي مدَّ قطز بالإعداد النفسي والمادي لجيوش المسلمين، حتى كانت وقعة عين جالوت (http://islamstory.com/ar/%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9_%D8%B9%D9%8A%D9%86_ %D8%AC%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AA) يوم الجمعة الخامس والعشرون من رمضان سنة 658هـ/ 1260م، والتي كُسر فيها التتار، ورد الله كيدهم في نحورهم وأعاد الله للأمة عزها.


لقد كانت محنة التتار صفحات دامية في تاريخ الأمة الإسلامية، دفعت فيها ثمن الابتعاد عن تطبيق شرع الله ، ولكنها من خلال تلك المحنة عرفت سبيل النصر، وسلكت سبيل الرُّشد مرَّة أخرى.




* الجزء الأول بعنوان:[تفاؤل في الأسوأ (1) العالم الإسلامي والحروب الصليبية].
- المصادر والمراجع:
ابن الأثير: الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان
الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م.
- ابن كثير: البداية والنهاية، الناشر: دار الفكر، عام النشر: 1407 هـ - 1986م.
- راغب السرجاني: مقالات قصة التتار - موقع قصة الإسلام.
- علي الصلابي: المغول (التتار) بين الانتشار والانكسار، الناشر: الأندلس الجديدة، مصر، الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009م.










موضوعات ذات صلة:
تفاؤل في الأسوأ (1) (http://islamstory.com/ar/%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%A4%D9%84-%D9%81%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D9%87)
ألا هل مشمر للجنة ؟! (http://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A7-%D9%87%D9%84-%D9%85%D8%B4%D9%85%D8%B1-%D9%84%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%87)
الدولة الإسلامية في العراق والشام .. داعش (http://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D 8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4)
ماذا يحدث في العراق ؟ (http://islamstory.com/ar/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%8A%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D9%81%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82)
دمشق .. بغداد .. القاهرة .. أما آن أن تعودوا (http://islamstory.com/ar/%D8%AF%D9%85%D8%B4%D9%82-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9)



تفاؤل في الأسوأ (http://islamstory.com/ar/%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%A4%D9%84-%D9%81%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D8%B1)

ultras
17-07-2014, 07:12 PM
شكرا علي الطرح الرائع
http://88lou.net/photo2.gif
العاب مزارع (http://88lou.net/farmgames)